ملخص
إسرائيل تخوض الحرب مع لبنان بقواعد لعب متشابهة لتحقيق أهداف بعيدة المنال
شكل القصف المكثف والواسع الذي شنه الجيش الإسرائيلي، الإثنين، على لبنان وتجاوز الـ400 غارة خلال ساعات القصف الأولى، الانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال بين إسرائيل و"حزب الله"، حذرت جهات أمنية وسياسية من خطر اتساعها إلى حرب شاملة. وصادق المستوى السياسي على خطط عسكرية للقتال في لبنان من دون تحديد موعد لإنهائها على أن تشكل وسيلة ضغط على "حزب الله" والتقدم نحو تسوية سلمية في مقدمها ابتعاد عناصر "الرضوان" إلى شمال الليطاني وعلى بعد 10 كيلومترات من الحدود.
إسرائيل صعدت قتالها وانطلقت لتنفيذ خططها ضمن معادلة "تكثيف القتال يشكل ضغطاً لتحقيق مطالب إسرائيل"، وهذا ما سبق واستخدمته إسرائيل في غزة تجاه "حماس"، عندما أعلنت أن تكثيف القتال وملاحقة قياديي الحركة سيُخضعها ويدفعها نحو صفقة أسرى وفق الشروط الإسرائيلية، بما في ذلك بقاء الجيش في محور فيلادلفي.
هذه المعادلة، التي فشلت في غزة، تنفذها إسرائيل اليوم في لبنان، وفي عملياتها المكثفة التي أطلقتها، الإثنين، واتسعت لتشمل مناطق مدنية واسعة، تريد إسرائيل من خلالها تكثيف الضغط على "حزب الله" والمتوقع أن يستمر لأيام، وفق مسؤولين أمنيين، إلى حين تحقيق المرحلة الأولى من خطة الجيش، أي إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم.
وعلى رغم تمسكها بهذه المعادلة فإن إسرائيل، وفي أعقاب انتقادات واسعة لها بعد أن انسحبت من مناطق عدة من غزة ثم عادت إليها وكانت حركة "حماس" قد أعادت تعزيز قدراتها فيها، تريد هذه المرة في لبنان استمرار القتال وإن طال لأيام والقضاء على البنى التحتية العسكرية لـ"حزب الله" ومخازن الأسلحة.
وتوقعت تل أبيب أن تشكل عمليات أجهزة الاتصالات والتصعيد العسكري في مناطق واسعة ضغطاً كبيراً على "حزب الله" يدفعه إلى قبول مسودة تسوية سلمية في مركزها الابتعاد من نهر الليطاني شمالاً ومن إسرائيل.
غياب خطة إستراتيجية
مرور عام على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من دون أن تحقق إسرائيل هدفاً واحداً من الأهداف التي أعلنت عنها، في الأقل القضاء على "حماس" وتدمير بنيتها التحتية وإعادة الأسرى، يعكس السياسة التي تعتمدها الحكومة الإسرائيلية بعد هجوم "حماس" والمبنية على ضمان استمرار الائتلاف الحكومي ومصلحة نتنياهو الشخصية. ووفق هذا المنطلق عملت إسرائيل على مدى نحو عام من دون وضع خطة إستراتيجية تشمل جدولاً زمنياً للقتال في غزة واليوم الذي يليه.
واليوم في حربها على لبنان تدخل إسرائيل من دون خطة إستراتيجية توصلها إلى تحقيق هدف إعادة السكان إلى بيوتهم. والخطة الإستراتيجية تشمل كيفية حماية السكان وإعادة الهدوء إلى جميع المناطق الحدودية وليس الأعمال العسكرية فقط.
في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" لمقارنة الوضع بين غزة ولبنان جاء فيه أن إسرائيل تبنت منذ مطلع العام الحالي في غزة "إستراتيجية المرحلة الثالثة"، التي تركز على هجمات موضعية واجتياحات، "في أعقاب ذلك، وإن كانت ‘حماس‘ تتلقى ضربات غير مسبوقة لكنها تنجو وتواصل الإبقاء على قوة عسكرية – وتشكل عنصر القوة السائدة في غزة، أما في لبنان - يضيف التقرير - "الهدف ليس تقويض العدو مثلما في القطاع، لكن الواقع مشابه: تصفية واسعة للقادة مما قد يؤلم ‘حزب الله‘ بشدة ويطرح أمامه معضلة الرد، لكن هذا لن يقلص من قدرته العسكرية، وبالتأكيد لن يدفعه إلى رفع الراية البيضاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا التكتيك الذي اعتمد في غزة، كما يؤكد أكثر من أمني ومتخصص عسكري، لم يؤد إلى نتيجة مرضية لإسرائيل، وعلى رغم ذلك تكرر إسرائيل في لبنان ذلك علماً أن قدرات "حزب الله" أكبر بـ10 مرات من قدرات "حماس" العسكرية، وهذا وفق جنرال الاحتياط، إسحق بريك، "سيوصل إسرائيل إلى فشل كبير كما حصل لها في غزة"، ويتابع "كان يجب على الجيش أن يتعلم الدرس من غزة وعدم خوض حرب خطرة مع لبنان من شأنها ليس فقط أن تغرقنا في الوحل اللبناني، إنما تفتح أبواب حرب إقليمية تلحق بإسرائيل أضراراً فادحة".
وقال "الحكومة التي تدير المعركة الآخذة في التعاظم في الشمال هي الحكومة ذاتها المتورطة منذ نحو عام كامل في حرب دامية بقطاع غزة. فلا يزال الحديث يدور عن حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، وعن نتنياهو القصير النظر الذي يجد صعوبة في أن يخرج إلى حيز التنفيذ خطوات بعيدة المدى وبدلاً من ذلك يترك الموقت يصبح أمراً مستداماً".
أخطاء كثيرة
مجرد أن قررت إسرائيل فتح جبهة الشمال قبل حسم القتال في غزة أو حتى التوصل إلى اتفاق صفقة أسرى، كان هذا أول أخطاء هذه الحرب، وفق أمنيين عسكريين يتوقعون أن تتعرض الجبهة الداخلية في إسرائيل لضربات قوية مما يشكل خطراً على حياة مئات، على رغم معرفة متخذي القرار بهذه الخطورة.
ويقول المتخصص العسكري، عومر دينك، إن "الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل في غزة كثيرة ولم تتعلم الدرس عند انتقالها إلى لبنان. إسرائيل وضعت أمامها أهدافاً في غزة على أن تنهيها خلال فترة قصيرة ولكن هذه الأهداف بحد ذاتها لا يمكن تنفيذها، لا سيما وفق عقيدة الجيش بضرورة توجيه ضربات قوية والحسم خلال فترة قصيرة، واليوم بعد ما فشلت هذه الأهداف بعد نحو عام أطلقت إسرائيل عملية عسكرية واسعة وشنت قصفاً مكثفاً طاول الضاحية في بيروت، واتخذت خطوات الكل يحذر من أن تقود إلى حرب واسعة". وأضاف "هذا خطأ إستراتيجي في إدارة الحرب سيكلف إسرائيل ثمناً اقتصادياً ومدنياً باهظاً على المديين المتوسط والطويل".
مثل غزة، تخوض إسرائيل في لبنان حرباً من دون أن تكون لديها إستراتيجية.
تشمل خطة إسرائيل إقامة منطقة عازلة، وهذه نقطة ترفع من التحديات أمام إسرائيل، مما يدفعها إلى تكثيف القتال في مناطق حدودية من دون تحقيق الهدف المنشود. كان هذا في غزة، واليوم الهدف نفسه تطرحه إسرائيل في لبنان وتعلن أنها لن تتراجع عن القصف والتوسع في لبنان قبل أن تحقق هدف إقامة منطقة عازلة وإبعاد عناصر "حزب الله" من الحدود وإلى شمال الليطاني.
عبر وضعها هذا الهدف هي تضع، وفق خبراء، عراقيل تحول دون تحقيق المبتغى خلال فترة قصيرة كما تخطط، بل من شأن ذلك تشكيل معارضة لمنع إسرائيل من احتلال المساحة المعزولة، وهذا بحسب دينك، يعني احتلالاً طويل الأمد داخل لبنان، مما يعني تكرار الخطأ نفسه وتوقع نتائج مختلفة، ويقول "يجب أن نتذكر أيضاً أن ‘حزب الله‘ من الحدود وحتى الليطاني منتشر وبصورة قوية، وللمنظومة خلفية عسكرية صلبة وقنوات تسليحها متفرعة لا تعتمد على طريق واحد مثل محور فيلادلفي".