Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع التاريخ والدبلوماسية بين عروبة البحرين وتطلعات إيران

مؤرخون يرون أن هناك محاولة جديدة لتزييف الوقائع التي حسمت بإصدار الأمم المتحدة القرار رقم 278 لعام 1970

التصريحات الإيرانية الأخيرة حول البحرين تهدف إلى تزييف التاريخ (اندبندنت عربية)

ملخص

 في عام 1970 أرسلت الأمم المتحدة مبعوثاً إلى المنامة لتقصي رغبات الشعب، وأكد تقريره حاجة الغالبية الساحقة إلى أن تكون دولة عربية مستقلة، مما أنهى النزاع مع طهران بعد إقرار المجلس الدولي.

في ظل تزايد النزاعات الدولية والتوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، يبرز دور دول مجلس الخليج العربي بوصفها ذات قوة دبلوماسية رائدة في فض النزاعات وتسوية الخلافات الدولية، إذ تحولت العواصم الخليجية إلى أحد أهم الفاعلين على الساحتين الدولية والإقليمية في توظيف الدبلوماسية والوساطة في تسوية كثير من الأزمات الدولية في المنطقة.

وبرزت مملكة البحرين في حركتها الدبلوماسية النشطة وسعت إلى تحقيق مبادئ حسن الجوار والحفاظ على علاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية، كان آخرها استئناف العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران وتعزيز العلاقات الخليجية -الإيرانية، والانفتاح المشترك بين الجانبين.

وعلى رغم الحياد والموثوقية في أداء دبلوماسيتها لتحقيق الاستقرار وتعزيز مفهوم السلام الشامل، لم تسلم البحرين من مشاكسات إيرانية ممنهجة، فمنذ أيام جاءت تصريحات رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي والتي تضمنت طعناً في عروبة مملكة البحرين وهويتها الوطنية التي لا تقبل التشكيك.

مطالبات غير مشروعة

ويقول الخبير السياسي البحريني أحمد الخزاعي إن المطالبات الإيرانية غير مشروعة وتتعارض مع القانون الدولي، موضحاً أن "تصريحات خرازي غير مشروعة لسببين رئيسين، الأول أن الدولة الإيرانية تنازلت بصورة رسمية عنها إبان انضمام البحرين إلى لأمم المتحدة عام 1971، بعد أن رفضت جميع طلباتها في هذا الشأن، خصوصاً أنها كانت غير منطقية، وتعتبر المطالبة بها بعد الاعتراف الرسمي غير مشروعة في الأعراف الدبلوماسية".

 

 

ويضيف، "أما السبب الأخير فهو التوقيت السيء، إذ إن إيران بأمس الحاجة اليوم للوصول إلى تفاهمات وتأسيس تحالفات جديدة، خصوصاً بعد أن أصبحت تحت مرمى الصواريخ الإسرائيلية، مما يفتح باب التساؤل في مسألة الحكم في إيران، هل هو الولي الفقيه أم الحرس الثوري؟"

وفي هذا الصدد يؤكد الخزاعي أن "التصريحات محاولات إيرانية لتقويض استقلال البحرين وعروبتها، ولطالما تعاملت القيادة في البحرين بأسلوب هادئ مع المطالبات، فهي ليست بالشيء الجديد، وعلى سبيل المثال فقد خرجت تصريحات كثيرة تتدخل في السيادة البحرينية، وبعضها يهدد بالهجوم العسكري بصورة شبه يومية لمدة تتعدى العام، لمجرد تعارض سياسات مملكة البحرين الخارجية وتلك التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية، وهو أمر غير مقبول، لكن بطبيعة الحال فنهج الملك حمد بن عيسى آل خليفة مبني على الهدوء والتفاهم، وهو أكثر ما تحتاجه المنطقة اليوم".

عروبة البحرين

وتابع الخزاعي أن "المطالبات الإيرانية الرسمية المتبوعة بالتدخلات ترجع لعام 1906 حينما وقع اتفاق حماية بين المملكة المتحدة وإيران، تقوم فيه الأخيرة بموجبها بحماية بعض دول الخليج العربي ومنها البحرين، وهو ما تغير خلال 'اتفاق جدة' عام 1927 عندما تغيرت بنود الحماية تلك وتحولت للسعودية تحت بند 'معاهدة علاقات خاصة'، مما أثار حفيظة الشاه آنذاك وتقدم باعتراض إلى عصبة الأمم معترضاً على الاتفاق الجديد، وبالذات البند السادس المتعلق بعروبة البحرين وإمارات الخليج العربي، وجاءه الرد على أن اتفاق عام 1906 كان بين إيران وبريطانيا وأن البحرين دولة مستقلة، ولكن بحسب اتفاقات سابقة بينها وبين حكام البحرين، أصحاب السيادة، فإن بريطانيا تحمي البحرين وليس لإيران أي حق بالمطالبة أو التدخل في شؤون البحرين بأي شكل من الأشكال، إذ إن بند الحماية واضح في الاتفاق الذي يبين أنها إجراءات خارجية".

وتطرق الخزاعي إلى الدور السعودي الداعم للبحرين والمؤكد لعروبتها، مشيراً إلى استقبال الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود أمير البحرين الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عام 1968، وما حملته الرسالة من مضمون عن الهوية العربية، مما أغضب شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوي الذي هدد بضم البحرين إلى بلاده بالقوة عبر نشر قوات عسكرية في المنطقة تمهيداً لذلك.

ونوه الخبير السياسي البحريني بقوة الموقف السعودي المتمثل في الرد على إيران بالمثل، لافتاً إلى استمرار التوتر بين الرياض وطهران لأشهر عدة بعدها، حتى زار الشاه الإيراني السعودية والكويت لإعادة المياه إلى مجاريها وتهدئة الأوضاع، بل تم نقاش استقلال البحرين خلال هذه الزيارات.

وأضاف الخزاعي أن "الملك فيصل شدد على أنه لا تنازل عن سيادة البحرين واستقلالها، وهنا تبلورت لديه فكرة مشروع طرح استفتاء شعبي بإشراف الأمم المتحدة لاختيار استقلالها كدولة عربية ذات سيادة أو الانضمام إلى الحكم الفارسي، وهي الفكرة التي لاقت قبولاً بريطانياً، وكانت نتيجة الاستفتاء صدمة مدوية لطهران، إذ أيد الشعب الاستقلال واختار العروبة".

وأشار الخزاعي إلى أن الاستفتاء أجري عن طريق الأمم المتحدة، وذكر الممثل الشخصي للأمين العام في تقريره عن نتيجة الاستفتاء الشعبي أن "الغالبية الساحقة من شعب البحرين ترغب في الحصول على الاعتراف بهويتها في دولة مستقلة وذات سيادة كاملة حرة وفي أن تقرر بنفسها علاقاتها مع الدول الأخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقرير أممي 

وفي تعليقه ذكر رئيس تحرير صحيفة البلاد البحرينية مؤنس المردي لـ "اندبندنت عربية" أن "التصريحات الإيرانية الأخيرة حول البحرين تهدف إلى تزييف التاريخ، وأن المشكلة تعود لعام 1958 عندما أعلن شاه إيران في مؤتمر صحافي أن البحرين جزء من إيران، في وقت كانت البحرين تحت الحماية البريطانية، وهذا التصريح أثار ردود فعل عربية وخليجية، وفي عام 1969 غيّر الشاه موقفه قائلاً إن الشعب البحريني يمكنه تقرير مصيره".

ويضيف، "في عام 1970 أرسلت الأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً رفقة خمسة من مساعديه، وهو الدبلوماسي الإيطالي فيتوريو وينسبير جيوشاردي الذي كان يشغل منصب وكيل الأمين العام والمدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف، وكُلف بصفته مبعوثاً للجنة تقصي الحقائق لزيارة البحرين والتحقق من رغبات شعبها".

وتابع المردي أنه "بعد مقابلات واسعة مع المجتمع البحريني قدم جيوشاردي تقريراً أكد حاجة الغالبية الساحقة إلى أن تكون البحرين دولة مستقلة ذات سيادة، وفي الـ 11 من مايو (أيار) 1970 أقر المجلس الدولي بالإجماع تقرير جيوشاردي مما أسفر عن إصدار القرار رقم (278) الذي أصبح وثيقة دولية حاسمة تعترف بعروبة واستقلال البحرين، وهذا القرار قُبل من إيران وأقره البرلمان الإيراني منهياً بذلك النزاع"، ليختم حديثه بالقول إن "البحرين اليوم دولة مستقلة وعربية، وجزء من العالم العربي والإسلامي، والقضية مع إيران تعتبر منتهية".

قلب الحقائق التاريخية

وعلى الصعيد ذاته يرى الأكاديمي المتخصص في التاريخ فهد الشهابي أن الخلفية التاريخية للتوترات بين المنامة وطهران في شأن عروبة الأولى ترتكز على الرغبات الإيرانية التوسعية على اتفاق مبدئي بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، الكابتن وليم بروس وبين أمير شيراز، ذكر فيها أن البحرين تابعة لإيران، وذلك رغبة من بروس في تهدئة الأعمال الانتقامية على الساحل الغربي للخليج إبان فترة اتفاق الحماية البحرية بين بريطانيا ودول الخليج، إلا أن مرجعيته في حكومة الهند البريطانية لم تصدق على ذلك الاتفاق وطالبت حكومة بريطانيا بسحبه من منصبه لتؤكد عروبة البحرين".

 

وأوضح الشهابي أن "إيران عمدت في تصريحاتها لتكتيكات الإلهاء وخصوصاً عندما تزداد الضغوط السياسية عليها، وهذه المرة ليست استثناء، فعلى رغم إلمام ساسة إيران بأن عروبة البحرين لا تحتمل الشك من الأساس، ناهيك عن طلبهم الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة حينها لبذل مساعيه الحميدة وحل الخلاف مع تعهد منهم بقبول النتائج التي توجت بإجماع مجلس الأمن على ما جاء في تقرير الأمم العام، والذي أكد عروبة البحرين ورغبة شعبها في الاستقلال وقبول إيران هذا القرار فور صدوره، إلا أنها أرادت أن تتملص من الضغوط الأوروبية في ما يخص الجزر الإماراتية المحتلة من قبلها".

وفي هذا السياق يشير عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني الدكتور بسام البنمحمد إلى أن "التصريحات الإيرانية الأخيرة التي صدرت من رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي عن لجنة الاستقصاء الأممية، وسماها استفتاء في محاولة غير جديدة لتزييف الحقائق، فالذي حصل في البحرين عام 1971 وأكد عروبتها كان برعاية أممية ولا مجال للتشكيك فيه، وكذلك تهديداتهم وتطاولهم على الإمارات العربية التي هي استمرار لسياسة إيران في تصدير مشكلاتها على رغم محاولات البحرين المتكررة مد يد العون والتعاون البناء على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ولكن مع الأسف تهيمن على إيران هذه العقليات التي لم تجلب لها ولشعبها سوى المشكلات والأزمات التي بلغت مستويات خطرة أصبحت تهدد بقاء النظام".

ويضيف البنمحمد أنه "ليس بمستغرب أن يحاول بعض المسؤولين الإيرانيين التشكيك في عروبة  البحرين والإساءة إلى منجزاتها في مختلف المجالات التنموية والحقوقية والدبلوماسية التي لا تملكها دولة، وكثير من مسؤوليها مدرجون على قوائم العقوبات الدولية، ولا تمتلك الممارسات المتطورة التي انتهجتها البلاد الخليجي، وتبنتها دول عدة بعد اطلاعهم على المسيرة البحرينية التي من الممكن أن تتعلم وتستفيد إيران منها بصورة كبيرة، إذ إنها تفتقر مثل هذه المؤسسات والتشريعات والممارسات".

 

من جهته قال وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون الأسبق حمد العامر إن "استقلال البحرين قائم ومعترف به دولياً منذ عام 1971، وأقرته الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالإجماع، وهناك علاقات دبلوماسية وسياسية قائمة بين البحرين وإيران منذ أكثر من 50 عاماً، وكل ما ورد في هذه التصريحات ليست سوى عودة لتأجيج مشاعر الشارع الإيراني لإبعاده من واقعه المعيشي الصعب والفقر الذي يعانيه، إذ تؤكد الإحصاءات إن واحداً من كل ثلاثة إيرانيين يعيش تحت خط الفقر، أي أن 30 في المئة من الشعب تحت خط الفقر الذي من المتوقع أن يرتفع من 37 إلى 40 في المئة، لأن التضخم مرتفع والأجور ثابتة".

وأوضح العامر أن "مملكة البحرين ودول مجلس الخليج ماضية في دورها الريادي لحفظ السلام بالمنطقة، وأن المبادرات التي تقدمها من أجل السلام تتطلب قبولاً من الأطراف ذات العلاقة، ولكن الظروف التي تمر بها المنطقة لم تفتح المجال إلى بوابة السلام بعد، لأن أهداف الحرب في غزة ولبنان لم تنته حتى الآن، وبعد ذلك يمكن الحديث عن السلام".

وتابع، "لكن على إيران أن تدرك أن بقاءها كنظام أصبح على كف عفريت، وعليها مراجعة سياستها مع دول المنطقة، ولو أنني لا أتوقع جديداً من الزيارة الأخيرة لوزير خارجية إيران للبحرين والكويت لأنها تعكس أشد التناقضات في السياسة الخارجية الإيرانية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير