ملخص
قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الأميركية وصفت كامالا هاريس ترمب بالفاشي، لكن هذا الوصف قد لا يقنع مؤيدي ترمب الذين يرون اتهامات كهذه تعزز من جاذبيته كمعارض "للنخبة الحاكمة" في أميركا.
قبل أقل من أسبوعين على موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية داخل الولايات المتحدة الأميركية، دخلت مفردة جديدة مثيرة للعواطف بصورة كبيرة على خط الحملات الانتخابية.
وصفت المنافسة عن الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس كامالا هاريس غريمها الجمهوري دونالد ترمب بأنه "فاشي".
إن اللجوء إلى الكلمة التي تبدأ بحرف "الفاء" ينبئ بقصة خاصة بذاتها عن مدى تقارب هذا السباق الرئاسي. وقد تكون هاريس متقدمة في معظم الاستطلاعات، لكن الفجوة الصغيرة جداً يبدو أنها تتقلص مع استمرار ارتفاع التأييد لترمب في خط تصاعدي. إضافة إلى ذلك، يوجد فرق بين التصويت الشعبي والتصويت في المجمع الانتخابي الذي يقرر النتيجة النهائية للانتخابات داخل الولايات المتحدة، والنتيجة، كما يقال غالباً، متقاربة لدرجة لا يمكن حسم الفائز بها.
المرشحان في هذه الانتخابات ليس أمامهما سوى مواصلة السعي إلى حشد كل التأييد الممكن، في هذه المنافسة التي ستفضي إلى قيادة الرابح أقوى دولة في العالم.
إن قيام السيدة هاريس باستخدام الكلمة التي تبدأ بحرف "الفاء" في محاولة منها لحشد التأييد ضد منافسها، هي أيضاً تذكير بأن الاستخدامات اللغوية كانت غير مكبلة طوال الفترة منذ انطلاق الحملات الرئاسية في هذه الانتخابات داخل الولايات المتحدة الأميركية.
حتى لو كنت معتاداً على التنافس الحاد في السياسة البريطانية فإن بعض الحدود التي تحددها "اللغة البرلمانية" لا تزال سارية في الغالب. ولو تم التلفظ هنا [أي في المملكة المتحدة] ببعض الإهانات الصادرة من كل من معسكري ترمب وهاريس ونائبيهما المرشحين لمنصب نائب الرئيس فإن هذا سيلحق ضرراً أكبر بناطق تلك الإهانة من الشخص الذي توجه إليه. ومع تراجع الضوابط، يبقى اتهام الخصم بالفاشية من أقسى الاتهامات المتبقية.
إن المرشحة هاريس لم تستحدث العبارة –بصورة سريعة وحماسية– بل تلقفتها من قبل الرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض، وهو الجنرال السابق في قوات مشاة البحرية الأميركية جون كيلي، والذي ذكرها في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز". وبما أن الأشخاص المنضوين في الخدمة العسكرية يمكنهم أن يكونوا أكثر حرية من كثر غيرهم في المصطلحات التي يطلقونها كان الجنرال كيلي على علم تماماً بما كان يقوم به. فمن خلال اختياره للكلمة ومن خلال التوقيت كان كيلي يسعى إلى إلحاق أقسى درجات الضرر الذي يمكنه أن يلحقها بحملة السيد ترمب الرئاسية.
لكن من شأن ذلك الضرر أن يكون محدوداً. فإن الموظفين السابقين الذين كانوا يعملون مع ترمب وانقلبوا عليه ليس بالأمر غير المسبوق تماماً –يكفي أن تتصفحوا مذكرات المسؤول السابق جون بولتون، وكتابه بعنوان "الغرفة التي شهدت الأحداث" The Room Where it Happened، والذي يفصل ما جرى خلال الفترة التي خدم بولتون خلالها إدارة ترمب بوصفه مستشاره للأمن القومي- وأيضاً بسبب، وإلى الحد المتعلق بصفات ترمب الشخصية، فإن الآراء حول ذلك الجانب حُسمت. فبالنسبة إلى المؤيدين المتحمسين لترمب كلما كثرت الإهانات وزادت غرابة زادت حماسة المؤيدين له، ووقوفهم إلى جانب زعيمهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمن القضايا المرفوعة ضده في المحاكم إلى إداناته بالذنب فإن أي شيء يضعه في مواجهة ما يمكن أن ينظر إليه بوصفه النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، من شأنه أن يخدم في تقوية جاذبيته [بين أنصاره].
ففيما أن وصفه بالفاشية قد يخدم موقف المرشحة هاريس -لأنه من دون شك يطرح مفارقة بينها والسيد ترمب- فإنه ليس من شأن ذلك أن يصنع أي منشقين جدد عن ترمب بصورة فعلية...
وأصر ترمب على أنه بعيد كل البعد من كونه "فاشياً" -أو كما أشار كيلي بأنه "يندرج بالتأكيد ضمن التعريف العام للفاشية"، وأنه معجب بالديكتاتوريين ويتمنى لو كان لديه جنرالات مخلصون مثل كبار ضباط هتلر- بل إنه "عكس" الزعيم النازي، أياً كان ما يعنيه ذلك.
وبغض النظر عن الجدوى في استخدام الكلمة التي تبدأ "بحرف الفاء" -الشهر الماضي على وجه التحديد، كان شهد مثلاً قيامه بالتفوه بادعاء غريب جداً عن المهاجريين من جزيرة هايتي، وأكلهم للقطط والكلاب الأليفة– فإن هذا يبدو محاولة أخيرة من مناوئي ترمب المتخوفين من هزيمة وشيكة لهاريس.
لا يمكن لكلمة "فاشي" إلا أن تترك صدى قوياً. وترمب شخص كثير الكلام ومتفاخر. ومن الصعب عدم رؤيته كشخص نرجسي ذي ميول سلطوية، ولكن هل هو فعلاً فاشي أو هتلر محتمل؟
بالطبع، سجل ترمب في السلطة يفند إلى حد كبير واقع أساس متعلقاً بالفاشية، وهو سعيها إلى التوسع البري. إذ يمكنه أن يدعي عن حق بأنه لم يكن مسؤولاً عن اندلاع أي حرب خلال عهده الرئاسي الذي دام أربعة أعوام.
أما عن تعبيره عن "إعجابه" بهتلر فإن الدليل الوحيد المتوافر المقدم في ذلك الشأن هو رغبته بأن يكون لديه الولاء الكامل من قبل قواته المسلحة. أليس من حق رئيس الدولة والقائد الأعلى أن يتوقع هذا الولاء؟
إن الولايات المتحدة الأميركية دولة ذات منسوب مرتفع من الوطنية. والأميركيون وإلى درجة كبيرة يعدون بصورة صادقة بأن بلادهم متفوقة على الدول الأخرى. وهذا الحس القومي العميق يفسر إلى حد ما الشعبية الكبيرة لعبارة "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" (ماغا)، وأيضاً يجعل اتهام ترمب بأنه فاشي يبدو أكثر صدقية مما هو عليه في الواقع.
© The Independent