Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما بقي من "الطائف" وموسى الصدر هل يكفي لإنقاذ لبنان؟

السفير السعودي السابق في بيروت علي عواض عسيري يرى في حوار مع "اندبندنت عربية" أن "حزب الله" لا تزال لديه فرص للنجاة لكنها مشروطة

السفير السابق عسيري يتوسط نجيب ميقاتي ووائل أبو فاعور في لبنان (وسائل التواصل)

ملخص

قال السفير السعودي السابق في لبنان، علي عواض عسيري، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن حزب الله لم يعد قوة رئيسية في الساحة اللبنانية، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة أبرزت التضامن الوطني بين الطوائف المختلفة

في حديث مفصل حول الأزمة اللبنانية المعقدة، تحدث السفير السعودي السابق في لبنان، علي عواض عسيري، عن الأزمات الراهنة التي تواجه لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بدور "حزب الله" وتصاعد التوترات مع إسرائيل. عسيري أكد أن "حزب الله" اليوم يواجه تحديات كبيرة بعد خسارة العديد من قياداته في الحرب الأخيرة. مشدداً على ضرورة أن يعيد الحزب النظر في أولوياته وسياساته لمصلحة استقرار لبنان واستعادة أمنه الداخلي.

ومن المفارقات أن اتفاق الطائف الذي أرسى قواعد الوفاق اللبناني (ولو شكلياً) على النحو القائم اليوم بعد الحرب الأهلية؛ عادت الأطراف المعادية له أخيراً ترى فيه ولو من طرف خفي "طوق النجاة"، هو والاتجاه العربي الأشمل الذي كان رجل الدين الشيعي البارز موسى الصدر أحد رموزه، الذين يقال إن أتباعه انحرفوا عن مساره، بالانحياز للمقاربة الإيرانية بدلاً من العربية التي ينادي بها.

"حزب الله" أمام مرحلة جديدة

أشار عسيري إلى أن الحزب، الذي يعد قوة رئيسية في الساحة اللبنانية، بحاجة إلى إعادة تقييم موقفه في ظل الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تكبدها. وقال "لقد خسر حزب الله الكثير من قياداته، ومعاناة اللبنانيين اليوم لم تعد مقتصرة على الصواريخ، بل طاولت آلاف الأبرياء الذين هجروا من ديارهم بسبب هذه الحرب. لقد حان الوقت أن يعيد الحزب النظر في سياساته السابقة، وأن يجعل مصلحة لبنان أولاً وأخيراً."

وفي هذا السياق، دعا الحزب في حديثه مع "اندبندنت عربية" إلى التصالح مع جميع الأطياف اللبنانية، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة أبرزت التضامن الوطني بين الطوائف المختلفة. وأضاف: "ما شاهدناه خلال الأزمة من احتضان الطوائف اللبنانية لأبناء الجنوب النازحين وإيوائهم في منازلهم، هو رسالة واضحة للحزب ومؤيديه بأن اللحمة الوطنية لا تزال قوية، وأن الوقت قد حان لإعادة بناء جسور الثقة بين كل الطوائف اللبنانية."

قراران لمجلس الأمن أيهما سيطبق؟

وأشار السفير إلى أهمية فصل المسارين اللبناني والغزاوي في الصراع مع إسرائيل، مشدداً على أن استمرار الربط بينهما قد يطيل أمد الصراع في لبنان. ورجح أن "إسرائيل تسعى لتحقيق منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان، وإذا لم يتم فصل مسار لبنان عن غزة، فإن الحرب قد تستمر لأجل غير مسمى. وقف إطلاق النار وفصل المسارين ضرورة لإعطاء لبنان فرصة للعودة إلى الاستقرار."

ويرى مراقبون أن ربط المسارين هو حيلة إيرانية لإطالة أمد الحرب، ولم يكن المراد به مناصرة غزة على نحو جدي، لدرجة أن ترسانة "حزب الله" لم يستخدمها لإسناد شركائه في غزة، قبل أن تعاجله إسرائيل على غير ما توقع، فخسر الحياد والمساندة معاً.

عسيري تطرق إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يقضي بوقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و"حزب الله"، مشيراً إلى أن إسرائيل قد تتجاوز هذا القرار لمصلحة تطبيق القرار 1559 الذي يدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها. "لا أعتقد أن إسرائيل ستقبل بالعودة إلى 1701، بل ستحاول تطبيق الذي قبله، الذي يؤكد على ضرورة حل الميليشيات"، يقول ذلك وهو ضابط أمني رفيع قبل أن ينتقل إلى سلك الخارجية في بلاده.

رئيس قوي وحكومة تكنوقراط

وتحدث السفير عسيري عن أهمية انتخاب رئيس جديد للبنان قادر على إدارة البلد في هذه المرحلة الصعبة. وأوضح: "لبنان بحاجة إلى رئيس يستطيع التواصل مع جميع القوى السياسية وإدارة البلد بحكمة. يجب الدفع باتجاه انتخاب رئيس جديد فوراً، رئيس يتفوق في الكاريزما والحنكة السياسية، بخاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان."

وشدد عسيري على ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط، معتبراً أن هذه الحكومة ضرورية "حتى تتمكن من إنقاذ لبنان والعمل على استقراره في هذه المرحلة الصعبة."

أشار السفير إلى أن تعزيز دور الجيش اللبناني هو من الأساسيات التي يجب تحقيقها لضمان استقرار البلد وتنفيذ القرارات الدولية. "الجيش اللبناني هو المؤسسة التي يؤمن بها جميع اللبنانيين، ولديه القدرة على حماية البلاد إذا تم منحه السلطة الكاملة وتوفير الدعم الدولي اللازم."

وأكد أن المملكة العربية السعودية والدول الكبرى مثل فرنسا تقف بجانب لبنان لدعمه، مضيفاً: "إذا تم دعم الجيش اللبناني بشكل مناسب، فسوف يتمكن من لعب دور أساسي في حماية الحدود وتنفيذ القرار 1701 بفعالية."

موسى الصدر "رمز العروبة والتعايش"

أحد أبرز النقاط التي أشار إليها السفير عسيري هو العودة إلى المبادئ التي أسسها الإمام موسى الصدر، الذي كان رمزاً للتعايش بين الطوائف اللبنانية. "الإمام موسى الصدر كان من الشخصيات التي أسست حزب الله على مبادئ التعايش، وعلينا أن نتذكر تلك المبادئ اليوم. على حزب الله أن يعود إلى نهج موسى الصدر، وأن يعمل لمصلحة لبنان ككل، بدلاً من أن يكون أداة لقوى خارجياً".

ولفت إلى أن استلهام روح تعاليم الصدر ومخرجات اتفاق الطائف كافيتان لإخراج لبنان وربما "حزب الله" من النفق الذي هما فيه، فيما رأى أنه أشبه بفخ نصبته إسرائيل، والتدخلات الخارجية، التي يعنى بها عادة هيمنة طهران على لبنان عبر الحزب والقوى الشيعية والمسيحية والسنية الدائرة في فلكه.

وأضاف عسيري أن ما تمر به البلاد اليوم يستدعي من "حزب الله" أن يضع مصلحة لبنان فوق أي انتماء آخر. "ما نراه اليوم من تهجير وقتل للأبرياء يضع على الحزب مسؤولية كبيرة للتفكير في مصالح لبنان واللبنانيين، بعيداً من أي أجندات خارجية."

أين السعودية مما يجري؟

أكد السفير أن الرياض كانت ولا تزال حريصة على دعم لبنان في كل مراحله، مشيراً إلى أن المملكة لم تميز يوماً بين اللبنانيين بناءً على طائفتهم أو انتماءاتهم السياسية. "المملكة ساعدت في إعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006، وبنت 36 ألف منزل في الجنوب، معظمهم من الطائفة الشيعية. لا تنظر المملكة إلى لبنان من منظور طائفي، بل تراه وطناً وشعباً واحداً."

وفي ختام حديثه، وجه عسيري رسالة واضحة إلى "حزب الله"، داعياً إياه للعودة إلى لبنان ومصالحه. "حان الوقت لحزب الله أن يعيد التفكير في دوره وأن يتصالح مع أبناء وطنه. على الحزب أن يكون جزءاً من الحل وليس من المشكلة، والعمل لمصلحة لبنان ككل."

وختم السفير قائلاً: "إذا لم يتحقق ذلك، فإن الوضع في لبنان سيظل صعباً ومعقداً، وقد يستمر النزاع إلى ما لا نهاية. لكنني متفائل بقدرة اللبنانيين على التوصل إلى تسوية وطنية تعيد الاستقرار إلى البلاد وتفتح صفحة جديدة في العلاقات بين جميع الأطراف."

نبيه بري جزء من المشكلة أم الحل؟

في ضوء حديث السفير علي عسيري، يبرز دور كعامل مهم في توازن القوى السياسية. بري، بحنكته السياسية الطويلة، يلعب دور الوسيط بين مختلف الأطراف اللبنانية وتعويض فراغ "حزب الله"، خصوصاً في مرحلة الانقسام الشديد. يعتبر بري داعماً للاستقرار عبر مساعيه لتقريب وجهات النظر، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات تتعلق بإعادة هيكلة العملية السياسية ضمن إطار الحلول الوطنية.

عسيري يشير إلى أن بري بإمكانه أن يكون حجر الزاوية في عملية انتخاب رئيس جديد للبنان، بالنظر إلى نفوذه الواسع في البرلمان، مما يجعله شخصية رئيسية لتحقيق التوافق بين القوى السياسية.

في المقابل، تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالة من عدم الثقة تجاه نبيه بري من قبل بعض القوى، بخاصة من تيار "حزب الله" والسنة. يعود ذلك إلى تاريخه الطويل في مجلس النواب، حيث يتساءل الكثيرون عن مدى نزاهته وصدق إرادته السياسية. تعتبر هذه الشكوك نتاجاً لتجارب سابقة، إذ يرى البعض أن بري قد يفضل مصالحه الشخصية أو الحزبية على حساب المصلحة الوطنية، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في دوره كوسيط في الأزمات الحالية.

وكان الكاتب السعودي أحمد عدنان وهو الخبير في الشأن اللبناني، يرى الزعيم اللبناني أصبح "رمزاً للفساد السياسي، حيث استخدم منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، مما أثر سلباً في مصداقيته بين اللبنانيين"، معتبراً في مقالة كتبها أخيراً في موقع "لبنان الكبير" أن "تاريخه في مجلس النواب يعكس عدم قدرته على إحداث تغييرات حقيقية، بل على العكس، استمراره في السلطة كان على حساب الإصلاحات الضرورية."

وأضاف "هناك شعور متزايد بأن بري لم يعد يمثل مصلحة اللبنانيين، بل يسعى إلى تعزيز سلطته فقط، مما جعله هدفاً للانتقادات من مختلف الأطراف السياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الكاتب السعودي البارز عبدالرحمن الراشد، وهو رئيس سابق لقناة "العربية"، وأيضاً "الشرق الأوسط"، يرجح أن رئيس البرلمان اللبناني "رجل الساعة" في هذا الوقت العصيب الذي يشهده لبنان، بوصفه المستفيد من تغطية فراغ "حزب الله" والقادر أيضاً على التحرك الفوري، بالنظر إلى موقعه السياسي وخبرته، في ظل غياب آخرين يمكنهم لعب الدور نفسه، تنتج آثاراً ملموسة في الشارع اللبناني.

وقال "أهمية بري، إلى جانب الشرعية البرلمانية الضرورية لتفعيل أي حل سياسي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، أنه يمثل الطائفة الشيعية في وقت تمر فيه باضطراب خطير. إسرائيل تقوم منذ أسبوعين، بشكل شبه يومي، بعملية اجتثاث لـ"حزب الله"، مثلما تم اجتثاث "حزب البعث" بعد إسقاط صدام. وكما فعل الحلفاء في ألمانيا باجتثاث القيادات النازية، وفي اليابان إبان الحرب العالمية الثانية".

وأكد في مقالة نشرتها "الشرق الأوسط" اللندنية أن القضاء على قادة الضاحية "يتسبب في فراغٍ خطير يستوجب أن يملأه قيادي شيعي حتى يمنع الفوضى، ويحول بين الطموحين من الحزب وتسلق السلم. بري لا يزال من أهم الشخصيات السياسية اللبنانية بشكل عام، وقيادته المرحلية عملية الإنقاذ السياسية لا يمكن أن تتم من دون مشاركة المكون الشيعي، مع بقية الطوائف، حتى تمنح هذا الحل التأييد الشعبي والشرعية الضرورية".

يتفق عسيري وهو السفير الذي كان نشطاً بين خيوط القوى السياسية في لبنان، مع التحليل الذي أشار إليه الراشد، فهو يعتقد أن بوسع بري أن يكون "حجر الزاوية في عملية انتخاب رئيس جديد للبنان"، بالنظر إلى نفوذه الواسع في البرلمان، مما يجعله شخصية رئيسية لتحقيق التوافق بين القوى السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات