ملخص
في كثير من كتب بوب وودوارد السابقة ظهر بايدن عضواً في مجلس الشيوخ أو نائباً للرئيس، لكنه ظهر "لاعباً مساعداً"، إلا أنه في كتاب "الخطر" بدا كنجم مشارك بالكامل فيه عن رئاسة ترمب وواقعة الشغب الشهيرة في السادس من يناير 2021.
بالاشتراك مع كارل برنشتين، حفر بوب وودوارد اسمه في تاريخ الصحافة والسياسة في الولايات المتحدة بوصفهما من الفريق الذي كشف فضيحة ووترغيت المدوية التي أنهت الحياة السياسية للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، وجرى توثيقها في كتاب ـ تحول لاحقاً إلى فيلم شهير ـ بعنوان "كل رجال الرئيس". بعد ذلك مضى وودوارد فأصدر كتباً عن كل رئيس أميركي، حتى إن أنطوني أوليفر سكوت كتب في صحيفة "نيويورك تايمز" في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أنه ليس من اشتراطات الرئاسة الأميركية أن يؤلف وودوارد كتاباً عن الرئيس، لكن هذا بات في حكم العرف، فـ"على مدار الأعوام الـ30 الماضية حصل بيل كلينتون وباراك أوباما كل على كتابين، بينما جورج دبليو بوش ودونالد ترمب على ثلاثة كتب لكل منهما".
وفي كثير من كتب وودوارد السابقة، ظهر الرئيس الحالي جو بايدن عضواً في مجلس الشيوخ أو نائباً للرئيس، لكنه ظهر "لاعباً مساعداً" على حد تعبير أنطوني أوليفر سكوت، وظهر بوصفه "نجماً مشاركاً بالكامل في كتاب (الخطر)"، وهو ثالث كتب وودوارد ـ بمشاركة روبرت كوستا ـ عن رئاسة ترمب وواقعة الشغب الشهيرة في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وها هو بوب وودوارد يصدر أخيراً كتابه الأحدث عن رئاسة جو بايدن بعنوان "الحرب"، ليكون هذا هو كتاب الرئيس الحالي الخاص، وإن زاحمه فيه ترمب.
كتب بلال بهمان في "نيوزويك" في التاسع من أكتوبر الجاري معتمداً على تقرير أعدته "سي أن أن" عن الكتاب بعد اطلاعها عليه في نسخة سابقة للنشر الرسمي، قائلاً إن في كتاب "(الحرب) سلسلة مزاعم متفجرة في شأن شخصيات سياسية رفيعة المستوى في الولايات المتحدة" منها "زعم وودوارد أن الرئيس السابق دونالد ترمب بعث سراً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اختبارات كورونا خلال انتشار الجائحة" لاستعماله الشخصي. حدث ذلك في وقت كانت تعاني فيه أميركا والعالم نقصاً في هذه الاختبارات، فما كان من بوتين إلا أن قال لترمب بمحبة بادية "لا أريدك أن تخبر أي أحد بهذا لأن الناس سيغضبون عليك أنت لا عليَّ أنا".
ومن هذه المزاعم أيضاً أن "ترمب بعد خروجه من البيت الأبيض تحدث هاتفياً إلى بوتين سبع مرات"، إذ يورد الكتاب أنه حدث في مطلع عام 2024 أن أمر الرئيس السابق أحد معاونيه بالخروج من مكتبه في مقر إقامته وناديه الخاص في مارالاغو بولاية فلوريدا حتى يتمكن من إجراء مكالمة خاصة مع الرئيس الروسي. وينقل بهمان عن مصادر في حملة تراب إنكارها مزاعم وودوارد ووصفها "الحرب" بأنه "كتاب قمامة". ينقل بهمان أيضاً عن دونالد ترمب وصفه لوودوارد بأنه "حكاء، وحكاء رديء، فقد عقله".
بعيداً من هذه المعركة الجانبية، يقول أنطوني أوليفر سكوت إن "الحرب" يتميز وسط كتب وودوارد بأنه يبدي لبطل الكتاب ـ أي بايدن ـ إعجاباً أكثر مما في الكتب السابقة تجاه أبطالها.
وعلى رغم ذلك الإعجاب يخصص الكتاب مساحة غير قليلة لمساعدي بايدن، وذلك لأنه ـ مثلما يكتب وودوارد ـ "في قلب الحكم الرشيد يكمن عمل الفريق". ولذلك يصادف قارئ (الحرب) "أعضاء فريق بايدن للأمن الوطني ومنهم لويد أوستن وأنطوني بلينكن وزيري الدفاع والخارجية، ومستشار الأمن الوطني جيك سوليفان ونائبة الرئيس كامالا هاريس" وغيرهم، ويظهر أيضاً في الكتاب رؤساء دول "لكن الشخصيات العالمية ذات الثقل التي ينافسها بايدن في الكتاب هي فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو ومن قبلهما بالطبع ترمب".
يستهل وودوارد الكتاب بتفريغ حوار أجراه هو وكارل برنشتين ـ زميله في تغطية ووترغيت ـ سنة 1989 مع ترمب ولم ينشر إلا عام 2023. يكشف الحوار بحسب ما يرى وودوارد عن "أصول الترمبية بكلمات ترمب نفسه الذي يتبين أنه كان ولا يزال ذا شخصية تركز على الفوز والقتال والبقاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غير أن ما يريد وودوارد إبرازه حقاً من الكتاب هو كيفية "تعامل بايدن مع بوتين قبل الحرب الأوكرانية وبعدها، ومع بنيامين نتنياهو في غداة هجمة (حماس) في السابع من أكتوبر على إسرائيل، وكيفية أن بايدن ـ بتعبير جيك سوليفان ـ حافظ على أرض الوطن آمنة طوال عواصف ثلاثة أعوام ونصف العام".
يشمل الكتاب الفترة منذ أوائل عام 2021 وحتى صيف العام الحالي، أي "منذ الأسابيع المحمومة السابقة على تنصيب بايدن، وحتى الدوامة التي أعقبت انسحابه من انتخابات 2024. ولا يعني هذا أن (الحرب) مشغول بالسياسات الانتخابية، أو بالقضايا التي تكشف استطلاعات الرأي أنها تعني الناخبين أكثر من غيرها... فلا يهتم وودوارد بالحزبية أو الأيديولوجيا لأن موضوعه هو الحنكة السياسية، وممارسة السلطة في أرفع مستوياتها، وكثيراً ما يفضي ذلك إلى الاهتمام بمحادثات هاتفية تحوي ألواناً من السباب بين رؤساء حكومات ومساعديهم. ويركز على القيادة وارتباطها بشخصية الرئيس، إذ يتعرض لأهم اختباراته في مجال السياسة الخارجية، إذ "تتحدد رئاسة بايدن في كتاب الحرب... من خلال طريقته في التعامل مع حربي أوكرانيا والشرق الأوسط".
يكتب سكوت أنه في حالة حرب أوكرانيا، "بعدما كشفت الاستخبارات الأميركية خطة بوتين الحربية، كان على الإدارة أن تقنع حلفاءها والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بجدية الخطر، ثم ما كادت القوات الروسية تتحرك صوب كييف، حتى باتت المهمة هي تعزيز أوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً مع اجتناب أي اشتراك مباشر لقوات (الناتو) أو القوات الأميركية واجتناب التصعيد النووي المحتمل".
ويروي أن "هذه المادة تنطوي على إثارة ورعب كبيرين، حتى لمن يعرف كيف جرت الأمور، ولكن المشكلة هي أننا لا نعرف حقاً ما الذي جرى. فمنذ اكتمال تأليف الكتاب، باتت روسيا مرة أخرى في وضع هجومي على أوكرانيا، واتسع نطاق الصراع في الشرق الأوسط ليشمل (حزب الله) وإيران، وهذه نتيجة قضى بايدن وفريقه صفحات كثيرة من الكتاب في العمل على اجتنابها، وفي الوقت نفسه تتسارع وتيرة الحملة الانتخابية الرئاسية لتبلغ ذروتها في غضون أسابيع ثلاثة من صدور (الحرب) في الـ15 من أكتوبر الجاري، ليفرض الناخبون بطل الجزء الثاني من الكتاب".
يتحدث أنطوني أوليفر سكوت عن أنه على رغم تخصص وودوارد في تغطية الإثارة في وقت حدوثها، فإنه في كتابه هذا لا يقدم قصصاً مثيرة، إذ يتمثل دافعه إلى الكتابة ـ وموهبته ـ في قدرته على ترتيب فوضى التاريخ الحديث والخروج منها بخلاصة. والخلاصة هذه المرة هي أن "دونالد ترمب ليس فقط الرجل غير المناسب للرئاسة، ولكن أنه أيضاً غير ملائم لقيادة البلد" وعلى النقيض من ذلك فإن "التاريخ سيدرس بايدن وفريقه درساً طويلاً بوصفهم نموذجاً للقيادة الثابتة واضحة الهدف". وهذه الأحكام بحسب ما يعلق سكوت لا تبدو قاطعة فحسب، ولكنها أيضاً شديدة التفاؤل.
يوشك استعراض إيزاك ستانلي بيكر للكتاب في صحيفة "واشنطن بوست" يوم الثامن من أكتوبر الجاري، أن يوجز في سطر واحد هو أن: كتاب "الحرب" يدرس استجابة كل من ترمب وبايدن لبعض الأزمات الدولية ليخلص إلى أن الرئيس الجمهوري السابق أسوأ من نيكسون.
قد يلقي "الحرب" الضوء على جهود فريق بايدن المحمومة، والفاشلة في الغالب، لمنع تصعيد القتال في الشرق الأوسط، لكنه لا يهمل أن كيث كيلوغ ـ أحد مستشاري ترمب للأمن الوطني ـ التقى سراً بنتنياهو في رحلة إلى إسرائيل في مطلع العام الحالي، ثم وزع لدى عودته مذكرة ألقى فيها اللوم على بايدن في هجمة "حماس" على إسرائيل، كاتباً فيها أن "هذه الزيارة أكدت أن تآكل الردع الأميركي عالمياً في ظل إدارة بايدن وسياسته الفاشلة في مواجهة إيران عرضت أميركا لحرب إقليمية في الشرق الأوسط ذات آثار مدمرة على حليفتنا إسرائيل".
وفي ما يتعلق أيضاً بحرب أوكرانيا كان لترمب تأثير ملموس، حتى وهو في بيته بمارالاغو، بحسب استعراض إيزاك ستانلي بيكر، ذلك أن رفض الرئيس السابق تمويل جهود كييف الحربية كانت بمقام مانع لدعم الحزب الجمهوري لتلك الجهود في مجلس النواب. إلى أن تمكن رئيس المجلس مايك جونسن (الجمهوري عن ولاية لويزيانا) من إقناع ترمب بتخفيف موقفه لا باطلاعه على عدالة القضية الأوكرانية ـ بحسب ما يروي وودوارد ـ وإنما بإقناعه بأن في شأن حزمة مساعدات أن تساعد الفرص الانتخابية لمؤتمر الحزب الجمهوري فتفيده شخصياً في ما قبل الانتخابات الرئاسية".
يلفت إيزاك ستانلي بيكر الانتباه إلى أن كتاب "الحرب" لا يكاد يبرز لكامالا هاريس دوراً في تحديد سياسة بايدن الخارجية، ومن ذلك أن الكتاب "يكشف كيف أن نبرتها العلنية القوية في أعقاب اجتماع في يوليو (تموز) الماضي مع نتنياهو ـ إذ تعهدت بأنها لن "تلزم الصمت إزاء معاناة الفلسطينيين ـ تتناقض مع ما تبديه من ود في اللقاءات الخاصة، حتى إن هذا الاختلاف أثار غضب نتنياهو الذي فوجئ بتصريحاتها العلنية".
يؤكد استعراض فرانك فوير للكتاب المنشور في "ذي أطلسيك" يوم 11 أكتوبر الجاري، ذلك الدور الضئيل لهاريس، إذ يكتب فوير أن "ظهور وجه كامالا على غلاف الكتاب ضمن وجوه زعماء عالميين هو جزء آخر من التضليل، لأن نائبة الرئيس لم تكن أكثر من لاعبة ثانوية في القصة، ولكن يجب القول أيضاً إنها تظهر بصورة لائقة في حضورها المحدود، إذ تطرح في غرفة العمليات أسئلة جادة، وفي مكالماتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسأله عن وفيات المدنيين في غزة، ولكن الكتاب لا يشير إلى حالات خلاف لها مع بايدن".
"ولعل أكثر اللحظات كشفاً لهاريس هي التي تأتي قرب نهاية الكتاب، إذ يقول لها أحد أصدقاء بايدن (هل يمكن إذا سمحت أن تتكلمي مع الرئيس أكثر مما تتكلمين؟ إن رئيسك يحبك فعلاً)، لكن استياء رئيسها يرجع أساساً إلى أنها لا تكتب إليه، ولا تتصل به. ورداً على مناشدة الصديق، مزحت هاريس في شأن أقوى روابطها مع الرئيس قائلة "إنه يعلم أنني الشخص الوحيد ممن حوله القادر على أن ينطق كلمة motherfucker على النحو الصحيح". ولا شك أن الحوار طريف، لكنه دال أيضاً".
سرعان ما يتجاوز فرانك فوير مشاركته المسلية هذه في الانتخابات الرئاسية ليفرغ لتقييم مهمة الكتاب الأساسية في ما يتعلق بحربي أوكرانيا وغزة، فيكتب "لقد قمت بتغطية هذه الأخبار بنفسي، ولا يمكنني أن أجد أي خطأ في روايته. وإن كنت أشعر بشيء فإنما أشعر بالغيرة الصريحة من استطاعته الحصول على قصص مهمة وكبيرة أفلتت مني. ومن أكثر أقسام الكتاب إذهالاً ذلك الذي يقتنص فيه بوتين وهو يفكر في استعمال سلاح نووي تكتيكي في أوكرانيا، والدبلوماسية الهادئة التي أثنته عن ذلك وأرجعته من حافة الهاوية. كانت الصحف لمحت إلى ذلك في حينه، لكن وودوارد يكشف التاريخ الخفي بتفاصيل تبعث القشعريرة (إذ يقول جون فاينر نائب مدير مجلس الأمن الوطني إن استعمال بوتين لسلاح نووي كان أقرب إلى مسألة قرعة بعملة معدنية) فحينما يعتري القلق بايدن من احتمالات تصعيد نووي، فهو لا يتذكر أيام شبابه في أوائل فترة الحرب الباردة، ولكنه يستدعي حاضراً يواجهه بالفعل".
"على عكس أسلافه، لا يثق بايدن في وودوارد. فلديه من العمر ما يكفي ليتذكر أن أحد كتبه أسهم في انحراف ولاية بيل كلينتون الأولى عن مسارها، ويبدو أن بايدن رأى ألا يشارك سواء في هذا الكتاب أو في كتاب (الخطر) السابق. ولامتناعه عن التواصل مع وودوارد، يبدو الرئيس في الكتاب معدوم الحياة. لا يعني هذا أنه مغيب، فهو مسيطر تماماً على قدراته بحسب رواية وودوارد، ولكن الأمر أنه ما من ملاحظات ثاقبة في الكتاب عن حالته النفسية، وقراره بالانسحاب من انتخابات 2024 حدث قريباً للغاية من انتهاء وودوارد من عمله في الكتاب فلم يورد عنه شيئاً أو عما قاد الرئيس إلى اتخاذ قراره ذلك. وإذاً فلا يقول الكتاب شيئاً عن أهم أخبار التاريخ السياسي الحديث".
"لكن بمعنى ما، يبدو بايدن وبوب وودوارد مناسبين أحدهما للآخر تماماً. فكلا الثمانينيين يمثل تجسيداً لعصر مضى في واشنطن، عندما كانت السياسة الخارجية هي هوس المؤسسة. فعلى رغم أن وودوارد لا يجد بايدن مثيراً للاهتمام، نراه ينكب على دراسة مكالماته مع نتنياهو وبوتين بافتتان حقيقي... كما أنه يلمح في خاتمة الكتاب إلى مدى استمتاعه بتغطية جهود الرئيس المخلصة وفريق أمنه الوطني لاستعمال أدوات السلطة التنفيذية استعمالاً مسؤولاً وبما يصب في المصلحة الوطنية".
"وعلى رغم تركيزه الشديد على المادة، يعجز وودوارد عن إجابة ـ أو حتى طرح ـ بعض الأسئلة المهمة في شأن سياسة بايدن الخارجية، هل كان بوسعه أن يبذل مزيداً من أجل دعم أوكرانيا؟ هل كان بوسعه أن يدفع إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار؟ لكن وودوارد يصل إلى حكم على رئاسة بايدن يفاجئني فيه أنه مدروس ومنصف: (بناءً على الأدلة المتوافرة الآن، أعتقد أن التاريخ سيدرس بايدن وفريقه درساً طويلاً بوصفهم نموذجاً للقيادة الثابتة واضحة الهدف). وعلى رغم الأخطاء الكثيرة لهذه الإدارة فإنني أعتقد أن حكم وودوارد عليهم سيجتاز اختبار الزمن".
العنوان: WAR
تأليف: Bob Woodward
الناشر: Simon & Schuster