Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ننجو من فخ المصافحة الأولى؟

بعض أساليب الترحيب قد تسبب حرجاً والاكتفاء بالابتسامة فقط مهارة تجنب التورط

يحتفظ الملايين بقصص ضاربة في القدم وراء اختيار كل منطقة أساليبها الترحيبية (رويترز)

ملخص

أسلوب التحية عند التعارف للمرة الأولى، قد يكون ذكرى طيبة ودافئة، وبداية لعلاقة صداقة على أكثر من صعيد، وقد يمثل أيضاً موقفاً شديد الإحراج والارتباك، لأن الانطباعات الأولى تدوم لذا من الأفضل اختيار أكثر الطرق أماناً.

فن إلقاء التحية يمكن أن يصعد بالمحادثة إلى أقصى طرق الاستفادة عملياً وإنسانياً، أو أن ينهي العلاقة حتى قبل أن تبدأ إذا ما جاء على غير المتوقع سواء بالمبالغة في المحبة التي قد تصل حد الاقتحام أو العكس تماماً أي إشاحة الوجه عن الطرف الثاني وتجاهله وعدم تقديره، والأمر يصل لذروة الأهمية حينما يتعلق الموقف باللقاء للمرة الأولى، وبخاصة أن المعارف والأصدقاء وزملاء العمل والأحبة يعرفون بعضهم بعضاً ولن يبذلوا مجهوداً في تقديم أنفسهم لذا هناك اطمئنان يغلف لقاءاتهم في ما يتعلق بهذا الجانب.

والمعرفة هنا تتيح ألواناً مختلفة من التعبير عن المشاعر الترحيبية وإظهار الألفة، لكن الصعوبة الحقيقية، هي في اختيار الطريقة التي تليق بمقابلة أولى، ففي حين أن هناك عبارات شائعة لمثل هذه المواقف متفق عليها بصورة عامة مثل "فرصة سعيدة، تشرفت بلقائك، أهلاً، مرحباً"، يظل الأمر أكثر تعقيداً من هذه القائمة، إذ لدى كل مجتمع ثقافته المختلفة التي على أثرها تتحدد وسيلة إلقاء التحية التعريفية.

يهتم المسافرون لبلاد لم يعرفوها يوماً، عادة أن يجتهدوا بعض الشيء في البحث عن معاني التحية فيها، كي يكونوا أكثر اندماجاً ولا يقعوا في مواقف تسبب الضيق لأي طرف، أو يجدوا أنفسهم متورطين في السخرية من وسائل الغير في التعبير عن حسن الاستقبال، وبخاصة أن بعض الطرق قد تكون غريبة وغير معتادة، فيكفي مثلاً أن نعرف أن إخراج اللسان الذي هو علامة على الكيد والرغبة في إذلال الآخر، هو قمة المودة والاحترام والوقار في إقليم التبت، إذ يحرص سكان المنطقة التي تقع جنوب غربي الصين وتتمتع بحكم ذاتي على أن يظهروا مودتهم بهذه الوسيلة لمن يلتقون بهم للمرة الأولى.

وهناك بالطبع قصص ضاربة في القدم وراء اختيار كل منطقة أساليبها الترحيبية، كما أن كل دولة قد تمتلك أكثر من طريقة للتعبير عن السعادة باللقاء الأول، وفقاً لطبيعة السكان بها.

الرعب من اللسان الأسود

وعلى ذكر الصين، فإن طرق المصافحة الأولى بالدولة الشاسعة التي تمثل أكثر من 17 في المئة من إجمالي سكان العالم وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، تراوح ما بين قبضة اليد الخفيفة، أو انحناء الرأس بصورة بسيطة، أو حتى الاكتفاء بإمالة اليد مع الابتسامة ويفضل الغالبية التحفظ عند معرفة شخص جديد. المؤكد أن الابتسامة في مثل تلك المواقف هي وسيلة منقذة باعتبارها لغة يتقنها الجميع في العالم، لذا قد يكتفي بها بعض الأشخاص مع بعض العبارات المعتادة، بدلاً من أن يضعوا أنفسهم في موقف مربك أو مريب، لا سيما إن كانوا في مجتمع غريب عليهم.

 

 

ففي حال التبت على سبيل المثال ينبغي أن يرد الشخص على تحية اللسان بمثلها، ويعود أصل التقليد للقرن التاسع الميلادي وفق المتداول حيث كان اللسان الأسود دلالة على أن صاحبه يمثل ملكاً شريراً يتميز بسواد لسانه، فجرت العادة أن يخرج الرهبان ألسنتهم لأقرانهم للتأكد من الهوية ومنهم امتدت لجميع قاطني الإقليم، وبات علامة على حسن النية، كذلك في بعض المناطق الفرنسية يحرص المتقابلون على إبداء المودة بالقبلات على الخد فيتبادلون اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقد تكون عن بعد أو بالملامسة وفقاً لمساحة الود التي تم إبداؤها في اللقاء، وفي دول أميركا اللاتينية وبينها البرازيل وتشيلي والأرجنتين يفضل كثير إرسال قبلة في الهواء عن بعد في مسار أحد الخدين.

لغة الجسد تنقذك

لكن في نيوزيلندا مثلاً لا ينال شرف التحية الحارة في أول لقاء إلا من أثبتوا جدارتهم ونالوا الإعجاب، فيكون الترحيب بهم من طريق تلامس المنطقة بين الجبين والأنف للشخصين معاً، وهو ما يعرف بـ"هونغي" أي نسيم الحياة ومشاركة النفس، أما في غالبية دول أوروبا بما فيها بلجيكا فيفضلون قبلة عابرة على خد واحد سواء كان الأشخاص على معرفة ببعضهما بعضاً أو يلتقون للمرة الأولى، ولا يختلف الأمر إذا كان المتصافحون من جنس واحد أو جنسين مختلفين.

ولكن في العقدين الأخيرين مع توافد هجرات متوالية لأناس منحدرين من ثقافات مختلفة لهذه الدول، أصبحت السمات الغالبة لطرق الترحيب متنوعة، وهو ما قد يثير حساسيات أثناء الترحيب، إذ لا يشعر أحد الأطراف بالراحة عند تقبيل الآخرين، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق المحرج؟.

تشير الأكاديمية الحائزة درجة الدكتوراه في فن الإتيكيت في جامعة السوربون الفرنسية إيمان عفيفي، إلى أن لغة الجسد مهمة للغاية، فينبغي على كل شخص أن يتعلم استعمال لغة جسده بذكاء لتتم قراءتها بسهولة، لكونه يرسل من خلالها رسائل معينة، كأن يبتعد قليلاً أو يضع يده إلى جانبه، أو يكتفي بالإيماءات من على بعد مسافة كافية، ليدرك من أمامه أنه لا يفضل التواصل بطرق أكثر من ذلك، وأن يعرف أيضاً كيف يقرأ لغة جسد الآخرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنبه إلى أن لغة الجسد تدرس في كثير من المؤسسات التعليمية، فسكان الدول الأوروبية باتوا على دراية بعادات الشعوب والأشخاص لا سيما من يتمتعون شرقية وعربية ولديهم تقاليد يلتزمون بها.

وتتابع المتخصصة وأستاذ فن الإتيكيت والمظهر أن الدولة الواحدة فيها أكثر من نوع ثقافة في المصافحة عند اللقاء أول مرة، مشيرة إلى أنه من المهم أن نكتشف بالنظر والملاحظة طريقة التحية التي يعتمدها من أمامنا، لذا من الصعب التعميم والتكهن إلا وفقاً لكل موقف، وتضيف "هناك من يفضلون تقبيل يد النساء في مناسبات بعينها، ولهذا على كل امرأة أن تدرك جيداً طبيعة المكان الذي توجد فيه وكذلك نوعية المواقف التي يمكنها أن تتعامل معها وتحضر نفسها للتصرف الأمثل دون أن تسبب ضيقاً لأحد".

قواعد متباينة

هناك قاعدة شعبية تقول إنه ينبغي في أي موقف سواء كان مقابلة عمل أو لقاء أو نشاطاً اجتماعياً أن ينتظر الرجل أن تمد المرأة يدها بالسلام أولاً، كي لا يحرج نفسه وبخاصة في المجتمع العربي حيث تتخذ بعض النساء خيارات عدم المصافحة لأسباب مجتمعية ودينية، ولكن بالنسبة إلى الدكتورة إيمان عفيفي فهي ترى أن الأمر أكثر تعقيداً، متسائلة ماذا لو كان الرجل هو الذي لا يحب المصافحة، هنا ستضع المرأة نفسها في موقف متأزم. وترى أن الحل الأمثل هو التخلي عن تلك القاعدة، واستبدالها بالنظر إلى حركة اليد وقراءتها جيداً، فإذا الشخص يحتفظ بها وراء ظهره، ولا يرغب في تحريكها، ينبغي في تلك الحالة التراجع تماماً عن قرار المصافحة.

وفي حين يفضل العرب في اللقاء الأول عادة إلقاء السلام، والمصافحة باليد اليمنى، أو حتى الاحتكاك الخفيف بالأنف في بعض دول الخليج مع إبقاء مسافة معقولة بين الطرفين، فإن دولاً مثل الهند وتايلاند واليابان تفضل الانحناء، حتى درجة الانحناء نفسها تختلف وفقاً لطبيعة الشخص والموقف.

أما في ماليزيا فمشاعر الامتنان والسعادة تظهر بوضع اليد على القلب من الطرفين، فيما يبدو نمط شم الوجوه من الأنماط الغريبة في إلقاء التحية ببعض جزر المحيط الأطلسي مثل غرينلاند وتوفالو في المحيط الهادئ وكذلك ملامسة الخدين، والأخيرة هي المفضلة عند الالتقاء بالزوار للمرة الأولى، على رغم كل ما ترمز إليه من حميمية وقرب، أما عند شعوب الأسكيمو فهم يفضلون ملامسة الأكتاف أو ضرب الرأس، وفي بعض قبائل جنوب أفريقيا تكون الطريقة المثلى هي التصفيق بطرق متنوعة تختلف وفقاً للجنس، أما حك الظهر فهي الطريقة الشائعة بين سكان جبال الهمالايا.

الترحيب الدافئ

اللافت أن حماسة الترحيب وحرارته سواء في اللقاء الأول أو بين المعارف المقربين، تختلفان بصورة واضحة بين القرى والمدن في غالبية الثقافات، وذلك وفقاً لما خلص إليه المؤلف آندي سكوت صاحب كتاب "قبلة واحدة أم قبلتان ـ البحث عن شكل التحية المثالية"، الذي يستفيض في البحث عن جذور طرق الترحيب وأصولها بين البشر، مشيراً إلى أن بعض الثقافات قد يكون من اللائق أن يطبع الشخص قبلتين أو ثلاثاً على الخد كي يبعث برسالة الود كما ينبغي. ويشدد على أن تلك الطرق عرفت بين المزارعين في قراهم أولاً، ومن ثم انتقلت إلى المدن مع الهجرات المتوالية.

 

 

الكتاب الذي صدر عام 2018، يوضح أن بعض تلك العادات يتأثر بصورة واضحة بالظروف الصحية، مشدداً على أنه مع انتشار إنفلونزا الخنازير عام 2009 استبدل القلقون من العدوى القبلة الواقعية بأخرى طائرة في الهواء، وهو ما انطبق بطبيعة الحال على كافة طرق العدوى التنفسية الأخرى التي تنتقل بالرذاذ، إذ يتذكر الجميع التعليمات الصحية المتشددة إبان انتشار فيروس كورونا قبل نحو أربعة أعوام، حين امتنع المتعارفون عن التقبيل أثناء اللقاءات رعباً من الإصابة بالفيروس الحاد السريع الانتشار، وبالطبع من جمعتهم الظروف للمرة الأولى اكتفوا بالتعارف حتى من وراء الكمامات، وتبنت معظم التجمعات لا سيما الشابة مصافحة المرفقين باعتبارها أكثر أمناً أو قبضة اليد، للتعبير عن المودة.

كيف غيرتنا الفيروسات؟

تأثيرات الطوارئ الصحية في طرق التحية، جعلت هناك لغة عالمية للمصافحة تتجنب الأخطار، ولكن لا تزال خصوصية التحية عند اللقاء الأول معمولاً بها في بلدان عدة، إذ بدا وكأن هناك تعطشاً لممارسة مظاهر الترحيب بعد عامين عصيبين من تجنب الاختلاط، فالإنسان بطبعه اجتماعي، حتى لو كانت ظروف العصر تشجع على العزلة.

تنصح الاستشارية النفسية الدكتورة عنان حجازي عادة بالالتزام بالتحية التي يفهمها الجميع في العالم العربي، وهي مقبولة وتؤدي الغرض منها مثل "السلام عليكم" من دون التواصل الجسدي سواء كان بالمصافحة أو العناق إلا إذا كان هناك سابق معرفة، وبخاصة أن البعض قد يعتبرون المبالغة في السلام باليد أو الاحتضان دون معرفة انتهاكاً، لذا فالأفضل وضع حدود للتعامل مع الاكتفاء بالكلام أو إيماءة الوجه.

وترى أن هذا الوضع أفضل كثيراً وبخاصة في ما يتعلق بالاشتراطات الصحية في هذا العصر الذي تنتشر فيه الأوبئة والأمراض، وبات من الشائع حدوث عدوى بتلك الطرق البسيطة، لافتة إلى أن أنواع الشخصيات تختلف وبينها النرجسية والمسيطرة والودودة والانعزالية ولهذا من الأفضل بحسب الباحثة النفسية اختيار طريقة محايدة للتحية في أول لقاء.

 

 

وتتفق معها متخصصة قواعد الإتيكيت والمظهر الدكتورة إيمان عفيفي التي ترى أنه من غير المفضل أبداً أن يكون هناك تواصل جسدي عند إلقاء التحية مع من نجتمع معهم للمرة الأولى لأنه من غير اللائق تقبيل وعناق من لا نعرفهم، مطالبة بالانتظار حتى نهاية المقابلة، فإذا كانت طويلة وإيجابية، يمكن حينها المصافحة بطريقة أكثر حميمية.

الانطباعات الأولى

الانطباعات الأولى تدوم والمصافحة الأولى عنصر أساس في توليد الانطباعات لذا قد يسقط البعض في فخ المبالغة في إظهار الدفء والمودة، أو على العكس، الظهور كشخصيات غير اجتماعية ولا تبدي عواطف الترحيب بسهولة.

وتعتقد حجازي وهي متخصصة أيضاً في العلاقات الأسرية، أن اللقاء الأول أياً كان صداه، فهو ينطبع بالفعل في النفس وتظل الذاكرة محتفظة به على الدوام، وتأثيره سواء كان سلبياً أو إيجابياً يظل مسيطراً حتى وقت طويل، لكن مع ذلك أضافت أنه من الممكن أن يتم العمل على تحسين الأجواء وتصحيح الصورة إذا كانت سيئة، وذلك بالعثور على مواطن الخلل والعمل على تعديلها، واختيار التحية المناسبة إحدى أبرز صور إدراك هذا النقص.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات