Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حماية المال العام" في المغرب: نخوض معركة كبرى ضد الفساد

يقول رئيس الجمعية إن فصلاً قانونياً جديداً يطلق رصاصة الرحمة على القضاء والمجتمع المدني في بلاده

يرى الغلوسي في المادة الثالثة من مشروع القانون الجنائي مانعة للمنظمات من تقديم شكاوى ضد المختلسين والناهبين  (اندبندنت عربية)

ملخص

طالب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام في حواره مع "اندبندنت عربية" بتجريم الإثراء غير المشروع وأنشطة "أباطرة الفساد"

تخوض الجمعية المغربية لحماية المال العام، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني، معركة كبرى ضد قوى الفساد، وهي لا تقتصر على حملة أو تظاهرة بل تسعى إلى تخليق المجتمع وحماية الحياة العامة من ممارسات الرشوة والفساد، في وقت ترتبط مكافحة الفساد بمستقبل التنمية والعدالة، وهو ما يجعل هذه المعركة بحاجة إلى استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد ونهج مؤسساتي، من دون أن تقتصر على نهج وقتي يرتبط بظروف معينة وينتهي بمرورها.

في حوار مع "اندبندنت عربية" قال رئيس الجمعية محمد الغلوسي إن المغرب في حاجة ماسة إلى استراتيجية وقائية من الفساد والإفلات من العقاب ثم تخليق الحياة العامة، وفي هذا الإطار لا مفر من تجريم الإثراء غير الشرعي، إذ أطلقت الجمعية حملة إلكترونية شعبية للمطالبة بالتجريم، لكنها جوبهت بمحاربة الفاسدين النافذين من رؤوس الأموال المتحالفة مع بعض الأحزاب.

وأضاف "تصطدم جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في مقاومتها للفساد بصعوبات أهمها الحواجز القانونية والسياسية والمؤسساتية، وكانت الجمعية المغربية لحماية المال العام دعت إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان احتجاجاً على مصادقة المجلس الحكومي على المادة الثالثة من القانون الجنائي في أغسطس (آب) الماضي، التي تجعل من ممارسة الجمعيات والمنظمات لحقها في التنصب كطرف مدني أمام القضاء مشروطة بموافقة وزير العدل، بحكم أنها تشترط ضرورة الحصول على إذن بالتقاضي وفق ضوابط سيحددها نص تنظيمي لذلك، وهو ما عدته الجمعية مصادرة حق المجتمع من خلال تنظيماته المدنية والحقوقية في التبليغ عن جرائم المال العام، وتقييد النيابة العامة في تحريك الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية بخصوص هذه الجرائم".

ويرى الغلوسي في المصادقة على المادة الثالثة المذكورة "انقلاباً" على المكتسبات الدستورية والحقوقية والتزامات المغرب الدولية، و"ردة حقوقية ودستورية" تمنع جمعيات المجتمع المدني من التبليغ وفضح الفساد. وتنص المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية على أنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك".

وفسر الغلوسي هذه المادة قائلاً "أدخل واضعو مشروع القانون الجنائي تعديلاً بمقتضاه أصبح حق الجمعيات في التنصب كطرف مدني أمام القضاء مشروطاً بحصولها على إذن بالتقاضي من وزير العدل بحسب الضوابط التي يحددها نص تنظيمي، وهو شرط جديد لم يكن ضمن بنود القانون، وتجعل المادة الثالثة من مشروع القانون رئيس النيابة العامة تحت سلطة جهات إدارية ومؤسسات حكومية، إذ إن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة لا يمكنه تحريك الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية إلا بناء على إحالة من الجهات المذكورة في المادة، وهي المجلس الأعلى للحسابات والمفتشيات العامة التابعة للوزارات والإدارات والهيئة الوطنية للنزاهة. وهي مادة تمثل تعدياً جسيماً وتدخلاً سافراً في السلطة القضائية، وسلب اختصاص أصيل للنيابة العامة التي ستصبح تحت سلطة ورقابة هذه الجهات".

نفوذ "اللوبيات" وأباطرة الريع

وتساءل عن إمكان تحرك هذه الجهات إذا كانت هي نفسها المتورطة في أفعال الفساد واختلاس وتبديد المال العام ثم المساحات المتوفرة لرئيس النيابة العامة إذا جرى التستر على هذه الإدارات والمؤسسات على أفعال تكتسي مخالفة للقانون الجنائي، تورط مسؤولوها الكبار في عمليات اختلاس على سبيل المثال وتبديد أموال عمومية، وبناء على ذلك حصرت الجهات المخول لها المطالبة بإجراء أبحاث قضائية بخصوص جرائم المال العام ومنع المجتمع المدني من التقدم بشكايات بهذا الخصوص، إضافة إلى تقزيم صلاحيات النيابة العامة.

واتهم الغلوسي ما أطلق عليه "لوبي الفساد" بالسعي إلى توظيف المؤسسات بهدف لي ذراع القضاء والمجتمع المدني وتوفير الحماية والحصانة للفاسدين، واستغلال البرلمان لحماية لصوص المال العام وخدمة مصالح حفنة من سماسرة السياسة من الأحزاب والمتعطشين للثروة والبذخ، فمجال الصفقات العمومية هو الذي يزود نخبة حزبية فاسدة بالدعم المالي ويوفر لها منتخبين من طينة معينة، مما دفعها إلى طمأنتهم وتحصينهم من الملاحقات القضائية، كما أن جزءاً من منتخبي هؤلاء البرلمانيين متابعون بتهم مشينة تتعلق بجرائم المال العام، وإن المادة المذكورة تبين الإرادة الواضحة للتوجه المستفيد من الإثراء غير المشروع وواقع الريع، واستغلال مواقع المسؤولية العمومية والهادفة إلى إغلاق حقل المجتمع المدني لمنع كل تشويش على مصالح شبكات ومافيات الفساد والريع، داعياً مؤسسات الدولة وفي مقدمها المحكمة الدستورية بالتصدي لهذا الانحراف الجسيم والمتغولين على القانون والمجتمع.

تقويض الدستور المغربي

ومن شأن هذا الفصل تقويض الدستور المغربي واتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الذي صادقت عليه البلاد، والقانون رقم 10-37 الخاص بحماية المبلغين عن جرائم الفساد، كما يقيد مهمات ودور النيابات العامة والشرطة القضائية في ما يتعلق بالتصدي لمخالفات القانون الجنائي، ويأتي في إطار محاولات "اللوبي" المستفيد من الفساد إعدام كل خطى التصدي لجرائم المال العام المحدثة لدى بعض محاكم الاستئناف المختصة التي انطلقت فعلياً مع المرسوم الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وحدد عدد محاكم الاستئناف المختصة في النظر في الجرائم المالية، والموكول إليها النظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي والجرائم المرتبطة بها، وصدر في أعقاب "حراك الـ20 من فبراير" (شباط) 2011 الذي عرفه المغرب وأفضى إلى وضع دستور جديد، كما يقول المتحدث.

ويتابع الغلوسي "أما الوعود المقدمة فهي إنشاء قضاء متخصص في جرائم المال العام يشمل محاكم الاستئناف بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش، بهدف محاربة الفساد والرشوة وإضفاء الشفافية على القرار العمومي ومواجهة هدر وتبديد واختلاس المال العام، إضافة إلى تسريع وتيرة البت في قضاياه. بعد مرور 13 سنة على صدور المرسوم المذكور وتوفر الشروط والظروف للانقلاب على كل المكتسبات، فضلاً عن استشعار النخبة السياسية المتحالفة مع الأموال الفاسدة خطورة هذا التوجه القضائي على مصالحها عمدت إلى السعي إلى إيقاف كل المحاولات الرامية إلى مكافحة تمددها، بعدما قبرت محاولات وضع قانون لتجريم الإثراء غير المشروع وجمدت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، فوضعت المادة الثالثة من مشروع القانون الجنائي الذي يشكل رصاصة الرحمة على كل الآمال لمحاربة الفساد بتجريد المجتمع المدني من كل الوسائل القانونية للتبليغ عن جرائم المال العام".

العدالة الانتقائية

وفي حديثه عن الجمعية المغربية لحماية المال العام، قال إنها تأسست بمجهودات في مجال مكافحة الفساد وتبديد واختلاس المال العام، وتقدمت بشكايات عدة لها صلة بفساد بعضهم، وهي ملفات تلقتها من مشتكين رفعت فيها قضايا في المحاكم المغربية بمراكش والرباط والدار البيضاء، ويدور غالبها حول الاختلاس للمال العام والرشوة والتزوير وجرت إحالتها إلى الشرطة ثم على النيابة العامة، وعلى رغم طول فترة التقاضي التي تصل إلى 15 سنة، انتهى غالبها بمتابعات قضائية وصدور أحكام بإدانة متورطين في نهب المال العام منهم مقاولون ورجال أعمال وموظفون، لكنها لم تطل كبار المسؤولين مثل الولاة والوزراء، أي الموظفين الساميين للدولة من مديري المؤسسات العمومية الكبرى مما يفضح الانتقائية وإفلات أصحاب النفوذ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد قائلاً "طالبت الجمعية دائماً بمحاكمة لصوص المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة ومصادرة ممتلكات وأموال المتهمين، كما نبهت من التساهل مع اللصوص وتسريع وتيرة التقاضي واتخاذ إجراءات حازمة ضد ناهبي المال العام وإصدار أحكام قضائية رادعة تتناسب وخطورة جرائم الفساد ونهب المال العام، وفي إطار مقارعة الجمعية اللوبيات المستفيدة من تحالف السلطة مع المال والإثراء غير المشروع تطالب بالتوزيع العادل للثروات بين المغاربة بعيداً من الريع، وهو جوهر العدالة أمام القانون والدولة الاجتماعية التي تقوم على توزيع الثروة على جميع المغاربة وتنويع دائرة التشغيل ورفع الأجور، ووقع تجاوب نسبي بإحداث دستور 2011 للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، باعتبارها هيئة مستقلة للحكامة تعويضاً للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وانتظر الجميع أن تكون نقلة نوعية لمكافحة الفساد لكنها اقتصرت على النظر في ثلاثة مجالات هي الرخص الاقتصادية والمأذونات والصفقات العمومية والتوظيف، ولم تكن شاملة لكل الحالات".

وتتمسك الجمعية الآن بمطلب تجريم الإثراء غير المشروع، وهذا المطلب الذي أجهض من طرف نخبة حزبية تنمو بالريع والفساد والرشوة وتبييض الأموال باستغلال مواقع المسؤولية، وهم اتفقوا الآن على منع المجتمع المدني الجاد من التبليغ عن جرائم الفساد عبر تمرير المادة الثالثة من مشروع القانون الجنائي، بحسب ما يخلص الغلوسي في حديثه.

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات