ملخص
جانب من الأحاديث الدائرة في التجمعات تحمل عنوان "نراجع طبعاً" أو "بالطبع نراجع" أو "حتماً نراجع" في إشارة إلى مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة الصندوق. تسأل المطالبين بالمراجعة عما ستجري مراجعته أو النصوص التي ستحل محل تلك التي تخضع للمراجعة فتأتيك الردود من دون تفكير "خفض تعرفة الميكروباص" و"عودة السعر القديم (قبل شهر) للسجائر" و"زحزحة تسعيرة شرائح الكهرباء نحو أسفل لا أعلى".
كثيراً ما احتفظ صندوق النقد لنفسه بين عموم المصريين بمعنى وقيمة ومكانة متفردة. ولأن التفرد لا يعني بالضرورة الحب أو الإعجاب أو المودة، فإن العلاقة الغريبة بينهما، أي المصريين والصندوق، تبقى عصية على الفهم، معقدة متشابكة ملتبسة من دون سبب واضح. وعلى رغم ذلك، أينما وكلما ووقتما تذكر كلمة "الصندوق"، فإن حالاً من الترقب لا تخلو من ترصد مع خليط من القلق والشعور بعدم الراحة تهيمن على الأجواء.
أجواء التجمعات
أجواء التجمعات الشعبية المصرية هذه الآونة أشبه بجلسات التداوي أو حلقات المجاهرة بالأوجاع على أمل إما التخفيف من حدة الآلام، أو العثور على حل أو مخرج أو مقترح أو فرصة تلطيفية أو حتى تخديرية. هذه التجمعات تتسع رقعتها وتختلف مكوناتها، فلم تعُد حكراً على منطقة دون غيرها أو فئة أكثر من أخرى.
ولأن الأوجاع الاقتصادية طاولت الجميع باستثناءات ضئيلة جداً، فإن أي تجمع يحوي شخصين أو أكثر لا بد من أن يتطرق إلى حديث الأسعار وأنين الجنيه وآهات مصاريف المدارس وفواتير المياه والكهرباء وأجرة المواصلات وسعر البنزين (الوقود) ومآل الدعم، ومخاوف الرغيف وأخيراً وليس آخراً، قرارات الصندوق وشروطه، أو فلنقل توجيهاته ونصائحه وما تنضح به خبرته في دعم الدول المتعثرة وإنقاذ الاقتصادات المتلعثمة.
سيرة الصندوق
سيرة صندوق النقد الدولي صارت على كل لسان في البلاد، فمنذ سارت مصر في طريق "الإصلاح الاقتصادي" برعاية الصندوق، ودقات قلوب الملايين تشهد زيادة دقتين عن المعدل الطبيعي، دقة توجساً من شروط الصندوق ودقة خوفاً من طريقة الحكومة في تنفيذ شروط أو روشتة الصندوق.
روشتة الصندوق ووصفة الإصلاح ارتبطتا على مدى العقد الماضي بالمرارة، والروشتة مرة والوصفة أكثر مرارة، والدواء الموصوف كاد يقتل المريض لفرط مرارته. وكعادة الأدوية المرة والروشتات الصعبة والوصفات التي لا تحظى بشعبية، فإن الطاقم الطبي لا يكتفي فقط بوصف الدواء وصرفه وإجبار المريض على تجرعه، بل يحاول بين الحين والآخر، وبحسب الظروف والأحوال التخفيف النفسي عن المريض، وإجباره على تجرع الدواء مرة من أجل مصلحته، ثم تطييب خاطره بوعود عن الغد المشرق الذي ينتظره بعد إتمام الشفاء. خلط الدواء ببعض من سكر لتمويه مرارته، والتصفيق للمريض ما إن يتناوله، وفي حال إبدائه مقاومة، يتم رفع راية "وجع ساعة ولا كل ساعة" على سبيل الترغيب، أو ربما الترويع، بمزيد من المرض والألم والمعاناة، وهلم جرا، لكن طول فترة المرض ومعاودته مهاجماً تارة ومروعاً تارة، يفقد جهود التلطيف النفسي قدرتها وأثرها. وما كان يتحمله المريض أو المواطن أمس من تعويم للجنيه وارتفاع طفيف في أسعار السلع وجهود تخفيف من آثار "الإصلاح" أمس، لم يعُد يجدي مع تواتر التعويم ومضاعفة زيادات الأسعار ليس مرة أو اثنتين أو ثلاث، بل أربعاً وخمساً وستاً والقوس مفتوح.
المصريون وتاريخ التعويم
يحفظ المصريون جيداً تاريخ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، إذ إنه تاريخ التعويم الأول والأهم في "الجمهورية الجديدة"، الأول من ناحية القوة والمباشرة والإشهار، لا من ناحية السبق، فجنيه مصر في العصر الحديث شهد تعويمات سابقة، والأهم لأنه كان أشبه بفاتحة التعويمات المتواترة والآثار المتصاعدة و"الإصلاحات" المتلاحقة التي لم تعُد تعطي لملايين المصريين فرصة لالتقاط الأنفاس أو فهم الأحداث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما حدث في نوفمبر عام 2016 بدأ بموافقة صندوق النقد الدولي على تقديم مساعدات مالية لمصر بقيمة 12 مليار دولار، على ست شرائح على مدى ثلاثة أعوام، بالتزامن مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في العام نفسه.
تفسيرات وتعليلات وتخفيفات "مرة وخلاص" أو "شكة دبوس" وغيرهما من إشارات وتلميحات آلام الجراحات السريعة التي سرعان ما تختفي وتفسح المجال للشفاء بعد استئصال أسباب الألم تبخرت في هواء "كوفيد-19"، وبعدها حرب روسيا في أوكرانيا، ثم حرب غزة وتوسعها لتشمل لبنان والقوس مفتوح.
تسلسل القروض
عام 2020، حصلت مصر على 2.77 مليار دولار كمساعدات عاجلة لمواجهة تداعيات وباء كورونا، وفي 2021 حصلت على 5.4 مليار دولار، بهدف المساعدة في سد العجز في ميزان المدفوعات، ثم تبع ذلك قرض آخر بقيمة 2.77 مليار دولار.
وعام 2022 توصلت مصر إلى اتفاق جديد مع الصندوق للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وهذه المرة كان القرض لمواجهة نقص النقد الأجنبي في البلاد، بعدما خرجت استثمارات أجنبية غير مباشرة بقيمة تزيد على 20 مليار دولار في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية. وفي مارس (آذار) 2024 توصلت مصر إلى اتفاق مع الصندوق لزيادة قيمة القرض من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولار، مع تأكيد كامل التزام مصر المضي قدماً في "الإصلاح".
تعويم وتضخم
وسارت مصر ومعها المصريون من تضخم إلى تعويم، ومن تعويم إلى زيادة أسعار المحروقات، ومن زيادة أسعار المحروقات إلى زيادة أسعار كل السلع والخدمات، ومنها إلى تضخم جديد، فزيادة أسعار، وظلت الدوائر المفرغة تحكم إغلاقها على المصريين. وفي وسط كل ذلك، أخذت ملفات الدعم العيني وبطاقات التموين ورغيف العيش، وتدشين برامج ومبادرات للفئات الأكثر هشاشة ومن ثم الأعتى تضرراً، وانفلات أسعار الغذاء، ثم اختفاء الدواء وغيرها من خطوات التخفيف عن كاهل الأكثر تضرراً، مع تصاعد الأنين الآتي من جيرانهم القابعين في الطوابق الأعلى التي طاولتها حرائق الإصلاح ولم تسلم من "عضة الصندوق" تتصاعد حتى بات كل ما سبق والصندوق حديث كل المصريين.
حتى هذا التاريخ، نوفمبر عام 2016، كان الصندوق أشبه بالشخصيات نصف الخيالية، أو الكائنات شبه الأسطورية. يعلم الجميع أنه حقيقة، لكن تتأرجح الغالبية بين اعتباره شراً مطلقاً كما جرت الرواية الشعبية منذ عقود، أو اعتباره كياناً غير محمود العواقب و"كفانا الله شره".
ليس كياناً وهمياً
الأجيال الأكبر سناً تعرف أن الصندوق كيان ليس وهمياً، وأن توصيفه سياسياً أو تصنيفه اقتصادياً أمر احتار الخبراء فيه، بمن في ذلك خبراء الصندوق أنفسهم. ومصر، صاحبة العضوية في الصندوق منذ عام 1945 بحصة 1.5 مليار دولار، لجأت إلى الاقتراض للمرة الأولى في تاريخها خلال العام المالي 1987-1988 عبر قرض قيمته 185.7 مليون دولار.
كان هذا قبل عصر الـ"سوشيال ميديا" وتبادل المعلومات والتحليلات والاتهامات والدفاعات على مدى الساعة من جيوش المحللين وملايين المشاركين والمتناقشين والمستعدين لحب الصندوق والإيمان به، أو كراهيته والكفر به وبغاياته ومآلات الدول التي لجأت إليه للخروج من أزماتها.
أما في زمن الـ"سوشيال ميديا"، فبات الجميع ملماً بالصندوق، وهناك من يعرف تاريخه ومن هو مطلع على خلفياته ونشأته وأهدافه، وهناك من يقصر اطلاعه فقط على ما يقوله "أعداء" الصندوق وكيف أنه "نذير شؤم" على الدول، دافعاً إياها إلى الاستدانة المزمنة والإفلاس الواقع لا محالة، أو لا يتفاعل إلا مع ما يسمعه من "أصدقاء" الصندوق باعتباره يمد يده إلى الاقتصادات المتعثرة، فيقيها شرور الضياع والهلاك. وهناك من لا يعرف من الصندوق أو عنه سوى أنه "الصندوء"، ذلك الكيان الأجنبي الذي شبهه سائق أجرة بـ"العلاج الكيماوي" الذي يشي بمرض شديد ومصير كئيب.
الصندوق في الذاكرة الشعبية
على أية حال، بقي الصندوق في ذاكرة المصريين الشعبية وحشاً كاسراً يتمنون بقاءه بعيداً قدر المستطاع والتعامل معه محدوداً إن لزم الأمر، ولم يخفف من هذه الرؤية الشعبية خلال الأعوام الأخيرة، أعوام الإصلاح الاقتصادي، سوى الإشارات الرسمية الإيجابية عن التعامل مع الصندوق، والآثار الاقتصادية العلاجية الإيجابية التي تشفع للجانبية كل ضرر أو ألم.
وحتى الأمس القريب، كان الحديث الحكومي يجري حول أهمية توقيع اتفاقات القروض الإضافية، وكيف أنها ستسمح لبقية شركاء التنمية مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي بتوفير مزيد من القروض، وما سيحققه ذلك من مزيد من الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية، وما سيؤدي إليه ذلك من استقرار نقدي، ومن ثم استقرار اقتصادي، بالتالي خروج من الأزمة... إلخ.
انشطار الزيادات
وعلى وقع الزيادة الأحدث في أسعار الوقود، وهي الزيادة التي نجمت عنها عشرات، وربما مئات الزيادات الأخرى المنشطرة عنها، فوجئ المصريون بالرئيس عبدالفتاح السيسي قبل أيام يتحدث بحال لسانهم ويقف في صفهم ويقول علناً، "أنا أقول للحكومة إذا كان التحدي الاقتصادي هيخلينا (سيجعلنا) نضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد. لا بد من مراجعة الموقف مع الصندوق".
مرت الكلمات، ومعها الجمل والعبارات، وتكرار "لا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد" مرتين كأنها دهر على الحضور في افتتاح مؤتمر السكان والصحة والتنمية البشرية الذي عقد في القاهرة قبل أيام، ومرت كأنها دهران على ملايين المواطنين ممن شاهدوا الافتتاح، أو أعادوا مشاهدة مقطع "المراجعة" عشرات المرات.
الإعلام مسانداً
ومنذ وقف الرئيس على جبهة المواطنين في مواجهة الصندوق، ووسائل الإعلام المختلفة تتفجر إما إعجاباً وتأييداً بـ"انحياز الرئيس إلى المصريين" أو بـ"وقفة الرئيس الحاسمة أمام الإصلاح المر"، وتتنافس العناوين النارية وتتسارع وتتصارع لتسليط الأضواء على الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية والمعاني السياسية الثاقبة والانعكاسات الاجتماعية العميقة لما قاله الرئيس.
"الرئيس قال تصريحاً من أقوى التصريحات في تاريخ تعامل مصر مع الصندوق" و"رسالة غير مسبوقة من دولة إلى صندوق النقد الدولي" و"هل تلغي مصر الاتفاق مع الصندوق؟"، وتتوالى العناوين النارية إعلامياً.
سعادة ودهشة وعدم ارتياح
وبين سعادة "الرئيس يقف معنا في مواجهة الصندوق"، ودهشة "إذا كان الرئيس يقف معنا، فمن دفعنا إلى الصندوق"، وعدم ارتياح من "وقوف الرئيس معنا ضد قسوة الصندوق" وما قد يعنيه ذلك في المستقبل القريب، يبحر ويمعن المصريون في محاولات فهم مستقبل علاقتهم بالصندوق.
في كل مرة يجد المصريون أنفسهم في مواجهة حاسمة مع الصندوق، تظهر أغنية "صندوق النقد" التي ذاع صيتها في 2012، وهو العام الذي شهد خطوات من قبل جماعة الإخوان عبر الرئيس السابق الراحل محمد مرسي وحكومتها لإجراء محادثات مع الصندوق للحصول على قرض لمواجهة جزء من أزمة مصر الاقتصادية في أعقاب أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011.
كلمات الأغنية التي غناها ياسر المناوهلي، "صندوق النقد يا صندوقه، سمه في الشهد، مين هايدوقه؟ يا باني لي بيتي، يا صندوقه. يا زارع لي غيطي، يا صندوقه. من غيرك أنت، عيشة كحيتي (فقيرة جداً). صندوق النقد يا صندوقه، علمني أصنع وازرع واركع لصندوقه. كلبشني (قيدني) بقرضك. يا شريكي في أفكاري. يا مخطط مستقبلنا، ومصادر قراري يا شايف مصلحتي".
كانت الأغنية في ذلك العام بمثابة "وقفة مع الصندوق"، وجزء من الوقفة جاءت على خلفية معارضة نظام جماعة الإخوان الحاكم في ذلك الوقت، والجزء الآخر ارتكز على تاريخ الصندوق غير المضيء وعلاقته التي تفتقد الدفء والمودة مع المصريين، إضافة إلى أرضية ثابتة راسخة قوامها تحليلات اقتصادية وأكاديمية عما تفعله الديون بالدول، لا سيما في حالات عدم مراجعة مدى مناسبة وكفاءة "البرامج الإصلاحية" في كل دولة على حدة.
"التالتة ثابتة"
على هذا الوتر، دق الكاتب الصحافي حمدي رزق في مقالة عنوانها "وقفة مع الصندوق"، أشار فيها إلى أهمية تكرار الرئيس مرتين للتنبيه (الموجه للصندوق)، لافتاً إلى أن "التالتة ثابتة"!. وقال "مطلوب من الحكومة مراجعة وطنية تُعنى بالمقاصد الوطنية العليا، لا تترجم تراجعاً عن برنامج الصندوق ولا فض شراكة، ولكن مراعاة لظرف اقتصادي ضاغط من نواتج حروب إقليمية كلفت الاقتصاد الوطني ما يثقل حركته".
وتطرق رزق إلى آثار حرب غزة الآخذة في التوسع وتداعياتها الاقتصادية التي أفقدت مصر بين ستة وسبعة مليارات دولار في 10 أشهر وتأثر قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين.
وسرد الكاتب "محاسن" و"مآثر" مصر في علاقتها بالصندوق، وكيف أنها تتعامل معه تعامل الشريك وعدم تقاعسها يوماً عن الإصلاحات الضرورية لدعم الاقتصاد الوطني على رغم قسوتها وعدم تأخرها يوماً عن سداد الديون على رغم ثقلها، وتجرعها والشعب الدواء المر جرعات، مشيراً غير مرة إلى ضربات المصاعب والحروب المتكررة، لا سيما حربي أوكرانيا وغزة.
وكان تفجر الأسبوع الماضي جدل محتدم وقلق متصاعد حين استخدم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عبارة "اقتصاد الحرب" في حديثه عن الأوضاع الاقتصادية وسط ما يجري في المنطقة من تصاعد لحدة الحرب والصراع والتوتر، وما قد يسببه ذلك من اضطرار إلى أن تنتهج مصر نهج "اقتصاد الحرب"، والعبارة أطلقت العنان لكمّ هائل من التكهنات، بعضها أحاطه قلق دخول مصر في الحرب، والبعض الآخر قوامه غضب من أن تزيد حدة الأعباء الاقتصادية والمصاعب المعيشية الملقاة على عاتق المصريين.
"اقتصاد الحرب" أيضاً
الكاتب الصحافي لؤي الخطيب ربط بين "اقتصاد حرب" رئيس الوزراء ومطالبة الرئيس بمراجعة بنود الإصلاح في رؤية الصندوق، وكتب مهاجماً من سارعوا إلى تحليل ما طالب به الرئيس على أنه تراجع من الدولة عن الخطوات "الخاطئة" التي اتخذتها في الفترة الماضية، وعلى رأسها ترشيد الدعم، ومؤكداً أن ما جرى من خطوات إصلاح اقتصادي ما هو إلا إجراءات سليمة من الناحية الاقتصادية. ووصفهم، من "أخطأوا" في قراءة ما قاله الرئيس السيسي، بأنهم لم يفهموا ما قاله الرئيس وأنهم تلقوا رسالة شديدة السطحية من كلام شديد العمق والخطورة.
وقال الخطيب "حين تضع ما قاله الرئيس السيسي إلى جانب تصريحات رئيس الوزراء قبل نحو أسبوعين عن اقتصاد الحرب، تستطيع أن تكتشف بسهولة أن تقديرات الدولة المصرية متشائمة جداً في ما يتعلق بمستقبل الصراع في المنطقة، وتداعياته الخطرة على الاقتصاد العالمي"، مشيراً إلى أن "الأمر لا يتعلق بالبرنامج الذي يمثل ضغطاً اقتصادياً على المصريين بلا شك، لكنه ضغط في المستويات التي يمكن التعامل معها في سبيل هدف أسمى وأهم، وهو حماية الاقتصاد القومي من أخطار الانزلاق لتداعيات أخطر حال تأخر الإصلاح، وأن هذه المعطيات إذا تطورت إلى مساحات أخطر وأسوأ، بسبب الظروف الإقليمية والدولية، فهنا يصبح تطبيق البرنامج بالأسلوب نفسه تجمداً غير محمود العواقب".
فهم ما يجري
في تلك الأثناء، ينشغل المصريون في تجمعاتهم بجهود فهم ما يجري، ليس فقط في ضوء معنى ما قيل، سواء عن "اقتصاد الحرب" أو ما طالب به الرئيس بمراجعة خطوات الإصلاح، أو المقصود بالمراجعة والمتوقع من اقتصاد الحرب، لكن من جانب تأثير هذا وذاك في تفاصيل حياتهم اليومية، وهل ما قيل من قبل الرئيس يعني أن هواجسهم الشعبية في ما يتعلق بالصندوق حقيقة، أم أن الأمر أكبر من ذلك وأبعد منه؟.
الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود التي أحدثت "تأثير الدومينو" في أسعار البيض واللحوم والخضراوات والمواصلات وغيرها، لم تأتِ مصحوبة بتأكيد أن الأسعار ستستقر، أو أن الزيادات ستتوقف أو ما شابه. فحدث العكس، وجاء التأكيد أن رفع الدعم عن الوقود مستمر تدريجاً حتى نهاية عام 2025.
نراجع طبعاً
الطريف أن بعضاً من الأحاديث الدائرة في التجمعات تحمل عنوان "نراجع طبعاً" أو "بالطبع نراجع" أو "حتماً نراجع"، في إشارة إلى مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة الصندوق. وتسأل المطالبين بالمراجعة عما ستجري مراجعته، أو النصوص التي ستحل محل تلك التي تخضع للمراجعة، فتأتيك الردود من دون تفكير "خفض تعرفة الميكروباص" و"عودة السعر القديم (قبل شهر) للسجائر" "زحزحة تسعيرة شرائح الكهرباء نحو أسفل لا أعلى".
اللافت أيضاً أن معظم خبراء الاقتصاد والمعلقين على الأحوال المالية والأوضاع المعيشية اختاروا إما عدم التعليق على كل من طلب المراجعة والتلويح باقتصاد الحرب، مكتفين إما بالتأكيد أن مصر لن تلغي أو تتخارج أو تتراجع عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الصندوق، أو لتوصيل رسالة المطالبة بالتخفيف والتلطيف بطريقة ذكية إلى القائمين على أمر الصندوق، لا سيما أن انعكاسها في الـ"سوشيال ميديا" مضمون وأثرها في الشارع محسوس.
ولوح آخرون بأن الرئيس ربما أراد أن يخبر المصريين أنه يشعر بآلامهم ويشاطرهم أوجاعهم، ومن هنا جاءت كلماته التي هدأت من روع القلوب في طريقها إلى العقول لتخضع لعمليات التحليل الجماعي والتفسير الشعبي في ما يتعلق بأمور الصندوق.