Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضربات الإسرائيلية على لبنان يرتد أثرها في اليمن

الحوثيون لديهم مخاوف من استهدافهم بعد "حزب الله" ومراقبون يرجحون أن تعزز إيران دعمها لزعيم الجماعة بديلاً لنصرالله

دخان متصاعد عقب ضربة أميركية - بريطانية على مواقع مفترضة للمليشيا الحوثية بالعاصمة صنعاء (رويترز)

ملخص

على وقع الضربات الإسرائيلية التي يبدو أنها تتجه لطمس آخر معالم أركان "حزب الله" اللبناني، لوحظت تأثيرات ارتداداتها على باقي الأذرع الإيرانية في المنطقة وفي مقدمتهم الحوثيون الذين لزموا الصمت على غير المعتاد، وسجلت مناوشاتهم في البحر الأحمر هدوءاً حذراً.

مع كل ضربة تطاول قيادات الصف الأول والثاني لـ"حزب الله"، يبدي الحوثيون حذراً متزايداً، نظراً إلى علاقتهم الوثيقة بالجماعة اللبنانية وبقية الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية.

وتدرك الجماعة المتمردة في اليمن حتمية المصير المشترك بالكيان اللبناني الذي أوكلت إليه طهران مهمة بناء قدرات ذراعها في اليمن منذ ما قبل سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، سواء بالتقنيات العسكرية أو البشرية، وهو ما تراقبه وتحلل فصوله ومآلاته بقلق ملحوظ.

وإزاء هذه التطورات غير المسبوقة، أضحى الحوثي وفقاً لمراقبين أمام كابوس سيناريو خسارتين متوقعتين، الأولى توقف عمليات الدعم العسكري واللوجستي الذي ظل يقدمه "حزب الله" للجماعة الآتية من جبال مران ورازح وضحيان بمحافظة صعدة، وتشمل عمليات التمويل والتدريب اللوجستي والتكتيكي لأنهم لا يمتلكون أبسط القدرات العسكرية ولا خبرات التطوير والإنتاج، والثانية تعرض الجماعة لضربة معنوية في عمقها وخشيتها الملحوظة من مواجهة المصير ذاته، خصوصاً أن إسرائيل أعلنت صراحة أن "وقت جماعة الحوثيين سيأتي"، مما يعني أن قادتها دخلوا قائمة نيرانها المرصودة في المستقبل القريب وسط انكشاف أمني أدنى كثيراً مما كان لدى قادة "حزب الله".

يد الحوثي على قلبه

وحتى إن راح الحوثي يتوعد إسرائيل بالانتقام لمقتل "قادة المقاومة"، إلا أن ذلك لم يحجب حال الهلع التي اعترت الجماعة وكشفت عنه سلسلة من الإجراءات الأخيرة التي من ضمنها قمع مظاهر الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962 في المناطق الخاضعة لسيطرتها وشنها حملة اعتقالات واسعة طاولت كل من تشك بولائه من سياسيين وأكاديميين وإعلاميين وناشطات وقادة عسكريين وغيرهم.

وعلى وقع الضربات الإسرائيلية التي يبدو أنها تتجه لطمس آخر معالم أركان الحزب اللبناني، لوحظت تأثيرات ارتداداتها على باقي الأذرع الإيرانية في المنطقة وفي مقدمتهم الحوثيون الذين لزموا الصمت على غير المعتاد، وسجلت مناوشاتهم في البحر الأحمر هدوءاً حذراً، تفسيراً لحال ارتباك الفصائل التي أنشأتها إيران ورعتها منذ عقود طويلة، خصوصاً بعد تحذيرات جيش الاحتلال الإسرائيلي للحوثيين نهاية الشهر الماضي.

 

ونقلت هيئة البث العبرية عن الجيش الإسرائيلي قوله إن وقت جماعة "الحوثيين" اليمنية سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على "حزب الله" اللبناني، ليردّ عبدالملك الحوثي أن "العدو الصهيوني لن يحقق أمنه واستقراره باغتيال قادة المقاومة"، وتوعد بأن جماعته "لن تخذل الشعبين العزيزين ورفاق الدرب المجاهدين في لبنان وفلسطين".

يرى الباحث السياسي عبدالوهاب بحيبح أن الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بدءاً من استهداف قيادات عسكرية بارزة في "حزب الله" واختراق أجهزة الـ"بيجر" والاتصالات اللاسلكة وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله وقيادات الصف الأول السياسية والعسكرية تكتب فصلاً جديداً في المنطقة سيغير وجه المعادلات الإقليمية بما فيها مصير ميليشيات الحوثي ومستقبلها، مضيفاً أن "محور المقاومة" الإيراني، وفي مقدمته "حزب الله" لا يزال يتعرض لضربات إسرائيلية فادحة تؤكد أن المعركة على أشدها، مما ينبئ عن تطور مقبل سيعيد رسم خريطة المنطقة بأكملها.

هل تصبح اليمن "درة" إيران ؟

بالانعكاسات المتوقعة على طبيعة المشهد اليمني، يعتبر بحيبح أن اغتيال نصرالله مثّل ضربة تاريخية في خاصرة ما يسمى "محور المقاومة" الذي كثيراً ما شكل ركنه الرئيس كوكيل إيران الأول في المنطقة العربية لتنفيذ استراتيجياتها سواء العسكرية أو نقل الأيديولوجيا الطائفية المتشددة وتقديم التدريب والدعم والمشورة والمشاركة في اليمن والعراق وسوريا والأثر الرهيب والكبير الذي تركه على هذه البلدان، موضحاً أن "قتله ومعه طابور من الصف الأول سيسبب ضربة معنوية وعسكرية للحوثي لها ما بعدها في حال استمرت وتيرة الأحداث على ما هي عليه اليوم".

وبقراءة لنتائج الضربات الإسرائيلية الرأسية التي لا تزال تعصف بقادة الحزب اللبناني واحتمالية توجهها لضرب قادة الحوثي في اليمن، ذهب مراقبون إلى الحديث عن بديل إيراني محتمل في المنطقة يتمثل في جماعة الحوثي، خصوصاً وهي تسيطر على العاصمة ومساحة شاسعة باتت موطئاً إيرانياً مثالياً محتملاً في حال واصلت إسرائيل والغرب عملية تجريف ما تبقى من الكيان الطائفي في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ووفقاً للباحث بحيبح "فإن الفراغ الفادح الذي تركه نصرالله لإيران سيدفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة وهنا يبرز دور الحوثيين الذين في حال عدم تعرضهم للمصير اللبناني ذاته قد يصبحون البديل الأنسب لطهران في ظل تراجع نفوذ ’حزب الله‘ تحت نيران التصفية الإسرائيلية".

ويضيف أن "التحولات في لبنان ستؤثر في الحوثيين عسكرياً ومعنوياً، ولكنها قد تفتح الباب أمامهم لتعزيز دورهم كوكيل إيراني في المنطقة في حال استعدادهم لتحمّل أدوار أكبر، إذا ما أثبتوا قدرتهم على تنفيذ عمليات نوعية، سواء من خلال استهداف خطوط الملاحة الدولية أو تهديد أمن إسرائيل، مما يجعلهم وكيلاً مثالياً لطهران في الوقت الحالي".

ويورد مقارنة من وجهة نظر إيرانية "فالحوثي يعتبر أقل كلفة وأكثر قدرة على المناورة في ظل الوضع اليمني الحالي وبعدهم الجغرافي من إسرائيل، إضافة إلى موقع اليمن المهم الذي يعاني حالاً من الفوضى المستمرة"، وهذا الوضع يمكن الحوثيين "من العمل بصورة أوسع، خصوصاً في ظل دعم إيراني مستمر يهدف إلى تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي في المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع تزايد التوترات الإقليمية يمكن للحوثيين، وفقاً لبحيبح، "الاستفادة من الفراغ الذي خلّفه اغتيال نصرالله لتوسيع نفوذهم لأن التهديدات التي تشكلها إسرائيل لمحور المقاومة تدفع إيران إلى زيادة دعمها للحوثيين"، كما أن استمرار دعمهم "سيبقي ذراعها في جنوب شبه الجزيرة العربية قريبة من منافذ استراتيجية مثل البحر الأحمر وخطوط التجارة العالمية".

في مقالة نشرها على صفحته بموقع "فيسبوك"، يقول السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان إنه يبدو أن إيران اتخذت قرار التخلي عن أذرعها العسكرية مقابل تصفير مواجهتها مع إسرائيل.

ويكشف عن أن "المقاربة الأميركية التي يجري بحثها في الغرف المغلقة تقوم على مرحلتين، الأولى أن تلتزم إيران الحياد إزاء ما يحدث في لبنان، وأن تترك إسرائيل تصفي حسابها مع ’حزب الله‘ تحت عنوان ضمان عودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل، وتطبيق القرار الأممي 1701 القاضي بانسحاب قوات ’حزب الله‘ من الجنوب والتوقف عن الهجوم على إسرائيل، وهذا ما التزمت به إيران حتى الآن".

ويتابع أن "ضرب القوة العسكرية لـ’حزب الله‘ يعني في ما يعنيه تخلي إيران عن سياستها القاضية بجعل الحزب قوة ردع لحماية أمنها، مما سينعكس على بقية أذرعها الأخرى في اليمن والعراق، خصوصاً بعدما أثبتت الوقائع فشل هذه السياسة التي انطلقت من مفهوم مغالط للمقاومة".

وتقضي المرحلة الثانية وفقاً للسفير اليمني بـ"إعادة هيكلة هذه الميليشيات لينتهي معها أي خطر يهدد أمن إسرائيل أو الأمن الإقليمي أو الدولي، وتصبح بموجب ذلك ميليشيات عادية، وربما بتسليح بسيط تدخل معه في الحياة السياسية إذا أرادت، ولا يهم بعد انتهاء خطرها الخارجي ما الذي ستسفر عنه عملية الهيكلة تلك من نتائج على الوضع الداخلي الذي يصبح شأناً خاصاً بكل دولة على حدة".

وبحسب هذه المقاربة، يقول نعمان إن إيران ترى عملية استثمارها الكبير في "حزب الله" يجب ألا يذهب أدراج الرياح، وأن أي تنازل في هذه الجبهة لا بد من أن يعوض في جبهة أخرى وهي ترشح اليمن لأسباب كثيرة، من بينها أن "الحوثي يسيطر على جزء من البلاد سيطرة كاملة، ويعتبره العالم طرفاً في نزاع داخلي على السلطة، وليس مجرد ميليشيات تقوم بدور الدولة داخل الدولة"، موضحاً أن السبب الثاني يتمثل "في ما يشغل العالم بالنسبة إلى الحوثي، أي الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وهذه مسألة  طارئة، ويمكن حلها بضوابط توفر له شروطاً للتمسك بوضعه في معادلة الحل الداخلي من دون تنازلات كبيرة".

ويضيف أن "الإقليم سبق له أن تفاوض مع الحوثي وإيران، ولو لم تستجد بعد ذلك تلك الظروف التي دفعت فيها طهران الحوثي إلى القيام بتلك الأعمال الفوضوية في البحر الأحمر وخليج عدن، لكانت إيران فرضت الحوثي بشروطها".

بين المصلحة الخارجية والمعاناة الداخلية

من هنا يبدو أن ما ستسفر عنه كل هذه الأحداث والمقاربات، وفقاً لنعمان "سيعقد الوضع في اليمن إذا ما أصر العالم والإقليم على فصل أخطار علاقة الحوثي بإيران على الصعيد الخارجي عن تلك الأخطار المتعلقة بالصعيد الداخلي، أي أن تقْدِم إيران ومعها الحوثي على الانحناء للعاصفة وتقديم تنازلات خارجية مقابل تمكينها من تسوية تضع اليمن في مهب الريح".

ويحذر السياسي المخضرم من أن إيران "إذا استطاعت تمرير هذه التسوية، فإنها تضع أمن المنطقة على كف عفريت فالسيطرة على اليمن هي جل ما تسعى إليه إيران ولديها كامل الاستعداد لتقديم التنازلات والتخلي عن أذرعها الأخرى مقابل التمسك بقدم ثابتة وقوية في اليمن".

وعلى رغم الفرص التي تتيحها التحولات الحالية، لا يمكن إغفال التحديات التي يواجهها الحوثيون أنفسهم والتي يصنفها الباحث بحيبح في ملاحظات عدة، من بينها افتقارهم إلى الخبرة التي يمتع بها "حزب الله" في مواجهة إسرائيل وإدارة الصراعات الإقليمية، وكذلك محدودية "الدعم الإيراني للحوثي في حال حدوث تغييرات على مستوى العلاقات الدولية أو الداخلية الإيرانية، مع ما تواجهه طهران من ضغوط اقتصادية وسياسية وتهديدات عسكرية، قد تجعل من الصعب تقديم الدعم الكامل للحوثيين كما كانت الحال مع ’حزب الله‘".

وتشكل التركيبة القبلية والمناطقية في اليمن "تحدياً إضافياً للحوثيين لأن النجاح العسكري لا يعني بالضرورة نجاحاً سياسياً، خصوصاً في ظل التحديات الداخلية التي يواجهها الحوثيون من جماعات وقبائل معارضة ورفض شعبي كبير ومتنامٍ ووجود الحكومة الشرعية كطرف مقاوم للوجود الحوثي مدعومة إقليمياً ودولياً، فضلاً عن احتمالية تعرضه لضربات قاصمة كالتي تحدث اليوم لقدوته في المنطقة ’حزب الله‘، إذا اقتضت المصلحة الإسرائيلية والدولية ذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات