ملخص
ارتفاع أسعار الذهب في فلسطين يعود إلى وقف تهريبه من الخارج، واحتكار بعض التجار الذهب على أمل رفع أسعاره، إضافة إلى عوامل نفسية شجعت المستثمرين على شرائه بسبب الحرب.
شهدت الأسواق الفلسطينية في الضفة الغربية نقصاً حاداً في سبائك الذهب خلال الأيام الماضية، في ظل إقبال ملحوظ من قبل الفلسطينيين على شرائه باعتباره ملاذاً آمناً للادخار في وقت الحروب، على رغم الارتفاع غير المسبوق في أسعاره بالأسواق العالمية.
وتزامن النقص في سبائك الذهب مع إغلاق إسرائيل الجزء التجاري من معبر الكرامة (الملك حسين) مع الأردن منذ أسبوعين والذي يُشكّل قناة رئيسة لإدخاله إلى الضفة الغربية.
وبسبب اختلاف المعايير الفلسطينية والإسرائيلية في التعامل مع الذهب، يلجأ الفلسطينيون إلى تهريبه من الخارج عبر المنافذ البرية والجوية والبحرية التي تُسيطر عليها إسرائيل.
وذلك لأن القانون الإسرائيلي يعتبر الذهب سلعة عادية ويفرض عليها الجمارك والضرائب، فيما يعتبره القانون الفلسطيني نقداً معفياً من الضرائب والجمارك.
تهريب الذهب
وتسبب ذلك في اعتماد الفلسطينيين على تهريب الذهب سواء من إسرائيل أو عبر المعابر مع الأردن، أو المطارات الإسرائيلية، بحيث أصبح تهريب الذهب يتم بشكل ممنهج ومنظم.
وقالت مصادر فلسطينية لـ "اندبندنت عربية" إن الفلسطينيين يشترون أكثر من 10 أطنان من الذهب سنوياً، نحو 70 في المئة منها تأتي تهريباً من الخارج، فيما يعاد تدوير الـ30 في المئة الأخرى من الذهب في مشاغل تصنيعه.
وشهد مؤشر دمغ الذهب في فلسطين تراجعاً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل نحو عام إلى نحو 50 في المئة، وفق وزارة الاقتصاد الفلسطينية قبل ثلاثة أشهر.
وبحسب أرقام وزارة الاقتصاد الفلسطينية، فإن مؤشر دمغ الذهب انخفض من 8.6 طن إلى 4.3 طن مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
وفي عام 2022 دمغت مديرية دمغ ومراقبة المعادن الثمينة في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، نحو 17.75 طن ذهب بزيادة 93 في المئة عن المعدل مقارنة مع الأعوام الخمسة الماضية.
وأشار رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة محمد الحرباوي إلى أن نقص سبائك الذهب يعود إلى وجود صعوبات في تهريبها من الخارج، وفي ظل ارتفاع الطلب عليها بهدف الادخار بسبب الحرب والرغبة بالتخلص من العملات الورقية لانخفاض قيمتها.
عملة الـ200 شيكل
ومن بين تلك الأسباب وفق الحرباوي، رغبة البعض في التخلص من العملة الورقية الإسرائيلية من فئة 200 شيكل وذلك بعد تداول أنباء عن إلغائها من البنك المركزي الإسرائيلي.
وأوضح الحرباوي أن الذهب "يبقى الملاذ الآمن في أوقات الحروب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي"، مشيراً إلى أن سبائك الذهب هي "الوسيلة الأفضل للادخار مقارنة بالعملات الأخرى على رغم وصول أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ".
وبسبب تهريبها من الخارج تُباع أونصات الذهب (31 غراماً) في الأسواق الفلسطينية بأكثر من 300 دولار أميركي من السعر العالمي لها.
ووفق الحرباوي فإن السلطة الفلسطينية وإسرائيل تعلمان جيداً أن الذهب في السوق الفلسطينية يأتي عبر التهريب من الخارج.
وأوضح أن وزارة الاقتصاد الفلسطينية تقوم بدمغ تلك السبائك والأونصات لتصبح قانونية وشرعية وذلك من دون السؤال عن طريقة إدخالها من الخارج بسبب عدم وجود وسيلة أخرى للقيام بذلك.
ولم يتطرق اتفاق باريس الاقتصادي الذي ينظم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لموضوع الذهب سوى الإشارة إلى حق سلطة النقد الفلسطينية بالاحتفاظ ببعض كميات الذهب كاحتياطي.
وأصدرت السلطة الفلسطينية عام 1998 قانوناً ينص على إعفاء الذهب من الضرائب والجمارك، مع فرض ضريبة القيمة المضافة عليه بعد تصنيعه كحلي ومجوهرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نقص في الأسواق
وفي جولة لـ "اندبندنت عربية" في سوق الذهب بمدينة رام الله، لاحظنا صعوبة توافر أونصة وسبائك الذهب للبيع.
وأرجع صاحب أحد محلات بيع الذهب عامر الحواري ذلك إلى توقف تهريبها من الخارج، ورفض المصارف استلام عملة الشيكل الإسرائيلي المتراكمة، وإقبال كبار التجار ورجال الأعمال لشراء الذهب خلال الأيام الماضية للادخار على رغم ارتفاع أسعاره.
وأشار الحواري إلى أن تخزين سبائك الذهب "سهل بسبب صغر حجمها وارتفاع ثمنها واحتفاظها بسعرها، هذا إذا لم يرتفع".
واعتبر الخبير في شؤون الذهب يعقوب شاهين أن إغلاق معبر (الكرامة) مع الأردن، وزيادة الطلب على الذهب على رغم ارتفاع سعر الأونصة عالمياً بسبب الحروب وعدم الاستقرار، كلها عوامل تقف وراء النقص في سبائك الذهب في السوق الفلسطينية.
ولا يشهد الذهب المُعد للزينة نقصاً في الأسواق حيث يتم عرض نحو 14 طناً وفق شاهين، بمعدل بيع يصل إلى 10 أطنان سنوياً.
وسجل سعر أونصة الذهب العالمي أعلى مستوى تاريخي مع بداية الأسبوع الجاري عند 2615 دولاراً للأونصة، مدفوعاً بالزخم الناتج من خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نسبة الفائدة، وارتفاع الطلب على الذهب بسبب الأخطار الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وأشار شاهين إلى إمكانية انخفاض أسعار أونصة الذهب، مستذكراً بعض الشواهد التاريخية على ذلك، حينما انخفض عام 1980 من ألف دولار للأونصة إلى 270 دولاراً.
احتياطي استراتيجي
وأرجع الخبير الاقتصادي طارق الحاج ارتفاع أسعار الذهب عالمياً إلى إقبال البنوك المركزية حول العالم لشرائه "لأنه احتياطي استراتيجي وبسبب الأزمات العالمية".
ووفق الحاج فإن أسباب ارتفاع أسعار الذهب في فلسطين يعود إلى وقف تهريبه من الخارج، واحتكار بعض التجار للذهب على أمل رفع أسعاره، إضافة إلى عوامل نفسية شجعت المستثمرين على شرائه بسبب الحرب.