Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقارب بين مصر وتشاد في إطار اتجاه القاهرة للتنسيق الأفريقي

تبادل وجهات النظر حول التوترات المتجددة في المنطقة

الرئيس التشادي محمد ديبي مستقبلاً رئيس الاستخبارات المصرية اللواء عباس كامل (الرئاسة التشادية)

ملخص

الزيارة الأخيرة تتجاوز الطابع البروتوكولي المعهود لجهة أنها برئاسة رئيس الاستخبارات العامة، وليس وزير الخارجية ، مما يوحي بالبعد الاستراتيجي والأمني للرسائل التي أرادت القاهرة بعثها

في إطار التوجه المصري الجديد نحو القارة الأفريقية، زار رئيس الاستخبارات العامة المصرية اللواء عباس كامل العاصمة التشادية إنجامينا على رأس وفد رسمي مصري، حاملاً رسالة خطية من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى نظيره التشادي محمد إدريس ديبي.

وذكر الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية في إنجامينا أن الرئيسين ديبي والسيسي يتشاوران بانتظام عبر تقاسم رؤية مشتركة لاستقرار وتنمية القارة الأفريقية، ويسعيان كذلك إلى تعزيز وتنويع التعاون بين تشاد ومصر.

وأضاف الموقع الرئاسي أنه أثناء تسليم الرسالة من الوفد المصري ناقش الطرفان تعزيز التعاون بين أنجامينا والقاهرة وسبل تطويرها.

ونقلت مصادر تشادية أن الجانبين المصري والتشادي تناولا الهموم المشتركة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والأمن والدبلوماسية، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حول التوترات المتجددة في القارة السمراء، بما في ذلك الوضع في القرن الأفريقي. 

وتأتي زيارة اللواء عباس كامل لتشاد بعد نحو أسبوعين على زيارة قادته إلى العاصمة الإريترية أسمرة، في إطار التنسيق بين البلدين حول التوترات المتصاعدة في القرن الأفريقي ومنطقة حوض البحر الأحمر، بخاصة بعد التداعيات التي أعقبت قرار القاهرة بالمشاركة في عمليات حفظ السلام في الصومال وتوقيعها على اتفاق دفاع مشترك مع مقديشو.

توجه جديد

وقال المتخصص في العلاقات الدولية محمد السيد علي إن ثمة توجهاً واضحاً للقاهرة نحو التنسيق مع دول القارة السمراء، مشيراً إلى أن "أكثر الأزمات التي أضحت تهدد الأمن القومي المصري اليوم، بما فيها الأمن المائي، كانت بالأساس نتيجة إهمال دول القارة الأفريقية" من جانب النظام السابق، بخاصة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، إذ انتهجت القاهرة مساراً مختلفاً في علاقاتها الدولية، تجاهلت فيه المصالح الحيوية التي تربطها بدول القارة الأفريقية، بما فيها دول منابع النيل الذي يمثل شريان حياة لمصر.

ولاحظ السيد أن الوفود التي تبتعثها القاهرة الآن نحو الدول الأفريقية، إلى جانب أهميتها السياسية هي تكتسب بعداً أمنياً واستراتيجياً واضحاً، سواء من ناحية تكوينها أو الملفات التي تناقشها، فمن جهة تشير رسالة قائد الاستخبارات العامة المصرية للوفود المبتعثة إلى أن الملفات والقضايا التي يرغب في مناقشتها تكتسب أهمية أمنية واستراتيجية وربما عسكرية، ومن جهة أخرى يشير التوقيت الذي تجري فيه هذه الزيارات إلى تعاظم الاهتمام المصري بالتنسيق مع الحكومات الأفريقية، بخاصة بعد قرار مصر المشاركة بنحو خمسة آلاف عسكري مصري في قوات حفظ السلام الأفريقية بالصومال، إلى جانب توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاق تعاون عسكري مشترك.

ويوضح أن القاهرة التي تنسق بصورة كبيرة مع كل من إريتريا وجيبوتي والسودان في سبيل استقرار هذه المنطقة ورعاية مصالحها الاستراتيجية وعلى رأسها مياه النيل والأمن في البحر الأحمر، تسعى الآن الى توسيع رقعة هذا التنسيق نحو الدول المجاورة لجوارها مباشرة، إذ ترتبط  تشاد بحدود مشتركة مع كل من ليبيا والسودان، وهما دولتان محاذيتان لمصر وتشهدان تحديات أمنية وعسكرية كبيرة، مما يؤثر في الأمن القومي المصري.

السودان على رأس القائمة

ويضيف السيد أن "الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوداني خلال الأيام الأخيرة في حربه ضد قوات ’الدعم السريع‘، بما فيها تحرير أجزاء كبيرة من العاصمة السودانية، ينبغي دعمها من قبل القاهرة من خلال ضمان عدم تدهور الأوضاع مجدداً، عبر التنسيق الأمني والسياسي مع دول الجوار السوداني، بخاصة المتهمة بدعم القوات المناوئة للجيش، شارحاً أن ثمة تداخلاً سكانياً كبيراً بين غرب السودان وشرق جمهورية تشاد وأن ثمة جماعات مسلحة تنشط بصورة كبيرة عند الحدود المشتركة بين البلدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يتهم الجيش السوداني إنجامينا بتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي لقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالتالي فإن التنسيق الأمني المصري - التشادي من شأنه أن يقوم بدور في إذابة التوتر القائم بين إنجامينا والخرطوم على المدى القريب، فضلاً عن إمكان إسهامه في إنهاء الحرب القائمة في السودان على المديين المتوسط والبعيد.

ويختم السيد إفادته لـ "اندبندنت عربية" بأن إنهاء الحرب الأهلية القائمة في السودان يمثل مصلحة استراتيجية بالنسبة إلى القاهرة، وهذا لن يتم من دون تنسيق أمني وسياسي وعسكري وحتى استخباراتي بين دول الجوار السوداني وعلى رأسها تشاد وإريتريا، مشيراً إلى أن الوفود المصرية الزائرة لكل من إنجامينا وأسمرة دشنت عهداً جديداً للتعاون.

رسائل غير اعتيادية

ويرى الكاتب التشادي أحمد أبكر أن هناك تنامياً ملحوظاً في العلاقات التشادية - المصرية في الفترة الأخيرة بفضل الاتصالات المنتظمة التي ظلت تجري بين الرئيسين ديبي والسيسي، لافتاً إلى أن الوفد المصري ناقش سبل تطوير العلاقات الثنائية في قطاعات خدماتية عدة إضافة إلى التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية.

وقدّر أبكر بأن مصر تواجه تحديات كبرى على حدودها الدولية، اذ إن الدول المحيطة بها كافة تعاني توترات واهتزازات أمنية، سواء في قطاع غزة، أو في ليبيا والجنوب السوداني، ولأن اثنتين من هذه الدول (ليبيا والسودان) ترتبط بحدود مشتركة مع تشاد، فإن القاهرة أضحت تولي أهمية خاصة لعلاقاتها مع إنجامينا.

ويوضح أن الزيارة الأخيرة تتجاوز الطابع البروتوكولي المعهود لجهة أنها برئاسة رئيس الاستخبارات العامة، وليس وزير الخارجية مثلاً، مما يوحي بالبعد الاستراتيجي والأمني للرسائل التي أرادت القاهرة بعثها، مضيفاً أن التوجه المصري الملحوظ تجاه القارة الأفريقية فرضته ظروف موضوعية، من بينها التهديدات الإثيوبية في شأن مياه النيل، فضلاً عن السعي الإثيوبي الحثيث  إلى إقامة قواعد عسكرية في خليج عدن في السواحل الصومالية، قرب باب المندب المتحكم  الجنوبي في مسار الملاحة الدولية العابرة نحو قناة السويس المصرية. وأوضح أن القاهرة الآن بحاجة إلى دعم مواقفها في المحافل الدولية، بخاصة في الاتحاد الأفريقي، لافتاً إلى أن إنجامينا لديها مواقف مبدئية تجاه قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار في القارة الأفريقية، وأن إحداث أي تغيير في هذا المبدأ سيجر القارة إلى حروب لا نهاية لها، بالتالي فإن موقف إنجامينا من مسألة تغيير الخريطة الصومالية لمصلحة توفير منفذ بحري إثيوبي، أقرب ما يكون للمواقف المصرية والأفريقية المعلنة، إذ إن ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي ينص على مبدأ قدسية الحدود الموروثة يتعارض تماماً مع المطالب الإثيوبية المستحدثة.

تنسيق ولكن

ويرى المحلل التشادي أن ثمة ملفات أخرى تبدو عالقة بين مصر وتشاد، من بينها الملف الليبي، إذ إن إنجامينا تحاول التوفيق في مواقفها بين مختلف التيارات السياسية المتصارعة، مشيراً إلى الزيارة الأخيرة لرئيس أركان القوات البرية الليبية التابع لـ"القيادة العامة" اللواء صدام خليفة حفتر، إلى إنجامينا في يونيو (حزيران) الماضي والتي سبقتها زيارتان الأولى لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في مايو (أيار) لتهنئة ديبي بفوزه في الانتخابات الرئاسية، فيما شارك رئيس حكومة "الوحدة الوطنية الموقتة" عبدالحميد الدبيبة في حفل تنصيب ديبي  بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية 2024.

ويُقدر أبكر بأن محاولات إنجامينا التوفيق في مواقفها تجاه الفرقاء الليبيين كافة بالوقوف على مسافة واحدة بينهم، قد تتعارض مع مواقف القاهرة تجاه الأزمة الليبية.

ويضيف أنه لذلك من الضرورة بمكان تكثيف التنسيق بين قيادتي البلدين في هذه المسائل الحساسة وذات التأثير الإقليمي والدولي، مؤكداً أنه من الطبيعي أن تتفاوت أو تتباعد المواقف بين القاهرة وإنجامينا، بخاصة في ما يتعلق بقضية غاية في التعقيد كالأزمة الليبية، إلا أن استمرار التنسيق على كل المستويات السياسية والأمنية والمعلوماتية قد يسهم في تقليص المسافة.

المزيد من تقارير