ملخص
يرى محللون أن الدافع الرئيس وراء تنويع المغرب اقتناء أسلحته وعتاده العسكري، بطرق أبواب الصناعة العسكرية في تركيا أو الهند، هو التنافس العسكري المحموم مع الجزائر، والصراع مع جبهة البوليساريو حول الصحراء، واستراتيجية عدم الارتهان لمورد عسكري واحد.
يتسلم الجيش المغربي نهاية السنة الجارية 200 مدرعة عسكرية تركية من نوع "كوبرا 2"، قيمتها تناهز 136 مليون دولار، فضلاً عن اقتناء قطع الغيار وآلات الصيانة من تركيا، وتوفير التدريب على استعمال هذه المدرعات لفائدة عناصر القوات المسلحة المغربية.
وتغري الصناعة العسكرية التركية الجيش المغربي في السنوات القليلة الأخيرة، لأسباب عدة منها، وفق مراقبين استراتيجية المملكة الجديدة متمثلة في "عدم وضع جميع البيض في سلة واحدة"، أي تنويع موردي الأسلحة وعدم الاكتفاء بحلفائها التقليديين مثل أميركا وفرنسا، وأيضاً بسبب رخص أسعار الأسلحة التركية مقارنة مع نظيرتها الأميركية أو الأوروبية.
ويرى محللون أن الدافع الرئيس وراء تنويع المغرب اقتناء أسلحته وعتاده العسكري، بطرق أبواب الصناعة العسكرية التركية، وأيضاً دول أخرى مثل الهند هو التنافس العسكري المحموم مع الجزائر والصراع مع جبهة البوليساريو حول الصحراء واستراتيجية عدم الارتهان لمورد عسكري واحد.
سياقات التنويع
وتجذب الصناعة العسكرية التركية اهتمام الجيش المغربي في الآونة الأخيرة بدليل عدد من الصفقات العسكرية التي وصفت بكونها ناجحة بين البلدين، منها صفقة طائرات "بيرقدار TB2" تم إبرامها مع شركة "بايكار" التركية، وأيضاً اتفاقية وقعتها القوات المسلحة المغربية مع شركة تركية متخصصة في أنظمة الحرب الإلكترونية من نوع "كورال".
يقول المتخصص في الشأن الاستراتيجي والعسكري محمد عصام لعروسي، إن اقتناء الجيش المغربي الأسلحة والعتاد التركي يعود إلى المنهجية العسكرية الجديدة للمملكة، محورها استراتيجية اقتناء الأسلحة من دول غير "الدول الكلاسيكية" الحليفة للرباط، وفي مقدمها الولايات المتحدة.
وأكد المتحدث أن نحو 90 في المئة من المقتنيات العسكرية للمغرب من الولايات المتحدة، وتتعلق بمعدات وأسلحة متطورة من قبيل الدبابات والطائرات أو التسليح البحري، غير أن المغرب صار في الأعوام القليلة الأخيرة يحاول تقليل الاعتماد على الترسانة الأميركية.
وربط لعروسي أحد أسباب تقليل الاعتماد على العتاد الأميركي، بطول أمد الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة من لدن إدارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" لمجموعة من الأسلحة المصنعة، مما يشكل عائقاً أساسياً أمام تزويد الجيش المغربي بالأسلحة المطلوبة في الوقت المناسب، بخاصة أن مستوى التوتر في المنطقة المغاربية تزايد، كما أن معدل الإنفاق العسكري المغربي ارتفع من 360 مليون دولار في 1989 إلى ما يقارب 5 ملايين دولار في الوقت الراهن، وذلك في سياق التنافس العسكري مع الجزائر.
لماذا تركيا؟
وأكمل لعروسي تحليله بالقول، إن ما يفسر إقبال الجيش المغربي على الصناعة العسكرية التركية اعتماده على صنف جديد من الأسلحة، بخاصة الطائرات المسيرة التركية التي يرغب المغرب في اقتنائها وتطويرها واستغلالها لمواجهة جبهة البوليساريو.
واسترسل المتحدث بأن تفسيراً آخر لرغبة الجيش المغربي في تجريب السلاح التركي، هو الأسعار التنافسية والرخيصة لمنتجات الصناعة العسكرية للأتراك، مقارنة مع الأسعار التي تقدمها أميركا أو فرنسا، وباقي الموردين الرئيسين للمغرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المتخصص الاستراتيجي إلى سبب آخر يسوق إقبال المغرب على الأسلحة التركية، يتمثل في اشتعال الحرب في غزة والشرق الأوسط.
وأورد لعروسي أن هذه الاختيارات الاستراتيجية تجعل المغرب يعتمد في الآونة الأخيرة على أسلحة من تركيا والصين والهند، بهدف عدم الاعتماد بصورة مطلقة على الموردين العسكريين التقليديين.
وخلص المتكلم إلى أن هذا الاختيار يفضي إلى نوع من الاستقلالية العسكرية للمغرب الذي يجتهد لبناء ترسانة عسكرية قوية، وإطلاق خطة للتصنيع العسكري، لا سيما على مستوى الطائرات، من قبيل "الأباتشي" في أفق تحول المملكة إلى بلد مصنع للأسلحة مثل تركيا وإيران وغيرهما.
بيئة دولية غير مستقرة
سياسة تنويع الجيش المغربي لمصادر تزويده بالأسلحة والعتاد العسكري يقول الباحث في الشأن الاستراتيجي والدولي هشام معتضد، إنه يندرج ضمن إطار استراتيجية شاملة تركز على تعزيز الاستقلالية وتحصين الأمن القومي.
ويشرح معتضد، "بالاعتماد على مفهوم تعدد الأقطاب في السياسة الدولية، تسعى القوات المسلحة الملكية إلى بناء شبكة أكثر تنوعاً من الموردين بما يتجاوز دائرة الحلفاء التقليديين، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، نحو دول صاعدة كتركيا والهند، وهو توجه يعكس فهماً عميقاً للتطورات الجيوسياسية العالمية، إذ لم تعد الدول قادرة على الاعتماد بشكل حصري على شركاء تقليديين في بيئة دولية متغيرة وغير مستقرة.
وشدد المحلل ذاته على أن "أحد المفاهيم الأساسية في هذا الموضوع هو التوازن الاستراتيجي الذي يتطلب من الدول، خصوصاً تلك التي تتمتع بموقع جيوسياسي حساس مثل المغرب، أن تحافظ على استقلالية قرارها العسكري".
ووفق الباحث، قد يجعل الاعتماد الكلي على عدد محدود من مزودي المملكة عرضة لضغوط سياسية أو اقتصادية، من ثَم تنويع شركاء التسليح يتيح للمغرب القدرة على المناورة الاستراتيجية وتحقيق مرونة أكبر في تلبية حاجاته الدفاعية، مع تقليص أخطار انقطاع إمدادات السلاح في أوقات الأزمات".
وأردف معتضد أن التنوع التكنولوجي يشكل عنصراً مهماً في هذه الاستراتيجية، إذ تسعى القوات المسلحة المغربية إلى الوصول إلى أحدث التكنولوجيا العسكرية العالمية، بما أن الموردين الجدد مثل تركيا يملكون أنظمة عسكرية متطورة، بخاصة في مجالات الطائرات من دون طيار والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، الشيء الذي يوفر للمغرب إمكانات دفاعية وهجومية متطورة تعزز من قدرته على الحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة، بخاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة.
وخلص المتحدث إلى أن "هذه الاستراتيجية تعكس تحولاً في المفاهيم التقليدية للأمن القومي، إذ لم يعد مجرد الاعتماد على علاقات التحالف الكلاسيكية كافياً لتحقيق أهداف الدفاع الوطني، بل أصبح التحول نحو تبني الشراكات المرنة والمتعددة والتكنولوجيا المتقدمة من الدول الصاعدة ضرورة لضمان الحفاظ على الأمن والسيادة في مواجهة أي تحديات مستقبلية".