Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الخدمة السرية"... عجز أمام تهديدات متزايدة ضد السياسيين الأميركيين

بينما يستغل ترمب محاولة اغتياله الثانية كمادة للتباهي، يجري مؤلف كتاب "الحرب الأهلية التالية" حوارات مع مصادر مطلعة من جهاز الخدمة السرية الأميركية حول العيش في دولة يعتقد ربع مواطنيها بأن الوطنيين، من كلا الطرفين، قد يضطرون للجوء إلى العنف

محاولة الاغتيال الأولى التي استهدفت الرئيس السابق دونالد ترمب أدت إلى استقالة كيمبرلي تشيتل من منصب مديرة الخدمة السرية الأميركية (غيتي)

ملخص

إن تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة الأميركية يصعب مهمة جهاز "الخدمة السرية" الذي لطالما كان معروفاً بأداء مهمته بلا أي ثغرة تذكر.  

نجا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من محاولة اغتيال ثانية خلال حملته الرئاسية الجارية، قبل انقضاء سبتمبر (أيلول) حتى. وتشير التقديرات الأمنية إلى أن هذه المحاولة قد لا تكون الأخيرة، إذ حث جهاز "الخدمة السرية" الأميركية ترمب على تقليص جولاته الرياضية في ملاعب الغولف وطلب من الرئيس السابق منحه فرصة زمنية كافية لتعزيز الإجراءات الأمنية وحشد الموارد اللازمة قبل عودته لممارسة الغولف.

وبالنسبة إلى جهاز يتكفل حماية الرؤساء عند تنقلهم إلى أماكن مثل كييف وبغداد، ضامناً عدم الفشل إطلاقاً في المهمة، يعتبر هذا الإجراء نكسة فادحة. ففي الأنظمة الديمقراطية السليمة، من المفترض أن يتمتع المرشحون الرئاسيون بحرية ممارسة لعبة الغولف، من دون الخوف من تهديدات بالاغتيال. غير أن التطورات تشير إلى أن العنف السياسي المتصاعد في الولايات المتحدة قد تجاوز عتبة خطرة، مع تزايد المخاوف من صعوبة احتواء تداعياته وإعادة البلاد إلى مسار الاستقرار السياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أعقاب محاولة الاغتيال الأولى التي استهدفت ترمب، وجدت الخدمة السرية الأميركية نفسها في مرمى الانتقادات، مما أدى إلى مواجهة رئيستها، كيمبرلي تشيتل، لجلسة استجواب عاصفة في الكونغرس، انتهت باستقالتها من منصبها، في خطوة اعتُبرت تضحية بمسيرة مهنية بارزة، لم تكُن في نهاية المطاف سوى إجراء شكلي لامتصاص الغضب. فمن المنطقي والجيد في الأنظمة الديمقراطية أن يتحمل قادة المؤسسات الحكومية المهمة، مثل الخدمة السرية، المسؤولية عند وقوع إخفاقات كبيرة إذ إن مبدأ المحاسبة يقتضي أحياناً تقديم استقالات على مستوى القيادة العليا. لكن من الضروري عدم الخلط بين تحمل تشيتل للمسؤولية وتحديد جذور المشكلة الفعلية.

ووجد أعضاء مجلسي الكونغرس الأميركي، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أنه من المناسب توجيه اللوم لكيمبرلي تشيتل وإدانتها من دون السعي الجاد إلى إيجاد حلول جذرية للمشكلة أو حتى العمل على إيجاد سبل لحماية السياسيين الأميركيين والتصدي لموجة العنف السياسي المتصاعد.

وخلال إجراء بحث على كتاب "الحرب الأهلية التالية" The Next Civil War، الصادر عام 2022، أجريت مقابلة مع أحد عملاء الخدمة السرية الأميركية الذي فضّل عدم الكشف عن هويته. وقال لي هذا العميل إنه حتى ذلك الوقت، كانت الخدمة السرية تواجه بالفعل موجة غير مسبوقة من التهديدات، تفوق قدرتها على التعامل معها بفاعلية، مشيراً إلى أن مهمة الخدمة السرية تتمثل في التحقيق في نوايا وقدرات وفرص التهديدات الموثوقة التي تستهدف المرشحين الرئاسيين. وفي الفترات السابقة، كانت مثل هذه التهديدات تصل عبر الرسائل البريدية أو المكالمات الهاتفية.

وفتحت شبكة الإنترنت الباب على مصراعيه أمام انتشار خطاب الكراهية بوتيرة غير مسبوقة. وبات الحجم الهائل من الأفراد الذين يعبّرون علناً عن رغبتهم في إلحاق الأذى بالمرشحين السياسيين ظاهرة مقلقة تتجاوز قدرات أي جهاز أمني على احتوائها، حتى مع توفير أعلى مستويات التمويل وبذل أقصى درجات التفاني.

‎ولم يعُد التحدي الوحيد الذي يواجه الأجهزة الأمنية الأميركية هو تصاعد التهديدات فحسب، بل إن طبيعة هذه التهديدات شهدت كذلك تحولاً جذرياً. فقد ولّد غضب الإنترنت ما يصفه علماء الإجرام بـ"الإرهاب العشوائي"، وهو شكل من أشكال الإرهاب تصعب مواجهته مقارنة بأعمال الجماعات السياسية المنظمة التي تتميز بأهداف واضحة وهياكل محددة.

ويطلق على هذا النوع من الإرهاب أحياناً مصطلح "الذئب المنفرد"، لكن هذا التوصيف ليس دقيقاً. فالعنف هنا ليس وليد فرد منحرف، بل هو نتاج شبكات مسمومة. فالكراهية والخوف والاحتقار التي تغذي المشهد السياسي الأميركي تتجسد في صورة رجال عنيفين يرتكبون أعمالاً إرهابية، كثمار شجرة سامة.

ولا تنبغي الاستهانة بحجم الكراهية والخوف والازدراء السائد في المشهد السياسي الأميركي الراهن. فقد أصبح الجمهوريون والديمقراطيون يعيشون في عالمين منفصلين بقيم متباينة جذرياً. ففي 1960، كان أربعة في المئة فقط من كلا الحزبين يرفضون زواج أبنائهم من الحزب الآخر، وزادت النسبة في 2010 إلى 50 في المئة بين الجمهوريين وثلث الديمقراطيين. ‎وحالياً، يوافق ربع الأميركيين على مقولة إنه "قد يضطر الوطنيون الأميركيون للجوء إلى العنف لإنقاذ البلاد"، بنسب متقاربة بين الحزبين.

ولم تختلف النسب بحسب ما إذا كان السؤال موجهاً إلى جمهوريين أو ديمقراطيين، لذا، فإن ما نراه من أعمال عنف تبدو وكأنها تأتي من العدم، هي في الواقع نتاج كراهية متجذرة ومنتشرة على نطاق واسع في المجتمع. وهذا الوضع يفسر الارتفاع الملحوظ في عدد الأفراد المسلحين والخطرين الذين يهددون الاستقرار.

‎ويوجد ما يقارب 500 مليون قطعة سلاح ناري في أميركا، ولا يتجاوز عدد الأسلحة المسجلة رسمياً 6 ملايين قطعة فقط. كذلك فإن الأرقام المتعلقة بكميات الذخيرة غير معروفة بدقة، لكن الاستهلاك المحلي وحده يصل إلى 12 مليار طلقة سنوياً. لذا تواجه الخدمة السرية معادلة بسيطة ولكنها قاسية تتمثل في كراهية واسعة النطاق مع وفرة السلاح، مما يجعل النتائج حتمية.

وكشفت التطورات الأخيرة المحيطة بمحاولتي الاغتيال اللتين استهدفتا الرئيس السابق دونالد ترمب عن اتجاه جديد ومثير للقلق في المشهد السياسي الأميركي. فقد بدأت تظهر على اليسار السياسي نزعات كانت في السابق حكراً على أقصى اليمين. وشهدت شبكات التواصل الاجتماعي موجة من الادعاءات التي تصف محاولة الاغتيال الأولى بأنها "عملية مفبركة"، في صدى لافت للخطاب الذي كان سائداً في الإذاعات المحافظة عقب حوادث إطلاق النار في المدارس خلال عهد باراك أوباما.

‎وأظهرت نتائج استطلاع رأي حديث أن سبعة في المئة من الأميركيين يؤيدون استخدام العنف لإعادة ترمب للرئاسة، بينما يرى 10 في المئة أن "استخدام القوة مبرر لمنع ترمب من أن يصبح رئيساً". وباتت السردية التقليدية التي كانت تُنسب عادة إلى المتطرفين اليمينيين - مثل الشعور بالاغتراب والانفصال عن الواقع والانغماس في أوهام الإنترنت - الآن ظاهرة مشتركة بين الطرفين السياسيين. وتجلى ذلك بوضوح في الخلفيات النفسية والاجتماعية للمتهمين بمحاولتي الاغتيال الأخيرتين.

وعبر التاريخ، كثيراً ما كان منصب الرئيس الأميركي محاطاً بعدد كبير من الأخطار، فقد تعرض أربعة من أصل 45 رئيساً أميركياً للاغتيال، وهي نسبة تفوق معدلات الوفيات بين الجنود في ساحات القتال. ونجا 13 رئيساً من محاولات اغتيال. وهذه الأرقام تعكس حال تناقض غريبة من نوعها عند مقارنتها مع دول ديمقراطية أخرى. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، يعود تاريخ آخر اغتيال لرئيس وزراء لعام 1812، عندما اغتيل سبنسر بيرسيفال. أما أستراليا، فلم تشهد سوى ثلاث محاولات اغتيال في تاريخها كله، بينما سجلت كندا محاولة واحدة فقط.

أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب فقد حوّل محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها إلى فرصة للتباهي والتفاخر فصرح الأسبوع الماضي بأن "الرؤساء المؤثرين فقط هم من يتعرضون لمحاولات الاغتيال"، وهو ادعاء غير صحيح كعادة تصريحاته. فعلى سبيل المثال، لا يمكن وصف الرئيس ويليام ماكينلي بأنه مؤثر بصورة استثنائية. وزعم ترمب أنه كان في خضم لعبة الغولف عندما قاطعته الخدمة السرية لإحباط محاولة الاغتيال، وأضاف ساخراً أن ما أزعجه حقاً هو أنه أضاع فرصة تسجيل تلك النقطة بسبب المقاطعة.

وكشف عميل سابق في الخدمة السرية، خلال مقابلة أجريتها معه عن كتاب  The Next Civil Warعن أن محاولات اغتيال الرؤساء في أميركا باتت جزءاً من المشهد السياسي. وعلى رغم النبرة الساخرة في حديثه، إلا أن تصريحه يلامس واقعاً مقلقاً. ويبرز الإرهاب العشوائي كتحدٍ جسيم نظراً إلى تأثيره البالغ، إذ يغذي العنف دوامة من العنف المضاد في شتى الأزمنة والأمكنة. وفي هذا المنعطف الحرج من تاريخ الولايات المتحدة، يبدو غير واضح ما إذا كانت الخدمة السرية، أو أي جهة أخرى، قادرة على حماية أميركا من نفسها.

ستيفن مارش، مؤلف كتاب: ‘The Next Civil War: Dispatches from the American Future’

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير