Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غلاء إيجارات المنازل يفاقم أزمات السودانيين

يلعب تجار الحروب من السماسرة "الوسطاء" دوراً ممنهجاً في رفع أسعار الإيواء بهدف الحصول على عمولة

اتسعت رقعة المعارك وتمددت داخل 13 ولاية سودانية من أصل 18 (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

أسهمت الأزمة الاقتصادية التي أفرزتها الحرب في ارتفاع غير مسبوق لإيجارات المنازل العادية والشقق والغرف الفندقية، في ظل فقدان مصادر الدخل ونفاد الأموال المدخرة.

مع استمرار الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 يعيش السودانيون في معضلات أرهقت الأسر النازحة داخل البلاد وخارجها، فراراً من المعارك الدامية التي اتسعت رقعتها وتمددت داخل 13 ولاية سودانية من أصل 18، وبخاصة أن المعاناة تفاقمت بصورة لافتة في سوق العقارات إذ أسهمت الأزمة الاقتصادية التي أفرزتها الحرب في ارتفاع غير مسبوق في إيجارات المنازل العادية والشقق والغرف الفندقية، في ظل فقدان مصادر الدخل ونفاد الأموال المدخرة فضلاً عن أن الأسر النازحة أصبحت غير قادرة على الإيفاء بالمطلوبات المعيشية الأساس تحت وطأة البطالة والفقر.

السكان الذين لا يزالون عالقين في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان تعصف بهم أقدار الحرب، إذ أجبرتهم على النزوح شمالاً نحو مدينة أم درمان في ضاحية كرري نسبة إلى وقوعها تحت سيطرة الجيش، لكن المغالاة في إيجارات السكن باتت عائقاً أمام من لا يريدون الابتعاد من الخرطوم. ويشتكي النازحون صوب الولايات الآمنة صعوبة توفير المنازل بسبب المبالغة في الأسعار، مع ممارسة أسوأ أنواع الاستغلال من أصحاب العقارات الذين يصرون على دفع مقدم لفترة أقلها ثلاثة أشهر، إضافة إلى تجار الحروب من السماسرة "الوسطاء" الذين يلعبون دوراً ممنهجاً في رفع الإيجارات بهدف الحصول على عمولة كبيرة، في ظل غياب جهات تحاسب من يستغلون الأزمات وممارسة الفساد بكل أنواعه.

ولحل هذه المشكلات اضطرت الأسر إلى بيع ممتلكاتها الخاصة لتوفير حياة كريمة لأفرادها بعد المعاناة في معسكرات الإيواء بمدينة أم درمان، التي بلغت نحو 176 مركزاً تفتقد أبسط المقومات، فيما عزا أصحاب الوكالات ارتفاع الإيجارات في الولايات إلى تدفق أعداد ضخمة من النازحين مما أدى إلى زيادة الطلب، وبخاصة مع الندرة في توفير العقار خلال الوضع الراهن، خصوصاً الذين اختاروا وجهة نزوحهم مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق البلاد، بعد أن أصبحت العاصمة الإدارية ومقراً للحكومة حيث تتوافر فيها الخدمات كافة.

خبراء الاقتصاد يعدون أن الحرب التي أكملت شهرها الـ17 تسببت في خسائر فادحة دمرت الاقتصاد السوداني ورمت بظلالها السلبية على المواطن بسبب توقف قطاعات الإنتاج وزيادة معدلات التضخم، وتدهور قيمة العملة الوطنية وأزمة السيولة إلى جانب تفشي البطالة والفقر.

أرقام قياسية

تقول النازحة فاطمة عبدالله وهي موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية بالخرطوم إن "الظروف الحالية التي تشهدها البلاد أدت إلى تفاقم معاناة المواطنين، وبخاصة الذين فضلوا البقاء في العاصمة الخرطوم وأصبحوا نازحين داخلها، لا سيما أن استمرار المعارك جعل معظمهم يتخذ مدينة أم درمان في ضاحية كرري مقراً لإقامته، فضلاً عن أن المدينة تعيش تحت وطأة ظروف قاهرة وتعاني أزمة في ارتفاع إيجارات المنازل حتى ذات التشييد البسيط في ظل عدم توافر مصادر دخل، مما جعل الأسر غير قادرة على توفير المال بسبب الحرب التي أفقرتهم، إلى جانب انقطاع شبكة الاتصالات والإنترنت التي أوقفت التحويلات البنكية من الخارج، إذ كانت تخفف بعض الأعباء الأسرية".

وأضافت عبدالله "مدينة أم درمان تحوي نحو 176 مركزاً للإيواء تكتظ بالنازحين الذين لا يستطيعون استئجار منزل آمن بسبب استغلال ملاك العقارات الذين يطالبون بدفع مقدم أقصاه ثلاثة أشهر، إلى جانب الوكالات العقارية والسماسرة من تجار الحروب الذين يمارسون الانتهازية برفع الإيجارات للحصول على قدر كبير من المال، إذ قام كثر ببيع أغلى ما يملكون بأثمان بخسة لحل مشكلة الإيجار".

وأردفت "الإيجارات في أم درمان وصلت إلى 600 ألف جنيه (ما يعادل 214 دولاراً) لتوفير سكن متواضع، بينما بلغت أسعار إيجارات الشقق مليوني جنيه (ما يعادل 714 دولاراً)، إذ تعد هذه الأرقام قياسية بالنسبة إلى السودانيين مقارنة بفترة ما قبل الحرب، لا سيما أن الأزمة تتفاقم بسبب انهيار الجنيه أمام الدولار مما يؤدي إلى تصاعد هذه الأرقام باستمرار".

وأشارت النازحة إلى أن "الأوضاع المعيشية تتجه نحو الانحدار إذ لا توجد حلول تلوح في الأفق بوقف الحرب، بالتالي فإن موجات النزوح ستزيد لا سيما أن توفير المأوى بات من هموم الأسرة، وهو ما يتطلب من أصحاب العقارات الرأفة بالمواطن ومراعاة الظروف التي فرضتها الحرب".

طفرة أسعار

ومن جانبه، يرى صديق أوهاج صاحب مكتب للعقارات في مدينة بورتسودان أن "سوق العقارات في بورتسودان يشهد طفرة بأسعار الإيجارات خلال هذه الفترة بسبب تدفق النازحين، مما أدى إلى زيادة الطلب على العقار مع ندرته سواء المنازل الصغيرة والشقق والغرف الفندقية، إذ بلغت أسعار الشقق نحو 5 ملايين جنيه شهرياً (ما يعادل 1785 دولاراً) والمنازل العادية ما بين مليون ونصف المليون (ما يعادل 535 دولاراً) ومليوني جنيه (نحو 714 دولاراً)".

ومضى المتحدث "نجد سعر الغرفة في فندق متوسط نحو 200 ألف جنيه لليلة الواحدة (ما يعادل 71 دولاراً)، ونفس هذه الأسعار نجدها في الولايات الآمنة التي تعاني تصاعد موجات النزوح، كمدن ولاية نهر النيل شمالاً وبخاصة عطبرة".

ولفت صاحب المكتب العقاري إلى أن "الأوضاع المأسوية التي أفرزتها الحرب باتت تؤرق الجميع، فضلاً عن أنها أجبرت ملاك العقارات إلى رفع الأسعار".

تجار الأزمات

وفي السياق ذاته، أبان محمد المهدي وهو معلم في إحدى مدارس الخرطوم الخاصة أن "تداعيات الحرب التي تدور رحاها بين الجيش و’الدعم السريع‘ جعلت المواطنين في حال من الإحباط وعدم الاستقرار بالنظر إلى صعوبات الحياة من توفير المأكل والمسكن. فأنا مثلاً أصبحت غير قادر على إعالة أسرتي التي تتكون من خمسة أفراد وتوفيق أوضاعها المعيشية، وبخاصة في ما يتعلق بالسكن، بيد أنني كنت أستأجر منزلاً في فترة ما قبل الحرب من راتبي الشهري، لكن الآن أصبح من الصعب الإيفاء بتلك الالتزامات بسبب توقف الراتب، إضافة إلى الزيادة في الأسعار التي تفوق الخيال مما أجبرني على ترك المنزل الذي كنت أستأجره، لأواجه رحلة نزوح جديدة نحو ولاية القضارف لعلي أجد إيجاراً مناسباً".

ونوه المهدي إلى أن "استمرار سوء الأوضاع في شتى مناحي الحياة سيؤدي إلى مزيد من الكوارث الإنسانية، لا سيما أن غالب النازحين في عديد من مدن الولايات يقيمون في خيم نُصبت في العراء حيث يعانون ظروفاً قاسية لعدم توافر الغذاء والرعاية الصحية في ظل انتشار أمراض مختلفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خسائر فادحة

وعلى صعيد متصل، أفاد الباحث الاقتصادي محمد الناير بأن "نشوب الحرب في العاصمة الخرطوم التي تعد مركز الثقل الاقتصادي إذ يتركز فيها نحو 25 في المئة من اقتصاد البلاد، إضافة إلى تمدد الحرب في مناطق ذات ثقل أكثر في ولايات دارفور والجزيرة والنيل الأزرق فضلاً عن آثارها المدمرة، كلها أدت إلى تعطيل موارد الإنتاج وتدمير البنى التحتية".

وأضاف الناير "نجد أيضاً أن الفوضى التي صاحبت القتال تسببت في البطالة والفقر، في ظل تدني دخل الأسر نتيجة تعليق الرواتب إضافة إلى خفض العاملين في بعض مؤسسات الدولة الكبرى، فضلاً عن عدم توافر فرص العمل وانهيار العملة الوطنية ومؤشرات ارتفاع التضخم، فكل هذه المسائل تشكل معضلة تؤرق الأسر السودانية التي أصبحت لا تستطيع تلبية متطلبات الحياة".

وزاد قائلاً "غلاء إيجارات المنازل سواء في العاصمة الخرطوم أو الولايات الأكثر بعداً من النزاع، يعد تحدياً في ظل الحرب، فضلاً عن أنها أسهمت في خسائر فادحة إذ تراجعت الإيرادات بصورة ملحوظة في حين ارتفعت معدلات الإنفاق، مما أدى إلى أن يكون وضع المواطن أكثر تعقيداً".

ويعد المتخصص الاقتصادي أنه "لا بد من وضع الخطط على المديين المتوسط والبعيد والبدء في تنفيذها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي رمت بظلالها السلبية على المواطنين، إلى جانب مشكلات إنسانية أخرى تفاقمت بسبب الحرب".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير