Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتفاضة أفريقيا لغرز مخالبها في "الجيوش الخاصة"

تتوزع مهام المرتزقة بين تقديم المشورة في بوركينا فاسو والنيجر إلى القتال المباشر بمالي

عناصر من لواء الدب التابع لمجموعة المرتزقة الروس أفريقيا في بوركينافاسو (حساب لواء الدب على تيليغرام)

ملخص

تؤوي الأراضي الليبية وحدها نحو 20 ألف جندي أجنبي أو مرتزق بناء على أرقام أوردتها الرئيسة السابقة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني ويليامز.

تركت مجموعات من المرتزقة بصماتها في أفريقيا بالدم والكنوز المنهوبة بعدما أتاحت اتفاقات الحكومات المتعاقدة معها الوصول إلى الموارد القيمة مقابل الدعم العسكري متجاهلة احترام معايير حقوق الإنسان خلال نشاطها، مما فرض على الاتحاد الأفريقي مراجعة الإطار القانوني لتتبع الانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين وضمان مساءلة المتورطين.

ويصعب معرفة عدد ما يسمى "المقاولين العسكريين المستقلين" أو المرتزقة في القارة السمراء بسبب نشاطهم الغامض في كثير من المواقع، إذ لجأت دول أعضاء بالاتحاد الأفريقي إليهم على مدى العقد الماضي بحجة الوضع الأمني المتدهور وللتعامل مع المتطرفين العنيفين.

وتؤوي الأراضي الليبية وحدها نحو 20 ألف جندي أجنبي أو مرتزق بناء على أرقام أوردتها الرئيسة السابقة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني ويليامز، في حين كان هناك ما يقدر بنحو 1200 إلى 2000 مرتزق يدعمون القوات المسلحة لجمهورية أفريقيا الوسطى خلال عام 2022، أما مالي فبلغ عدد المرتزقة المتعاقدين مع المجلس العسكري نحو 1645 حتى أبريل (نيسان) 2023، إضافة إلى تسجيل مرتزقة في موزمبيق والسودان وبوركينا فاسو.

وتتوزع مهام هؤلاء المقاتلين الأجانب بين تقديم المشورة في بوركينا فاسو والنيجر إلى المشاركة القتالية المباشرة مثلما هو الحال في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى إلى التدريب العسكري، مما جعلهم يجتذبون حكومات بلدان أخرى لتوقيع عقود أمنية.

الانتشار الروسي

وأوكلت للواء "الدب" الروسي في بوركينا فاسو مسؤولية تأمين شخصيات رفيعة المستوى في واغادوغو على غرار رئيس المجلس العسكري إبراهيم تراوري، بعد أن سُحب عدد من مقاتلي اللواء أخيراً ودفعهم إلى القتال في أوكرانيا.

وداخل جارتها مالي لم يخل وجود مرتزقة "فاغنر" من خلافات حادة مع الجيش، بعدما انتقدت الوحدات في منشورات على موقع "تيليغرام" الجنود الماليين وتحدثت عن "افتقارهم إلى الاحترافية" المطلوبة. وأكدت تقارير إعلامية فرنسية أن المقاتلين الروس "فاغنر" يعاملون قوات الجيش المالي بنوع من الازدراء منذ وصولهم إلى البلاد، معتقدين أنهم "وصلوا إلى البلاد بصفتهم منقذين".

وانطلاقاً من حال "تمرد" هؤلاء في مالي يرى المحلل العسكري عادل عبدالكافي أن الدول التي تفسح المجال لعناصر المرتزقة لن يكون بإمكانها السيطرة عليهم خلال مرحلة لاحقة.

 

 

وأرجع تفشي الارتزاق إلى الحروب التي مرت بها القارة فتكونت على أثرها مجموعات من المقاتلين الأفارقة والميليشيات العسكرية التي كان لها دور كبير في عمليات الإبادة لبعض القبائل والمدنيين، ليتوسع نشاطهم بمساهمة الشركات الأمنية المتعددة الجنسيات، وعلى رأسها روسيا التي تستعين بهم لتحقيق استراتيجية التمدد في أفريقيا، وهي تقوم بأعمالها نيابة عن الجيش الروسي بعد اعتراف موسكو أخيراً بأنها ضمت الفيلق الأفريقي إلى وزارة الدفاع الروسية.

وقال عبدالكافي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "عملية الحد من خطورة هذه العناصر أو الشركات الأمنية يرجع في الأساس إلى سلطات الدول برفض التعاون معهم، لأنهم معروفون بعدم الالتزام بقواعد الاشتباك عندما يُكلفون بمهام لمواجهة أية جهات" بمعنى أن نيرانهم تطاول حتى الأبرياء والمدنيين والأطفال، فهم خليط من المجرمين وذوي الخبرات العسكرية السابقة وانخرطوا في أعمال الارتزاق ليس من أجل عقيدة بل من أجل كسب الأموال.

وبين أن جل هذه العناصر منخرطون في تهريب المخدرات والاتجار بالذهب والألماس ويقفون وراء قوافل الهجرة غير الشرعية، وسواء كانوا يعملون تحت ظل روسيا أو دول أخرى فإن نشاطهم مبني على هذه المسائل على غرار شركة "بلاك ووتر" الأميركية.

مخالب الدولة

ودعا المحلل العسكري الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي إلى الالتزام بالإرادة الوطنية بمنع منح التراخيص لأية شركة أمنية أجنبية مع التركيز على تقوية ما سماه "مخالب الدولة" من أجهزة الشرطة والجيش لمكافحة الجريمة والعناصر المتطرفة. واقترح وضع المقاتلين وشركاتهم على قائمة الملاحقين دولياً وتجميد أرصدتهم المالية واعتقالهم، مما يعجل بنهاية وجودهم.

ويؤيد المحلل السياسي والاختصاصي في الشأن الأفريقي إدريس أحميد هذا الرأي، منبهاً إلى خطورة تكريس دول في القارة الأفريقية للتدخلات الخارجية والأطماع باعتبارها تملك كثيراً من الإمكانات والثروات من خلال توطين هؤلاء المرتزقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن أحميد انتقد ضعف دور الاتحاد الأفريقي المنقسم أساساً في إشارة إلى تورط بعض أعضائه في توطين المقاتلين الأجانب بسبب الوضع السياسي والأزمات والانقلابات ووقوع هذه الدول تحت سطوة الشركات الاحتكارية والقوى الكبرى.

وتزعم هذه البلدان أن مثل هذه الترتيبات تقدم نتائج إيجابية في سعيها إلى السلام، غير أن عمليات قتل المواطنين على يد المرتزقة تبقى نقطة سوداء تثير المخاوف في شأن تجاهل معايير حقوق الإنسان أثناء نشاطهم، وأدى الاستخدام العشوائي للقوة إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في البلدان التي يعمل داخلها المرتزقة، وبخاصة في شمال مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وشهد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي نقاشاً مرات عدة مستحضراً التهديد الذي تشكله عودة المقاتلين الأجانب إلى الظهور على استقرار القارة، مشدداً على الحاجة الملحة لتعزيز اتفاق منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1977 للقضاء على المرتزقة في أفريقيا. ففي بيان صادر عن مجلس السلم والأمن في شأن هذا الموضوع استعجل صراحة ضرورة الانتهاء السريع من مراجعة الاتفاق. وأعرب عن "القلق العميق إزاء التهديد الخطر الذي يشكله المرتزقة على تحقيق أجندة السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي". وأدت هذه المسألة إلى صياغة مسودة قابلة للتنفيذ مفتوحة لمساهمة الدول الأعضاء.

ظاهرة مستوردة

ورصد معهد الدراسات الأمنية الجنوب أفريقي عيوب اتفاق عام 1977 التي كانت بمثابة إطار مناسب للتحديات التي فرضها عصرها، فقدمت تعريفاً موسعاً للمرتزقة وأنشطتهم بما يتماشى مع الحقائق التي دفعت إلى اعتمادها. وأشارت إلى استخدام جهات خارجية المتعاقدين غير النظاميين لإزالة الزعماء السياسيين الذين عدتهم عقبات أمام تحقيق مصالحها، وتم التعامل مع المرتزقة في أفريقيا باعتبارهم ظاهرة مستوردة وليست محلية.

ومع ذلك وفي خضم اندلاع الصراعات الداخلية القارية، ظهرت مجموعات أفريقية في أواخر الثمانينيات وشاركت بنشاط في الصراعات داخل الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك مثل سيراليون وأنغولا. وتركز تعريفات "المرتزقة" و"أنشطة المرتزقة" و"جريمة الارتزاق" التي قدمتها اتفاقية عام 1977 على الطبيعة الخاصة للمرتزقة والتدابير الراسخة لمحاسبة كل من المقاولين والكيانات المستأجرة. من ثمَّ كانت مناسبة للغرض منذ اعتمادها حتى أواخر العقد الأول من القرن الـ21 وفق المعهد الأفريقي.

ولكن الإطار لم يتوقع وجود مرتزقة مملوكين للدولة في أفريقيا، وطرح المتخصصون تساؤلات حول طبيعة الوضع "الخاص" للأفراد أو المجموعات المتعاقدة، إذ يعمل البعض منهم إما علناً أو تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة لدول أخرى. وهذا واضح مع الروس الذين يعملون تحت إشراف رسمي وتسمية "فيلق أفريقيا" الذي شُكل حديثاً، ويضم شركات "فاغنر" و"كونفوي" و"ريدوت".

وحرم غياب لجنة قارية معنية بمكافحة الارتزاق منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقي حالياً والدول الأعضاء من أداة بالغة الأهمية للرقابة والإدارة. ومكنت عديد من النقاشات مع منظمات المجتمع المدني الأفريقية ومراكز التفكير والشركاء الدوليين من إجراء مراجعة شاملة لإطار عام 1977 وتطوير مسودة اتفاق مكون من 40 مادة.

 

 

وينص المشروع الجديد على إنشاء لجنة معنية بالمرتزقة، فيما يرتقب توفير الترتيبات الكافية لمراقبة التنفيذ من جانب الدول الأعضاء والإبلاغ لضمان الاستفادة الفعالة على المستوى الوطني من أحكام الاتفاق المنقح.

ويوصي معهد الدراسات الأمنية الاتحاد بتقديم تقارير دورية إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي واطلاعه على حال المرتزقة، مع النظر في مناقشة هذه القضية عندما تضع لجنة السلم برنامجها السنوي.

ويتعين دراسة أحكام تتعلق برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المرتزقة النشطون في مناطق الصراع، إذ سيكون ذلك ضرورياً لإنشاء آليات لتتبع مثل هذه الانتهاكات، والتي يمكن بعد ذلك الاستفادة منها من خلال الأطر القضائية القائمة مثل المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لضمان المساءلة عن الانتهاكات ضد المدنيين.

المزيد من تقارير