Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حسابات "حماس" و"أحلام" تغيير ميزان القوى

رجحت أن يلحق ذلك انتفاضات جماهيرية ضد إسرائيل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط

قامت "حماس" بغزو مفاجئ مخطط ومنظم للأراضي الإسرائيلية (أ ف ب)

ملخص

لم تخطر "حماس" حلفاءها الإقليميين بهجومها المفاجئ وافترضت مساندة "حزب الله" وتخفيف الضغط عنها، معتقدة أن الهجوم من شأنه تحقيق تغيير هائل في ميزان القوى في الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، فهل توقعت رد الفعل الإسرائيلي؟ وهل فعلا فاجأ هجوم الـ7 من أكتوبر إيران وقادة "حماس" في الخارج؟

يصادف السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 الذكرى الأولى لإطلاق حركة "حماس" العملية العسكرية (طوفان الأقصى) ضد إسرائيل. ولقي ما لا يقل عن 1200 إسرائيلي مصرعهم في الهجوم من المدنيين والجنود، وأسر 250 اقتادتهم الحركة إلى داخل القطاع. ثم شنت إسرائيل حملة على غزة وصلت حصيلة قتلاها إلى أكثر من 41 ألف شخص بما في ذلك عديد من الأطفال في محاولة لتدمير "حماس"، بينما تستمر بوتيرة أبطأ مما كانت عليه خلال الأشهر الأولى مما أدى إلى نزوح معظمهم، ومن بقي منهم معرضون لخطر المرض والجوع الشديد.

وفقاً لروايات مختلفة، استغرق التخطيط للعملية ما بين بضعة أشهر وعامين، كثفت خلالها "حماس" والفصائل الفلسطينية المساندة النشاط ضد الأهداف الإسرائيلية لتحقيق ما عرف بـ"وحدة الساحات" داخلياً، وكامل ساحات "محور المقاومة". وأطلقت "حماس" آلاف الصواريخ في هجوم بري وجوي وبحري، وتوغل مقاتلوها في عمق الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وهاجموا منشآت عسكرية واستولوا لفترة وجيزة على مستوطنات مختلفة.

فُسر تحرك "حماس" الذي فاجأ إسرائيل بأنه نتيجة لسياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي عززت من عنف المستوطنين داخل الضفة الغربية والقدس مما جعل الفلسطينيين يطالبون بضرورة الرد، وكذلك كرد فعل على الديناميات الإقليمية المتغيرة، إذ ظلت قيادة "حماس" تحاول قطع الطريق على اتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية. كما أن "حماس" اكتسبت مزيداً من الجرأة وعززت قوتها بعد أن تمكنت من إصلاح علاقاتها مع إيران، إذ أعادت الحركة النظر في الموقف السياسي الذي اتخذته في أعقاب ما عرف بـ"الربيع العربي" عام 2011، بمعارضة إيران وحليفها النظام السوري.

وعلى مدى عام من استمرار الحرب في غزة، ظلت "حماس" تقدم نفسها على أنها حكومة بديلة وجماعة تهتم بالمدنيين الفلسطينيين على عكس السلطة الفلسطينية. ولكن مع تعثر مسار المفاوضات متعددة الأطراف لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين وفي ضوء الخسائر التي منيت بها أطرافها، هل أخطأت حركة "حماس" في حساباتها؟ وما الذي دفعها إلى ارتكاب أخطاء في التقدير بشن الهجوم؟ وهل توقعت رد الفعل الإسرائيلي؟

تطورات الوضع

بعد عام من حرب لا تزال وتيرتها متصاعدة وسط حال من الترقب لاتساع نطاقها، وبخاصة مع توقعات الرد الإيراني على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" أن حصيلة الحرب بين إسرائيل و"حماس" ارتفعت إلى أكثر من 41 ألف قتيل ونحو 96 ألف جريح.

وأوردت منظمة العفو الدولية خلال الخامس من سبتمبر (أيلول) الجاري بياناً جاء فيه "دمر الجيش الإسرائيلي مستخدماً الجرافات والمتفجرات المزروعة يدوياً الأراضي الزراعية والمباني المدنية بصورة غير قانونية، وسوى أحياء كاملة بالأرض بكل ما فيها من منازل ومدارس ومساجد، في إطار توسيع ’المنطقة العازلة‘ على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة".

وقالت كبيرة مديري البحوث في المنظمة إريكا جيفارا روساس "ترقى حملة التدمير المستمرة بلا هوادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي في غزة إلى جريمة التدمير غير المبرر، إذ أظهرت أبحاثنا مسح القوات الإسرائيلية المباني السكنية من الوجود وإرغام آلاف العائلات على الرحيل من المنازل وجعل الأراضي غير صالحة للسكن".

وحسب روساس فإن "المنطقة العازلة" الموسعة على امتداد السياج الحدودي مع إسرائيل تبلغ مساحتها نحو 58 كيلومتراً مربعاً، أي ما يشكل قرابة 16 في المئة من مساحة قطاع غزة بأكمله. وحتى مايو (أيار) الماضي، بدا أكثر من 90 في المئة من مباني هذه المنطقة (أي ما يزيد على 3500 مبنى) مدمراً بالكامل أو لحقت به أضرار جسيمة، ولمس المزارعون تردياً في جودة وكثافة محاصيل أكثر من 20 كيلومتراً مربعاً أو 59 في المئة من الأراضي الزراعية في المنطقة بسبب الصراع المستمر.

تعزيز النفوذ

منذ تأسيسها عام 1987 عشية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ظلت حركة "حماس" ملتزمة النضال المسلح وتدمير إسرائيل بناء على أيديولوجيا جماعة "الإخوان المسلمين". وفي ذروة عملية السلام خلال تسعينيات القرن الماضي أصبحت "حماس" رأس حربة النضال المسلح ضد إسرائيل بواسطة جناحها المسلح "كتائب عز الدين القسام"، التي يقودها محمد ضيف العدو اللدود لإسرائيل والذي حاولت اغتياله في مناسبات عدة، ونجحت في ذلك أخيراً خلال يوليو (تموز) الماضي. ومع تحول "منظمة التحرير" الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات نحو عملية السلام واعتراف القيادة الفلسطينية بإسرائيل وتجنب الكفاح المسلح سعياً إلى قيام دولة في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967، شنت "حماس" عشرات التفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات التي قتلت مئات المدنيين الإسرائيليين. واشتد العنف مع انهيار محادثات السلام والانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.

وبعد استيلائها على قطاع غزة الذي يبلغ طوله 41 كيلومتراً وعرضه 10 كيلومترات ويقع بين إسرائيل ومصر والبحر المتوسط، فرضت إسرائيل التي سحبت قواتها ومستوطنيها من غزة عام 2005 حصاراً صارماً على القطاع وسكانه البالغ عددهم الآن نحو 2.4 مليون نسمة، كواحد من أعلى الكثافات السكانية في العالم. ومع تراجع العنف عام 2005 سحبت إسرائيل جنودها من جانب واحد ونحو 8 آلاف مستوطن يهودي من غزة، مع الحفاظ على سيطرة محكمة على الوصول إلى الجيب من طريق البر والجو والبحر، فادعت "حماس" الانسحاب باعتباره تبريراً لنهجها. وبعد أن فازت "حماس" في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 مُنعت من ممارسة السلطة الحقيقية، ولكنها دخلت في صراع داخلي مع السلطة الفلسطينية وطردت الموالين للرئيس الفلسطيني محمود عباس من قطاع غزة عام 2007 لتتولى السلطة بلا منازع على المنطقة من السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً. واستفادت "حماس" من تطوير شبكة الرعاية الاجتماعية لاستقطاب الفلسطينيين وتعزيز نفوذها وشعبيتها وسطهم على حساب السلطة الفلسطينية.

عمليات متبادلة

 وعلى مدى 17 عاماً، شنت القوات الإسرائيلية أربع عمليات كبيرة على قطاع غزة واستهدفت حركة "حماس" ومنها "عملية الرصاص المصبوب" التي استمرت منذ الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) 2008 لمدة 23 يوماً، وأطلقت عليها "حماس" اسم "معركة الفرقان" وأدت إلى مقتل أكثر من 1500 قتيل وتدمير كامل للبنية التحتية. وفي عام 2012 شنت إسرائيل عملية "عمود السحاب" التي أطلقت عليها "حماس" اسم "حجارة من سجيل" وأدت إلى مقتل نحو 174 وإصابة المئات. أما عملية "الجرف الصامد" فقد وقعت عام 2014 وأسمتها كتائب "عز الدين القسام" بمعركة "العصف المأكول" وأطلقت عليها "حركة الجهاد الإسلامي" عملية "البنيان المرصوص"، وأدت إلى مقتل أكثر من 2000 شخص نحو 81 في المئة منهم من المدنيين، إضافة إلى الأعمال العدائية المتبادلة خلال عام 2021 وأدت إلى مقتل عدة مئات وعديد من المعارك والمناوشات.

 كل ذلك نتج منه تدمير قطاع غزة إضافة إلى فرض إسرائيل قيوداً اقتصادية خانقة. فبحسب الأمم المتحدة، يعتمد نحو 80 في المئة من سكان غزة على المساعدات الدولية بما فيها الغذائية اليومية. وأدى العنف المتبادل إلى التوسع الإسرائيلي المستمر في المستوطنات التي أصبحت موطناً لأكثر من نصف مليون إسرائيلي. والآن يتحمل المدنيون في غزة كارثة إنسانية متفاقمة إثر انهيار القانون والنظام في مختلف أنحاء المنطقة مع ضعف سيطرة "حماس" المدنية على شمال غزة ومساحات كبيرة من جنوبها، بعد أن كانت الحركة نفسها اكتسبت أهمية في المنطقة بإدارة حكم مؤسسة بأجهزتها المختلفة من قوة شرطة ووزارات ومحطات حدودية، ثم تحولت إلى قوة مزودة بالصواريخ. ولم تشهد المنطقة محادثات سلام جادة منذ أكثر من عقد من الزمان، وأصبحت السلطة الفلسطينية مجرد حكومة إدارية.

"مفاجأة استراتيجية"

وصف الكاتب في شبكة التحليل الاستراتيجي (أن أس أي) الكندي أنطونين بلانشارد عملية السابع من أكتوبر بأنها "مفاجأة استراتيجية" من كونها ناجحة لطرف، بينما للطرف الآخر هي فشل في تنظيم الدفاع. وقال "في ما يتعلق بتوقع الأحداث أظهرت الأجهزة الإسرائيلية عدم فهم إن لم يكن إهمالاً معيناً لخطط ’حماس‘. فقد كشف عن أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم بخطة الهجوم قبل عام. ومع ذلك فإن أفراد الأمن لم يقدروا أن يكون الهجوم واسع النطاق".

وأضاف بلانشارد "على رغم عديد من الأدلة مثل التدريبات العسكرية التي تعيد إنشاء مناطق من الأراضي الإسرائيلية ومقاطع الفيديو الدعائية التي تظهر تدريب قوات ’حماس‘ فإن التسلسل الهرمي الأمني الإسرائيلي فشل في الانتباه، بل إن عديداً من الخبراء الذين فحصوا هذه الخطط توصلوا إلى أن مثل هذا العمل يبدو غير قابل للتنفيذ من جانب قوة مسلحة مثل ’حماس‘".

وتابع "لقد تم التقليل من شأن قدرات حماس اللوجيستية والعسكرية، وتم تجاهل قدرتها على تنفيذ هجوم بهذا الحجم بالكامل. ويمكن ملاحظة أن إسرائيل، في استراتيجيتها للمراقبة، تركت لـ‘حماس‘ قدراً كبيراً من مجال المناورة. فعلى مدى أعوام، كانت أجهزة الاستخبارات تهمل بصورة متزايد الاستخبارات البشرية والمفتوحة المصدر، لمصلحة الاستخبارات الرقمية. واستغلت ’حماس‘ هذا للتسلل تحت الرادار الإسرائيلي من خلال قطع جميع الاتصالات الرقمية، بحيث تكشف فقط عن الحد الأدنى من المعلومات".

وأرجع الكاتب في شبكة التحليل الاستراتيجي تجاهل القوات الإسرائيلية للإشارات المباشرة مثل التحركات الحدودية المشبوهة أو النشاط الجوي غير الطبيعي والتحذيرات التي أصدرها أفراد الحدود في الأسبوع الذي سبق الهجوم، إلى تضليل الثقة المفرطة. وأوضح "تعود آخر الإنذارات التي أصدرتها الأجهزة الأمنية إلى بضع ساعات فقط قبل الهجوم، ومع ذلك تم تأجيل الاجتماعات إلى صباح اليوم التالي على رغم أن العملية بدأت في الساعة السادسة صباحاً. وإضافة إلى الإنذارات الداخلية صدرت إنذارات دولية من مصر والولايات المتحدة أعلنتا فيها عن قرب وقوع عملية كبرى، من دون أن تتمكنا من تحديد توقيتها".

هوس الأمن المطلق

 قال خبير الأمن القومي الإسرائيلي والتخطيط الاستراتيجي العقيد متقاعد شاي شبتاي "في السابع من أكتوبر انهارت العقيدة الأمنية الحالية لإسرائيل بعد أكثر من 20 عاماً. وبادرت ’حماس‘ إلى غزو مفاجئ مخطط ومنظم للأراضي الإسرائيلية واخترقت خط الحدود، وتغلبت على الدفاعات الضعيفة نسبياً التي وقفت أمامها. وكانت النتيجة أكثر من ألف قتيل - من المدنيين وأفراد الأمن - وأكثر من 100 أسير تم نقلهم إلى غزة". وأضاف "في هذه العملية، قوضت ’حماس‘ المفاهيم الأساس لعقيدة الأمن الإسرائيلية كما تم تأسيسها على مدى العقود الماضية، وانهارت ثلاثة مفاهيم هي الإنذار المبكر والدفاع والردع".

وأورد شبتاي "لقد أدى انتشار فكرة ’الحرب ما بعد البطولية‘ في الفكر الأمني الإسرائيلي إلى خلق مبدأ غير مكتوب ’قريب من الصفر من الضحايا‘ وخلق مفهوم ’الأمن المطلق‘. وأصبحت أجهزة الأمن الإسرائيلية مهتمة بصورة مهووسة بمنع وقوع أية ضحايا، وعزز الخطاب العام معيار ’التحقيق الشامل في كل ضحية‘".

وتابع "كل هذا ضيق التفكير الأمني إلى التركيز الوثيق على التدابير المضادة المحلية والتكتيكية وجعل من الصعب رؤية الصورة الكبيرة".

 ويرى شبتاي أن "حماس" باختيارها شن هذا الهجوم الشامل ارتكبت خطأً فادحاً في تقييم وضعها الاستراتيجي. وقال "كان ينبغي لها أن تتوقع أن إسرائيل ستستجيب بصورة مختلفة لهجوم على هذا النطاق، لو لا سوء التقدير". وتساءل "هل تصوروا أن إسرائيل في أضعف نقطة لديها بسبب نزاع سياسي مثير للجدل أجري بطريقة غير مسؤولة من قبل الجانبين؟ هل تصوروا أن أخذ عدد كبير من الرهائن من شأنه أن يضعف تصميم إسرائيل على إجراء عملية شاملة في غزة لتجنب إيذاء الأسرى ويؤدي بدلاً من ذلك إلى تبادل الأسرى؟ هل استندوا في قراراتهم إلى تطلعات سياسية وحتى شخصية داخل الساحة الفلسطينية، من دون النظر إلى السياق الأوسع؟".

خسائر حادة

في وقت لا يزال فيه القتال محتدماً بين القوات الإسرائيلية ومسلحي "حماس" في قطاع غزة منذ عام فإن الطرفين يخضعان لحسابات المكاسب والخسائر، وإن لم تكن متكافئة فإنها تعني لكل طرف شيئاً ما. لخص ذلك الأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون دانييل بايمان "أولاً، لقد جلب هجوم ’حماس‘ الألم لإسرائيل وحطم شعورها بالأمن - وكلاهما هدفان لـ’حماس‘. ثانياً استعادت ’حماس‘ ما يسمى أوراق اعتماد المقاومة بين الشعب، وزادت الدعم للمقاومة بصورة عامة واستعادت صدقيتها خصوصاً. وثالثاً، أعاد الهجوم القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن طغى عليها تركيز الولايات المتحدة على الصين والحرب في أوكرانيا".

وزاد أيضاً "إن رد إسرائيل على هجوم ’حماس‘ يعزز الروايات الإيرانية التي تصور إسرائيل كقوة احتلال تقمع الفلسطينيين بوحشية. كما أن الصراع المستمر والأزمة الإنسانية اللاحقة في غزة يقوضان صورة إسرائيل في المنطقة ويعززان الدعم لأولئك الذين يعارضونها، مثل إيران".

وأفاد بايمان بأنه "من الصعب أن ننظر إلى أنقاض غزة ونتخيل أن ’حماس‘ حققت كثيراً، لكن قادتها ربما يعتقدون أنهم حققوا تقدماً سياسياً كبيراً. وكان يحيى السنوار ومحمد ضيف مهندسي هجمات السابع من أكتوبر ويبدو أنهما أطلقاها من دون إبلاغ قيادة ’حماس‘ الخارجية. ومن المرجح أن تصبح عديد من خسائر ’حماس‘ أكثر حدة بمرور الوقت. ولكن إذا تعاملت إسرائيل والجهات الفاعلة الخارجية مع عواقب الحرب بصورة سيئة فقد تتمتع ’حماس‘ بانتصار في نهاية المطاف".

وقد شمل التصعيد أيضاً الضفة الغربية. ففي الأيام الأولى منذ انطلاق العملية العسكرية بالضفة الغربية قُتل ما لا يقل عن 17 فلسطينياً من بينهم أحد قادة "حركة الجهاد الإسلامي" في طولكرم. وبحسب إحصاءات فلسطينية فإن أكثر من 660 فلسطينياً منهم مسلحون ومدنيون قُتلوا في الضفة الغربية منذ بداية هجوم "حماس". ووفقاً لهذه الإحصاءات فإن بعض القتلى الفلسطينيين لقوا حتفهم على يد قوات إسرائيلية بينما البعض الآخر قتل على أيدي المستوطنين اليهود الذين ينفذون هجمات متكررة على الأحياء الفلسطينية في الضفة الغربية.

استهداف القيادات

 خلال الـ31 من يوليو الماضي أعلنت "حماس" مقتل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في ضربة صاروخية محدودة بمقر إقامته شمال العاصمة الإيرانية طهران، بعد مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، متهمة إسرائيل بتنفيذها. وكان الجيش الإسرائيلي أكد خلال الـ30 من الشهر نفسه مقتل رئيس غرفة العمليات في "حزب الله" اللبناني فؤاد شكر جراء قصف استهدف مبنى كان يوجد به في الضاحية الجنوبية من بيروت، وأورد أنه "هاجم بصورة دقيقة في الضاحية الجنوبية داخل بيروت القائد المسؤول عن قتل الأطفال في مجدل شمس وقتل عديداً من الإسرائيليين".

وخلال الـ30 من أغسطس (آب) الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي أن قواته قتلت القيادي في حركة "حماس" وسام خازم في مدينة جنين، وفي منتصف يوليو استهدف زعيم الجناح العسكري لحركة "حماس" محمد ضيف بغارة جوية جنوب قطاع غزة، مؤكداً مقتله وإلى جانبه قائد لواء خان يونس في "حماس" رافع سلامة، وخلفت الضربة مئات القتلى والمصابين في صفوف النازحين الفلسطينيين. وكانت إسرائيل قد نفذت عملية استهدفت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري خلال الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي.

 وتقدر الاستخبارات الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الجيش الإسرائيلي فكك أكثر من 22 كتيبة من أصل 24 كتيبة لحركة "حماس" كقوات منظمة، وأصبحت خلايا حرب عصابات أصغر. ويعتقد أن نحو نصف مقاتلي التنظيم البالغ عددهم 40 ألف مقاتل إما قتلوا أو أصيبوا. وتزعم "حماس" نفسها أن 6 آلاف من مقاتليها قتلوا. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل "نصف" القيادة العسكرية للحركة من بينهم ستة من قادة الألوية، وأكثر من 20 قائد كتيبة ونحو 150 قائد سرية. وضاعفت إسرائيل سيطرتها على ممر فيلادلفي وهو طريق تهريب وإمداد رئيسي لـ"حماس" على طول حدود غزة مع مصر. وذكر مسؤولون في الجيش الإسرائيلي خلال أغسطس الماضي أن ما يقارب 80 في المئة من أكثر من 150 نفقاً لـ"حماس" تحت هذا الممر قد تم "تحييدها".

أخطاء كارثية

قال الباحث في مؤسسة "كارنيغي" للسلام يزيد صايغ لصحيفة "فايننشال تايمز" إن "’حماس‘ كانت تعاني ’الوهم‘ بأن رد الجيش الإسرائيلي على أحداث السابع من أكتوبر من شأنه أن يتسبب في انتفاضات جماهيرية ضد إسرائيل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط". وأضاف صايغ "هذه الاستراتيجية كانت خطأ كارثياً في التقدير في ظل احتواء ’حزب الله‘ والقوات الأخرى المدعومة من إيران إلى حد كبير، وعدم اندلاع انتفاضات واسعة النطاق في الضفة الغربية حتى الآن".

ومن جانبه، قال رئيس مركز "هورايزون" للأبحاث في رام الله إبراهيم دلالشة إن "رغبة ‘حماس‘ في وقف إطلاق نار دائم لا تهدف إلى مساعدة المدنيين في غزة بل إلى جعل استئناف الحرب من جانب إسرائيل أكثر صعوبة". ووفقاً لدلالشة فإن قادة "حماس" يدركون أن الرهائن هم "بوليصة التأمين" الخاصة بهم والوسيلة الوحيدة للضغط، وهو ما يفسر "لماذا أصبحوا شبه انتحاريين في ما يتصل بالمفاوضات. وبهذا الموقف المتطرف فإنهم يدركون أنه إذا استؤنفت الحرب وأطلقوا سراح الرهائن فسينتهي أمرهم".

أما الكاتب في صحيفة "ذا كورير هيرالد" ريتش إلفرز فقد أوضح "كان هجوم ’حماس‘ مجرد خطأ آخر في الحسابات على نمط طويل الأمد، وسلسلة طويلة من الأخطاء الاستراتيجية". وأشار إلى استنتاج نشره المتخصص في مجال العلوم السياسية هلال خشان في مقاله بمجلة "جيوبوليتيكال فيوتشرز" بعنوان "الحسابات الاستراتيجية الخاطئة"، وذكر فيه "ترتكب جميع الدول أخطاء استراتيجية ولكن قرار ‘حماس‘ مهاجمة واختطاف الإسرائيليين أتى مبنياً على افتراضات رئيسة تبين أنها غير صحيحة، منها اعتقادها أن إسرائيل والولايات المتحدة والحكومات العربية لا تعد حل الدولتين خياراً قابلاً للتطبيق للمشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية".

وأضاف خشان "لم تخطر ’حماس‘ حلفاءها الإقليميين بهجومها المفاجئ. لقد افترضت أن ’حزب الله‘ سيهاجم إسرائيل على نطاق واسع وفوري من سوريا إلى الشمال، بالتالي يخفف الضغط عنها إلى الغرب من إسرائيل، معتقدة أن الهجوم من شأنه أن يؤدي إلى تغيير هائل في ميزان القوى في الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدور الإيراني

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصدر بـ"حماس" إن "إيران ساعدت في التخطيط للهجوم وأعطاها الحرس الثوري الإيراني الضوء الأخضر خلال اجتماع عقد في بيروت". ويزعم تقرير آخر للصحيفة أن المئات من عناصر "حماس" ومتشددين إسلاميين آخرين تلقوا تدريبات متخصصة في إيران قبل أسابيع من الهجوم. وتقول إسرائيل إن إيران تزود الفصائل المسلحة في الضفة الغربية بالأسلحة وتقدم لها الدعم، ونتيجة لذلك يكثف الجيش عملياته هناك.

أما إيران فقد نفت ضلوعها في الهجوم وأشارت الاستخبارات الأميركية إلى أن هجوم "حماس" فاجأ إيران. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن "الولايات المتحدة لم تر أدلة على أن إيران وجهت أو كانت وراء العملية العسكرية لـ‘حماس‘". ولكن السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك قال "إن ’حماس‘ لا تتلقى التوجيهات من إيران، لكنها تنسق معها".

وقالت الزميلة في معهد "أميركان إنتربرايز" دانييل بليتكا "على رغم الدعم الذي تقدمه إيران لحركة ’حماس‘ فإن الحركة لم تتجاوز تماماً اختلافها معها بسبب الدعم الإيراني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011، وعوقبت بقطع المساعدات".

وأضافت بليتكا "نتيجة لذلك تبنت طهران ’حركة الجهاد الإسلامي‘ بصورة واضحة، إذ احتفت بقيادتها بعقد اجتماعات على أعلى المستويات في طهران، مما أرغم ’حماس‘ على العودة لأحضان إيران. ولكن لا يزال هناك القليل من الود المفقود بين الطرفين بينما يحاول ’حزب الله‘ الإصلاح بينهما".

أما مديرة برنامج الشرق الأوسط بمركز "وودرو ويلسون" الدولي الكاتبة الإيرانية هالة اسفندياري فقالت إن "الدور الإيراني في الهجوم الذي خططت له ’حماس‘ بصورة جيدة ومنسقة مبني على الدعم المالي الهائل الذي تقدمه طهران لـ’حماس‘ ووكلاء النظام الإقليميين، مما أدى إلى تراكم الاستياء الشعبي العام".

وأضافت "كما يستند الافتراض إلى توفير الصواريخ والأسلحة والتدريب، إذ إن أسلوب عمل إيران في الشرق الأوسط لفترة طويلة هو تجنب المشاركة المباشرة بل العمل من خلال وكلاء لتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها السياسية. والواقع أن التخطيط طويل الأجل الذي جعل هجوم ’حماس‘ ممكناً يشير بقوة إلى دور إيراني".

مصالح مشتركة

وعن دوافع إيران، قال رئيس قسم الأمن والشؤون الدولية في كلية القوات المسلحة الكندية في تورنتو الكاتب الإيراني بيير بهلوي "يعتقد كثر أن إيران نجحت خلال الأعوام الأخيرة في تكوين انتماء أيديولوجي واستراتيجي حقيقي مع ‘حماس‘، وعليه ليس هناك شك في أن هجوم ’حماس‘ على الأراضي الإسرائيلية لم يكن ممكناً إلا من خلال مساعدة إيران الشاملة".

وأوضح بهلوي "’حماس‘ على النقيض من ’حزب الله‘ اللبناني تحافظ على علاقة غامضة ومتقلبة مع إيران، والاثنان عضوان حليفان في محور المقاومة وقد شهدا فترات من الخلاف خلال الحرب الأهلية السورية التي وضعت الأسد وحلفاءه بدعم من النظام الإيراني ضد حركة المعارضة المدعومة في البداية من ’حماس‘".

وأضاف "تم حل النزاع بين إيران و’حماس‘ في نهاية المطاف مع محاولات تخفيف حدة الصراعات الطائفية في سوريا، وتوصلت ’حماس‘ والحرس الثوري إلى أن مصالحهما الاستراتيجية تتقارب في النضال المشترك ضد إسرائيل".

ويتفق رئيس قسم الأمن والشؤون الدولية مع ما جاء به عدد من المحللين بأن "’حماس‘ والنظام الإيراني لديهما مصالح مشتركة في تقويض توسع ’اتفاقيات إبراهيم‘، خصوصاً مع التقدم الذي أحرزته الدبلوماسية الأميركية في هذا الاتجاه، مما قد يؤدي إلى التعايش السلمي بين إسرائيل والدول المشاركة فيها، وهو ما يعني ظهور كتلة إقليمية مناهضة لإيران، تنتج منها عزلة أيديولوجية وجيوسياسية في الشرق الأوسط".

ومن المكاسب الأخرى المتحققة لإيران كما يرى بهلوي هو "محاولاتها ترسيخ فكرة أنها ’بطلة الشارع العربي‘ بتفاخرها برفع لواء القضية الفلسطينية، لتعزيز مكانتها على الساحة الإقليمية وتحسين صورتها الدولية، إضافة إلى تعزيز ’محور المقاومة‘ ضد إسرائيل إلى جانب سوريا والعراق وعدد من الحركات الموالية لها مثل ’حزب الله‘ اللبناني وغيره".

أما في ما يتعلق بتأخر رد إيران على مقتل إسماعيل هنية فإن مدير معهد ألفريد ديكين شهرام أكبر زادة يرى أنه "على رغم أن القيادة الإيرانية لا تستطيع أن تتسامح مع الظهور بمظهر الضعيف والمخاطرة بإلحاق الضرر بمكانتها بين حلفائها ووكلائها في المنطقة، بما في ذلك ’حماس‘ و’حزب الله‘ والحوثيين وغيرهم، فإن هناك اعتبارات أخرى تثقل كاهلها".

تحولات مقبلة

ومن ضمن التوقعات المتعلقة بمجريات هذه الحرب قال دانييل بايمان "إذا لم يكن هناك طرف دولي أو فلسطيني موثوق يحكم غزة، فمن المرجح أن تتحول إلى إدارة فاشلة. قد تكون هناك جيوب من النظام ولكن أجزاء كبيرة من القطاع ستكون غير خاضعة للحكم بصورة أساس". ورجح أنه "ستواصل إسرائيل تنفيذ الغارات لإبقاء ’حماس‘ خارج التوازن ومنعها من تعزيز سيطرتها في أي مكان، مما يترك الحركة حيثما تريد إسرائيل معزولة دولياً بصورة متزايدة ومنقسمة داخلياً، وتتبنى سياسات تهميش السلطة الفلسطينية". أما في ما يتعلق بدعم "حماس" فقد ذكر أنه "على رغم أن إيران تنفي تورطها المباشر في الهجوم فإن نجاح العملية قد يشجعها على الاستثمار بصورة أكبر في ’محور المقاومة‘".

نجد أن هذه الرؤية ظلت تتحقق منذ الأشهر الأولى للحرب، فإضافة إلى "حزب الله" اللبناني هناك جماعة "الحوثي" في اليمن التي نفذت عمليات عدة لزعزعة الاستقرار في البحر الأحمر وغيرها من العمليات، إذ أعلنت الجماعة أخيراً أنها تمكنت من قصف إسرائيل بصاروخ اخترق منظومتها الدفاعية خلال الأحد الـ15 من سبتمبر الجاري، بينما أكدت إسرائيل أن دفاعات القبة الحديدية اعترضته.

ستظل إيران مترددة في التدخل المباشر على رغم توعدها بالانتقام لمقتل إسماعيل هنية، فقد صرح قادة الحرس الثوري حول رد إيران على إسرائيل وما إذا كان سيتسبب في اتساع نطاق الحرب بالمنطقة أم لا، ومنهم مساعد قائد الحرس الثوري لشؤون التنسيق العميد محمد رضا نقدي الذي ذكر أنه "سوف ترد إيران على الهجوم واغتيال ضيفنا العزيز إسماعيل هنية في التوقيت المناسب"، مؤكداً "أن هذا الرد حتمي، وهذه فلسفة الدفاع". وأضاف "لقد قطع أرفع مسؤول في الجمهورية وعداً بالرد الصارم على هذا الهجوم وتم إعلان ذلك بكل حسم، ومن المؤكد أنه سيتم تنفيذه".

ومع هذا الدعم المقدم للحركة فإن هناك من يرى أن "حماس" فقدت السيطرة على قطاع غزة لكنها لا تزال تبحث عن البقاء السياسي كمنظمة، بعد تفاقم حاجات غزة وإدراكهم أن الجمهور والمجتمع الدولي لن يقبلا بهم مرة أخرى.

المزيد من تحقيقات ومطولات