ملخص
تحدث المعارض الروسي فلاديمير كارا مورزا عن تجربته القاسية في السجون السيبيرية بما فيها الـ11 شهراً التي قضاها في الحبس الانفرادي كجزء من عقوبة 25 عاماً. ووصف المعاناة النفسية والتعذيب الذي تعرض له، مؤكداً إيمانه بأن روسيا مسالمة من دون بوتين ستظهر في المستقبل.
وصف معارض بريطاني - روسي لفلاديمير بوتين أطلق سراحه في إطار عملية تبادل سجناء هي الأبرز منذ نهاية الحرب الباردة، المعاملة الوحشية التي تعرض لها خلال 11 شهراً قضاها في الحبس الانفرادي في سيبيريا.
وكان هذا المعارض واسمه فلاديمير كارا مورزا يمضي 23 ساعة ونصف الساعة يومياً في زنزانة صغيرة كجزء من عقوبة السجن لـ25 عاماً، التي حكم بها بسبب التحدث ضد الحرب العدوانية الروسية في أوكرانيا.
وروى الرجل البالغ من العمر 43 عاماً، الذي أمضى عامين ونصف العام من إجمال عقوبته قبل إطلاق سراحه خلال أغسطس (آب)، عن قيامه بالتحدث إلى الجدران وملل الأيام "التي لم أعد أفهم ما هو حقيقي وما هو خيالي فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مقابلة حصرية مع "اندبندنت" بعد ساعات من هبوطه في بريطانيا للمرة الأولى منذ إبرام صفقة السجن التاريخية التي توسطت فيها الولايات المتحدة مع الكرملين، سرد الناشط الذي تلقى تعليمه في جامعة كامبريدج تفاصيل تجربته المروعة من دون تردد.
وقال كارا مورزا إن التبادل لم يكن مجرد عملية مقايضة بل كان "مهمة لإنقاذ الأرواح". وكان مصرع المعارض أليكسي نافالني داخل السجن خلال فبراير (شباط)، والذي وصفه بأنه جريمة قتل من تدبير الكرملين، قد سلط الضوء على الخطر الذي كان سائداً من حوله [في السجن].
وأضاف المعارض الذي كان يتحدث في فندق قرب مجلس العموم بوسط لندن "إن مجرد حبس المرء في ما أشبه بخزانة يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع وشهراً بعد شهر، من دون حتى إلقاء التحية على أي شخص هو أمر ليس بالسهل حقاً على المستوى العقلي والنفسي والعاطفي".
وتابع "بعد نحو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع يبدأ عقلك بالفعل في التحايل عليك وتبدأ في نسيان الكلمات وتبدأ في نسيان الأسماء. تبدأ في التحدث إلى الجدران وتتوقف عن فهم ما هو حقيقي وما هو خيالي".
يذكر كارا مورزا اعتقل في موسكو خلال أبريل (نيسان) 2022 بعد شهرين من شن بوتين غزوه الكامل لأوكرانيا، بسبب إلقاء خطابات في جميع أنحاء العالم حول جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية ضد المدنيين.
وكانت جلسة محاكمته الصورية وقد قارنها بمحاكمات ستالين غير الواقعية خلال عهده الديكتاتوري الوحشي. وقد حكم عليه بالحبس لمدة 25 عاماً داخل سجن سيبيري، وهي أطول عقوبة صدرت في حق سجين سياسي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها نظام بوتين كارا مورزا بعد أن حاول الكرملين تسميمه أولاً عام 2015 ثم مرة أخرى عام 2017، مما دفع زوجته يفغينيا وأطفالهما الثلاثة الصغار إلى الفرار للولايات المتحدة.
وفي المرتين، انتهى الأمر بالمعارض الروسي بحالة غيبوبة وعلى وشك الموت. وقد أدى ذلك إلى إصابته بمرض عصبي يسبب الوهن ويسمى اعتلال الأعصاب المتعدد الذي يؤثر في قدرته على الشعور بأصابع يديه وقدميه.
وعندما فحصه طبيب سجن في موسكو أثناء احتجازه قبل المحاكمة، قال إنه يحتاج إلى هواء نقي بصورة مستمرة، وإلى المشي والعلاج الطبي وذلك لتجنب مزيد من التدهور في حالته. وقيل له إنه سيعيش ثلاث سنوات، وفقاً لمحاميه فاديم بروخوروف.
ولكن بحلول أبريل من العام الماضي حكم عليه بالحبس وأرسل إلى سجن في أومسك بسيبيريا. وفي غضون أشهر تم الزج به في زنزانة عقابية صغيرة. وكانت نزهته الوحيدة تستغرق نصف ساعة "في دائرة يلف فيها مرة تلو أخرى" في فناء مغلق بقضبان حديدية. وخلال هذا الوقت أخبرت زوجته صحيفة "اندبندنت" أنه سيموت إذا لم يتم إنقاذه من السجن.
وكان كارا مورزا صريحاً بالقدر نفسه أول من أمس الخميس في شأن مصيره لو أنه ظل مسجوناً. وقال "لا يمكن لأحد أن يعيش 25 عاماً في معسكر اعتقال روسي، خصوصاً بعد محاولتي التسميم اللتين واجهتهما. لقد كان حكماً بالإعدام".
وفي سياق حديثه عن تبادل السجناء الذي شمل أيضاً مراسل "وول ستريت جورنال" إيفان غيرشكوفيتش الذي اتهم زوراً وبهتاناً بالتجسس وحكم عليه بالسجن لمدة 16 عاماً، وصف كارا مورزا الأمر بأنه "ليس تبادلاً بل عملية إنقاذ أرواح".
ولقد كانا من بين 16 سجيناً أطلق سراحهم من روسيا. وفي المقابل استقبل الكرملين ثمانية روس بمن فيهم فاديم كراسيكوف وهو قاتل يعمل لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (أف أس بي)، الذي دين في ألمانيا بقتل الشيشاني زليمخان خانغوشفيلي عام 2019.
وعلى رغم قسوة الأشهر الأولى التي قضاها في الحبس الانفرادي، قال كارا مورزا إن التعذيب النفسي الذي تعرض له ازداد سوءاً مع استمرار احتجازه. لقد عاقبه حراس السجن وهم قناة الاتصال الوحيدة بينه والعالم الخارجي على مخالفات بسيطة مثل فك زر قميصه العلوي أو خلع قبعته أثناء وجوده بالخارج. كما احتفظوا بسجل لما يسمى تمرده.
وفي حالات أخرى، قام مسؤولو السجن بممارسة الخدع ضده لدفعه إلى خرق قواعد صارمة بصورة مثيرة للسخرية.
في سجنه الأول داخل سيبيريا، في المستعمرة العقابية "آي كي 6" IK-6، عوقب ذات يوم لفشله في الاستيقاظ خلال الساعة السادسة صباحاً، وهو وقت يتعين على السجناء فيه بدء يومهم. ولكن الحراس أوقفوا المنبه ولم يسمح للسجناء بإدخال الساعات إلى غرفهم.
وفي يناير (كانون الثاني) اختفى كارا مورزا من سجن "إي كي 6" ثم عاود الظهور بعد أيام في المعسكر العقابي "آي كي 7"IK-7 القريب، الذي يعد أحد أكثر السجون صرامة في البلاد.
وزعمت السلطات في ذلك الوقت أن ذلك كان عقاباً لكارا مورزا على "انتهاكه المستمر للقواعد خلال قضاء عقوبته".
وكان عانى سلفاً حتى ذلك الوقت من تقليص حقوقه في استخدام الهاتف ومنعه من التحدث إلى العالم الخارجي. وكانت آخر مكالمة له مع عائلته خلال ديسمبر (كانون الأول) 2023، وكانت محدودة بـ15 دقيقة. وتنازلت زوجته عن فرصة سماع صوت زوجها، فأعطت كلاً من أطفالهما الثلاثة خمس دقائق. واستخدمت ساعة توقيت للتأكد من حصول كل طفل - أكبرهم مجرد مراهق - على القدر نفسه من الوقت للتحدث إلى والده. لقد تحدث إليهم في ثلاث مناسبات فقط عام 2023.
وعندما نقل إلى "إي كا 7" فقد حقوقه في استخدام الهاتف بالكامل. وبدت على كارا مورزا علامات الغضب وتذكر القسوة التي اتسمت بها هذه الخطوة، والتي لم تكن موجهة ضده فحسب، بل وضد أسرته أيضاً.
وقال "لقد عانت أسرتي، زوجتي وأطفالي فقط لأنهم يحملون اسمي ذاته، فقط لأنهم أسرتي".
ولم يتحدث إلى زوجته أو أطفاله مرة أخرى حتى منتصف يوليو (تموز) من هذا العام، وبحلول ذلك الوقت كان قد فاته يوم تخرج ابنته وكذلك الذكرى السنوية الـ20 لزواجه.
وفي هذه المرحلة، أجبر على الاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحاً كل يوم ورفع سريره ليصبح مقابل الحائط، إذ يبقى معلقاً هناك حتى الساعة التاسعة مساء عندما تنطفئ الأضواء. وأوضح أنهم لم يريدوا للسجناء أن يتمكنوا من الاستلقاء.
وكان يمنح 90 دقيقة في اليوم مع قلم وورقة، إذ كان بإمكانه إعداد مراسلات قضائية وكتابة رسائل تخضع لرقابة شديدة إلى محاميه وزوجته. وقضى ما تبقى من الوقت في قراءة أحد الكتابين اللذين سمح له بهما في غرفته خلال أي وقت.
وكان يختار كتاباً مدرسياً للغة الإسبانية - كان تعلم لغة ما [في السجن] نصيحة قدمها له مثله الأعلى المعارض السوفياتي فلاديمير بوكوفسكي – أو الكتاب المقدس، الذي وصفه بأنه حيوي لبقائه على قيد الحياة.
واضطر إلى مواجهة تاريخ انتهاء عقوبته كل يوم. وأوضح "في كل مرة كان عليك أن تكتب طلباً لما تريده مع الشاي، على سبيل المثال كان عليك أن تكتب اسمك ورقم هاتفك المحمول وتاريخ انتهاء عقوبتك".
"في حالتي كان ذلك الـ21 من أبريل 2047. لن أنسى ذلك اليوم أبداً. في مرحلة ما، بدأ الأمر يؤثر في، أكتب وأقول هذا التاريخ يوماً بعد يوم".
ثم خلال منتصف يوليو اختفى كارا مورزا مرة أخرى. وذكرت السلطات أنه نقل إلى المستشفى، في الواقع نقلوه إلى المعسكر العقابي "آي كي 11" IK-11 وهي مستعمرة أكثر صرامة، مما أدى إلى حرمانه من حقه النهائي، وهو حق الوصول إلى محاميه.
ولفت إلى أنه "كان مستشفى بالاسم فقط". وتابع "عندما يسمع الناس كلمة "مستشفى" يتخيلون أسرة وأطباء يتجولون حولهم. لا لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق. وكان في الواقع أقسى سجن كنت فيه طوال العامين والأشهر الثلاثة التي قضيتها هناك، وهو ما كان إنجازاً إلى حد ما".
ووصف كارا مورزا نجاته بعد كل هذا التعذيب النفسي بأنها كانت "معجزة". وبفض إيمانه وتصميمه على تعلم اللغة الإسبانية، وزوجته التي ناضلت بشغف من أجل إطلاق سراحه فحسب استطاع أن يصمد ولا يستسلم.
كما كان مقتنعاً بأن روسيا المسالمة من دون بوتين ستظهر يوماً ما. وذكر أنه بقي يقول لنفسه طوال وقت قضاه في الحبس الانفرادي محروماً من الاتصال مع البشر، "أعلم أنني على حق".
© The Independent