Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب... معاناة مضاعفة لذوي الإعاقة في لبنان

النزوح يشكل "صدمة" ويعيش معظم الهاربين من نار الحرب في مدارس ومراكز غير مهيأة للسكن

يعيش أصحاب الإعاقات في ظروف صعبة بظل النزوح الكثيف والمتواصل (اندبندنت عربية)

ملخص

تؤثر مراكز الإيواء المكتظة سلباً في ما خصّ الصحة النفسية لأصحاب الإعاقة في لبنان، فهي من جهة غير مهيأة لتكون مراكز إيواء وسكن، ومن جهة أخرى، تفتقر إلى معايير النظافة والخصوصية.

زادت الحرب من معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الإعاقة في لبنان، إذ غادر مئات آلاف أهالي جنوب لبنان والبقاع ومناطق عدة في بيروت ديارهم مع تفاقمها، ومعهم ذوو الإعاقة، تاركين وراءهم منازلهم، وكل ما يملكون، والأدوات المساعدة كالكراسي المتحركة، والسماعات، وعبوات الأوكسيجين وغيرها من المستلزمات الخاصة بهم، ولجأ معظم هؤلاء إلى أماكن إيواء غير مجهزة لاستقبال النازحين، فضلاً عن افتراش بعضهم الشوارع والطرقات.

 

دمج تكافلي

ترك بعض النازحين، من أصحاب الإعاقات، منازلهم من دون "الأدوات المساعدة"، ما أثّر سلباً في حياتهم اليومية.

في أحد مراكز الإيواء في طرابلس، توجد الشابة جيهان التي غادرت منزلها في مدينة صور جنوباً برفقة عائلتها. وتعاني "أوضاعاً شخصية تفترض عناية خاصة"، وتتطلب مرافقتها في كل الأوقات، وهي بحسب والدتها، التي تحمل الجنسية الفرنسية ورفضت الكشف عن اسمها، تعاني من اضطرابات ذهنية صعبة لكن لديها قدرات جسدية عادية تمكّنها من التنقل وتناول الطعام بمفردها، وتتمتع بمستوى وعي وقدرة على التعبير، كما يمكنها القراءة. وتتحدث الشابة عن "ليالٍ صعبة، وضغط نفسي شديد عاشته في صور بسبب أصوات الطائرات والصواريخ، ومشهد رؤية الدمار وصراخ الناس"، مشيرة إلى "ظروف أفضل تعيشها في طرابلس، حيث يمكن التجول بأمان، ولا تسمع صوت الانفجارات". وبالنسبة إليها، يشكل هدوء الليل بعيداً من القصف فارقاً كبيراً، فهي لا تريد استعادة تجربة حرب يوليو (تموز) 2006، حيث اضطرت للهرب إلى قبرص والعيش في تجمعات اللاجئين الموقتة، حيث واجهت العديد من الصعوبات على مستوى تأمين الحاجات الخاصة ونفقات الانتقال.

 

وتساعد العائلة على تكيُف الشابة مع المدينة الجديدة، وتقول الوالدة "الأوضاع في صيدا كانت أفضل من صور، ولكن كانت مدينة مكتظة، من هنا كان القرار بالانتقال شمالاً إلى طرابلس"، وتضيف "نعيش في طرابلس حياة شبه طبيعية، لا نشعر أننا لاجئون"، و"هنا، نمارس حياة شبه طبيعية، كما أننا نخرج في النهار ونتجول في المدينة كما ندوّن المشاهدات".

وداخل مركز الإيواء في أحد فنادق طرابلس، تعيش الفتاة هناء، وهي صاحبة إعاقة حركية، غادرت منزلها على عجل، وتركت الكرسي المتحرك هناك، ما ألزمها البقاء في غرفتها أياماً عدة. ويقول عمر، وهو عامل إغاثة "ما إن علمنا بالحالة، حتى قمنا بالجهود اللازمة، وتكافل المتطوعون من أجل تمكين الشابة ممارسة حياتها كالمعتاد".

ويقول فادي الحلبي خبير السياسات الدامجة إن النزوح يشكل "صدمة لجميع اللبنانيين سواء كانوا من أصحاب الإعاقة أم لا في ظل غياب خطة طوارئ واضحة المعالم، والتجهيز لاستقبال أعداد هائلة من النازحين، وتقديم مساعدات لهم"، إذ استغرق انتقال بعضهم 21 ساعة على الطريق من أجل اللجوء إلى مراكز غير مهيأة لاستقبال أصحاب الإعاقة في الظروف الطبيعية، فكيف الحال أثناء الحرب، وينوه إلى أن "البعض خرج من دون الأجهزة المساعدة"، وفي إحدى الحالات "توفيت العائلة بأكملها ضمن مناطق الجنوب، فيما بقي الشخص صاحب الإعاقة الحركية وحيداً، وبقي على كرسيه وحيداً، ولا يجد مكاناً لاستقباله". من هنا، تأتي مطالبة الحلبي بتنسيق سريع بين الدولة والجمعيات المتخصصة من أجل مواجهة الحاجات لكل فرد من هؤلاء "ولا سيما تأمين فرش الماء والسماعات والكراسي والأدوية المزمنة لمرضى التصلب اللويحي ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في حال عدم تناولها، تمهيداً لوضع خطة وطنية شاملة".

 

استجابة طارئة 

ويشكل الإحصاء والحصر مدخلاً لمساعدة الأشخاص، ويلفت الحلبي إلى "وجود شريحة كبيرة من الأشخاص أصحاب الإعاقة من أبناء الجنوب والبقاع، وعددهم بالآلاف. من هنا، تبرز الحاجة لعمل منهجي، ووجوب التعاون مع الجهات المختصة للاستجابة لاحتياجاتهم"، وتطرّق الحلبي إلى "أثر الأعمال الحربية في توسيع دائرة هذه الشريحة، إذ تجاوز عدد المصابين الـ 10 آلاف، إضافة إلى آلاف الضحايا جراء مجزرة البيجر، ممن فقدوا بصرهم أو أطرافهم، وما تترتب عنها من آثار جسدية ونفسية".

في المقابل، تتحدث جنان مبيض سكاف رئيسة قطاع المرأة في جمعية "العزم" إلى جهد مشترك بين الجمعيات من أجل مساعدة جميع الضيوف "نقوم بمسح ميداني بالتعاون مع لجنة إدارة الكوارث، من أجل تسجيل الموجودين، ولحظ الأشخاص أصحاب الإعاقة من أجل تأمين الأدوات المساعدة عند الحاجة من خلال الجمعيات ومنتديات دمج أصحاب الإعاقة". وتتحدث سكاف عن "عمل جبار يقوم به المجتمع المدني من أجل استضافة الهاربين من الاعتداءات"، لافتة إلى العمل على مستويات مختلفة، بدءاً بتأمين أماكن للإيواء، ومن ثم التجهيز، وصولاً إلى تأمين الطعام والشراب واللباس والحاجات الخاصة، ناهيك عن التحضير من أجل مواجهة موسم الشتاء المقبل. وتكشف سكاف عن "تجاوز عدد الضيوف 100 ألف، يتوزعون على 108 مراكز في محافظة الشمال، من ضمنها ما يزيد على 30 مركزاً في طرابلس، ما يتطلب تأمين الاحتياجات اليومية، إضافة إلى الخدمات الطبية والمعاينة الصحية من خلال عيادات ثابتة وجوالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أماكن غير دامجة

يعيش معظم الهاربين من نار الحرب في مدارس ومراكز غير مهيأة للسكن، تعاني من غياب المرافق الصحية، ويبيت النازحون في أماكن تفتقر إلى الخصوصية. وتشير ستيفاني بو شلحا، وهي ناشطة في منظمة "أبعاد"، إلى افتقار مراكز الإيواء في المناطق الآمنة للتجهيزات اللازمة لذوي الإعاقات الجسدية، فهي أماكن تفتقر إلى المصاعد مثلاً، ولا يمكن لصاحب الإعاقة الجسدية التحرك بصورة مستقلة من دون مساعدة، وتستغرب بو شلحا "حالة عدم الجاهزية على أرض الواقع"، إذ نزحت عائلات بما عليها من ملابس، "وأطفال من أصحاب الإعاقة ممددون على الأرض بسبب عدم وجود فرش كافية، ما ولّد ضغطاً نفسياً إضافياً".

عبء العمارة غير الدامجة

ويعاني أصحاب الإعاقات من ضغط نفسي إضافي بسبب النزوح، بدءاً بحالات التوتر والقلق والصدمات التي ولدتها الغارات والقذائف، مروراً بالانتظار الطويل، ساعات، في طوابير للانتقال نحو مناطق آمنة، وصولاً إلى أماكن غير مجهزة.

ويؤكد فادي الحلبي أنها "ليست الحرب الأولى التي يواجهها لبنان"، و"بات ملحاً التعلم من التجارب التي نخوضها والاستفادة من الإرشادات والبروتوكولات الدولية لكيلا تدفع شريحة الأشخاص، أصحاب الإعاقات، الثمن عند وقوع أي كارثة".

كما يقترح الناشط الحقوقي وضع سياسة دعم نفسية لمواجهة الصدمة وما بعد الصدمة بفعل ما يتعرّضون له في خلال الحرب من غارات وقذائف، مرحباً ببعض الأنشطة الترفيهية في مراكز الإيواء، والتي تساعد في استيعاب الصدمة، ولا تغني عن التدخل العلاجي لمواجهة آثار ما بعد الصدمة. ويقرّ بأن عدم وجود التمويل الكافي كان سبباً في عدم التجهيزات الدامجة، لكنه في المقابل، يسلط الضوء على عدم وجود سياسات ورؤى، مكرراً المطالبة بالعمل المنهجي والشفاف من أجل تأمين موارد إضافية لدمج شريحة وازنة من المجتمع، و"لا توجد حجة لاستثناء هذه الشريحة"، وهو ما يمكن لحظه ضمن خطط إعادة الإعمار التي يفترض أن تكون مثالية ويرجح أن تكون بتمويل من مانحين دوليين.

المزيد من متابعات