Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتهاكات طرفي حرب السودان بحق المدنيين تضع العدالة على المحك

كل من قال "لا للحرب" معرض لانتهاكات من قبل الجيش أو "الدعم السريع" بلغت حد التصفية أثناء الاحتجاز

سودانيون ينتظرون خارج مستشفى لإجراء فحص طبي في ولاية البحر الأحمر بعد الفيضانات الغزيرة الأخيرة بشرق السودان في 10 أكتوبر الحالي (أ ف ب)

ملخص

يتعرض المدنيون السودانيون منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" إلى انتهاك أبسط حقوقهم من جانب طرفي النزاع، ويكفي مجرد الاشتباه لتنفيذ أقسى العقوبات.

يعاني عدد كبير من السودانيين الموجودين في مناطق الصراع المتفجر بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ 18 شهراً وكذلك المناطق الآمنة من حملات اعتقال وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من طرفي القتال، بموجب اتهامات يصب معظمها في خانة التخابر والتآمر والتعاون والدعم وغيرها من التهم التي صدر حكم الإعدام في بعضها، ناهيك بعمليات القتل والتعذيب والاغتصاب وانتهاكات عدة خارج نطاق القانون.
فكيف يرى المتخصصون في مجال القانون هذه الانتهاكات وزيادة وتيرتها خلال الفترة الأخيرة؟ وما دواعيها وأهدافها وطابعها؟ وما تأثيرها في مجريات الحرب؟ وما رسالتها والمطلوب فعله لإيقاف هذه الانتهاكات؟

فوضى عارمة

رأى رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق على حسن أن "هذه الحملات وما تصحبها من انتهاكات سافرة من طرفي القتال صارت من أدوات الحرب المستخدمة بصورة منظمة لقهر المدنيين، فالطرفان يمارسان انتهاكات واسعة بلا أدني مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، فنجد مثلاً حكومة بورتسودان التي يقودها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان سنت قانون الوجوه الغريبة لملاحقة الأشخاص الذين يشتبه في أن لهم صلة بـ’الدعم السريع‘، وأصبح الاشتباه بينة كافية للتجريم في المحاكم بارتكاب جرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام، فيما أصبح في جانب ’الدعم السريع‘ مصطلح فلول تهمة تكلف الشخص حياته".
وتابع حسن أن "ما يجري من تجريم وانتهاكات واضحة بحق المدنيين من الجانبين المتحاربين عبارة عن فوضى عارمة وقد زادت وتيرتها بصورة كبيرة خلال هذه الأيام، وهو بلا شك أمر يؤثر في إحداث مزيد من التمزق بين مكونات الشعب السوداني، كونها اتهامات تقوم على مزاعم من الطرفين لا أساس لها من الصحة، ومن المؤسف أنه نجم عنها تصفيات عدة على أساس القبيلة والإثنينة هنا وهناك".
وزاد "نحن في هيئة محامي دارفور وشركاؤنا نقوم بتقديم العون القانوني لعديد من المتأثرين بهذه الانتهاكات في مدن شمال السودان والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الجيش، أما بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات "الدعم السريع" فيتصدر دور الهيئة في إصدار البيانات لممارسة الضغوط لإجبار هذه القوات على إطلاق سراح المعتقلين فضلاً عن لفت نظر الجهات الدولية لما يحدث من انتهاكات، إضافة إلى تقديم المذكرات للجهات المعنية، لكن المحصلة في ظل هذه الظروف عبارة عن اجتهادات نتائجها ليست فاعلة ومع ذلك لن تتوقف مجهوداتنا".
ولفت رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف إلى أن "الحال وصل إلى درجة تتطلب ضرورة الحراك الشعبي الحاسم وعدم الانتظار سواء بالنسبة إلى الطرفين أو الخارج، فالأمر بات بيد السودانيين أنفسهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مخالفة القوانين

ومن جهة أخرى، أشارت عضو هيئة "محامو الطوارئ في السودان" إقبال أحمد علي إلى "تضاعف معاناة‍ السودانيين، الذين دفعوا الثمن الأكبر للصراع المسلح في السودان مع كل يوم من أيام الحرب عبر أنماط ممنهجة وثابتة للانتهاكات الجسيمة من قبل طرفي الصراع وكتائبهما، بطريقة مخالفة للقوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني بارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين العزل، شملت القتل والسحل والإبادة الجماعية والاغتصاب والتهجير القسري والاختفاء القسري والاعتقال، وذلك بذريعة الانتماء القبلي والوجوه الغريبة والإرشاد أو العمل المباشر لمصلحة أحد الأطراف وتصفية الحسابات والخلافات الشخصية، فكل من قال لا للحرب معرض لهذه الانتهاكات من قبل السلطات الأمنية التابعة للجيش والتي بلغت حد التصفية أثناء الاحتجاز. ولا تقلل قوات "الدعم السريع" من ارتكاب الفظائع داخل المعتقلات إذ تتذرع بنفس الأسباب، سواء المعاونة أو الإرشاد".

وأضافت إقبال أحمد علي "في الحقيقة، أنه خلال الفترة الأخيرة زادت وتيرة الاعتقالات واتسع نطاقها وبخاصة في المناطق الآمنة من قبل السلطة الحاكمة بعد إصدار قانون الوجوه الغريبة في الولايات المختلفة تنفيذاً لتوصيات ورشة رصد الوجود الأجنبي والمنشور رقم 44 الصادر من وزارة الداخلية والذي تجاهل عمداً حال التهجير القسري التي تقوم بها قوات ’الدعم السريع‘ للمدنيين مما يضطرهم للنزوح إلى المناطق الآمنة خوفاً من انتهاكات تلك القوات، ليجدوا أنفسهم أمام اتهامات جزافية لا صحة لها، وللأسف راح ضحية هذا الاتهام عدد من الأشخاص".

ومضت إقبال علي قائلة إنه "كما أصبح خطاب الكراهية من ضمن الوسائل المستخدمة في عمليات الاعتقال، إذ اعتقل آلاف الأشخاص من خلال تتبع منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رغم أنه لا توجد إحصائية دقيقة نظراً إلى انقطاع الاتصالات في مناطق عدة في البلاد، إضافة إلى موجة النزوح المتعدد إلى أكثر من منطقة في فترات وجيزة، فإن العدد تجاوز 13 ألف معتقل لدى ’الدعم السريع‘ وأكثر منهم عدداً لدى الجيش".
وواصلت "كذلك يتم اعتقال كل من يدعم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) وقوى الحرية والتغيير (قحت) أو من دافع عنهما، كما يلحظ تزايد أعداد الإعدامات خارج القانون من قبل أفراد تابعين للكتائب التابعة للحركة الإسلامية، وهي معظمها تصفية خصوم سياسيين لأفراد يعملون في مجال الدفاع القانوني والمساعدة الإنسانية وغرف الطوارئ ومعظمهم ينادون بوقف الحرب، في حين نجد أن كل محاكمات قوات ’الدعم السريع‘ وما تنفذه من إعدامات بحق المدنيين وبخاصة الذين يقبعون في معتقلاتها، يعد خارج نطاق القانون ومخالفة له لعدم امتلاكها نيابات أو محاكم تتبع سلطة قضائية".
وختمت عضو "محامي الطوارئ"، "في تقديري أن الهدف من هذه الاعتقالات هو تصفية ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 ووضع السودان تحت محرقة الحرب والدمار وإرسال رسائل واضحة للثوار وكل من نادى وطالب بالديمقراطية بأن مصيره الموت، إن لم يكن بالرصاص سيكون عبر الطيران الحربي أو المرض والجوع والاعتقال".


انهيار عدلي

وضمن السياق قالت المتخصصة في القانون الدستوري والدولي زحل الأمين "بالفعل تمت أثناء فترة الحرب انتهاكات وحشية بحق المدنيين من قبل طرفيها، فمن جانب السلطات الأمنية الداعمة للجيش جرت اعتقالات تعسفية واعتقالات خارج نطاق القانون، وإعدامات تعسفية من غير أدلة كافية وغير مسنودة بما يكفي من أعمال متطلبات حقوق الإنسان، بحجة أن هؤلاء تخابروا مع قوات ’الدعم السريع‘ أو لهم علاقة بها أو تعاونوا معها، مما جعل العدالة الآن في محك خطر جداً".
وتابعت الأمين "في المقابل، ارتكبت قوات ’الدعم السريع‘ انتهاكات فظيعة للغاية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تمثلت في الاعتداء على المدنيين وعلى البنى التحتية، فضلاً عن الاعتقال والإعدام خارج القانون والترويع وإجبار المواطنين على النزوح من مناطقهم وتدمير البنى الزراعية والرعوية في جميع المناطق التي تسيطر عليها تلك القوات، إضافة إلى الاغتصاب والتهجير القسري التي تُصنف على أنها جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب تعرض منتهكيها للمحاكمات الجنائية سواء داخل الدولة أو أمام محاكم مختلطة أو التحول إلى القضاء الجنائي الدولي".
وبينت أن "من حق الدولة أن تقوم بواجبها القانوني تجاه من يهددون الأمن القومي، لكن كل ذلك يجب أن يتم في إطار القانون بموجب أدلة قاطعة، على أن يُحاكم المتهمون محاكمات قانونية أمام القضاء وأن يوفر لهم ما يكفي من الدفاع والشهود وكل أجواء الإنصاف وغيرها".
وأردفت "لكن المؤسف أن المسألة تحولت خلال الفترة الأخيرة إلى شيء من التعسف وعدم الاستناد بما يكفي من متطلبات حكم القانون وأخشى أن يكون ذلك بداية لانهيار عدلي يقود إلى تفكيك المجتمع أو خلق نوع من الغبائن داخله، مما يؤدي إلى مزيد من الانفلات الأمني أو المجتمعي في البلاد، وبخاصة مع كثرة انتشار السلاح في ظل ظروف الحرب وكثرة التداعيات الإنسانية والأخلاقية التي رافقت المشهد السوداني".
ونوهت المتخصصة في القانون الدولي إلى ضرورة "الحذر في التعامل مع المسائل العدلية والقانونية والاتهامات الجزافية حتى لا تجر البلاد إلى مزيد من الفوضى، ولكي تتاح معالجة آثار الحرب إذا قدر لها أن تتوقف أو في حال الحاجة إلى عدالة انتقالية"، داعية إلى أن "يتم بعد نهاية هذه الحرب رتق النسيج الاجتماعي وبناء سودان جديد بأسس جديدة، تقوم على احترام حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني والقبول بالآخر وتنمية المجتمعات حتى لا يحدث انزلاق في أتون حرب جديدة، فضلاً عن الاهتمام بالتعليم والصحة والبنى التحتية لرفع مستوى المعيشة ومحاربة الفقر".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات