Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"منام القيلولة" تستعيد إرهاصات عشرية الجزائر "السوداء"

أمين الزاوي يعتمد السرد الدائري بلسان طفل شهد ذروة المأساة

من مآسي "العشرية السوداء" في الجزائر (أ ف ب)

ملخص

في سرد دائري يقدم أمين الزاوي إرهاصات "العشرية السوداء" في الجزائر في روايته "منام القيلولة" (دار العين)، متخذاً من ثيمة الأحلام متكأً لكثير من أحداثها المأسوية وشخصياتها المضطربة في ظل واقع بدا متآلفاً مع تغييب العقل.

تقع أحداث رواية "منام القيلولة" (دار العين) للكاتب الجزائري أمين الزاوي في مدينة وهران، ربما باعتبارها نموذجاً دالاً على فداحة ما آلت إليه الأمور في الجزائر عموماً، من حرب الاستقلال، وحتى ما يمكن اعتباره حرباً أهلية أشعلتها "الجماعة"، لتفرض بالعنف فكرها المتطرف.

يسبق الدخول في متن الرواية الاستهلال التالي: "النغل يتباهى بأبيه الحصان وينسى ذكر أمه الأتان، والبغل يتباهى بخاله الحصان وينسى أباه الحمار". هكذا هو عالمنا". والمقصود من هذا الاستهلال الذي ليس مجانياً بالطبع هم أولئك الذين يتباهون بالفرع وينكرون الأصل، مع أنه لولا الثاني ما كان الأول، وعلى رغم من ذلك يعيشون منبوذين محرومين من التكاثر. و"النغل" و"البغل"، هما نتاج تزاوج نوعين مختلفين، هما الحمار والحصان، ومن ثم تأتي ثمرته عقيمة. يتمحور السرد من البداية إلى النهاية حول "لالة مسعودة القارح" التي شاركت زوجها "حميد النوري" قتل "سليمان الأعوج" عقاباً له على خيانة ثورة التحرير. وواقعة القتل تلك شهدها ابنهما "إدريس"، الذي سيلقب لاحقاً بـ"الغول" لسلوكه العنيف الناجم عن اضطراب عقلي، لا يستبعد أن يكون نتيجة للمشهد الرهيب الذي رآه في طفولته، فيما كان والداه يظنانه مستغرقاً في النوم. وسيتبين أن أخته "حليمة" التي تشارك أخاها الآخر "عبدالقادر" الشغف بالقراءة والطموح إلى حياة أفضل، قد طالها الاضطراب النفسي للسبب نفسه، خصوصاً بعدما حاول "إدريس" قتلها بالأداة نفسها التي أودت بحياة "الأعوج".

ومن ثم ترك الجميع قرية "عنان" - القريبة من مدينة سيدي بلعباس - حيث يعيش أهل الأب "حميد النوري"، وذهبت "مسعودة" مع أولادها الثلاثة إلى "ينبو"، قرية أهل أمها، في جنح الظلام، لتعيش في كنف أخيها "عبدالله القارح" المتصوف على الطريقة الجيلانية، بينما عاد "حميد" إلى الجبل، ثم اختفت أخباره وقيل إنه استشهد في وقت لاحق خلال عملية جهادية ضد جنود الاحتلال.

بداية ونهاية

تبدأ الرواية، وتنتهي باقتياد "لالة مسعودة" إلى مستشفى للأمراض العقلية، بعدما أصيبت بلوثة من جراء قيام زوج ابنتها ويدعى "سليم بو عزة" بقتل ابنها "عبدالقادر" الذي كانت تلقبه بـ"المخ" لذكائه. كان "عبدالقادر" يعتز بأن اسمه يذكره بالأمير عبدالقادر الجزائري، وأيضاً بالولي الصالح عبدالقادر الجيلاني، دفين بغداد. كان لحظة اغتياله على يد صهره الذي ترك مهنة التدريس وتفرغ لنشاط "الجماعة"، وبمساعدة صديقي صباه، واللذين زاملاه لفترة وجيزة في الدراسة في معهد المعلمين، وعملا أيضاً بالتدريس، يتولى منصب رئيس بلدية قرية ينبو. ووقع هذه الحادثة المروع بعد مرور بضعة أيام على قيام الحكومة بإلغاء الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية في أواخر عام 1991، بعدما فازت "الجماعة" في الدورة الأولى، والتي سبقتها سيطرتها على معظم المجالس البلدية، عبر صناديق الانتخاب، مما يعكس تغلغلها بأفكارها الرجعية عبر عقود عدة، في مفاصل الدولة وخصوصاً مؤسسات التعليم.

يتولى السرد في البداية والنهاية طفل من عائلة القارح، وربما يكون هو الكاتب الافتراضي لهذه الرواية، بعد انقشاع الغمة، علماً أنها تقوم على تعدد الأصوات، عبر تداول دفة السرد ما بين "حليمة" التي تعيش طوال الوقت تحت ضغط هاجس أن أخاها إدريس يفتش عنها ليقتلها، حتى بعدما تزوجت بـ"سليم بو عزة"، الذي كان وقتها يقارب الـ40 من عمره ومهووساً بلحيته، وانتقلت إلى وهران، و"عبدالقادر"، الذي جرى طرده من معهد المعلمين في المدينة نفسها قبل أن يتم سنته الدراسية الأولى فيه بدعوى أنه مثل أخيه الأكبر، مضطرب عقلياً، وعلى نحو أخطر، لأنه كان يردد منذ صباه المبكر، أنه سيصبح ذات يوم رئيساً للجمهورية الجزائرية الديمقراطية، بعدما قرأ كتاب "البخلاء" للجاحظ! وفي مواضع مختلفة تتولى شخصيات أخرى السرد، منها "بنعلال الرومي"، الذي ستعمل حليمة في مخبز يملكه، و"مولود الزين ولد الزين" الملقب بـ"أبي أرنب" وكان يعمل حارساً في حديقة الحيوان في المدينة، قبل أن تقتحمها عناصر مسلحة في بدايات "العشرية السوداء" وتحولها إلى فضاء خرب.

هالة أسطورية

يضفي السرد على شخصية "لالة مسعودة" هالة أسطورية، وكأنها ترمز إلى الجزائر ذاتها: "امرأة عبرت حياتها فوق الجمر، جمرة فجمرة، كية بعد كية، عبرتها كما تعبر فلاحة النهر الفائض عن سريره، مشمرة فستانها الطويل، تقفز على أحجار وضعت على عرض المجرى، من حجرة إلى أخرى، تتقدم بحذر على رؤوس أصابعها مرتجفة باحثة عن توازن كي لا تسقط" (ص7)، بحسب السارد/ الكاتب الافتراضي لسيرة هذه المرأة وأسرتها. وتتعدد في الرواية مظاهر النزوع إلى سبر أغوار نفس الابنة "حليمة"، التي هي امتداد لـ"لالة مسعودة"، ولكن على نحو أكثر وعياً، على رغم أنها لم تنل سوى قسط محدود من التعليم، والكشف عن هواجسها واضطراباتها وأحلامها المجهضة، بعدما لم تجد مفراً من الزواج من شخص لا تعرفه، وسيتبين لاحقاً أنه أصلاً لا يعبأ بها، ولا يهمه سوى أن ينال منها "حقه الشرعي". كانت "حليمة" في نحو الـ16 من عمرها عندما اضطرت إلى ترك أمها وأخويها وجدتها وخالها والعيش مع عمها وأسرته، بعدما طاردتها عيون وألسنة المتشككين في دافع شقيقها الأكبر لمحاولة قتلها، على رغم أن الجميع يعرفون أنه مضطرب عقلياً وفاقد الذاكرة على نحو كلي تقريباً. في قرية "ينبو"، كما في قرى أخرى منسية، في تلك الحقبة الزمنية التي أعقبت استقلال الجزائر، كان الناس يعرفون الوقت من "ظل الحائط الكبير"، "هو ساعتنا في هذا البيت الكبير، عليه نقيس مواعيد الصلاة وساعة الإفطار، والسحور في شهر رمضان". أما القيلولة فهي عندهم "صلاة سادسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الوقت، ذات أحد أيام الصيف، لم ينتبه أحد، باستثناء السارد الطفل، لعملية اقتياد "لالة مسعود" إلى مستشفى الأمراض العقلية، "لا أدري من أين جاءت (سيارة الإسعاف)، ولا من أخبر من فيها كي يجيئوا حتى هذا المكان البعيد الموجود في آخر الدنيا" (ص12). كان أهل القرية مستغرقين في نوم يقدسونه ساعته كتقديسهم الصلوات الخمس، على رغم أنهم ينسبونها إلى ما يسمونه "شيطان القايلة". ولا يخفى هنا البعد الرمزي لهذا التصوير الدال على الغفلة في مواجهة أحداث مصيرية، "رفعت عيني نحو السماء الصافية فشعرت للمرة الأولى بأنني أصبحت يتيماً وأن سماء قرية ينبو ستسقط فوق رأسي، وأن هناك شيئاً خطراً يجري في البلاد" (ص13)، يقول السارد تعليقاً على ما رآه هو فيما كان الجميع نائمين، أو مغيبين، بتأثير شيطاني. حدث ذلك في قرية ينبو، فيما كانت "حليمة" تواصل في وهران معاناتها من هاجس أن "إدريس الغول" الذي طردوه من مستشفى الأمراض العقلية لتكرار اعتدائه على الممرضات والمرضى، سيصل إليه حتماً ويقتلها. فزوجها هجرها إلى الجبل، واضطرت إلى العمل في مخبز "الجزائرية" الذي كان مملوكاً قبل الاستقلال لسيدة فرنسية، وتركته، لتنجو من عمليات حركة "اليد الحمراء" الإرهابية التي كانت تستهدف كل من يؤمن بأن الجزائر ليست فرنسية. تركت "سيمون بلانش" أشهر مخابز وهران لأخلص مساعديها "بنعلال الرومي".

وظل الأخير لسنوات طويلة ينتظر عودتها، ليستأنفا غرامياتهما، حتى اضطر هو نفسه إلى إغلاق المخبز والفرار من البلد، بعد احتدام عمليات الاغتيال والتخريب التي كانت تنفذها "الجماعة" من دون تمييز. حدث ذلك بعد أن تعلقت به "حليمة"، وتمنت أن تحمل منه، "فالمرأة الحامل مهما كانت طبيعة حملها، مها كانت قصتها هي امرأة محترمة، لا يرى فيها سوى صورة الأم، الرحم المقدس، عند سكان هذه المدينة، كلما انتفخ بطن المرأة قل التحرش بها" ص 237. كانت تتعلق بهذا الأمل بكل كيانها، بعدما رأت نفسها، أو رأى فيها السارد الخارجي، "امرأة متوحشة شابة جميلة ضائعة في مدينة تتقدم كسفينة من دون ربلن محنك ولا بوصلة موثوقة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة