Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يتواصل قادة "حزب الله" مع عناصره بعد تفجير "البيجر"؟

يرى مراقبون أن أتباع حسن نصرالله سيستخدمون عدة وسائل بصورة متزامنة لتعقيد أية محاولة اختراق

عناصر أمنيون يتفقدون سيارة انفجر داخلها جهاز "البيجر" (أ ب)

ملخص

يمتلك "حزب الله" اللبناني بنية تحتية خاصة به من شبكات الاتصالات السلكية، التي تعد أكثر أماناً من الشبكات العامة لأنها لا تعتمد على الإنترنت أو الهواتف المحمولة، وفق مراقبين.

سيذكر التاريخ نهار الـ17 من سبتمبر (أيلول) 2024، هذا النهار الذي استطاعت خلاله إسرائيل استهداف أكثر من 3 آلاف عنصر وقيادي من "حزب الله"، إضافة إلى سفير إيران لدى لبنان مجتبى أماني وبدقيقة واحدة، وذلك في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وكل المناطق اللبنانية التي ينتشر فيها عناصر الحزب من البقاع إلى الجنوب، وصولاً إلى داخل الأراضي السورية.

مشهد سوريالي وخيالي وأقرب إلى أفلام هوليوود للخيال العلمي، والخطر أن بهذا العمل تستطيع إسرائيل أن تميز تماماً في المستقبل جميع عناصر الحزب الذين أصيبوا بسبب التشوهات التي لحقت بهم.

وكان الإعلام القريب من "حزب الله" تحدث أن الإجراءات التي يتخذها عناصره تفرض على قسم كبير منهم عدم إدخال هذه الأجهزة إلى كثير من المواقع، بدليل أن مئات من هذه الأجهزة انفجرت في مكاتب ومنازل وسيارات.

وأعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن عدد الجرحى نتيجة هذه الانفجارات بلغ ما بين 2750 و2800 جريح إلى جانب تسعة قتلى، من بينهم طفلة تبلغ من العمر ثمانية أعوام، وأوضح أن الأرقام قد ترتفع لاحقاً، مشيراً إلى أن معظم الجروح خطرة وتتنوع بين جروح في الوجه واليد والبطن والعين، وأضاف أن أكثر من 100 مستشفى داخل لبنان في حال طوارئ وتقوم باستقبال المصابين.

إسرائيل تجتاح لبنان "بكبسة زر"

وبطبيعة الحال شهدت شاشات التلفزيون العربية والإقليمية والدولية عديداً من التحليلات والتوقعات، ولكن الأبرز كان ما قيل إن إسرائيل اجتاحت لبنان من دون أن تستعمل دبابة واحدة، وصحيح أن من أصيبوا هم من عناصر "حزب الله"، ولكن هؤلاء كانوا يمارسون حياة عادية يتجولون بين المدنيين أو يتسوقون في السوبر ماركت، أو مع عائلتهم.

مسؤولية من؟

تلك المعطيات ستطرح أسئلة وعلامات استفهام وستكون ساحة للنقاش وتبادل الاتهامات داخل أروقة الحزب وفي الساحة اللبنانية حول من يتحمل مسؤولية ما حصل. وأشارت التقارير الصحافية القريبة منه إلى أن "ثمة نقاش له بعده الخاص انطلق بقوة داخل جسم المقاومة، سواء لمعرفة حقيقة ما حصل أو لجهة التدقيق الأمني في مصدر الخرق الذي تسلل منه العدو لتنفيذ هذا العمل الضخم. وهي عملية تبدأ من كيفية وصول العدو إلى معلومات أمنت له الوصول إلى شحنة أجهزة الاتصال التي انفجرت أمس، مروراً بالخطوات التي اعتمدت لضمان وصولها إلى أيدي المقاومين وصولاً إلى طريقة التنفيذ وإحصاء الخسائر وانعكاسها على جبهة المقاومة". وكان أن أعلن إعلام الحزب أن أمينه العام حسن نصر الله سيتحدث غداً الخميس حول آخر التطورات.

 

 

ويلقي عديد من المراقبين اللوم على قيادة "حزب الله" إذ جُهد المجتمع الدولي عبر زيارات مكوكية لموفدين دوليين وعرب لإقناعه أن تهديدات إسرائيل بالحرب أو اجتياح لبنان جدية وخطرة، ولكن الحزب استخف بذلك مستبعداً تلك التهديدات ومعتمداً على أن الولايات المتحدة لم تعط القيادة العسكرية الإسرائيلية الضوء الأخضر، علماً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وخلال زيارته الخامسة إلى تل أبيب وذلك ومنذ اندلاع حرب غزة أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أبلغه أن "إسرائيل تقدر وتحترم دعم الولايات المتحدة، لكنها في النهاية ستفعل ما هو ضروري للحفاظ على أمنها"، وأنه "لن يكون ممكناً إعادة السكان النازحين من دون تغيير جذري في الوضع الأمني في الشمال".

ونقل موقع "أكسيوس" عن مصدر إسرائيلي أن إسرائيل خططت لتفجير أجهزة النداء كضربة افتتاحية لحرب واسعة، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادرها أن كمية صغيرة جداً من المواد المتفجرة زرعت في 5 آلاف جهاز "بيجر"، طلب "حزب الله" اللبناني توريدها لكوادره.

وأشار المصدر إلى أن كمية المتفجرات التي توزعت في كل جهاز "بيجر" على حدة بلغت ثلاثة غرامات فحسب. كما نفى مؤسس الشركة المصنعة لأجهزة البيجر "غولد أبولو" التايوانية هسو تشينج كوانغ مسؤولية الشركة عن تصنيع الأجهزة التي انفجرت في لبنان.

وقال مصدر أمني لبناني رفيع المستوى للوكالة إن جهاز التجسس الإسرائيلي "الموساد" هو من قام بزرع متفجرات داخل 5 آلاف جهاز "بيجر" استوردها "حزب الله" اللبناني قبل أشهر من تفجيرات يوم أمس الثلاثاء، وانفجر منها 3 آلاف فحسب، وهذا يعني أن جهاز "الموساد" وصل لأجهزة اتصال الحزب قبل تسليمها له. وأشارت وسائل إعلام عبرية إلى أن نوع المتفجرات التي أدخلت في أجهزة النداء اللاسلكية "البيجر" التي انفجرت في لبنان، هي مادة "PETN" شديدة الحساسية.

اختراقات بالجملة

وتعد هذه الحادثة أكبر خرق أمني تعرض له الحزب خلال الأعوام الأخيرة، علماً أن ما حصل قد يكون سابقة في تاريخ الحروب وعمليات التجسس والخروق الأمنية، وهذا ما سيزيد من احتمالية تصعيد جديد في الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل. وكان الحزب شهد خلال الأعوام الأخيرة عدة اختراقات أمنية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ومن بين هذه الاختراقات عمليات تجسس لمصلحة جهات دولية وإقليمية، إضافة إلى محاولات اختراق إلكتروني استهدفت أنظمة الحزب وبنيته التحتية.

 

 

واكتشفت عدة خلايا تجسس داخل صفوف الحزب تعمل لمصلحة أجهزة استخبارات أجنبية مثل الموساد الإسرائيلي والاستخبارات الأميركية، بعضها كان في مواقع حساسة مما شكل تهديداً كبيراً لأمن الحزب، كما تعرض لمحاولات قرصنة متعددة على أنظمته الإلكترونية سواء لاستهداف معلومات استخباراتية أو لتعطيل عملياته اللوجيستية والعسكرية. وهذا كان السبب وراء نجاح الاغتيالات والاستهدافات التي طاولت قادة الصف الأول وأبرزهم عماد مغنية عام 2008، وأخيراً وسام الطويل وفؤاد شكر وقيادات أخرى في سوريا ولبنان، والتي نسبت إلى اختراقات أمنية سهلت تنفيذ هذه العمليات.

وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية أعلنت خلال يوليو (تموز) الماضي عن إلقاء القبض على عناصر أجنبية تتجول في الضاحية الجنوبية، وتعمل على رصد أو تصوير مواقع ومناطق معينة، علماً أنها ليست الحادثة الأولى إذ قبل أشهر اعتقل أشخاص يحملون جوازات سفر دبلوماسية، وأطلق سراحهم بعد تدخل سفاراتهم وغالباً ما يعلن الحزب عن اكتشاف جواسيس داخل تنظيمه.

هذه الاختراقات دفعت "حزب الله" إلى تعزيز تدابيره الأمنية سواء عبر تطهير صفوفه من العناصر المشتبه فيها، أو تطوير قدراته السيبرانية والاستخباراتية. وأفادت مصادر لبنانية مطلعة أن الحزب كان بدأ باستخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل، بهدف تفادي محاولات الاغتيال التي طاولت عدداً من قيادييه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق نفسه، قال الجنرال في الاحتياط الإسرائيلي سليم وهبي خلال حديث إعلامي إنه بناء على اطلاعه على عمليات سابقة شبيهة بهذه الفكرة، فإن هذا النوع من العمليات الدقيقة يحتاج إلى إعداد وتحضير مدته أشهر، بحيث يدرس نوع أجهزة الاتصالات وطريقة عملها ومستخدميها والثغرات المتعلقة بها. وتابع وهبي أن الحزب يواجه صعوبة في التواصل بين عناصره وقادته في أعقاب الحدث، وأنه سيحتاج أسبوعاً أو أسبوعين لجلب أجهزة جديدة واستعادة التواصل الداخلي.

كيف يتواصل عناصر الحزب في ما بينهم؟

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن شركة "لوبك إنترناشيونال الأمنية" أن سبب انفجار أجهزة الاتصال "البيجر" هو على الأرجح برمجيات خبيثة.

ويقول مصدر مراقب ومطلع على تحركات "حزب الله" إنه يعتمد على مجموعة من التقنيات والوسائل للتواصل بين عناصره، ويحرص على أن تكون هذه الوسائل آمنة وغير قابلة للاختراق. وأبرز هذه التقنيات شبكات الاتصالات الخاصة به، إذ قام بتطوير شبكة اتصالات مستقلة عن شبكات وأجهزة الدولة اللبنانية وذلك وبحسب مصادره، أنه "بهدف حماية اتصالاته من المراقبة والتجسس".

أيضاً يعتمد "حزب الله" على أجهزة الاتصال المشفرة وبخاصة خلال الفترة الماضية، وتلك الأجهزة تحمي الاتصالات الصوتية والنصية من التجسس أو الاختراق، وهذا يتم عبر تقنيات تشفير متقدمة لضمان سرية المعلومات، وفق المتحدث.

ويضيف المصدر أن الحزب يعتمد في بعض الحالات على التواصل الأرضي التقليدي، بين مراكزه ومواقعه عبر الكابلات أو الأجهزة الأرضية غير المتصلة بالإنترنت، وفي بعض الأحيان قد يستخدم تقنيات الأقمار الاصطناعية للتواصل وبخاصة في حالات الحاجة للاتصالات لمسافات بعيدة، وقد يعتمد أحياناً على التطبيقات "الآمنة" عبر الرسائل المشفرة على تطبيقات "سيغنال" أو "تيليغرام"، ولكن بحذر شديد لضمان عدم تتبع البيانات أو التعرف على المستخدمين.

تعهد "حزب الله"

وفي أول رد له اعتبر "حزب الله" تلك العملية أكبر اختراق أمني له، متعهداً بأن العدو الغادر سينال بالتأكيد قصاصه العادل على العدوان الآثم، ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا يحتسب، محملاً إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان ومتوعداً بـ"القصاص العادل"، رداً على ما وصفه بـ"العدوان الآثم".

وتعهد الحزب بمواصلة عملياته العسكرية ضد إسرائيل دعماً لقطاع غزة، مؤكداً في بيانه أن دعمه لغزة منفصل عما سماه "الحساب العسير" الذي ينتظر إسرائيل على "مجزرتها" أمس، وأشار البيان إلى أن عدة أجهزة بيجر تابعة للعاملين في وحدات ومؤسسات مختلفة انفجرت.

ويشير المتخصص المصري في الاقتصاد العسكري العميد دكتور طارق العكاري إلى أن رد الحزب على هجمات الأجهزة اللاسلكية سيكون نوعاً ما أقوى من أي رد للحزب من قبل، وبرأيه "أن لجوء إسرائيل إلى استخدام التكنولوجيا دلالة على محدودية فعالية الاستراتيجية العسكرية التي تعتمد على القوة البشرية والقتال المتلاحم".

ولكن بعد تخطي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هذه الأساليب مجتمعة، وبعد الحوادث الأمنية التي تعرض لها الحزب وتفجير جهاز البيجر، ما الخطوات التي سيعتمدها وذلك بعد إدراكه خطورة الاعتماد على وسائل قديمة أو قابلة للاختراق، فما التدابير التي قد تعزز أمنه الاتصالي؟ والوسائل التي سيعتمدها أو قد يعتمدها الحزب في المستقبل؟

وفقاً لمصدر متابع قريب من الحزب أنه وبعد الحوادث الأمنية الخطرة قد يعمد الحزب على تطوير تقنيات تشفير أقوى وأكثر تعقيداً، وتعزيز أنظمة الاتصالات الخاصة به، بحيث تصبح أقل عرضة للتجسس أو الاختراق، ويشمل ذلك تحسين الخوارزميات التشفيرية المستخدمة في الأجهزة ورفع مستوى الحماية.

 

 

ومن الوسائل التي قد يعتمدها هي تخليه وبصورة تدريجية عن بعض الوسائل القديمة مثل "البيجر" بعد اكتشاف سهولة استهدافها، والانتقال إلى استخدام أجهزة اتصال أكثر حداثة وأماناً، وأيضاً زيادة الاعتماد على الاتصالات غير الإلكترونية، ونتيجة للخبرات السابقة سيعتمد على أساليب تواصل تقليدية مثل المراسلين الشخصيين لنقل الرسائل بين المراكز والقادة يدوياً، لضمان أعلى درجات السرية.

وعلى رغم أن الاجتماعات الشخصية المباشرة لتبادل المعلومات المهمة في الحالات الحساسة قد تكون صعبة ولكن من الممكن اعتمادها، وهذا سيقلل من احتمالية استهداف الرسائل عبر الوسائل الإلكترونية، وسيلجأ بطبيعة الحال إلى تحسين الشبكات الأرضية الخاصة به والتي يستعملها لضمان عدم ارتباطها بأية شبكات وطنية أو دولية، مما سيصعب عمليات الاختراق المستقبلية، والأهم من هذا ووفقاً للمصدر، أن على الحزب أن يكثف من تدريب أفراده على كيفية التعامل مع الاختراقات الأمنية، ورفع الوعي حول أمن المعلومات، وذلك للحد من الأضرار في حال وقوع اختراق مستقبلي.

ومع التنوع في وسائل الاتصال لن يعتمد الحزب على وسيلة واحدة بصورة كاملة، وقد تستخدم عدة وسائل بصورة متزامنة لتعقيد أية محاولة اختراق، علماً أن الحزب يمتلك بنية تحتية خاصة به من شبكات الاتصالات السلكية التي تعد أكثر أماناً من الشبكات العامة وفقاً لتصريحاته، لأنها لا تعتمد على الإنترنت أو شبكات الهواتف المحمولة.

يُذكر أن تقرير للحكومة اللبنانية خلال مايو (أيار) 2008 قال إن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب يمكنها أن تضم حتى 100 ألف خط، وتتيح لـ"حزب الله" ربطها بشبكة الهاتف العمومية، وقررت حينها ملاحقة المسؤولين عنها قضائياً، مشيرة إلى وجود دور إيراني على هذا الصعيد من خلال ما تقوم به هيئات إيرانية.

وفي المقابل أكد "حزب الله" في الوقت نفسه أن تلك الشبكة جزء من منظومة حمايته وربطها بسلاحه وبهدف التشويش على الأجهزة الإسرائيلية، كما أنها لعبت ووفقاً للحزب دوراً رئيساً في قتاله خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، وذكرت المعلومات الصحافية حينها أن الحزب بدأ بمد شبكة الاتصالات أوائل عام 1990، إذ ألزم الشركات المتعهدة أعمال البنى التحتية في البلديات المحسوبة عليه سياسياً، وبخاصة في الجنوب والبقاع وجنوب بيروت بتنفيذ أعمال الحفريات لمد الكابلات تحت الأرض، مقابل إعطائها التزامات أخرى على أن يتولى هو بنفسه مهمة مد كابلات الاتصالات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير