Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا نفى رئيس إسرائيل مسؤولية بلاده عن هجوم "البيجر"؟

خلافات الطبقة السياسية حول التعامل مع "حزب الله" تطفو على السطح

قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إنه "يرفض بصورة قاطعة أية صلة" بين إسرائيل والهجوم على "حزب الله" (المكتب الإعلامي للحكومة الإسرائيلية)

ملخص

فيما يتبنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موقفاً أكثر تحدياً، فإن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ نفى مسؤولية إسرائيل عن تفجير "البيجر" وذلك لتفادي تداعيات قانونية ودولية. هذه المواقف قد تعكس خلافات في طريقة التعامل مع "حزب الله".

نفى الرئيس الإسرائيلي "نفياً قاطعاً وجود أي صلة" بين دولته وموجة تفجير أجهزة الاستدعاء "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي ضربت على وجه الخصوص عناصر "حزب الله" في لبنان وكثير من الأشخاص غير المرتبطين بهم. وليس من الواضح ما الذي دفع إسحاق هرتسوغ إلى نفي هذه الصلة المسلم بها بشكل واسع، التي رحب بها بعض الإسرائيليين، وأدانها آخرون.

إن هذا يذكرني بكلمات الكاتب كلود كوكبيرن، الذي حذر قراءه قبل أكثر من ثمانية عقود من الزمن: "لا تصدقوا أي شيء حتى يتم نفيه رسمياً".

إن رفض الرئيس هرتسوغ التام بقبول مسؤولية إسرائيل - أو ربما الفضل - عن الضربة الاستخباراتية القاتلة غير المسبوقة لعدوها الشمالي هو أمر حتى أكثر غرابة، لأنه جاء بعد ساعات قليلة من التحذير المليء بالتهديد الذي وجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى "حزب الله" في اليوم نفسه: "إذا لم يفهم ’حزب الله‘ الرسالة، فأنا أعدكم بأنه سيفهم الرسالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو هذا الكلام أقرب صيغة ممكنة إلى إعلان تبني مسؤولية في عمليات تفجير أجهزة الاستدعاء "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستطيع رئيس الوزراء أن يعلنها.

ولكن لماذا ينبغي للرئيس أن يكون أكثر تحفظاً في الاحتفاء بضربة إسرائيلية عبقرية في طريقتها الفريدة والمرعبة في مكافحة الإرهاب؟

إن الرئيس هرتسوغ يدرك جيداً أن منتقدي عملية التخريب الدرامية التي شنتها إسرائيل الأسبوع الماضي يتهمون أجهزتها السرية بالتورط في هجوم عشوائي، وضرب مدنيين لبنانيين إلى جانب مقاتلي "حزب الله". وهذه الأحداث الأخيرة قد تُقنع المحكمة الجنائية الدولية بإضافة الخسائر "الجانبية" للهجمات إلى لوائح الاتهام ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين.

وهناك تقارير واسعة الانتشار تفيد بأن المحكمة الجنائية الدولية "توشك" رسمياً على توجيه اتهام لنتنياهو على أفعال جيش الدفاع الإسرائيلي في حربه على "حماس" منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ويبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي ازدراءً للمزاعم ولاختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وتُظهر زيارته الأخيرة للولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام الكونغرس في واشنطن والتشاور مع إدارة بايدن أنه في حسابات رئيس الوزراء، فإن أميركا هي وحدها المهمة.

وأظهرت فورة غضبه الأخيرة على القيود المتواضعة التي فرضها كير ستارمر على بعض الأسلحة البريطانية، وعلى المدعين في المحكمة الجنائية الدولية برئاسة المحامي البريطاني السير كريم خان، ازدراءه الدول التي تحاول "إنجاز مهام أكبر من قدراتها" وتعزيز سيادة القانون الدولي.

ولعل رئيس إسرائيل اليوم، بسبب خلفيته البريطانية، أكثر اهتماماً من نتنياهو، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، لتأثير الرأي العام وصناع القرار في الدول الأوروبية على التصورات النابعة من طريقة إدارة الحرب من قبل إسرائيل - مهما كان مدى تأييده التدابير القوية (في أقل تقدير) ضد أعدائها. كما يدرك هرتسوغ أن الأوروبيين هم أطراف موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.

إن التوترات داخل النخبة السياسية في إسرائيل تعكس الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي الذي، على رغم أنه قد يكون موحداً ضد أعدائه الخارجيين، فإنه مستقطب في مواقفه تجاه طريقة تعامل نتنياهو مع الصراع منذ السابع من أكتوبر 2023. ويعطي هرتسوغ الأولوية لإعادة الرهائن إلى ديارهم. أما نتنياهو فيسعى إلى تحقيق النصر العسكري.

ويبدو أن حكومته تتبع - وبخاصة مع ضرباتها في عمق لبنان ضد "حزب الله" - إستراتيجية "خفض التصعيد من خلال التصعيد". وهذا يعني ردع "حزب الله" عن توجيه ضربات إلى شمال إسرائيل من خلال إظهار أن إسرائيل لديها قدرة أكبر على إلحاق الدمار مما يمتلكه مقاتلو الحزب.

من الواضح أن الجيش الإسرائيلي والموساد قادران على زيادة الوجع الذي يلحق بلبنان بصورة عامة و"حزب الله" بصورة خاصة. ولكن السؤال هو: إلى متى تستطيع إسرائيل أن تتحمل تعطيل "حزب الله" الحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي في مناطقها الشمالية؟ ومن الناحية الأخرى وللأسف، فقد اعتاد اللبنانيون على المآسي والكفاح من أجل البقاء.

إذا استطاع "حزب الله" وحلفاؤه من العراق إلى اليمن الاستمرار في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل بعد الضربات الدامية التي تعرض لها في بداية الأسبوع الماضي، فإن النشوة التي انتابتهم إثر التفجيرات المثيرة للشلل التي تعرض لها نحو 4 آلاف من أنصار "حزب الله" قد تتبدد بسرعة.

وبصراحة، يواجه كثير من الإسرائيليين انخفاضاً غير مسبوق في مستويات المعيشة وكذلك الأمن - حتى لو بدا مستوى هاتين المشكلتين ضئيلاً مقارنة بما يواجهه كثير من اللبنانيين. إن مصيبة الآخر الأكبر لا تجعل من أوضاعك أفضل.

إن الخطوة الانقلابية التي قامت بها الاستخبارات الإسرائيلية [تفخيخ البيجر] قد لا تكون أكثر حسماً من هجوم اليابان على بيرل هاربر، أو هجمات الـ11 من سبتمبر بالنسبة إلى تنظيم "القاعدة".

إن الاحتفالات الإسرائيلية بتشويه عناصر "حزب الله" وقطع رؤوس قادته الرئيسين تذكرنا بصورة مخيفة بالفلسطينيين الذين رقصوا في الشوارع بعد انهيار برجَي التجارة العالمي قبل 23 عاماً، حين أخطأوا في اعتبار هجوم مفاجئ ناجح بأنه ضربة حاسمة.

إن الاحتفال المبكر بالنصر قد يؤدي إلى زيادة حدة الانقسامات بين الجمهور الإسرائيلي، إذا استمرت أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ عام 1948 لأشهر عدة أخرى وتسببت في تدهور الحياة اليومية.

إن هذه الحرب تذكرنا بصورة مخيفة بحرب الجزائر في الخمسينيات وحرب فيتنام في الستينيات. ففي ذلك الوقت، كان بوسع الجييشين الفرنسي والأميركي الحديثين أن يهزما المتمردين في كل معركة ضارية، ولكن الاستنزاف أدى إلى إضعاف إرادة القوات المتفوقة تكنولوجياً على مواصلة القتال.

إن الانقسامات في قمة الطبقة السياسية الإسرائيلية حول كيفية تقديم إستراتيجيتها ضد "حزب الله" و"حماس" قد تضعف الدعم الشعبي لحرب لا نهاية لها على ما يبدو.

مارك ألموند هو مدير معهد أبحاث الأزمات في جامعة أكسفورد

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء