Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تذيب صفقة السجناء جليد الحرب بين الروس والغرب؟

تباينت آراء المراقبين لكنها نبهت إلى إبقاء قنوات الاتصال بين الطرفين

بايدن يقف إلى جانب أفراد عائلات السجناء المفرج عنهم في البيت الأبيض (أ ف ب)

ملخص

أجريت عملية تبادل السجناء بين روسيا والغرب في أنقرة بتنسيق من جهاز الاستخبارات التركي وتضمنت تبادل 26 شخصاً، 24 منهم كانوا في سجون في سبع دول مختلفة (الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنرويج وروسيا وبيلاروس).

في الأول من أغسطس (آب) الجاري أجرت روسيا والولايات المتحدة عملية تبادل أسرى غير مسبوقة، شاركت فيها سبع دول بينها ألمانيا وبولندا وبيلاروس، وأسفرت عن إطلاق سراح 26 شخصاً، من بينهم مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال" إيفان غيرشكوفيتش، وضابط القوات الروسية الخاصة في جهاز الأمن الفيدرالي (الاستخبارات) فاديم كراسيكوف. وحاولت الولايات المتحدة إعادة الأول لأكثر من عام، فيما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد شخصياً إطلاق سراح الثاني. وكانت الإشاعات حول تبادل غيرشكوفيتش بكراسيكوف انتشرت منذ اعتقال الصحافي الأميركي في مارس (آذار) 2023، لكن في النهاية تبين أن الصفقة التي تمت كانت أكبر من ذلك بكثير، وشملت للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة إطلاق موسكو سراح سجناء سياسيين في مقابل ضباط في أجهزتها الاستخبارية.

في المجموع أطلقت روسيا سراح 15 شخصاً، أما الـ16، وهو ريكو كريغر، فحصل على عفو من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في مقابل استرجاعها 10 من مواطنيها غالبيتهم ضباط من وحدة العمليات الخاصة في الاستخبارات.

تمت عملية التبادل في أنقرة بتنسيق من جهاز الاستخبارات التركي، وتضمنت العملية تبادل 26 شخصاً، 24 منهم كانوا في سجون في سبع دول مختلفة (الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنرويج وروسيا وبيلاروس). ومن بين أولئك الذين نقلو إلى تركيا على متن سبع طائرات (اثنتان من الولايات المتحدة وواحدة من كل من ألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنرويج وروسيا)، نقل 10 أشخاص، من بينهم طفلان إلى روسيا و12 إلى ألمانيا وأربعة إلى الولايات المتحدة.

وقال معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن العملية دخلت التاريخ باعتبارها أكبر تبادل بين الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا في التاريخ الحديث، وتساءل عما إذا كانت هذه العملية ستؤدي إلى تغيير في العلاقات بين روسيا والغرب.

ظروف التسلم والتسليم

من بين الذين أفرجت عنهم روسيا توجه أربعة مواطنين إلى الولايات المتحدة، هم الصحافي إيفان غيرشكوفيتش وضابط مشاة البحرية الأميركية السابق بول ويلان والصحافية ألسو كورماشيفا (تحمل أيضاً الجنسية الروسية)، وكذلك الروسي فلاديمير كارا مورزا، المعترف به من وزارة العدل كعميل أجنبي (لديه تصريح إقامة في الولايات المتحدة).

فيما اختار الباقون التوجه إلى ألمانيا، خمسة منهم يحملون جنسية هذا البلد - ريكو كريغر (نقل من بيلاروس)، والمحامي غيرمان مويزيس، وأصغر شخص حكم عليه في قضية الخيانة العظمى كيفن ليك، والعالم السياسي ديموري فورونين وباتريك شيبل المتهمين بتهريب المخدرات، ويحمل مويزيس وليك أيضاً الجنسية الروسية.

ومن بين المواطنين الروس الذين سلموا إلى الغرب الناشط في مجال حقوق الإنسان أوليغ أورلوف، والسياسي والمعارض إيليا ياشين، المعترف بهما من العملاء الأجانب.

وكذلك فاديم أوستانين، المنسق السابق لمقر المعارض الراحل أليكسي نافالني الذي تعتبره السلطات منظمة متطرفة ومحظورة في روسيا، وجرى نقله إلى ألمانيا، إلى جانب ماريا بيفتشيخ وليونيد فولكوف وإيفان جدانوف الذين تصنفهم وزارة العدل الروسية في سجل الوكلاء الأجانب.

 

 

لا ينص القانون الدولي على إجراءات تبادل المساجين والمحكومين بين الدول، لذلك لا تنظم عمليات التبادل بأي شكل من الأشكال القانونية، بل باتفاقات ثنائية وثلاثية وأكثر، على غرار ما حصل سابقاً في عملية العالم إيغور سوتياجين، المحكوم عليه في قضية خيانة، الذي استبدلته روسيا، من بين آخرين في عام 2010 بمجموعة من ضباط الاستخبارات غير الشرعيين الذين كشف عنهم في الولايات المتحدة. في الوقت نفسه من أجل إطلاق سراح شخص محكوم بتهم جنائية، يجب أن يكون هناك أساس قانوني، وعادة ما يكون العفو الرئاسي أو الحكومي، إلا أن العفو لا يمنح إلا للشخص المدان، بالتالي لا يمكن العفو عن شخص ما إلا بعد صدور حكم قضائي ورفض استئنافه.

دانت محكمة روسية معظم المشاركين في عملية التبادل واجتازوا جميع إجراءات الاستئناف أو تخلوا عنها، مثل إيفان غيرشكوفيتش، وفي مساء اليوم التالي للتبادل أعلن الكرملين أن فلاديمير بوتين أصدر عفواً عن 13 شخصاً ممن تم تبادلهم. وأصدر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عفواً عن ريكو كريغر، المحكوم عليه بالإعدام في بيلاروس، في اليوم السابق.

وكان معظم المشاركين في التبادل الذين وصلوا إلى روسيا من الدول الغربية قضوا بالفعل فترات سجن متفاوتة، في ما يتعلق بأرتيم وآنا دولتسيف انتهت جميع الإجراءات فقط عشية التبادل، اعترفوا بالذنب وحكم عليهم بالسجن لمدة عام وسبعة أشهر.

أهلاً أيها العظيم!

في خطوة غير مسبوقة، حضر الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً لاستقبال ضباط استخباراته العائدين من الآسر، وما إن نزل رجل يرتدي قبعة زرقاء وسترة رياضية كحلية اللون على الدرج، حتى بادره بوتين بعبارة "أهلاً بك أيها العظيم!"، وصافحه وعانقه طويلاً. هكذا كان ترحيب بوتين بضابط جهاز الأمن الفيدرالي فاديم كراسيكوف، الذي حظي بمثل هذا التكريم في موسكو. يعرف بوتين كراسيكوف جيداً، كما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، حتى أنهما ذهبا إلى ميدان الرماية معاً. حكم على كراسيكوف في ألمانيا بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل، بعدما أطلق الرصاص في وضح نهار الـ23 من أغسطس 2019 على القائد الميداني الشيشاني الانفصالي السابق سليمان خانغوشفيلي في حديقة في برلين، باعتباره أحد مسؤولي الهجوم الإرهابي في مترو موسكو، وأصابه برصاصتين في الرأس من مسدس غلوك.

ووصف بوتين كراسيكوف بأنه "وطني قضى على قاطع طريق"، ومن أجل إطلاق سراحه عقد صفقة غير مسبوقة مع الغرب، شملت إطلاق سراح سجناء سياسيين روس، لم يحدث هذا من قبل في تاريخ روسيا الحديثة أن استبدل المنشقون بالعملاء فقط خلال الحقبة السوفياتية.

 

 

في الـ28 من يوليو (تموز) الماضي اختفى عدد من المعارضين الروس المعروفين من مراكز الاحتجاز السابقة للمحاكمة والسجون التي كانوا محتجزين فيها، إن عمليات النقل من مؤسسة إلى أخرى في نظام السجون الروسي تتم دائماً سراً، ولكن في الوقت نفسه لم يختف كثير من السجناء السياسيين المشهورين من قبل. بدأ نشطاء حقوق الإنسان يشيرون بحذر إلى أنهم يستعدون للتبادل، وسارعت وسائل الإعلام إلى تجميع قوائم المرشحين المحتملين للتبادل من بين المعارضين، وفق مبدأ "اختفى من المستعمرة أو مركز الاحتجاز الاحتياطي الذي كان يوجد فيه حتى الآن". لذلك كان من بينهم دانييل كريناري، الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "التعاون السري" مع أجانب (عثر عليه لاحقاً في مركز احتجاز آخر قبل المحاكمة)، والصحافية ماريا بونومارينكو (التي حكم عليها بالسجن لمدة ست سنوات بتهمة "التزييف العسكري")، وكما الحال مع كريناري اتضح أنها نقلت فقط إلى مكان احتجاز آخر في الواقع ولم يشملها التبادل.

ولم تصبح القائمة النهائية للأشخاص الذين أصدر بوتين عفواً عنهم وأفرج عنهم واضحة إلا الخميس الأول من أغسطس الجاري، وذلك أثناء التبادل بالفعل.

ضباط استخبارات بهويات وجنسيات مزورة!

إضافة إلى الضابط فاديم كراسيكوف، المدان في ألمانيا، تسلمت روسيا نجل نائب مجلس الدوما (البرلمان) عن الحزب الليبرالي الديمقراطي فاليري سيليزنيف الذي حكم عليه في الولايات المتحدة بالسجن لمدة 27 عاماً في قضية الاحتيال عبر الإنترنت. وكذلك السيدة آنا دولتسيفا، التي دينت مع زوجها أرتيم في سلوفينيا في قضية تجسس، بعدما خدما هناك وقدما أنفسهم كزوجين من الأرجنتين، باسم لودفيغ وماريا ماير. عاد الاثنان مع أطفالهما، وقدم بوتين لدولتسيفا باقة كبيرة من الزهور.

واسترجعت موسكو، فلاديسلاف كليوشين الذي تعتبره السلطات الأميركية مشاركاً في اختراق شبكات الكمبيوتر في الولايات المتحدة للحصول على بيانات سرية لصالح الاستخبارات الروسية. وكذلك فاديم كونوشينكو المشتبه بتورطه في مخطط لتزويد روسيا بإلكترونيات سرية وذخائر أميركية الصنع. وعدا عن ذلك استردت روسيا الضابط بافيل روبتسوف، الذي اعتقل في بولندا للاشتباه في تجسسه تحت غطاء عمله الصحافي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكذلك الضابط ميخائيل ميكوشين الذي قدم نفسه في الغرب مواطناً برازيلياً باسم خوسيه أسيس غياماريا، واعتقل في النرويج عام 2022 للاشتباه في عمله لصالح الاستخبارات الروسية. ووصل إلى أوسلو في عام 2021 كجزء من برنامج في جامعة ترومسو، واعترف لاحقاً للسلطات النرويجية بأنه المواطن الروسي ميخائيل ميكوشين. ووعد بوتين بتقديم جوائز وأوسمة ونياشين لضباط استخباراته العائدين للوطن و"المرتبطين بشكل مباشر بالخدمة العسكرية".

شولتز

قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في مؤتمر صحافي بمطار كولونيا في بون، إن صفقة تبادل الأسرى، التي تضمنت إطلاق سراح فاديم كراسيكوف المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، لم تكن سهلة بالنسبة إلى برلين. وأكد أنه تقرر اتخاذ هذه الخطوة بعد التشاور مع الوزراء المسؤولين والائتلاف الحاكم، مشيراً إلى أن الحكومة الألمانية تعمل مع الشركاء الأميركيين والأوروبيين منذ أسابيع عدة لاتخاذ قرار في شأن الصفقة.

وكتبت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ" أن مكتب المدعي العام الألماني يشعر بخيبة أمل بسبب قرار وزير العدل ماركو بوشمان بإدراج فاديم كراسيكوف في عملية التبادل مع روسيا، وأصرت موسكو على تبادل كراسيكوف.

محادثات تبادل معقدة شملت نافالني

في تاريخ علاقات روسيا مع الولايات المتحدة ودول أخرى، كانت هناك سلسلة طويلة من عمليات تبادل الأسرى. فكلما دين مواطن أميركي في روسيا أو العكس، بدأ المتخصصون والسياسيون في مناقشة إمكان التبادل. وهكذا فإن أحد المشاركين في عملية التبادل الحالية بول ويلان، منذ اعتقاله عام 2018 يطالب واشنطن بمبادلته بأحد الروس. بعد اعتقال أول لاعبة كرة سلة بريتني غرينر ثم الصحافي إيفان غيرشكوفيتش في عام 2022، بدأت مناقشة خيار استبدالهما بعدد من الروس المدانين في الولايات المتحدة، لكن في النهاية تمت عمليات التبادل وفقاً لمعادلة واحد في مقابل واحد. أولاً في أبريل (نيسان) 2022 جرى تبادل جندي البحرية تريفور ريد، المدان بمهاجمة الشرطة الروسية، بالطيار الروسي كونستانتين ياروشينكو، المحتجز عام 2010 في ليبيريا والمدان في الولايات المتحدة بتهمة تهريب المخدرات، وفي نهاية العام تم تبادل غرينر مع فيكتور بوت، المدان بتهريب الأسلحة.

ظهرت الأدلة على أن روسيا كانت تستعد لتبادل السجناء قريباً مع الغرب في النصف الثاني من يوليو الماضي، وأشارت شبكة "سي بي إس" التلفزيونية إلى أن الصفقة جرى إعدادها لأكثر من ستة أشهر بمشاركة البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية وظلت سرية للغاية، ولم يعلق المسؤولون في روسيا والغرب المشاركون في المفاوضات على الصفقة المرتقبة.

وقال الرئيس فلاديمير بوتين في ديسمبر 2023 إن السلطات الروسية والأميركية تجري "حواراً صعباً" في شأن تبادل الأسرى، وأضاف "نريد التوصل إلى اتفاق، ويجب أن تكون هذه الاتفاقات مقبولة من الطرفين وتناسب الجانبين"، مشدداً على أن القرارات المتعلقة بالتبادل يجب أن تستند إلى اعتبارات إنسانية. وفي مقابلة أجراها خلال فبراير الماضي مع الصحافي الأميركي تاكر كارلسون، طرح الرئيس الروسي إمكان مبادلة الصحافي إيفان غيرشكوفيتش المتهم بالتجسس "بمقابل مماثل من الشركاء"، ثم لمح الرئيس الروسي لضرورة أن تشمل أية صفقة تبادل محتملة الضابط الروسي في الاستخبارات فاديم كراسيكوف، المدان في ألمانيا، الذي "لأسباب وطنية قضى على قائد انفصالي شيشاني هناك" وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في برلين.

 

 

وفي مارس (آذار) الماضي ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر أن المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الأميركي جو بايدن ناقشا إمكان مبادلة فاديم كراسيكوف بالمعارض الروسي الأبرز لحكم بوتين أليكسي نافالني، وبحسب الصحيفة طار شولتز إلى واشنطن في التاسع من فبراير الماضي، وكانت نتيجة ذلك الاجتماع الاتفاق على مواصلة مناقشة فكرة مبادلة كراسيكوف بنافالني. وبدوره أراد بايدن مبادلة غيرشكوفيتش الذي اعتقل في روسيا بتهمة التجسس، ومع ذلك، وبحسب الصحيفة، عارضت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أية صفقة تتعلق بكراسيكوف.

وتوفي نافالني في الحجز يوم الـ16 من فبراير الماضي، وبعد ذلك كشف بوتين عن أنه كان وافق على مبادلته "ببعض الأشخاص الروس المسجونين في الدول الغربية".

ووفقاً لصحيفة "شبيغل" الألمانية بعد وفاة نافالني بدا أن الصفقة فشلت، لكن ممثلي الولايات المتحدة والحكومة الألمانية ظلوا على اتصال. وبحسب المجلة، فإن التبادل التاريخي هو نتيجة أشهر من المفاوضات بين حكومتي البلدين والكرملين. وجاء في الصحيفة أن "المستشارية الفيدرالية، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الفيدرالية الألمانية، أجرت مفاوضات سرية مع روسيا إلى جانب الحكومة الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)".

في الأشهر التي سبقت عملية التبادل سافر دبلوماسيون أميركيون ومسؤولون في البيت الأبيض ومسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية إلى دول عدة في أوروبا والشرق الأوسط بحثاً عن حكومات مستعدة للإفراج عن مواطنين روس محتجزين لديهم في مقابل مواطنين أميركيين، بحسب ما كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال". في الـ21 من يوليو الماضي، قبل ساعة من إعلان انسحابه من السباق الانتخابي، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن محادثة هاتفية مع رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار، للاتفاق على إمكان تسليم الروسيين أرتيم وآنا دولتسيف لإبرام صفقة مع موسكو. وقبل ذلك تشير الصحيفة إلى أن روسيا اعترفت بأن "الزوجين كانا يعملان لصالح الاستخبارات الخارجية"، وأوضحت أن موسكو مهتمة جداً بعودتهما. بدأت السلطات الروسية والسلوفينية المفاوضات بعد وقت قصير من اعتقال الزوجين في ديسمبر 2022، وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الأمين السابق لمجلس الأمن، والآن مساعد الرئيس نيكولاي باتروشيف، شاركا في هذه العملية. ومع ذلك لم يتوصل إلى اتفاق في ذلك الوقت.

وكتبت "دير شبيغل" أن المفاوضات بدأت تكتسب زخماً مرة أخرى بعد أن حكمت محكمة روسية على غيرشكوفيتش بالسجن لمدة 16 عاماً خلال يوليو الماضي، في الوقت نفسه وفقاً للصحيفة تحدث ممثلون أميركيون بالفعل عن "أحداث إيجابية للغاية" في منتصف الشهر نفسه على هامش منتدى أسبن الأمني.

من أجل إطلاق سراح فاديم كراسيكوف المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة وفقاً لـ"دير شبيغل"، اتخذت إدارة الهجرة في شتراوبينغ (مدينة في بافاريا) خطوة قانونية رسمية في الربيع الماضي، ففي أبريل الماضي أمرت بطرده من البلاد وحظر دخوله مرة أخرى لمدة 20 عاماً. وفي المرحلة الثانية أصدر وزير العدل ماركو بوشمان تعليماته للمدعي العام الاتحادي ينس رومل بالامتناع عن تنفيذ الحكم في قضيته، وكما علمت صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ، لعب بوشمان دوراً رئيساً في قرار الإفراج عن كراسيكوف. وفي الوقت نفسه هناك "خيبة أمل" في مكتب المدعي العام في البلاد في ما يتعلق بنتيجة الصفقة، وعلى رغم أن أمر الوزير كان قانونياً إلا أن عدداً من كبار المدعين يعتقدون أن ما حدث كان امتثالاً مفرطاً لموسكو.

وكانت الخدمات اللوجيستية للتبادل من مسؤولية مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، الذي زار تركيا قبل أسبوع من التبادل لوضع اللمسات الأخيرة على المخطط بأكمله، كما ذكرت الصحيفة.

كيف صار التبادل ممكناً؟

كان فلاديمير بوتين مهتماً دائماً بعودة ضباط استخبارات بلاده الذي كان هو نفسه واحداً منهم للبلاد، وكانت القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إليه هي عودة بوت وياروشينكو، ولكن بعد ذلك أضيف إلى ذلك مطلب إطلاق سراح فاديم كراسيكوف، كما قالت عالمة السياسة تاتيانا ستانوفايا. وأضافت "كل مفاوضات العامين الماضيين بنيت حول هذا الأمر الذي واجه كثيراً من الصعوبات، وعلى رأسها غموض القانون الألماني، وتشابك المصالح السياسية ومصالح أجهزة الاستخبارات، ناهيك بالصعوبات اللوجيستية والتنظيمية".

بالنسبة إلى الأميركيين، كان التركيز الرئيس أيضاً على عودة مواطنيهم، الذين لا يمثلون قيمة اجتماعية وسياسية كبيرة، بل الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا مرتبطين بأجهزة الاستخبارات. وكان من الضروري أيضاً تنسيق مصالح روسيا والولايات المتحدة وألمانيا، إضافة إلى الدول الأخرى المعنية، ولهذا السبب استغرق الأمر وقتاً طويلاً، بحسب ما يوضح المراقبون لعمليات التفاوض.

ليست هناك حاجة إلى البحث عن أي سبب خاص دفع روسيا إلى اتخاذ هذه الخطوة اليوم، بخلاف ما كان ظاهراً على السطح منذ سنوات عدة، فبالنسبة إلى موسكو كانت دائماً مسألة مبدأ استعادة ضباط استخباراتها الذين عملوا في القوات الخاصة أمراً مبدئياً لا حياد عنه. ومع ذلك لا ينبغي تجاهل السياق العام، لأنه بالنسبة إلى بوتين فإن مثل هذه الصفقات هي بالطبع دليل على أن الغرب قادر تماماً على اتخاذ خطوات عملية وعقلانية، من دون النظر دائماً إلى بعض الحواجز الأيديولوجية، لذلك فهو يفعل ذلك، وعليه استخدام المبادئ نفسها لحل المشكلة الأوكرانية والاعتراف بالوقائع الميدانية على الأرض.

 

 

وتأثر توقيت الموافقة باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وعدم القدرة على التنبؤ بنتائجها، وفقاً للمتخصصين كان الجانبان - الأميركي والروسي - في عجلة من أمرهما، لأنه ليس من الواضح ما الذي سيحدث بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، وهنا لعب عامل الوقت دوراً في تسريع عملية التبادل.

وأشار المحلل السياسي الروسي أليكسي ماكاركين إلى أنه من خلال الموافقة على التبادل، يمكن لموسكو أن تظهر أنها لا تركز اهتمامها على مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، ويمكنها التفاوض مع أي رئيس أميركي مستقبلي. ويؤكد أن المفاوضات في شأن التبادل كانت مستمرة عندما كان جو بايدن مرشحاً للرئاسة الأميركية، وكانت روسيا مستعدة نظرياً لتسليم السجناء له بعيد تنصيبه.

ويعتقد ماكاركين أن "القضية الداخلية" مهمة أيضاً، موضحاً أن التبادل يمكن أن يكون إشارة إلى مجتمعات الاستخبارات والأمن بأن روسيا لن تتخلى عن ضباط استخباراتها. وأضاف "هذا دليل على أن موسكو لا تنسى مواطنيها ويمكننا أن نأمل في دعمها، على سبيل المثال، في المستقبل. ويضيف عالم السياسة، "يمكن لأشخاص مختلفين، بقصص مختلفة ووجهت إليهم تهم مختلفة، الاعتماد على ذلك".

انتصار لبوتين

على شبكات التواصل الاجتماعي، صورت الدعاية الروسية عملية التبادل باعتبارها انتصاراً لروسيا التي لا تتخلى عن مواطنيها. وكتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا "ربما تكون هذه أيضاً مسألة إيمان وأمل في أن يقف الشعب والدولة خلفك، لقد حول تاريخ اليوم هذا الإيمان والأمل مرة أخرى إلى معرفة أننا لن نتخلى عن أنفسنا".

التبادل لصالح روسيا رسمياً، على رغم أنه يبدو عددياً لصالح الغرب، إذ في مقابل 16 سجيناً سلمتهم روسيا، استعادت 10 من مواطنيها وضباطها، إذ إن موسكو استقبلت ستة ضباط حقيقيين واثنين من أبنائهم. كما روج المعلقون للرواية القائلة إن الروس المفرج عنهم من السجون في البلاد عملوا لصالح بلدان أخرى.

كتب الفيلسوف المحافظ المقرب من بوتين ألكسندر دوغين، "لم يعد هناك ليبراليون في روسيا، تبين أن كلاً منهم مجرد جاسوس للأجانب، هذا ليس اختياراً للمنصب، بل هو اختيار على طول خط المواجهة، من الصحيح جداً استبدال الليبراليين بأبطالنا وأشخاص عاديين فقط".

كما أصبح تبادل الأسرى مع الغرب الموضوع الرئيس لوسائل الإعلام المطبوعة الروسية، التي تؤكد طبيعتها غير المسبوقة وتحلل تأثيرها في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فكتبت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" تقول "إن أحداث الأول من أغسطس الجاري ستسجل في التاريخ، على رغم أنه ليس من الواضح بأية صفة: إما كدليل على المصالحة الوشيكة بين الاتحاد الروسي والغرب، أو فقط كمثال على نظام القيم المختلف الذي يلتزم به المسؤولون في مختلف البلدان".

ونقلت صحيفة "إزفستيا" عن مراقبين قولهم إن تبادل الأسرى، الذي تعاون فيه الطرفان اللدودان، يعد استثناء في جميع المجالات الأخرى، ومثل هذا التبادل مهم لجميع الأطراف. ويؤكد أن هناك قنوات اتصال بين روسيا والولايات المتحدة، لكنها هزيلة.

ومن اللافت أن المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب، هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صفقة تبادل الأسرى مع الدول الغربية. وقال لأنصاره في أتلانتا بولاية جورجيا "أود أن أهنئ فلاديمير بوتين على حصوله على صفقة رائعة أخرى"، وفي الوقت نفسه بحسب ترمب كانت هذه الصفقة فظيعة بالنسبة إلى واشنطن، إذ قال "لقد استعدنا بعض مواطنينا، لكننا نعقد صفقات فظيعة للغاية".

التعليقات الدولية

حازت عملية تبادل السجناء بين روسيا والغرب اهتمام الصحافة العالمية، فكتبت وكالة "شينخوا" الصينية تقول "يعتقد عدد من المحللين أن تبادل السجناء على نطاق واسع لا يمثل تحسناً كبيراً في العلاقات الأميركية - الروسية، لكنه يظهر أن قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وروسيا لا تزال موجودة وسليمة".

ورأت وكالة "الأناضول" التركية أن "هذه العملية كانت أكبر عملية تبادل للأسرى بين الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا في السنوات الأخيرة، وأنشئت قنوات للحوار بين الطرفين من وكالة الاستخبارات الوطنية التركية MIT بفضل الاستخدام الفعال للدبلوماسية الاستخبارية من وكالة الاستخبارات في أنقرة".

واعتبرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" الهندية أن "اللقاءات المؤثرة للمفرج عنهم تمثل انتصاراً دبلوماسياً كبيراً، وستنهي المعاناة التي تواجهها عائلات المعتقلين ظلماً"، أما صحيفة "لا جورنادا" المكسيكية فقالت "إن نتيجة مثل هذه اللعبة، التي انتهى فيها تبادل سجناء مدانين خلف القضبان لارتكاب جرائم حقيقية ووهمية، أرضت اللاعبين الرئيسين - روسيا والولايات المتحدة، اللذين حصلا على أكثر مما أرادا".

وذكرت صحيفة "فولها دي سان باولو" البرازيلية أن "هذه الصفقة ستوفر انقلاباً دبلوماسياً مدوياً لإدارة (الرئيس الأميركي جو بايدن) مع دخول الحملة الرئاسية الأميركية التي تضع كامالا هاريس ضد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب أشهرها الأخيرة".

 

 

واعتبرت شبكة "الجزيرة" التلفزيونية القطرية أن "المكافأة الحقيقية كانت هي فاديم كراسيكوف، الذي أطلق النار في عام 2019 على القائد الميداني الشيشاني الانفصالي السابق سليمان خانغوشفيلي وقتله في حديقة في برلين. وكان كراسيكوف نفسه، وهو من النخبة المخضرمة في قوات الأمن، مطلوباً من السلطات الروسية في السابق لسلسلة من عمليات القتل المأجورة، لكن لم يقدم إلى العدالة أبداً".

هل يؤثر نجاح التبادل في المفاوضات في شأن أوكرانيا؟

بحسب رئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية" فيودور لوكيانوف فإن التبادل واسع النطاق بين روسيا والدول الغربية لن يؤدي إلى مفاوضات بين موسكو وواشنطن حول مجالات الأزمات الأخرى، وأضاف "هذا مستوى مختلف تماماً من العلاقة، منذ اندلاع الأعمال العدائية كانت هناك تبادلات رفيعة المستوى مع أوكرانيا، وتمت بموافقة الدول الغربية، وفي الوقت نفسه في الواقع، لم يتغير شيء مهم على رغم أن هذه كانت علامة على حدوث تغيير في الجو الملبد بين موسكو وواشنطن".

وكما يشير لوكيانوف فإن التبادلات هي مجال منفصل تماماً من العلاقات، وهو معروف جيداً منذ حقبة الحرب الباردة، ولكن الآن تغير النطاق فقط، "ومهما كان الأمر فإن النموذج نفسه يظل قائماً، وهذا إلى حد ما عمل إنساني لتسهيل الحياة على الأشخاص الذين يعتقد أنهم تعرضوا للاضطهاد لأسباب تتعلق بالوضع السياسي، لن أستخلص من هذا أي استنتاجات سياسية في ما يتعلق بمسار الصراع في أوكرانيا".

في أحسن الأحوال يمكننا أن نتحدث عن بداية عملية طويلة جداً لاستعادة خطوط الاتصال بين موسكو وواشنطن، كما يعتقد المدير العلمي لمجلس الشؤون الدولية الروسي أندريه كورتونوف، مضيفاً "أخشى أنه ليست هناك حاجة إلى التفاؤل بشكل خاص، لأنه الآن على ما يبدو ليس الوقت الأكثر ملاءمة لإجراء حوار أكثر جدوى، إن الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة تجري على قدم وساق، والرئيس الحالي أصبح بطة عرجاء، وأصبحت خياراته الآن أكثر محدودية من ذي قبل. أصبح من الواضح أن المرونة المحدودة للغاية التي تتمتع بها الإدارة الأميركية الحالية ستستخدم من خصومها السياسيين لكسب نقاط في الحملة الانتخابية".

ووفقاً لكورتونوف، فإنه في ظل الظروف الحالية فإن استعادة خطوط الاتصال بين موسكو وواشنطن ستكون بالفعل إنجازاً مهماً، لكنها لا تضمن إحراز تقدم في المشكلات الرئيسة لعلاقاتنا، مشيراً إلى أنه "سيتعين علينا هنا الانتظار بعض الوقت".

ويشك معظم المتخصصين الروس أيضاً في أن يؤثر التبادل في الوضع مع أوكرانيا، ويقولون "قد يكون لدى السلطات الروسية آمال معينة، بما أنها تمكنت من التوصل إلى اتفاق هنا، فهل يعني ذلك أن هناك بعض الإمكانات؟ لكن بالنسبة إلى الغرب من غير المرجح أن يكون لكل هذا أية أهمية، إذ ستلعب عوامل أخرى دوراً حاسماً، على رأسها الوضع العسكري في الميدان، والوضع الحالي في الولايات المتحدة وما سيحدث بعد الانتخابات، فضلاً عن الوضع داخل أوكرانيا".

وبحسب فيودور لوكيانوف، فمن غير المرجح أن يؤثر التبادل في مسار الانتخابات في الولايات المتحدة، إذ إن قضية التبادل تعالجها إدارة بايدن، الذي انسحب طوعاً ولن ينافس على منصب الرئيس في البيت الأبيض، ويضيف "لو حدث ذلك على سبيل المثال في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، كان من الممكن الافتراض أن كامالا هاريس ستقدم ذلك باعتباره إنجازاً للإدارة التي رشحتها للرئاسة، لكن لا تزال هناك ثلاثة أشهر قبل الانتخابات، وكل شيء سينسى".

وأشار كورتونوف إلى أنه بالنسبة إلى الثقافة السياسية للولايات المتحدة فإن الأحداث من هذا النوع عندما يكون من الممكن استرجاع عدد معين من المواطنين الأميركيين، ينظر إليها دائماً على أنها إنجاز جدي للسياسة الخارجية، "ومع ذلك يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذا القرار تتخذه الآن إدارة بايدن، وستذهب هاريس إلى صناديق الاقتراع، بالتالي فإن الارتباط بين هذه الأحداث غير مباشر للغاية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات