ملخص
تنبع أهمية منطقة جبل موية في ولاية سنار وسط السودان من أنها تمثل ملتقى طرق تربط النيل الأبيض غرباً والنيل الأزرق جنوباً وولاية الجزيرة شمالاً، وتحيط بها مواقع عسكرية تابعة للقوات المسلحة، وهي الفرقة "17 سنجة" والفرقة "18 مشاة" بمدينة كوستي، إلى جانب اللواء جوي "265 سنار" وقاعدة كنانة الجوية.
تحول سباق طرفي القتال في السودان، الجيش و"الدعم السريع" للسيطرة على مناطق عسكرية استراتيجية من العاصمة الخرطوم إلى مدن أخرى في البلاد كخطوة أهم لكسب المعارك.
ومن المناطق ذات القيمة الاستراتيجية بعيداً من الخرطوم منطقة جبل موية في ولاية سنار وسط السودان، وتنبع أهميتها من أنها تمثل ملتقى طرق تربط النيل الأبيض غرباً والنيل الأزرق جنوباً وولاية الجزيرة شمالاً، وكذلك تحيط بالمنطقة مواقع عسكرية تابعة للقوات المسلحة، وهي الفرقة "17 سنجة" والفرقة "18 مشاة" بمدينة كوستي، إلى جانب اللواء جوي "265 سنار" وقاعدة كنانة الجوية، مما يزيد القيمة الاستراتيجية للمنطقة كلها.
وأجمع مراقبون عسكريون على الدلالات التكتيكية والاستراتيجية التي حفزت الطرفين المتنازعين على المسارعة في فرض السيطرة على المنطقة.
تبادل السيطرة
سيطرت قوات "الدعم السريع" على منطقة جبل موية في يونيو (حزيران) الماضي، وقطعت الإمداد عن ولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور، وتمكنت بعد ذلك من السيطرة على معظم مدن ولاية سنار بما فيها عاصمتها سنجة.
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من فقدان المنطقة الاستراتيجية، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على جبل موية بعد معارك ضارية في هجوم متعدد المحاور الذي كان بدأه في العاصمة الخرطوم.
وقال بيان لمجلس السيادة إن الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للجيش، أشرف بنفسه على سير العمليات العسكرية في محور ولايتي النيل الأبيض وسنار حتى تم التحام متحركات الجيش من ولاية سنار مع قوات الفرقة 18 المتقدمة من ولاية النيل الأبيض، وتم فتح الطريق القومي سنار ربك، بتحرير منطقة جبال موية.
في حين، أكد قائد العمليات في قوات "الدعم السريع" اللواء عثمان محمد حامد، المعروف بـ"عثمان عمليات" أن قواتهم ما زالت تحكم سيطرتها على المنطقة الاستراتيجية منذ يونيو الماضي، بعد أن تصدت لمحاولات الهجوم عليها عبر محورين من ولايتي النيل الأبيض وسنار.
وأوضح حامد في تغريدة على منصة "إكس" أن قواتهم تمكنت من دحر ما أسماها "ميليشيات الفلول وحركات الارتزاق" وأجبرتهم على التراجع بعدما كبدتهم خسائر بشرية ومادية كبيرة، واستولت على كميات من العتاد والمؤن.
موطن الأساطير
وجبل موية عبارة عن ثلاثة تلال جبلية هي جبل موية وجبل دود وجبل بيوت، وتبعد من الخرطوم نحو 250 كيلومتراً من الجهة الجنوبية الشرقية ونحو 24 كيلومتراً من الجهة الغربية لمدينة سنار، وتتحكم المنطقة في الطريق البري الرابط بين مدينتي ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض، وسنار، كما تتحكم في الطريق الذي يربط منطقة المناقل بمدينة سنار.
أما سر التسمية، فيعود إلى الملك مويا، أحد الملوك الذين حكموا تلك المناطق في أزمان بعيدة، وانتشرت بين أهالي المنطقة أساطير تصفه بغير العادي بسبب كثرة عيون الماء النابعة من قمة الجبل.
وتضم المنطقة كثيراً من الآثار القديمة لمستوطنات صناعية ضاربة في القدم موجودة في حوض أعلى الجبل ومحاطة بأسوار طبيعية تشبه القلعة.
تاريخ وحضارة
وخلال فترة الحكم الثنائي التركي- المصري للسودان، وصل جيش حاكم مصر محمد علي باشا لغزو مملكة سنار عام 1820، وكانت يومها تحت حكم الملك بادي ابن طبل السابع، ورفض "الجيش العرمرم" كما كان يعرف جيش سنار التسليم، فلجأ الجيش إلى جبل موية وقاوم الغزاة لستة أعوام، حتى فشلوا في القضاء عليه على رغم تفوقهم في العدة والعتاد.
ولم يجد الجيش الغازي مفراً من فرض الحصار على جيش سنار الذي تحصن بجبال موية، وقضى عليهم في نهاية المطاف بعد أن بلغ بهم الجوع حد مقايضة جرة ذهب بجرة حبوب.
وكشفت الآثار التاريخية عن ظهور البشر في جبل موية منذ آلاف السنين قبل الميلاد، وازدهرت المنطقة في العصر الحجري إلى عهد الدولة المهدية، مروراً بإمبراطورية كوش القديمة ومملكة سنار الإسلامية، وقد عرف ساكنوها القدماء بـ "العنوج" وكانوا طوال القامة.
خط إمداد
الباحث في مركز الخرطوم للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني قال إن "الأهمية الاستراتيجية لاسترداد الجيش السوداني لمنطقة جبل موية تتمثل الجانب العسكري، إذ يسهم هذا الانتصار فى فتح خطوط الإمداد بأكثر من اتجاه، ونتيجة لذلك انفتحت الفرقة 18 مشاة فى اتجاه ولاية شمال كردفان، والتقت بالقوات المقاتلة من ناحية سنار، ويترتب على هذه الخطوة عزل الدعم السريع عن قواتها، مما يسهل حرمانها من وصول أي دعم لوجستي لها سواء بالسلاح أو المقاتلين، وحصارها فى مناطق منفصلة لا تسمح لها بمناورة واسعة وثؤثر كثيراً في خطوط أمدادها وإضعاف جهودها فى جمع وتدريب بعض أبناء المنطقة من المتعاونين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف مدني "هناك فضاء مفتوح جنوب شرقي ولاية وسنار ناحية منطقة ود النيل فى اتجاه إقليم النيل الأزرق ربما تستغله بعض القوات المتبقية بالمنطقة متجهة ناحية الحدود الإثيوبية، وتتجمع معها بعض مجموعات قليلة العدد فى منطقة الدندر للقيام بأى أنشطة تخريبية وعدائية ضد المواطنين فى هذه القرى النائية من دون أي تأثير عسكري على مجريات المعركة".
ومضى الباحث في مركز الخرطوم للحوار قائلاً "أتوقع أن يطبق الجيش السوداني على القوات المنسحبة ناحية منطقتي ود الحداد وسكر سنار خلال أيام معدودة، وكذلك فإن القوات الموجودة فى ولاية الجزيرة أيضاً ستكون تحت ضغط شديد معنوى وميدانى ولوجستي، مما يسهم في تسهيل مهمة القوات المسلحة بالدخول إلى مدينة ود مدني عاصمة الولاية والانفتاح شرقاً فى اتجاه ولاية القضارف".
وتابع "حال اكتمال عملية تحرير مدينتي سنجة والدندر، وما جاورهما من القرى الصغيرة فى هذه المناطق ستفتح الطرق التي تربط النيل الأبيض غرباً والنيل الأزرق جنوباً وولاية الجزيرة شمالاً، بالتالي ستكون عملية مرور البضائع والسلع لمواطني أربع ولايات سودانية سهلة وميسرة".
ذهب وآثار
في السياق، أوضح الباحث في التاريخ الثقافي بهاء الدين فوزي أن "منطقة جبل موية عبارة عن كتلة صخرية تضم مرتفعات تتصل بتلال جيرية وبمجاري أودية نهرية في أسفل السهل، وتعد مصدراً للمياه الجوفية التي تتغذى باستمرار من نهري النيل الأبيض والأزرق، ويبلغ متوسط ارتفاع المنطقة 1522 قدماً (464 متراً) عن مستوى سطح البحر، تبلغ مساحتها نحو 12 كيلومتراً مربعاً، وفيها أراض زراعية خصبة تشتهر بزراعة الدخن والسمسم، وتعتبر من أكبر مناطق الإنتاج في السودان بعد القضارف والدالي والمزموم".
وأضاف أن "المنطقة من أشهر المناجم الغنية بالذهب في البلاد، إذ بدأت عمليات التنقيب فيها مبكراً بواسطة السير هنري ويلكم، وهو يهودي أميركي، كان أول من نقب في هذه المناطق عام 1912، ولأغراض التنقيب أنشأ ويلكم خط سكة حديد داخل الجبل الذي يحتوي على مغارات وكهوف أثرية لا تزال موجودة حتى اليوم".
وبين فوزي أن "عمليات التنقيب عن الذهب في جبل موية كشفت وجود أنشطة دفن بشري تعود للألفية الثالثة قبل الميلاد، كما عثر على مدافن ذات مساحات واسعة تغطي ما يقارب 25 فداناً، وتعد من أكبر المدافن في شمال شرقي أفريقيا".
وأشار الباحث في التاريخ الثقافي إلى أن "من بين هذه الاكتشافات الأثرية مصنوعات يدوية وتمائم ومنحوتات آلهة وغيرها".
أهمية استراتيجية
على الصعيد نفسه، قال المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية في الخرطوم أمين إسماعيل مجذوب إن "سيطرة الجيش على منطقة جبل موية تعني إحكام قبضته على الطرق الحيوية التي تربط أربع ولايات، وكذلك دفع الجيوش من الأقاليم الأخرى للتحرك بحرية والإسهام في المعارك بمحاور وجبهات عدة، فضلاً عن قطع الإمداد عن قوات الدعم السريع بصورة تامة".
وأضاف أن "السيطرة على منطقة جبل موية تمنح القوات المسلحة دافعاً معنوياً وتعزز قدراته الهجومية وتسهم في التهيئة لعمل عسكري أوسع في ولاية الجزيرة وتحريرها، وكذلك مناطق البطانة انطلاقاً من جبل موية".
وأوضح مجذوب أن "خسارة قوات الدعم السريع لهذه المنطقة لا تعادلها سوي خسائر مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم نظراً لقيمتها الاستراتيجية من ناحية عسكرية، إلى جانب أهميتها الاقتصادية لكونها تمثل ملتقى طرق حيوية تربط بين ولايات عدة".