Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماضي ألمانيا النازي يلقي بظلاله على كيفية تعاملها مع إسرائيل

كثيراً ما نال الألمان الثناء على ثقافة التذكر والتصالح مع جرائم النازية، لكن هذا الدعم لإسرائيل وصل إلى مستوى جعل كثيرين خائفين من التعبير عن آرائهم حول الحرب في غزة ولبنان

استغلت الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا التوتر المحيط بأفعال إسرائيل في الشرق الأوسط (غيتي)

ملخص

 ألمانيا هي ثاني أكبر مورد أسلحة لإسرائيل على مدى العقدين الماضيين بعد الولايات المتحدة مباشرة، كما أن غالبية المعدات التي استعان بها الجيش الإسرائيلي في قتاله ضد "حماس" و"حزب الله" وقوى أخرى خلال الأشهر الأخيرة هي صناعة ألمانية

شهدت ألمانيا حدثين بارزين في نهاية الأسبوع الماضي. فخلال مؤتمر عقد في برلين بعنوان "The Big Chill"، نددت مجموعة من المفكرين والنشطاء بما وصفوه بـ"الطاعة الاستباقية". وأشاروا إلى أن الألمان، بمن فيهم اليهود، تعرضوا لـ"الإسكات والإقصاء والوصم" إزاء انتقادهم لرد فعل إسرائيل على الأعمال الوحشية التي أُرتكبت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

في الوقت نفسه، شهدت بلدة زايتر الصغيرة في شرق البلاد حادثة مؤسفة تزامنت مع مؤتمر برلين. فقد تم اقتلاع 10 "أحجار تذكارية"، وهي ألواح نحاسية صغيرة تُوضع أمام منازل اليهود الذين اقتيدوا إلى معسكرات الإبادة. وعلق غوتز أولريش، وهو سياسي محلي بارز، قائلاً: "مرتكب هذه الأعمال يريد محو ذكرى الهولوكوست من ذاكرتنا".

المؤسف أن كلا الحدثين يعكسان حقائق قائمة في المجتمع الألماني، إلا أنهما مرا من دون تغطية إعلامية خاصة، في نهاية أسبوع بدت عادية.

على مدى العام الماضي، منذ هجوم حركة "حماس"، تشهد ألمانيا حالاً من الاضطراب بسبب سياسة حكومتها إزاء إسرائيل وغزة ودول المنطقة، وكذلك التداعيات الداخلية للصراع في الشرق الأوسط على مجتمعها.

كثيراً ما حظي الألمان بإشادة واسعة لما يُعرف بثقافة "التذكر" Erinnerungskultur، وثقافة "التصالح مع جرائم النازية" Vergangenheitsbewältigung، حتى أصبح ذلك بمثابة "علامة تجارية" وطنية.

وعام 2008، ارتقت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بالعلاقات الألمانية-الإسرائيلية إلى مستوى غير مسبوق خلال خطابها أمام الكنيست الإسرائيلي، إذ أعلنت أن دعم إسرائيل أصبح جزءاً لا يتجزأ من جوهر سياسات الدولة الألمانية، مؤكدة أن ألمانيا ستحدد هويتها من الآن فصاعداً بقوة دعمها لإسرائيل مهما كانت الظروف. وتجسد هذا الموقف عملياً، فأصبحت ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل على مدى العقدين الماضيين، بعد الولايات المتحدة مباشرة. ويذكر أن غالبية المعدات التي استعان بها الجيش الإسرائيلي في قتاله ضد "حماس" و"حزب الله" وقوى أخرى خلال الأشهر الأخيرة هي صناعة ألمانية.

وفي خطوة عززت موقفها الداعم لإسرائيل، كانت ألمانيا من أوائل الحكومات التي تبنت تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية عام 2017 الذي يعتبر معظم أشكال معاداة الصهيونية معاداة للسامية. وفي العام التالي، اتخذ "البوندستاغ" (البرلمان الألماني) قراراً يدين حملة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" ضد إسرائيل، كما حظر تقديم أموال الدولة إلى المنظمات التي يُعتقد بأنها تدعم هذه الحركة.

 

كذلك تبذل الدولة الألمانية جهوداً مبالغاً فيها لإظهار ولائها لليهودية وإسرائيل اللتين تُعتبران في ألمانيا أمراً واحداً. فأصبح إحياء ذكرى المحرقة ظاهرة منتشرة في كل مكان، وغالباً ما تتخذ طابعاً رسمياً للغاية. وتحظى المؤسسات اليهودية أيضاً بحماية أمنية على مدىالساعة، وهو أمر له جانبان: إيجابي يتمثل في حرص السلطات على عدم ترك أي شيء للصدفة وتحملها النفقات كافة، وسلبي يكمن في الإشارة الضمنية إلى أن هذه المواقع تُعتبر عرضة للخطر في المقام الأول.

وفي كل مكان تذهب إليه في ألمانيا، تجد نفسك في مواجهة الماضي. لقد تأثرت بشدة بالكنائس وعند مواقع النصب التذكارية وشاهدت بأم عيني فظائع معسكرات الاعتقال ومواقع الرعب الأخرى. وأحياناً، يبدو الأمر وكأنه أحداث تاريخية غابرة، وفي أحيان أخرى أشعر بها قريبة مني تخيم بظلالها على روحي، كما هو واقعنا اليوم.

الإحصاء المميز الذي صدم الألمان خصوصاً هو عندما علموا أن أحداث السابع من أكتوبر شكلت أكبر عملية قتل لليهود في يوم واحد منذ المحرقة. وحرص المستشار أولاف شولتز على أن يكون أول زعيم أجنبي يزور إسرائيل مباشرة بعد الهجمات. ووصفت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك تلك اللحظة بأنها مرحلة تحول فارقة، تُرسخ لمرحلتين: ما قبل الأحداث وما بعدها.

وانعكست حال من الغضب الأخلاقي على الساحة الألمانية إثر أحداث السابع من أكتوبر، لكن ما تلا ذلك من قصف مكثف وتدمير شبه كامل لقطاع غزة، مُخلفاً عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين، ثم امتداد الهجمات لتطاول لبنان، أثار حيرةً وقلقاً بالغين لدى الشعب الألماني الذي كان يتابع التغطية الإعلامية (المتزنة بصورة عامة) على شاشات التلفزيون.

 

يتساءل الألمان عما إذا كان مسموحاً لهم التعبير عن رأيهم بأن بنيامين نتنياهو يقوم بـ: أ) الانتقام من المدنيين الأبرياء، ب) إطالة أمد الصراع للحفاظ على سلطته وتجنب تهم الفساد، ج) اتباع نهج شعبوي يميني متطرف على غرار دونالد ترمب وفيكتور أوربان. وإذا لم يكُن مسموحاً لهم طرح وجهات نظر كتلك التي في دول أخرى كفرنسا أو بريطانيا، فهل سيكون من المقبول يوماً ما توجيه أي انتقاد لإسرائيل؟

كثيرون في اليسار يقولون إن هذه الأسئلة تمت الإجابة عنها بالفعل. ويشيرون إلى سلسلة من الفنانين والكتّاب والأكاديميين وغيرهم ممن تم إلغاء دعوتهم من فعاليات أو تعرضوا لتهديد بفقدان التمويل الحكومي إذا انتقدوا إسرائيل أو عبروا عن دعمهم للقضية الفلسطينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المؤرخة اليهودية- الأميركية سوزان نايمان وصفت هذا المناخ بأنه "مكارثية محبة لليهود" (نسبة إلى السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي الذي نادى بأساليب قمعية باسم محبة اليهود)، بينما تحدث الكاتب الصحافي دانيال باكس عن "نزعات استبدادية"، مؤكداً أن "ألمانيا يجب أن تختار بين مصلحة الدولة والقانون الدولي".

في الواقع، يمكن القول، بل يقال بالفعل من قبل بعضهم في ألمانيا، إن الرئيس الأميركي جو بايدن وجه انتقادات أكثر صراحة لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مقارنة بالموقف الحذر للمستشار الألماني شولتز. وهذا الموقف يذكّر بالارتباك الذي واجهته الحكومة الائتلافية الثلاثية في برلين عند تعاملها مع الصراع الروسي- الأوكراني.

 

وخلال الأشهر الأخيرة، ومع تصاعد حدة الرد العسكري الإسرائيلي، طرأ تغير طفيف على نبرة التصريحات الألمانية. فقد سربت الحكومة الألمانية معلومات غير رسمية تفيد بانخفاض حاد في عدد تراخيص الأسلحة الممنوحة لإسرائيل، لكنها تنفي ذلك علناً. وحتى لو كان هناك تراجع في حجم المبيعات، فإن ذلك يُعزى إلى حد ما إلى تسريع الموافقات على كثير من الصفقات في أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وتشهد الساحة السياسية الألمانية حالاً من التوتر والارتباك حيال الموقف من إسرائيل. فبينما يعاني الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة شولتز وحزب الخضر حال ارتباك وانقسام داخلي، يقف الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض موقفاً صلباً في دعمه لحكومة نتنياهو. أما حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، فيستغل هذه التوترات لمصلحته، فينظم مسيرات لدعم الجالية اليهودية، لكن بهدف وحيد هو تأجيج العداء للهجرة عموماً والمسلمين خصوصاً.

وفي تطور مؤسف، تشير تقارير الشرطة والسلطات المحلية إلى زيادة مطّردة في حوادث معاداة السامية وكراهية الإسلام على حد سواء. وفي كل نهاية أسبوع، بما في ذلك الأسبوع الجاري، تتواصل الاحتجاجات من كلا الطرفين، إلى جانب فعاليات لمكافحة التعصب. ويجد المجتمع الألماني المتنوع والمنقسم بصورة متزايدة نفسه في مواجهة واقع مقلق، بينما لا يزال يرزح تحت وطأة أشباح الماضي.

صدر أخيراً كتاب جون كامبفنر "In Search of Berlin" عن دار نشر أتلانتيك

© The Independent

المزيد من آراء