Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تسعى إلى جمع 15 مليار دولار ضرائب بإجراءات "قاسية"

 متخصصون يحذرون من زيادة الجباية على الشركات والبنوك ومؤسسات التأمين إلى 40 في المئة

تقدر موارد الاقتراض الخارجي في الموازنة التونسية بنحو ملياري دولار في ظل صعوبة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية (أ ف ب)

ملخص

يقترح مشروع قانون المالية لعام 2025 مراجعة الضريبة على الشركات بحيث تكون تصاعدية بحسب رقم المعاملات السنوي أو طبيعة النشاط، تنطلق من 10 في المئة لتصل أقصاها إلى 40 في المئة على المصارف وشركات التأمين

أفصحت الحكومة التونسية عن مخطط عملها للعام المقبل ضمن مشروع قانون المالية الذي يعد خريطة طريق تنفيذ الموازنة الجديدة، بإقرار حزمة من الإجراءات الضريبية الجديدة والتشجيعات والحوافز لعدد كبير من الفئات الاجتماعية.

ومنذ صدور المشروع أول من أمس الثلاثاء تهافتت التعليقات والانتقادات من المتخصصين على مضمون وثيقة مشروع قانون المالية لعام 2025 الذي أودعته الحكومة إلى البرلمان والغرفة الثانية (المجلس الوطني للأقاليم والجهات)، الذين اعتبروا أن المشروع لا يعكس رؤية إصلاحية لمشكلات الاقتصاد والاستثمار بل مشروع يتضمن إجراءات ضريبية قد تثقل كاهل الشركات وتزيد من متاعب مناخ الأعمال المتعثر داخل البلاد.

وحمل مشروع قانون المالية الجديد لتونس الذي تحصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه رؤية الحكومة التونسية لإصلاح عدد من القطاعات، وخصوصاً تطبيق توصيات الرئيس المنتخب الجديد قيس سعيد في ضرورة ترجمة التوجه الاجتماعي للدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقاسم الثروة.

حاجات تمويل داخلية كبيرة

تأكيداً أن مشروع قانون المالية لعام 2025 يرتكز بالأساس على تحصيل الضرائب فإن إجمال مصادر التمويل تقدر بـ28.2 مليار دينار (9.4 مليار دولار)، منها 21.8 مليار دينار (7.2 مليار دولار) في صورة موارد اقتراض داخلي ستكون حتماً عبر إصدار قروض رقاعية وطنية (سندات بالعملة المحلية) وإصدار رقاع خزانة.

بينما تقدر موارد الاقتراض الخارجي بنحو 6.1 مليار دينار (ملياري دولار) في ظل صعوبة الخروج على الأسواق المالية العالمية إثر تعليق التفاوض مع صندوق النقد الدولي لنحو ثلاثة أعوام.

وتقدر إيرادات الموازنة للعام المقبل بـ50 مليار دينار (16.6 مليار دولار) منها 45.2 مليار دينار (15 مليار دولار) إيرادات ضريبية من موازنة إجمالية للعام المقبل تبلغ 78.2 مليار دينار (26 مليار دولار).

مواصلة الإصلاح الضريبي

وقالت وزارة المالية التونسية إن مشروع قانون المالية للعام المقبل يتضمن إجراءات عدة ترمي إلى مواصلة الإصلاح الضريبي عبر إرساء نظام عادل يعتمد على مزيد من تكريس الضريبة التصاعدية في مادة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، مما يسهم في التقليص من الفوارق بين مختلف الطبقات الاجتماعية.

وترتكز خطة الحكومة على إجراءات عدة تهدف إلى تنشيط الدورة الاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين من خلال تحسين مناخ الاستثمار والتشجيع على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتمويل المؤسسات، وبخاصة المؤسسات الناشئة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة ودعم قدرتها التنافسية وإعادة هيكلتها المالية وتشجيع الاستثمار في القطاعات الواعدة على غرار الطاقات البديلة والاقتصاد الأخضر.

أمر نفاه المحاسب المتخصص أنيس الوهابي الذي عدَّ أن المشروع الجديد للمالية لا يعكس رؤية اقتصادية إصلاحية بل مشروع لتحصيل الضرائب فحسب، بل إن الشركات الاقتصادية هي المستهدفة من خلال الزيادة في الضرائب المستوجبة عنها.

وأضاف أن "المشروع المقدم للعام الجديد لا يختلف عن مشروعات الأعوام الماضية وهدفه إثقال كاهل الشركات بالضرائب، لافتاً إلى أن العناوين تغيرت ولكن المضمون ظل على حاله"، محذراً من أن إدراج نسب عدة للضريبة سيركن الشركات ومخططات أعمالها، خصوصاً أن اعتماد مبدأ الضريبة التصاعدية سيؤدي حتماً إلى زيادة الضغط الجبائي إلى مستوى أكثر من 30 في المئة، لتصبح تونس الأولى أفريقياً في الضغط الجبائي (الضريبي).

ويرتكز المشروع من وجهة نظر الحكومة على محاور أساس عدة تنشد تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية ودعم القدرة الشرائية للمواطن ومواصلة الإصلاح الضريبي ودعم موارد الخزانة، كإجراءات لدعم تمويل المؤسسات وتشجيع الاستثمار.

ويرتكز على إجراءات لدعم الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة وإدماج الاقتصاد غير المنظم ومقاومة التهرب الجبائي.

إثقال المصارف والشركات

ويقترح مشروع قانون المالية لعام 2025 مراجعة الضريبة على الشركات بحيث تكون تصاعدية بحسب رقم المعاملات السنوي أو طبيعة النشاط، تنطلق من 10 في المئة لتصل أقصاها إلى 40 في المئة على المصارف وشركات التأمين.

وبالتوازي مع مراجعة نسبة الضريبة على الشركات وبهدف إضفاء أكثر عدالة في ما يتعلق بالضريبة الدنيا المستوجبة عند الانتفاع بامتيازات ضريبية، ستُراجع نسب الضريبة الدنيا بحيث تكون تصاعدية بحسب نسب الضريبة على الشركات.

ومن جهته يحذر وليد بن صالح رئيس هيئة خبراء المحاسبين من خطورة هذا الإجراء وتداعياته على وضعية الشركات الاقتصادية التونسية، التي تعاني أصلاً عديداً من الإشكاليات الهيكلية المتصلة بالنفاذ إلى التمويل وتراجع استثماراتها.

مشيراً إلى خطورة زيادة الضرائب على الشركات الذي سيضر بصورة كبيرة تنافسية الشركات التونسية خصوصاً المصدرة منها، علاوة على الإضرار بجاذبية البلاد للاستثمار الخارجي.

زيادة الضريبة على الدخل

إلى ذلك يقترح مشروع قانون المالية إجراء تنقيح جدول الضريبة على الدخل وجعلها تصاعدية بحسب قيمة الدخل السنوي الإجمالي الصافي للأشخاص الطبيعيين، في إطار دعم العدالة الجبائية بين الأفراد وفق وزارة المالية التي أعدت المشروع.

وينص التنقيح المعروض على إعفاء الأشخاص من الضريبة الذين يساوي دخلهم السنوي أو أقل من 5 آلاف دينار مع زيادته إلى 26 في المئة لشريحة الدخل بين خمسة و20 ألف دينار (1.6 و6.6 ألف دولار)، لترتفع الضريبة إلى 28 في المئة للأفراد الذين يراوح دخلهم السنوي ما بين 20 و30 ألف دينار (6.6 و10 آلاف دولار).

ويقترح أيضاً الزيادة في الضريبة على الدخل إلى 32 في المئة للأفراد الذين يراوح دخلهم ما بين 30 و50 ألف دينار (10 و16.6 ألف دولار)، لتصعد إلى 40 في المئة للأشخاص الذين يفوق دخلهم السنوي 50 ألف دينار (16.6 ألف دولار).

إفقار الطبقة الوسطى

وتعليقاً على هذا الإجراء قال المتخصص في الشأن الاقتصادي بالجامعة التونسية رضا الشكندالي إن "من اقترح هذا التحوير في جدول الضريبة على الدخل، ظناً منه أن هذا الإجراء سيخدم العدالة الاجتماعية، لا يعرف شيئاً عن الواقع التونسي وما يلزمه من دخل حتى يعيش في رفاهية من العيش نظراً إلى انهيار المقدرة الشرائية للمواطن التونسي".

ويرى أن أكبر منتفع من هذا الإجراء هم الشريحة التي يراوح دخلها السنوي ما بين 1660 دولاراً و3300 دولار، وبحسب تقديره ستكون الإضافة من التقليص من الضريبة على الدخل في حدود 20 دولاراً شهرياً بما أن الخفض في الأداء (الرسوم) المقترح هو من 26 في المئة إلى 15 في المئة.

وتابع "هذه الفئة من الشعب التونسي والتي تمحور حولها هذا الإجراء قصد تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية ليست بالطبقة المتوسطة، بل طبقة مفقرة وتستحق مثل هذا الإجراء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن أكبر متضرر وفقاً للشكندالي من هذا الإجراء هم الشريحة ما فوق 13.3 ألف دولار سنوياً أي ما فوق 1100 دولار شهرياً، والخفض في أجرهم يمكن أن يفوق 30.3 دولار شهرياً، معتبراً أن الطبقة المتوسطة المتضررة الأولى من هذا الإجراء بما أن الزيادة في الأداء هي ما بين أربع وخمس نقاط كاملة.

وشدد على أن هذا الإجراء إن مُرر في البرلمان فلن يخدم العدالة الاجتماعية، بل سيوزع مزيداً من الفقر للتونسيين، وسيدفع الكفاءات التونسية إلى التشبث بالهجرة كحل وحيد لتحسين قدرتهم الشرائية مما يدفع إلى اليأس وفقدان أملهم في تحسين أوضاعهم المعاشية، فحذار من تمرير مثل هذا الإجراء وفق تصوره.

دعم الاقتصاد الأخضر

في غضون ذلك، أقر مشروع قانون المالية لسنة 2025 إجراءات جديدة تتعلق بدعم الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة في اتجاه استحداث نسق الانخراط في مشاريع الطاقات المتجددة واستعمال التجهيزات المشجعة على ذلك، إذ يقترح المشروع الإسهام في تطوير النقل الكهربائي والتحفيز على استعمال السيارات التي تعتمد على الطاقات البديلة عبر الخفض في نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى سبعة في المئة والإعفاء من المعلوم (الرسوم) على الاستهلاك بالنسبة إلى السيارات السياحية والعربات متعددة الأغراض المجهزة بمحرك كهربائي ومحرك حراري قابلة للشحن بجهاز خارجي.

وينص أيضاً على خفض نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى سبعة في المئة بالنسبة إلى الحافلات والشاحنات المجهزة بمحرك كهربائي ومحرك حراري قابلة للشحن بجهاز خارجي، إلى جانب خفض نسبة المعاليم الجمركية من 43 إلى 10 في المئة ونسبة الأداء على القيمة المضافة من 19 إلى سبعة في المئة المطبقة على أجهزة شحن العربات والدراجات الكهربائية الموردة حتى نهاية 2027

وفي السياق ذاته، اقترح المشروع التشجيع على استعمال الطاقات البديلة ومواصلة الضغط على كلفة إنتاج الكهرباء باستعمال الطاقة الشمسية بخفض نسبة المعاليم الديوانية الموظفة على توريد اللاقطات الشمسية إلى 10 في المئة عوضاً عن 30 في المئة بداية من 2025

صندوق ضد فقدان مواطن الشغل

من جانب آخر، يقترح مشروع قانون المالية لسنة 2025 ضمن محور تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية، تأسيس "صندوق التأمين على فقدان مواطن الشغل لأسباب اقتصادية " برصد موازنة أولية بأكثر من 5 ملايين دينار (1.6 مليون دولار).

ويأتي تأسيس الصندوق في إطار تعزيز الدور الاجتماعي للدولة والإحاطة بالفئات الهشة والحد من تأثيرات التغيرات الاقتصادية وانعكاساتها على المؤسسات والإحاطة بالع مال المس رحين وإعادة إدماجهم في الدورة الاقتصادية.

اقرأ المزيد