ملخص
في كل عام، يشد مئات الأطباء الجزائريين المتخصصين والعامين من الخريجين القدامى والجدد الرحال إلى الخارج ليستقروا في إحدى الدول، وتكون فرنسا الوجهة التقليدية لكثير منهم، لكن آخرين يختارون بلداناً أخرى في أوروبا أو أميركا الشمالية أو الخليج.
يثير قرار الحكومة الجزائرية بمنع المصادقة على شهادات الأطباء نقاشاً حاداً في الأوساط الطبية والبرلمانية، بين مدافع عن الخطوة كإجراء يحد من هجرة الكفاءات إلى الخارج، ومعترض على سياسة المنع باقتراح "الطريقة الهندية" لتجاوز الإشكال المطروح.
في كل عام، يشد مئات الأطباء الجزائريين المتخصصين والعامين من الخريجين القدامى والجدد الرحال إلى الخارج ليستقروا في إحدى الدول، وتكون فرنسا الوجهة التقليدية لكثير منهم، لكن آخرين يختارون بلداناً أخرى في أوروبا أو أميركا الشمالية أو الخليج.
هذه الظاهرة الموجودة منذ تسعينيات القرن الماضي في الجزائر كانت مرتبطة بظروف اقتصادية وأمنية آنذاك، واستمرت هجرة الكوادر الصحية مستفيدة من تحفيزات تغري بها الحكومات الغربية هؤلاء. وبالنسبة إلى الحكومة الفرنسية التي تعاني نقصاً في عدد الأطباء فقد سنت قانوناً العام الماضي منح تسهيلات كبيرة للراغبين في العمل داخل البلاد، من أبرزها تيسير أوضاع أسرهم وشروط استقدامها. ومعلوم أن نحو 25 في المئة من الأطباء في فرنسا يتحدرون من دول المغرب العربي، بواقع 28 ألف طبيب مهاجر سنوياً، منهم 15 ألفاً يتوجهون نحو باريس.
كبح الهجرة
لوقف الظاهرة، لجأت السلطات الجزائرية قبل أشهر إلى قرار تجميد التصديق على شهادات الكفاءة الطبية للأطباء حتى تاريخ آخر، وقدمت وزارة التعليم العالي توضيحات في شأن قرارها منع التصديق على الوثائق الخاصة بخريجي كليات الطب بالجزائر، مؤكدة أنه "في إطار دراسة سبل كبح ظاهرة هجرة الكفاءات الوطنية لخريجي العلوم الطبية نحو الخارج، علقت عملية التصديق المباشر على شهادات العلوم الطبية موقتاً، وستستأنف بعد اقتراح حلول تسمح بمعالجة هذه الظاهرة والحد منها".
وخلال احتجاج لتكتل طلبة العلوم الطبية في الجزائر الخميس الماضي، انتقدت النقابة منع التصديق على شهادات التخرج على عكس باقي التخصصات التي كان لها أثر سلبي، في ظل غياب واضح في عدد مناصب الشغل على المستوى الوطني، وفق تعبيرها.
وأعرب رئيس نقابة مستخدمي الصحة العامة في الجزائر إلياس مرابط في تصريح لـ"اندبندنت عربية" عن أمله في "مراجعة الإجراء لأنه لا يخضع لمسوغ قانوني، ويمنع حرية التنقل واختيار مكان العمل وتصرف الطبيب في شهادته بعد مسار من التعب والدراسة".
ويرى مرابط أن الحكومة كانت تعتقد أنها ستعالج بهذه الطريقة مشكلة الهجرة غير أنه "لن يكون حل لأن الحل يبدأ عبر مستويات ومحاور أخرى، بما فيها التحكم في عدد الطلبة الذين يلتحقون بكليات الطب وطب الأسنان والصيلة كل عام، إلى جانب التحكم في التخصصات والملتحقين باختصاصهم مع العمل على تحسين أجور السلك الطبي عموماً".
وكشف الطبيب مرابط عن التحاق 34 ألف طالب خلال الموسم الجامعي الجديد بكليات الطب في مختلف التخصصات بعد فتح عدد كبير من الملحقات الجامعية، وبالمقارنة مع العام الماضي كان الرقم في حدود 22 ألفاً، متسائلاً عن طريقة توظيف هؤلاء لاحقاً.
وأوضح أن الغالبية الساحقة من المهاجرين هم من ممارسي الطب في القطاع العمومي، والذين يلتحقون بالقطاع الخاص قبل الهجرة نهائياً. داعياً إلى الأخذ بعين الاعتبار آراء الجمعيات والنقابات وعمادة الأطباء التي تعيش أزمة متعددة الأسباب منذ أعوام لم تمكنها من حسم كثير من المواقف.
وأكد أن "المشكل لن يحل في عام أو عامين، بل يكون تدريجاً مع إعادة النظر في عدد المناصب البيداغوجية للتكوين بالمؤسسات الاستشفائية لمسايرة الإشكالية المطروحة".
أسئلة وردود
لإصلاح القطاع الصحي وتحسين ظروف عمل الإطارات الطبية مادياً واجتماعياً أقر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بداية مايو (أيار) الماضي نظام تعويضات جديد للأطباء يسمح بزيادات مهمة في الأجور والمنح والعلاوات، إضافة إلى منح خاصة بمن يقبلون العمل في المستشفيات داخل الجنوب والمناطق الصحراوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الأمين العام للنقابة الوطنية المستقلة للأعوان الطبيين في التخدير والإنعاش للصحة العمومية في الجزائر أمين بن دالي أن قرار تجميد التصديق على شهادات التخرج بني على أرقام مبالغ فيها في عدد الأطباء المهاجرين للخارج.
وكان الطبيب بن دالي يتحدث لـ"اندبندنت عربية" عن إحصاءات تسجل أكثر من 15 ألف طبيب تخرجوا في الجزائر ويمارسون المهنة في فرنسا. فخلال فبراير (شباط) 2022، من بين 2000 طبيب أجنبي اختيروا بعد اختبار التحقق من الشهادة كان هناك 1200 جزائري. ومع ذلك انتقد نزف الخريجين الذين تنفق عليهم الجزائر أموالاً طائلة وتستفيد منهم بلدان أخرى مجاناً.
ويرجح أطباء إقدام البلد المستقبل على إلغاء شرط المصادقة على الشهادة من ملف الالتحاق بجامعاتها، لتكون المشكلة حلت نهائياً، وذلك في تبريرهم لعدم نجاعة القرار الحالي.
وفي الأثناء، امتد النقاش إلى أروقة البرلمان الجزائري حين وجه نواب أسئلة إلى وزير القطاع، وقال عضو المجلس الشعبي الوطني عبدالوهاب يعقوبي عن الأطباء الجزائريين الذين لا يمكنهم المصادقة على الشهادة بعد أعوام من الدراسة، إن "قراراً مثل هذا يأتي بين عشية وضحاها فيخالف المادة 49 من الدستور ويخالف المادة 12 من العهد الدولي للحقوق السياسية والأساس".
ورد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري كامل بداري على البرلماني بالقول إن التصديق على الشهادات الجامعية "لا يزال مستمراً"، موضحاً أن ما لا يقل عن 100 ألف تصديق للشهادات أنجزت عام 2023 من قبل الوزارة.
لكنه أقر أن التوثيق عُلق بالنسبة إلى "بعض التخصصات المحددة" بسبب احتياج الجزائر إلى هذه التخصصات، ونتيجة "بعض الظواهر التي نلاحظها مباشرة بعد التصديق". وكان الوزير يشير بذلك إلى مغادرة خريجي الطب للعمل في الخارج، وبخاصة في فرنسا وبقية دول أوروبا وأميركا الشمالية.
الطريقة الهندية
وأشار عضو الحكومة من دون الإشارة إلى الطب أو التعليق على رفع الإجراء المثير للجدل "نحن نفكر في استراتيجية أخرى"، وبهذا دعا بداري النائب اليعقوبي ليبحث معه استراتيجية جديدة في ما يتعلق بالتصديق على شهادات التعليم العالي والتكوين.
وتجاوباً معه دعا النائب إلى ضرورة أن يسبق قرار مثل هذا مشروع قانون لدراسة تأثيره في بيئة الطلبة، مشيراً إلى بعض الأفكار التي أثيرت داخل الجمعية العامة للمنظمة العالمية للهجرة عام 2023 في جنيف.
وكفكرة أولى، ذكر البرلماني مثال الهند التي يوجد بها 300 مليون مغترب والتي تجعل الدول المستقبلة لهم تسهم في كلفة تكوينهم وتدريبهم، وتابع "من الصعب أن نطلب من الناس العودة الآن إلى بلادهم، لكن يمكن بحث مسألة دفع هذه الدول إلى المشاركة في كلف التكوين في الجزائر".