Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفرنسي أندريه أنطوان أول أوروبي مارس مهنة القرن الـ20: الإخراج المسرحي

الرجل الذي استعار أسبقية البيئة من زولا من دون أن يتعاون معه في أي عمل

مسرح أندريه أنطوان في باريس (موقع المسرح)

ملخص

الواقع أن أنطوان يروي لنا في فصول عديدة من كتابه "مسامرات" كيف أنه أمضى السنوات التالية التي أشار إليها في معرض حديثه مع الناقد المتسائل، وهو يقدم أعمالاً معظمها استعراضي، محاولاً أن يرسم من خلالها أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه، بل وتدريجاً "يجب أكثر وأكثر"، أن يلعبه المخرج في الحياة المسرحية.

"كذلك الأمر مع الإخراج المسرحي فهو، وكما يجب علينا أن نقول ونعيد، هو فن ولد حديثاً وليس ثمة، في القرن الماضي، ما يشير، حقاً، إلى بزوغه قبل بروز مسرح المواقف والمناورات والحركات المتشابكة". قائل هذا الكلام هو المسرحي الفرنسي أندريه أنطوان الذي ذكره مراراً على صفحات كتابه المعنون "مسامرات حول الإخراج المسرحي" الذي أصدره في عام 1903.

ولئن كان ذلك المسرحي الفرنسي يتناول في الكتاب بزوغ زمن الإخراج المسرحي عند بدايات الأزمنة الجديدة التي افتتحتها بدايات القرن الطالع، فإنه كان، في الوقت نفسه، يذكر بمكانته، هو الشخصية، في ذلك الحراك المسرحي الجديد الذي كان من علاماته الأساسية ظهور ذلك الفن الجديد الذي كان قد بات مهنة قائمة في ذاتها. فمن قبل ذلك كان أي تقني ماهر، أو ممثل جيد، أو حتى مدير الفرقة وصولاً إلى مؤلف النص نفسه هو من يتولى "الإخراج المسرحي" الذي لم يكن معتبراً فناً قائماً في ذاته كما هي حاله اليوم.

 

بدايات عشوائية

وحتى ولو أن بدايات ما للإخراج كانت قد ظهرت خلال النصف الثاني من القرن الـ19 ممهدة لظهوره مستقلاً، فإن أحداً لم يكن يتحدث عن تلك الاستقلالية، وفي الأقل حتى ظهور أنطوان نفسه الذي سيظل المسرح، بصورة عامة، مديناً له من ناحية، بابتكار المهنة، ومن ناحية أخرى، بتسميتها. وهو إذ فعل ذلك جعل النشاط المسرحي يعرف انقلابات أساسية ليس فقط في ممارساته العملية، بل كذلك في مفاهيمه النظرية وتراتبيته التنفيذية وذلك، وقبل أي شيء آخر، بجعله المخرج رأس القمة في هرمية التنفيذ المسرحي.

ولا يمكننا أن نمرر هذا الواقع الذي بات اليوم بديهياً من دون أن نشير إلى عدد من الذين تبعوا أنطوان في خطواته، وساروا على منواله، ومن أبرزهم ممارسون لفن الإخراج من أمثال لونيي-بوه، ومنظرون له مثل غوردون كرايغ وأدولف آبيا، الذين معهم، ولسنوات طويلة لم تعد مهنة الإخراج مهنة دخيلة، بل باتت جزءاً أساسياً ليس فقط من العملية المسرحية، بل كذلك من تاريخ المسرح.

هكذا ولد الإخراج المسرحي

باختصار على ذلك النحو، ولد عصر مسرحي جديد يمكن العودة بتاريخ ولادته، على أية حال، إلى أواسط ثمانينيات القرن الـ19، أي تحديداً إلى المرحلة التي شهدت أول ازدهار للمسرح الرومانسي، وهو ظهور واكب ظهور الإنتاج الضخم للمسرح الاستعراضي، مما يذكر الطالعين من أهل المسرح بحقبة بات فيها سيد العمل، ومباشرة قبل ظهور المخرج في استعراضية المسرح أو الأوبرا، فناني ديكور وملابس من أمثال الفرنسي من أصل إيطالي سيسيري الذي عرف كيف ينقل إلى حركة المسرح إنجازاته الفنية في مجال تصميم الديكورات مباشرة، انطلاقاً من اشتغاله على النص من دون وسيط.

وكان تدخله أشبه ما يكون بالإخراج الخالص، لكنه، ومن تلقائه، آثر أن يحتفظ بمكانته المنطلقة من مهنته الأساسية بالنظر إلى أن خبراته التقنية في مجالي الديكور والأزياء كانت أربح بالنسبة إليه وأكثر أهمية بالنسبة إلى الفنانين أنفسهم. وفي سياق الحديث عن هذا الأمر يروي أندريه أنطوان (1858-1943) في "مسامراته" كل ذلك بالتفصيل، في مجال شرحه الأسباب التي دفعته إلى الاشتغال من تلقائه على مفاهيم الإخراج وبدايات ظهوره... على يديه تحديداً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المؤسس الحقيقي

ومهما يكن من أمر، في مقدورنا أن ندرك من خلال نص هذا الفنان المؤسس أنه، هو نفسه، قد احتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات قبل أن تولد لديه تلك الممارسة كمهنة، فهو بادر في ذلك انطلاقاً من سهرتين مسرحيتين قدمهما يومي الـ29 والـ30 من مارس (آذار) عام 1887 في صالة مسرحية صغيرة، وكانت كل من السهرتين تتضمن نوعاً من مدخل وأربع مسرحيات قصيرة. وكان ذلك العرض، المرة الأولى، التي يذكر فيها أنطوان أنه "مخرج العمل"، إضافة إلى كونه ممثله الرئيس. وبدا الأمر حينها في منتهى الجدة إلى درجة أن واحداً من النقاد الذين حضروا العرض وأعجبوا به، لم يتوان عن سؤال ذلك "المخرج" عن دوره الحقيقي في العرض، فكان جواب هذا الأخير "إذا كانت جهودي طوال 10 سنوات لم تجعلك تدرك ما هو دوري، عليك أن تتابعني طوال السنوات الـ10 المقبلة لعلك تدرك ما هو هذا الدور..."، قبل أن يبتعد عنه مبتسماً.

والواقع أن أنطوان يروي لنا في فصول عديدة من كتابه "مسامرات" كيف أنه أمضى السنوات التالية التي أشار إليها في معرض حديثه مع الناقد المتسائل، وهو يقدم أعمالاً معظمها استعراضي، محاولاً أن يرسم من خلالها أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه، بل وتدريجاً "يجب أكثر وأكثر"، أن يلعبه المخرج في الحياة المسرحية. وواضح هنا أن تركيزه على الأعمال الاستعراضية كان سبيله إلى تأكيد ذلك الأمر.

ثماني سنوات أخرى

في تلك الأثناء، كان ما ساعد أنطوان على ترسيخ مفاهيمه في ذلك المجال إنما كان توليه إدارة فرقة "المسرح الحر" التي قدم من خلالها، وبين عامي 1887 و1894، ثماني مسرحيات استعراضية. وكان ذلك يعد محاولاته الخاصة الأولى للدخول في تجديدات على صعيد فرض أولوية المخرج في العمل المسرحي، وهي محاولات استكملها خلال سنوات لاحقة تولى فيها إدارة مسرح "الأوديون" الباريسي، ولكن، لسنوات قليلة فقط تلتها عودته مرة أخرى إلى مسرحه الخاص الذي حل مكان "المسرح الحر"، ولكن هذه المرة مع تسمية جديدة هي تلك التي يرتبط بينه وبين ذلك المسرح ولا تزال تفعل ذلك حتى الآن "مسرح أنطوان".

والحقيقة أن تلك التجارب المتنقلة بين مسرحه ومسرح "الأوديون"، التي انتهت به وهو على شفير الإفلاس حتى تقاعد في عام 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت الفترة الذهبية لولادة فن الإخراج المسرحي على يدي أندريه أنطوان.

والحقيقة أن الأمر كان عملياً لا نظرياً، هذه المرة، ومن مظاهره ابتكارات مدهشة عدة طبق فيها مؤسس الإخراج هذا مبدأ مسرحياً، كان عزيزاً على قلبه، محتواه إعطاء الأفضلية فوق الخشبة للبيئة التي يريد إبرازها، وليس كما كانت الحال دائماً للحركة المسرحية. ومن هنا نجده يقدم، على سبيل المثال، مشهداً متكاملاً لسوق للحوم تدور فيها أحداث، وهو واحد من عروضه، وهو مليء بكميات من اللحم! وذلك كنموذج لما بات يريده من المسرح من الخارج للجمهور واضعاً إياه وسط تلك البيئة الشهيرة التي سيقال، في ذلك الحين، إنه انتقاها مباشرة من إميل زولا على رغم أن المبدعين لم يتعاونا إطلاقاً.

وعلى رغم أن أنطوان نفسه، وكما يخبرنا في "مسامراته"، كان يطربه أن يقارن بزولا ويقرأ لدى النقاد امتداحاً له بوصفه من حواريي الكاتب الكبير ونزعته الطبيعية! لكنه كان يحب في الوقت نفسه، أن يوحي إلى أنه هو، ومن قبل تعرفه إلى أدب زولا ونزعة هذا الأخير "الطبيعية"، كان يرى دائماً أن البيئة هي التي تكيف المكان محددة الإطار العام للفعل المسرحي لا العكس. والحقيقة أن مزيجاً من ذلك كله كان ما ولد الإخراج المسرحي وحقق له مكانته طوال القرن الـ20 ولو على الطريقة الفرنسية.

المزيد من ثقافة