ملخص
يرى مراقبون أن عملية تفجير البيجر الذي يحمله عناصر "حزب الله" التي تعتبر ناجحة ونوعية، لم تعزز أمن إسرائيل ولن تساعد في عودة سكان الشمال لبيوتهم.
أدخلت إسرائيل حرب "طوفان الأقصى" في مرحلة جديدة أقرب إلى نشوب حرب إقليمية، بعد تنفيذ عمليتي تفجير أجهزة اتصال تابعة لعناصر "حزب الله".
وعلى رغم أن إسرائيل لم تتحمل مسؤولية العملية، إلا أن القيادتين السياسية والعسكرية كانتا عند تنفيذ عملية التفجير في ملجأ الاجتماعات في وزارة الدفاع في تل أبيب، الذي أعد خصيصاً للقيادة خلال الحرب للاطلاع على نتيجة الانفجار، وسرعان ما استدعت ضباطاً ومسؤولين من مختلف القيادات العسكرية لاجتماعات تشاورية حول سبل التعامل مع تداعيات العملية وسيناريوهات رد "حزب الله" عليها.
نقل الثقل
وبعد أقل من ساعتين من العملية اتخذ الجيش إجراءات سريعة لمباشرة تنفيذ نقل ثقله إلى الشمال، فيما الجبهة الداخلية بالتعاون مع أجهزة الأمن المختلفة باشرت الاستعداد ورفع الجاهزية لضمان حماية السكان ومواجهة سيناريو تعرض معظم البلدات لصواريخ ومسيرات من جهة لبنان.
ومنذ صباح أمس الأربعاء شهدت منطقة الشمال تحركات عسكرية غير مسبوقة على مدار نحو سنة من اندلاع الحرب، ونقلت فرقة "النخبة 98" في الجيش الإسرائيلي، وتضم لواءي الكوماندوس والمظليين من غزة إلى الحدود الشمالية، وعزز سلاحا الجو والبحر استعدادهما وجاهزيتهما، فيما واصل الجيش استدعاء الاحتياط الذي كان باشر بتنفيذه بعد إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت نقل ثقل الحرب إلى الشمال. كما نقلت معدات وآليات حربية من منطقة الجنوب إلى الشمال، مما يعكس التداعيات الخطرة التي حذر منها أمنيون وعسكريون، ودعوا متخذي القرار إلى عدم اتخاذ خطوة متهورة من شأنها توسيع الحرب في الجبهة الشمالية.
وبينما تفاخرت مصادر داخل الاستخبارات وأجهزة الأمن بنجاح العملية، إلا أن جهات أمنية أخرى اعتبرت أن الأهداف التي وضعها مخططو ومتخذو القرار وضعت بتنفيذها المنطقة على حافة انفجار حرب إقليمية خطرة.
قرار الدقيقة الـ90
وفي ظل خلافات في التقييم والرأي بين الإسرائيليين حول توقيت ومدى نطاق العملية، حرصت إسرائيل على الترويج لإطلاعها الولايات المتحدة حول تفاصيل العملية وتوقيتها، لمعرفتها بما قد ينتج من ذلك من تداعيات خطرة وواسعة. وتبين أن الكابينت الذي انعقد حتى الساعة الثانية بعد منتصف ليلة الإثنين وقرر إدراج هدف إعادة سكان الشمال لبيوتهم ضمن أهداف الحرب بحث العملية بعد عرض تقرير يشير إلى حصول إسرائيل على معلومات استخبارية تؤكد أن "حزب الله" على وشك الكشف عن خطة استهداف عناصره عبر تفجير الأجهزة مما استدعى، بعد نقاش طويل، اتخاذ قرار بتنفيذ العملية في الدقيقة 90 من اجتماع الكابينت.
وخططت إسرائيل للعملية منذ أشهر في محاولة لإضعاف "حزب الله" وتقويض ثقته وخلق شعور في صفوفه بأنه مخترق بالكامل.
ونقل موقع "واللا" الإخباري عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "أجهزة الاستخبارات خططت لاستخدام أجهزة الاتصال المفخخة التي زرعت بنجاح لدى مقاتلي الحزب كضربة استباقية مفاجئة في حرب شاملة، بهدف شل حركته بشكل موقت ومنح إسرائيل أفضلية كبيرة في الهجوم".
وعلى رغم أن التفجيرات عززت الردع الإسرائيلي، إلا أن مسؤولين إسرائيليين يعتبرون أنها لم تحدث تحولاً استراتيجياً ولن تحقق الهدف الذي أضافته إسرائيل إلى أهداف الحرب بضمان أمن سكان الشمال وإعادتهم لبيوتهم.
وبحسب تقرير إسرائيلي، فإن التقديرات بأن أجهزة الاتصال التي استهدفت في عمليتي الثلاثاء والأربعاء في لبنان، كانت تستخدم لتنسيق وتوقيت إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه إسرائيل، وكذلك لإعطاء إنذارات لمقاتلي "حزب الله" ضد ضربات سلاح الجو الإسرائيلي.
ومن شأن إحباط مثل هذا التنسيق وتنفيذ العمليات أن يعرقل مشاركة عناصر مدربة لدى "حزب الله" في أي قتال أو إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، ومن جهة أخرى يفترض أن تحد من إطلاق الصواريخ والمسيرات، التي تعرضت لها إسرائيل منذ بداية الحرب، وبذلك اعتبرت إسرائيل تفجير أجهزة الاتصال وتحييد آلاف من عناصر "حزب الله" عن القتال يشكلان ضربة استباقية، قال مسؤول أمني إن اختيارها جاء لأن إسرائيل قررت توسيع الحرب على الحزب بعد فشل الجهود الدبلوماسية وضمان إبعاد عناصره عن الحدود وإعادة سكان الشمال لبيوتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملية ناجحة ولكن...
من جهته اعتبر خبير الشؤون العسكرية افي يسسخروف أن "العملية التي تعتبر ناجحة ونوعية لم تعزز أمن إسرائيل ولن تساعد في عودة سكان الشمال لبيوتهم"، وبرأيه فإن المس بآلاف من ناشطي الحزب في آن معاً هو إعلان حرب، مشكوك أن يتمكن "حزب الله" من التجلد عليه، "والاحتمال الأكبر أن يتسع الوضع إلى حرب شاملة وهذا يعني أننا أمام وضع صعب بل صعب جداً". وأضاف "هذه ليست منظمة صغيرة على نمط ’حماس‘، بل جيش مع ترسانة من نحو 150 ألفاً من الصواريخ الدقيقة والمقذوفات الصاروخية مع وسائل قتالية متنوعة وفتاكة، كما أن حرباً واسعة ضد ’حزب الله‘ ستتسبب بكثير من المصابين في كل المناطق في إسرائيل، والقتال لن ينحصر بعد اليوم في الحدود الشمالية، وستكون لذلك تداعيات اقتصادية عظيمة، وأيضاً خسائر في الأرواح وفي القدرة على إدارة أجهزة تعليم وصحة على نحو سليم، والسؤال الذي يتعين على حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو أن تطرحه على نفسها وفي أقرب وقت ممكن هو حول هدف حرب كهذه ضد حزب الله، ما الأهداف التي يمكن تحقيقها؟ هل سيكون ممكناً إعادة الهدوء للحدود الشمالية وإبعاد نشطاء المنظمة الشيعية عن الحدود؟".
وأجمع أمنيون على أن العملية لن تساعد إسرائيل في أي تقدم لتحقيق إنجازات تسهم في وضع أفق لنهاية الحرب أو حتى تحقيق أهداف هذه العمليات، بينما أكد بعضهم أنها لن تدفع "حزب الله" لوقف "عملياته الهجومية ضد بلدات الشمال، بل تصعيدها، كما أن الحزب لا يعتزم الانسحاب تماماً إلى شمال نهر الليطاني. من هنا فإن بانتظارنا على ما يبدو أياماً وربما أسابيع من التصعيد يحتمل أن تجبر الجيش الإسرائيلي في نهاية الأمر على عملية برية، وهذا في وقت لا يزال الجيش فيه يعمل برياً في الجنوب ويعاني الإصابات بما في ذلك في اليوم الأخير".
وفي حين نفذت العملية الثانية من تفجير أجهزة الاتصال كانت صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومعظم بلدات الشمال، واعتبر الجيش أن لا علاقة لهذا الرد بالعمليتين، وأن الرد الأوسع سيصل بعد أيام، ويخشى بعضهم على عكس توقعات مخططي ومتخذي قرار تنفيذ عمليتي تفجير الأجهزة من أن تأخير الرد ليس "لأنه لا يريد، بل إن الاختراقات الاستخبارية التي فهم الحزب أنه يعانيها، يمكنها أن تدفعه لأن يرغب أولاً في فهم ما حصل، وكيف نجح الإسرائيليون في اختراق عمق صفوف الحزب، وعندها فقط سيعمل. ولا يزال واضحاً أن رد ’حزب الله‘ هو مسألة متى، وليس هل سيرد".