ملخص
يدخل الأمير هاري عقده الخامس وهو في كاليفورنيا، بعيداً من العائلة الملكية. ومع استمرار الخلافات مع شقيقه ووالده، يُظهر هاري التزاماً بالعمل العام، بينما يبقى تأثيره واضحاً في بريطانيا. وعلى رغم البعد، يبقى احتمال المصالحة مع العائلة موضع تكهنات.
يحتفل الأمير هاري بعيد ميلاده الـ40 بين أحضان الطبيعة الجبلية، مستمتعاً برحلات في الطبيعة، وبرفقة أصدقائه الكاليفورنيين (الجدد)، على مقربة من منزله في مونتيسيتو. وكما هي الحال دائماً مع أفراد عائلة ساسكس، تأتي تفاصيل حياتهم محاطة بجو من القصص والروايات، مع قصة أمير "يسلك طريقاً لا يخلو من الصعوبات". ولكن بغض النظر عن المسافة التي يقطعها، "ما من جبل مرتفع كفاية" ليحرره تماماً من العبء الملكي المفروض عليه.
ويكفي أن نضع الصور النمطية جانباً لنكتشف حقيقة عالمية وشاملة، مفادها بأن صلة الدم لا تتحول إلى ماء، وأن المسألة تزداد تعقيداً عندما تكون جزءاً من جوهر كيانك المهني، بعيداً من قيود الحمض النووي. ومع اقتراب عيد ميلاده المحوري، أكد الدوق إصراره على مواصلة نهج حياته المنصب على الشأن العام وخدمة الوطن، قائلاً إن "مهمتي هي الاستمرار في الظهور وفعل الخير في العالم". وهو جاد في ما يقوله. فقد نشأ منذ طفولته كعضو في الأسرة الملكية، ولم يعرف يوماً سبيلاً آخر لحياته.
ولو عدنا بالزمن 10 سنوات إلى الوراء، لرأينا أميراً شاباً يتهيأ لمناسبة استثنائية، هي أول استضافة له على الإطلاق لألعاب إنفيكتوس في حديقة الملكة إليزابيث الأولمبية. ووقف الأمير هاري المتوتر آنذاك أمام جمهور حي، وتحدث بكلمات متعثرة عن رحلة "تعافٍ" و"بدايات جديدة". ولم يكُن لديه أي داعٍ للقلق، فالأمير هاري المحاط بالنوايا الحسنة والطموحات المتنامية مع وصوله إلى مرحلة النضوج، كان يحظى بتأييد الجماهير، تماماً كولي العهد. وقد طمأنه والده تشارلز الفخور قائلاً: "أحسنت بنيّ العزيز". وبلا أدنى شك، كان المستقبل يبدو مشرقاً أمامه، والجميع رأوا ذلك، بمن فيهم الأمير نفسه الذي انغمس في "موجة من التقدير والامتنان. والفرح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمام أنظار مليوني مشاهد عبر شاشات التلفزيون، تألق الساحر هاري، جامعاً ببراعة بين الخصال الطيبة التي ورثها عن والدته الراحلة وبين مزايا الأمير الملم بالشأن العام. وكان تأثير أدائه هذا مدهشاً. وقد جاء حفل اختتام دورة الألعاب هذه في اليوم ذاته الذي أطفأ فيه هاري شمعته الـ30، "فرقص وغنى معبراً عن فرحته بالحياة". وفي حال طلب أحدهم أي دليل إضافي، فهذا المشهد يثبت حتماً أن هاري ولد ليكون في خدمة الشأن العام وليكرس جهوده لخدمة الوطن.
ولا شك في أن قدرة الدوق على أداء مهماته الوطنية ببراعة تمثل حجر عثرة بنظر كل من بقي على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، مما أثار استياء الموالين للنظام الملكي الذين لم يتوانوا عن انتقاد هاري على ريائه ونفاقه. فكيف يجرؤ على تغيير مسار سفينته نحو مياه نيجيريا وكولومبيا وتضاريسهما الصخرية الوعرة، بينما يشكو من افتقار بريطانيا إلى الإجراءات الأمنية الكافية لحماية عائلته الصغيرة؟، (يبدو أن جينات خدمة الوطن تأتي مرفقة بحس من الاستحقاق يُعرف به كل من ينتمي إلى الأسرة الملكية).
مع ذلك، لا يمكن فصل توقعات هاري، من موقعه كأمير، عن إنجازاته، فهو حقق اختراقات لافتة، سواء أعجب ذلك الشعب أو لا. ونجح دوق ساسكس وزوجته الدوقة الحذقة في كسب اهتمام بلدان كثيراً ما قاومت امتيازات العائلة الملكية البريطانية. ولهذا السبب، لا مجال لمقارنة خطواتهما بجولة دوق ودوقة كامبريدج الكاريبية عام 2022. فكانت التغطية البريطانية لـ"الجولات الملكية العفوية" التي قام بها آل ساسكس بحد ذاتها دليلاً على تأثيرهما. وقد نبقى نتساءل طويلاً عما إذا كان هاري مشتاقاً لبريطانيا، مفضلين أي خيار آخر على الاعتراف باشتياق بريطانيا إليه.
أما بنظر المتحمسين لاحتمال حدوث مصالحة ملكية، فإن نجاح هاري النسبي في الولايات المتحدة يقدم تفسيراً للشعور بغيابه وفقدانه. وفي الوقت الراهن، تكثر التكهنات حول ما إذا كان الأمير سيتلقى تمنيات بالخير في عيد ميلاده المحوري هذا، بيد أن مجرد منشور على "إنستغرام" لن يكون كافياً لرأب الصدع بين أفراد العائلة الملكية التي مزقتها الخلافات. ومن ثم، لم يكتفِ هاري بالإفصاح عن روايته الخاصة المحورة عن الحياة داخل النظام الملكي، بل إنه أيضاً لم يتردد في الإشادة بقدرته على "خدمة الشأن العام" خارج إطار هذا النظام. ومن المرجح ألا تشهد الأعوام الـ10 المقبلة أي تغير في هذا الوضع. وفي حال كانت عائلة وندسور تأمل في نضوج هاري وإيجاده الطمأنينة والهدوء، فستكون خيبة الأمل لها في المرصاد.
ولا شك في أن الإطلالة العصرية لهاري الذي يتمتع بكاريزما تفوق شقيقه الأكبر، فيظهر مرتاحاً وهو يمازح الأطفال في كولومبيا، تثير غيظ ويليام. وحتى الآن، وبينما تستمر حرب باردة في خلق هوة بين الأخوين، يجد أمير ويلز نفسه عن غير قصد في سباق للحاق بشقيقه الأصغر هاري. فالدوق كان أول من كسر التقاليد الملكية بإطلاقه لحية خفيفة. وقبل أن تعرض كايت فيديو فاخراً ومتقناً يوثق رحلتها نحو التعافي، كان هاري وميغان سبقاها بإنتاج أفلام مشغولة بكثير من الدقة والإتقان لتصوير مسيرتهما نحو التعافي.
واللافت أن الزوجين أظهرا مهارة فائقة في التقاط روح العصر واستغلالها بذكاء، مما أبقى دوق ودوقة ساسكس باستمرار في صدارة العناوين الرئيسة. وهذا ما يجعلنا نترقب بشغف تطورات حياتهما المعروضة بلا تكلف في المهجر، ونغوص في أدق تفاصيلها. ولا شك في أن دوق ودوقة ساسكس برزا بمهارة في تصوير الحياة الملكية على حقيقتها – على أنها مزيج سام من الامتيازات وخدمة الشأن العام والشهرة. ويشكل هذا كله مصدر ألم لبريطانيا.
والحال أن الأسرة الملكية، بتعريفها، ليست نموذجاً للتواضع. ومن ثم، يمكن القول إن ويليام وهاري وتشارلز يأتون من المنبع الذكوري القاسي نفسه. بالتالي، يبدو من غير المرجح أن نرى انفراجاً قريباً في العلاقة بين الشقيقين. وكان ويليام يكرس وقته لدعم زوجته المريضة في مسيرة تعافيها البطيئة. ومن ثم لماذا عليه تعريض سمعته للخطر من أجل الدفاع عن هاري الذي لا يتوانى عن كشف الأسرار. ولو كان الدوق قد وجه انتقاداته إلى الولايات المتحدة، لكان المشهد مختلفاً بالتأكيد. ولكن، ما دام أن هاري يستعرض حياته الجديدة ويستأثر بالأضواء على حساب ولي العهد في مناطق لا يزال الإرث الأبيض فيها مشوباً بالشبهات، فإن أي تقارب بين الشقيقين سيظل بعيد المنال.
ومن المؤكد أن الأحداث السابقة تلقي بظلالها على تشارلز وتعطيه حساً بالمسؤولية، مما قد يدفع هاري إلى التفكير ملياً، أثناء تنقله في أفق كاليفورنيا الحار خلال عطلة نهاية الأسبوع، في ما تركه من أثر. ومع أن بالمورال الماطرة لم تبدُ يوماً بعيدة كما الآن، شأنها شأن والده الهرم والمريض، فإن تشارلز يدرك جيداً أن فترة حكمه لن تطول. بالتالي، فهو مضطر إلى التدخل لحل الخلافات بين الأب وابنه. ولا شك في أن التهديد الذي قد يواجهه من أحد أشقائه يبدو أقل وطأة من التهديد الذي قد يمثله واحد من أبنائه. ومن ثم، فإن استياء تشارلز من أن يتم سحب الأضواء منه يشكل دافعاً إضافياً ليتخذ الخطوة الأولى. ومع ارتدائه ثوب الملك وكونه المدافع عن الإيمان في إنجلترا، فإن تشارلز لا يستطيع المخاطرة بسمعته عبر احتضان لاعبي الركبي، بينما يترك جراحاً غير ملتئمة في قلب منزله. وفي هذا السياق، لا شك في أن عنصر الوقت لا يلعب لمصلحته.
قبل بضعة أيام من بدء احتفالات عيد ميلاده الـ40، أعرب هاري المخضرم عن اعتزازه بدوره كأب، فقال "إن الأبوة من أعظم مصادر السعادة في الحياة". ويبدو أن هذه المشاعر دفعت هاري ليصبح "أكثر حماسة واهتماماً في سعيه إلى تحسين العالم وجعله مكاناً أفضل" (وفق رؤيته الخاصة).
بيد أن هاري سيبقى دوماً طفلاً في علاقته مع تشارلز، وسيبقى يتصرف كطفل على امتداد العقد الرابع من عمره. وفي هذه المعادلة الملكية، يتحمل الملك، بوصفه كأب، الجزء الأكبر من المسؤولية. ومنذ 10 أعوام، كان تشارلز يعتز بـ"ابنه العزيز". أما اليوم، فيتمنى له الخير، لكن عليه أن يبحث بعمق أكبر، عساه يعثر مجدداً على ما بقي من هذا الفخر.
إن التكفير والمغفرة قوتان عظيمتان في عالمنا المنقسم، وكذلك تقبل الاختلافات. وفي الوقت الراهن، يجلس الملك على عرش المملكة المتحدة، وهو المنصب الأسمى في البلاد. بالتالي، فإن خطوة مد اليد إلى هاري وإعادة التواصل معه، بعد أن اختار طريقاً مختلفاً عن ذلك الذي كان مرسوماً له منذ ولادته، قد تعيد بعضاً من جاذبية الدوق وسحره إلى بريطانيا، وإن كان ذلك سيحصل عن غير قصد. لكن ينبغي على الملك القيام بالخطوة الأولى. ومن ثم، أمام هاري 40 عاماً بعد، وحتى ويليام سيكون سعيداً لو أن شقيقه كف يوماً عن الاعتراض الدائم على الأسرة الملكية.
تيسا دانلوب مؤلفة كتاب "إليزابيث وفيليب، قصة حب يافع وزواج ونظام ملكي"، الصادر عن "هيدلاين برس" عام 2022
© The Independent