ملخص
من بداية الحرب تعرضت المستشفيات والمسعفون أثناء القيام بالواجب الإنساني للقصف المباشر على رغم أن القوانين الدولية تحرم ذلك. فمن يحاسب في ظل هذه الانتهاكات؟
من بداية الحرب على غزة تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين عامة، وعلى المستشفيات والمسعفين وسيارات الإسعاف أثناء أدائهم واجبهم الإنساني. المشهد نفسه يتكرر في لبنان، فعلى رغم الاستنكار من قبل الرسميين والدعوات إلى تحييد القطاع الصحي والمسعفين من القتال، تستمر الاعتداءات مستهدفة هذا القطاع بدءاً من الجنوب، حيث تكرر قصف مستشفيات عدة، وتم التعرض مرات عدة للمسعفين على رغم ما يشكله الأمر من انتهاك للقانون الدولي والأعراف التي تحرم التعرض لهذه الفئات غير المشاركة في القتال. وإثر هذه الاعتداءات سجلت إصابات عديدة بين قتلى وجرحى بين الطواقم الطبية والتمريضية والمسعفين.
اعتداءات بالجملة على المستشفيات
في يونيو (حزيران) الماضي نظمت وزارة الصحة اللبنانية ونقابة المستشفيات وقفة تضامنية مع المستشفيات في الجنوب والطواقم الطبية، شجباً للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها من بداية الحرب. وكان آخر هذه الاعتداءات آنذاك على مستشفى "صلاح غندور" في بنت جبيل وعلى سيارة إسعاف في الناقورة. وكان هناك استنكار لتعرض المستشفيات والطواقم الطبية للقصف أثناء أدائها واجبها الإنساني. وكانت إسرائيل نفذت غارة على باحة المستشفى في وضح النهار، أي في وقت الذروة، عندما كان مليئاً بالمرضى والزوار، مما أدى إلى مقتل مدني وابنه وأحد أفراد طاقم أمن المستشفى. وأصيب العديدون بجروح، وتعرض ممرضون لحالات اختناق، مما يعد انتهاكاً صارخاً للمواثيق والأعراف الدولية التي تمنع التعرض للمنشآت الصحية في الحرب.
وفي اليوم الأول من بدء الأعمال القتالية، والذي اعتبره وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض الأكثر دموية في لبنان منذ حرب عام 2006، شارك 54 مستشفى بتقديم الخدمات الطبية للمصابين الذين بلغ عددهم 558 قتيلاً و1835 مصاباً. في ذاك اليوم، قتل أربعة مسعفين إثر استهداف 14 سيارة إسعاف، وأصيب 16 شخصاً من فرق الإطفاء. أيضاً استهدفت غارة إسرائيلية فرق الإغاثة في صور من جمعيتي "كشافة الرسالة الإسلامية" و"الهيئة الصحية الإسلامية" أثناء قيام 25 منهم برفع الأنقاض إثر غارة إسرائيلية. وأصيب في الغارة 12 عنصراً، بحسب "الوكالة الوطنية للإعلام". ووفق وزارة الصحة العامة قتل في اليومين الأولين أربعة مسعفين، واستهدفت إسرائيل 14 مركبة للإسعاف والإطفاء.
ومعلوم أن القرار 2675 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمدته عام 1970 ينص على أن منطقة المستشفى يجب ألا تكون هدفاً للعمليات العسكرية، ولا يسمح أبداً بالهجمات العشوائية أو المقصودة عليها وعلى العاملين فيها بصفة إنسانية.
أيضاً، تنص اتفاق جنيف لعام 1949 في المادة الـ18 منها، وبروتوكولاتها الإضافية، على حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال من مدنيين ومسعفين وعمال إغاثة. وتنص على أنه "لا يجوز بأية حال، الهجوم على المستشفيات المدنية لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات". ووفق النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، يشكل تعمد توجيه هجمات ضد المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى والوحدات الطبية من مستعملي الشارات المميزة المبينة في اتفاقات جنيف طبقاً للقانون الدولي، جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
انتهاكات لا تبرر
وأوضح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية في بيروت والعميد في "الجامعة الدولية للأعمال" في ستراسبورغ المحامي بول مرقص أنه "في اتفاقات جنيف الأربع سلسلة معاهدات دولية تنص على قواعد الحروب الإنسانية في حماية للمدنيين، وغير المقاتلين خلال النزاعات المسلحة. ووقعت إسرائيل على اتفاقات جنيف من دون المصادقة عليها، ولم تدخل أحكامها ضمن قوانينها الداخلية. ومن المفترض أن تؤدي الانتهاكات المرتكبة مثل استهداف المدنيين، والبنية التحتية المدنية، واستخدام القوة بصورة مفرطة والتهجير القسري إلى التحقيق والمحاكمة وفقاً لأحكام المواد 3 و27 و49 من اتفاق جنيف لعام 1949 التي ترعى وجوب حماية المدنيين. وتحظر المادة 18 منها استهداف المنشآت الاستشفائية والطبية. إضافة إلى البروتوكول الأول لعام 1977، وتحديداً المادة 79 منه بعنوان تدابير "حماية الصحافيين" التي تنص على حماية الصحافيين، ما لم تلتزمه إسرائيل أبداً، لا بل على العكس هي تستهدف هذه الفئات بصورة مباشرة".
وأشار مرقص إلى قرارات مجلس الأمن في هذا الإطار، كالقرار رقم 1738 بتاريخ 23/12/2006 بعنوان "حماية المدنيين في النزاعات المسلحة". وعلى رغم أن إسرائيل لا تعد طرفاً في البروتوكولات العائدة لهذه الاتفاقات لعام 1977، فإن ذلك لا يسمح لها بالتنصل من موجبها باحترام المعايير الدولية الإنسانية، لذلك شدد مرقص على ضرورة تفعيل الآليات القانونية والقضائية لتحميل المسؤولين الإسرائيليين المسؤولية. "فتجربة غزة تتكرر بصورة واضحة، وعلى رغم أن احتماء المقاتلين بالمدنيين واتخاذ المنشآت المدنية مخازن للسلاح محظور في القانون الدولي، فهذا لا يبرر قصف المقاتلين عشوائياً وإيقاع الضرر بالمدنيين وهدم المنشآت المدنية. حتى إن تحذير المدنيين مسبقاً لا يرفع المسؤولية كما تصور إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق رئيس وحدة الخدمات والعمليات في الدفاع المدني وليد الحشاش، فقد "تعرض الدفاع المدني مراراً إلى اعتداءات وقصف منذ بداية الحرب في الجنوب. وتعرضت فرق الإسعاف والمؤسسات كافة التي تقوم بخدمات إنسانية مثل "كشافة الرسالة الإسلامية" و"الهيئة الصحية الإسلامية". ومن نحو أسبوعين، تعرض الدفاع المدني للاستهداف في منطقة النبطية، حيث قتل ثلاثة عناصر كانوا قد أنهوا عمليات إطفاء الحريق". وأكد الحشاش أنه لم يكن قربهم أي مقاتلين "فعملية القتل هذه حصلت في وقت كان العناصر يؤدون واجبهم بمفردهم، كنا وحدنا في الموقع ولا وجود لأي أشخاص آخرين قرباً باستثناء شرطي كان يساعد في إطفاء الحريق. في ذلك الاستهداف، أطلق صاروخان من مسيرة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة عناصر وإصابة آخر. وفي استهداف آخر نعتقد أنه لم يكن مباشراً، تعرض عناصر الدفاع المدني إلى إصابات بسبب قصف قريب أثناء أداء واجبهم، وكانوا على بعد أمتار من مكان القصف. ومن بداية الحرب تعددت الإصابات بين عناصر الدفاع المدني من دون محاسبة".
وتمنى الحشاش تحييد عناصر الدفاع المدني وسيارات الإسعاف والمسعفين وكل من يؤدي خدمات إنسانية عن القتال وأي عمل حربي، وناشد المؤسسات الدولية تحييد الدفاع المدني والإطفاء وسيارات الإسعاف، نظراً إلى التزام هذه المؤسسات بالأنظمة والقوانين الدولية.
وطاول القصف أيضاً المستشفيات، وكانت مستشفيات الجنوب الأكثر عرضة لهذه الاعتداءات، ولا سيما مستشفى "تبنين" الحكومي، إذ قتل ثلاثة أشخاص وأصيب أكثر من 34 آخرين.
وشجب مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة العامة جوزيف الحلو الاعتداءات المتكررة التي تطاول المراكز الصحية والمستشفيات والمسعفين وسيارات الإسعاف، واعتبره انتهاكاً واضحاً وصريحاً ومخالفة للقوانين الدولية التي تنص على تحييد المدنيين وهذه الجهات. واعتبر أن القطاع الصحي الذي بقي صامداً على رغم كل التحديات خط أحمر، وأن ما يحصل جريمة ضد الإنسانية، مطالباً المجتمع الدولي بالتدخل للضغط لوقف هذه الاعتداءات.
الشارة قد تحمي
من جهته أشار رئيس الصليب الأحمر اللبناني أنطوان الزغبي إلى أن هذه الجمعية لم تتعرض، حتى اللحظة، لقصف أو اعتداء، لاعتبار أن ثمة حذراً شديداً من قبل المسعفين لدى خروجهم في عملية ما، ونادراً ما يخرجون بصورة طارئة، "ولدى الخروج في أي مهمة يتم التنسيق مسبقاً مع (يونيفيل)، فالحالات التي يتدخل فيها الصليب الأحمر لا تكون طارئة، بل يكون هناك تبليغ مسبق، مما يقلل من احتمال التعرض للقصف والخطر".
وتابع الزغبي، "في حال حصول مشكلة قرب مركز للصليب الأحمر، لم نكن نتدخل سابقاً إلا في حال حصول تنسيق وعند الضرورة، لكن اختلفت الأمور الآن، والمطلوب من الجميع التدخل عند الحاجة. وهناك 198 جمعية بين صليب أحمر وهلال أحمر، لها نوعان من الشارات، إحداهما للتعريف بعلامة صغيرة على باب الآلية، والثانية تكون كبيرة على سطحها. وهذه الشارة من المفترض في القوانين الدولية أن تبعد الخطر وتسمح بعدم التعرض مطلقاً للمعدات الخاصة بنا عند التجوال أثناء أداء الواجب الإنساني. إلا أن هذا الخطر لا يستبعد بالمطلق في ظروف الحرب. فمن المفترض عدم المس إطلاقاً بهذه الشارة، لكن على رغم ذلك لا يعد المسعفون محميين كما بات واضحاً حتى اللحظة في الحرب مع إسرائيل كونها لا تحترم البروتوكولات والأعراف الدولية، وتمارس جرائم الحرب المتعاقبة من دون محاسبة ورادع".