Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستحق الناشطون البيئيون السجن على احتجاجهم المتطرف؟

في وقت تعاني فيه السجون البريطانية من الاكتظاظ.. لماذا نصر على زيادة أعدادهم والزج بالنشطاء السلميين في الحبس، لماذا نتجاهل تاريخنا الحافل بالعصيان المدني؟

حكم على فيبي بلامر (يسار) وآنا هولاند بالسجن لمدة عامين و20 شهراً على التوالي، لإلقائهما الحساء على الزجاج الذي يحمي لوحة عباد الشمس لفان غوخ في المعرض الوطني في لندن عام 2022 (غيتي)

ملخص

الناشطون السلميون في بريطانيا لا يستحقون أحكاماً فعلية بالسجن فيما تكتظ السجون بالمحابيس وينعم المجرمون العنيفون بالحرية

كان الشرطي غافن كولينز، خارج وقت العمل، ويستمتع بقضاء ليلة في وسط لندن عندما تعرض لهجوم من قبل اثنين من البلطجية. انهال المهاجمان عليه باللكمات والركلات حتى بعد أن سقط أرضاً، مسببين له إصابات بليغة استدعت زراعة صفائح من التيتانيوم في خده ومحجر عينه. ولم يكتف المعتديان بذلك، بل قاما بمهاجمة شرطي آخر وأحد الأبرياء من المارة.

وكان أحد المهاجمين قد أدين ثلاث مرات سابقاً بتهم اعتداء مشابهة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتبين لاحقاً أن المعتديين شقيقان وابنا أحد أغنى أقطاب العقارات في بريطانيا.

وعندما مثل الشقيقان أمام القاضي كريستوفر هيهر في محكمة ساوثوارك الملكية، كان القاضي في مزاج متسامح، فقرر أن يصدر حكماً مخففاً مع وقف التنفيذ - 15 شهراً لأحدهما وستة أشهر للآخر، وذكرت تقارير أن الابتسامة ارتسمت على وجهيهما فور سماع الحكم، مدركين أنهما أفلتا من قضاء فترة العقوبة خلف القضبان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعود هذه القضية إلى عام 2014، قبل أن تصبح محاضر الأحكام متاحة عبر الإنترنت، لكن تقارير الجلسة لا تتضمن أي ملاحظات من القاضي تعبر عن قلقه في شأن الضرر الذي لحق بوجه الشرطي.

لننتقل سريعاً إلى أحداث الأسبوع الماضي، إذ كان على نفس القاضي النظر في قضية مختلفة تماماً، وهذه المرة، تورطت شابتان لم تهاجما أحداً، وذنبهما الوحيد أنهما ألقيا علبة حساء على لوحة لفنسنت فان غوخ.

رغم أن الحادثة لم تسفر عن أي إصابات واقتصرت الأضرار على إطار اللوحة الذي تأثر قليلاً بفعل "الحموضة البسيطة" في حساء الطماطم، إلا أن القاضي تفاعل بشكل مختلف وأصدر حكماً بسجن إحدى الشابتين لمدة 20 شهراً والأخرى لأكثر من عامين.

وعبر هيهر عن انزعاجه الشديد من تأثر إطار اللوحة خلال الاحتجاج وإلقاء الحساء الذي كان يهدف إلى لفت الانتباه إلى أزمة المناخ. وقال، إن فان غوخ كان ليفضل هذا النوع من الإطارات والآن فقد بريقه!

قد يبدو استحضار روح فان غوخ، ذلك الفنان الثائر بطبيعته، أمراً حساساً من قبل القاضي، إذ يمكن للمرء أن يفترض أن الفنان العظيم كان سيهتم بالمتظاهرين المناصرين لقضية المناخ وقضيتهم أكثر من اهتمامه بإطار صورة. وأي شخص أمضى أكثر من دقيقتين يشاهد لوحة فان غوخ عام 1890 للسجناء وهم يمارسون الرياضة، يمكنه أن يتخيل ما كان سيقوله عن حبس فتاتين بهذه الطريقة ارتكبتا هذا الفعل بدافع المثالية.

وبغض النظر عن رأي فان غوخ المفترض، اعتبر القاضي هيهر أفعال الشابتين "متطرفة وغير مناسبة وحمقاء... وليست قضية تستدعي الحكم الرحيم". هذا على عكس الشقيقين اللذين اعتديا بضراوة على الشرطي غافن كولينز، وعلى عكس الشرطي ماثيو لونغميت الذي لم يرسله هيهر إلى السجن في عام 2015 جراء إذلاله لامرأة في موقف ضعيف مارس معها هو وزميله الجنس في سيارة شرطة.

وفي قضية لونغميت، قال هيهر إنه يريد إنهاء هذه القصة المقززة "بتصرف رحيم". لكن محكمة الاستئناف لم توافق على ذلك وحكمت على لونغميت بالسجن لمدة 12 شهراً.

والقاضي هيهر هو نفسه الذي سجن أخيراً ناشطين بيئيين آخرين لمدة تصل إلى خمسة أعوام، بعد أن قام مراسل صحيفة "صن" بالتجسس على مكالمة "زوم" خططوا فيها لعرقلة حركة المرور على الطريق السريع "أم 25" M25، ثم أبلغ الشرطة عنهم.

وقد يجادل القاضي بأن يديه مقيدتان بتوجيهات إصدار الأحكام الأكثر صرامة في شأن أشكال الاحتجاج، التي فرضتها حكومة المحافظين الأخيرة، أو ربما يؤمن حقاً بما يفعله.

لكن يبدو أن هناك مجالاً لوجهات النظر الشخصية في ما يتعلق بخطورة استخدام علبة حساء "هاينز" في معرض فني، ومستوى الضرر الذي سببته، وما إذا كان الاحتجاج سلمياً أم لا، وما إذا كان التخطيط المسبق يزيد من جسامة الفعل.

ولذا، يتضح وجود مساحة لميول القاضي الشخصية في اتخاذ بعض القرارات، بالتالي، يمكن تصور قاض آخر يتعامل مع القضية من منظور مختلف تماماً.

لكن وبشكل أوسع، هناك خلل واضح في نظام العدالة، ففي وقت تعاني فيه السجون من الاكتظاظ، بكلفة سنوية لكل سجين تقارب 51724 جنيهاً استرلينياً (نحو 67700 دولار)، أي ما يعادل رسوم الدراسة في كلية وينشستر الراقية.

وقد نشر خمسة من كبار الشخصيات القضائية في الآونة الأخيرة، ولا أحد منهم من الليبراليين من أتباع تيار "اليقظة"، للتو ورقة بحثية تستنكر التضاعف في فترات الحبس وفي أعداد السجناء خلال مسيرتهم المهنية.

وكتبوا، "لا يوجد ما يبرر هذا التضاعف في فترات الحبس،. وأشاروا إلى أن أحكام السجن الصادرة بحق النساء تلحق أضراراً بالغة بهن وبأسرهن. ودعا القضاة إلى "حوار صريح حول ما يمكن أن تحققه أحكام السجن وما لا يمكن أن تحققه... والحث على العودة إلى أحكام أكثر تناسباً واعتدالاً في جميع القضايا".

وتأتي هذه الآراء من مواقع تتخطى في رتبها القضائية منصب هيهر المتواضع في محكمة ساوثوورك كراون.

فمنذ ستة أعوام فقط، أطلقت محكمة الاستئناف سراح ثلاثة نشطاء سجنوا بسبب احتجاجهم على أعمال التكسير الهيدروليكي. ويقدم الحكم قراءة مثيرة للاهتمام، بما في ذلك البحث (غير المتنازع فيه) من المحامية "كيرستي بريميلو" الذي يشير إلى أنه حتى تلك اللحظة، لم يسجن المحتجون السلميون في المملكة المتحدة بسبب أفعالهم منذ عام 1932.

واستشهد بقضية المحكمة العليا لعام 2006 لمارغريت جونز التي اقتحمت قاعدة سلاح الجو الملكي في فيرفورد في محاولة لمنع القوات الجوية الأميركية من مهاجمة العراق. وفي تلك القضية، أوضح اللورد هوفمان بوجود نوع من التفاهم الضمني الذي يجب أن يؤثر في كيفية تعامل المحاكم مع هذه القضايا.

وأوضح اللورد هوفمان أن "للعصيان المدني بدافع الضمير تاريخ طويل ومشرف في هذا البلد". وقال مستشهداً بـ"حركة السوفراجات" [الناشطات اللاتي ناضلن من أجل حق المرأة في التصويت مطلع القرن الـ20]، إن "الأشخاص الذين يخالفون القانون لتأكيد إيمانهم بظلم القانون أو عمل الحكومة، يقوم المسار التاريخي في بعض الأحيان بتبرئتهم... إنها سمة المجتمع المتحضر بأنه قادر أن يستوعب الاحتجاجات والتظاهرات السلمية".

ودعا اللورد هوفمان إلى التعامل مع هذه القضايا بتفهم وتوازن، قائلاً "ينبغي على المحتجين التحلي بروح المسؤولية وتجنب التسبب في أضرار أو إزعاج مفرط... وفي المقابل، يجب على الشرطة والنيابة العامة التحلي بضبط النفس، وأن يراعي القضاة في أحكامهم الدوافع النبيلة للمحتجين".

لا يمكن لأي شخص عاقل أن يجادل بأن "فيبي بلومر" و"آنا هولاند" تسببتا في "أضرار أو إزعاج مفرط" من خلال إلقاء قليل من الحساء (على رغم محاولة القاضي "هيهر" إثبات ذلك). ولا يمكن إنكار أن هذه الأفعال كانت بدافع الضمير تجاه أخطر قضية في عصرنا.

لكن يبدو أننا نسينا خلال الأعوام الـ20 الماضية تاريخ هذا البلد "الطويل والمشرف" في العصيان المدني بناءً على دوافع ضميرية. وأصبحنا اليوم ندفع بمزيد من الأشخاص إلى سجون بالكاد تستوعبهم، التي قد تلحق بهم أضراراً بالغة.

وكان كير ستارمر قد ترافع عن أحد محتجي فيرفورد، وهو رجل يدعى ريتشاردز اقتحم قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في ذروة عملية "حرية العراق" عام 2003، بنية إشعال النار في عجلات قاذفة من طراز "بي-52". واليوم، يجد ستارمر نفسه، بصفته رئيساً للوزراء، مضطراً لإطلاق سراح آلاف السجناء بسبب اكتظاظ السجون.

لعله قادر على القيام ببعض الاستنتاجات المنطقية.

أما بالنسبة لهيهر، فيفضل إبقاء حسابه على "تويتر" خاصاً، وهو أمر قد يكون مفهوماً. واللافت أن صورته الشخصية هي لشخصية ليونيل هاتز، المحامي المنحط وغير الكفء الذي كثيراً ما تستعين به عائلة سيمبسون في المسلسل الكرتوني الشهير. وهذا الاختيار يشير إلى حس الفكاهة لدى هيهر.

ومن أشهر مقولات هاتز، "أقترح تقديم قرار قضائي سيئ". وهذه العبارة تبدو ملائمة للسياق الحالي.

© The Independent

المزيد من بيئة