Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غياب التأهيل النفسي لصدمة "7 أكتوبر" يزيد معدلات الانتحار بإسرائيل

الرقم المحدد غير واضح وهناك تعتيم كامل على تلك حالات داخل الوحدات العسكرية

ارتفعت ظاهرة الانتحار بصورة كبيرة في إسرائيل بعيد هجوم السابع من أكتوبر 2023 (أ ف ب)

ملخص

وصل إلى مركز الخطوط الساخنة 67555 ألف اتصال يطلب المساعدة إلى جانب 1887 مكالمة لما سماها الباحثون "المكالمات الانتحارية" التي كان فيها المتصل أو المتصلة، وبينهم نسبة عالية من الجنود، يعانون مشكلات نفسية خطرة ويشعرون أنهم على شفير الانتحار.

في الـ 27 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أحيت إسرائيل الذكرى الرسمية الأولى للجنود الذين قتلوا في حرب "طوفان الأقصى" بحضور مئات العائلات، في وقت كانت عائلات أخرى تقود معارك قضائية مع الجيش والحكومة، وأيضاً إعلامياً تجاه المؤسستين السياسية والعسكرية لعدم الاعتراف بأبنائها كـ "قتلى حرب".

هؤلاء هم أقارب وعائلات الجنود الإسرائيليين الذين انتحروا خلال هذا العام بعد أن عانوا مشكلات نفسية صعبة جراء ما مر عليهم خلال أحداث السابع من أكتوبر 2023 أو جراء الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعانيها إسرائيل، وتضاعفت بعد مرور أكثر من عام على هذه الحرب التي لم يسبق أن خاضت إسرائيل حرباً مثلها منذ قيامها عام 1948، وباعتراف مسؤولين، فهي غير جاهزة ومستعدة لخوض مثل هذه الحرب الطويلة على مختلف الجبهات وفي مختلف المجالات.

والعامل الذي يفاقم ظاهرة انتحار العشرات هو عدم توفير الخدمات النفسية والاجتماعية الضرورية من أجل منعه والحد منه، فدوافع الانتحار مختلفة، وبصورة عامة يأتي انتحار الجنود في أعقاب معاناتهم من حال الخوف ف ما بعد الصدمة لما شاهدوه وواجهوه أثناء القتال في أرض المعركة داخل غزة.

وفي جانب لم يثره المتخصصون والمتابعون للموضوع، وكان سبباً أيضاً لانتحار بعضهم، فهو إجراء "حنيبال" الذي فرضه الجيش على الجنود لمنع أسر جنود، ويقضي بالسماح لهم بقتل الجندي لمنع أسره.

وهناك جنود لم يحتملوا قتل زميل لهم بمجرد الضغط على الزناد لتنفيذ أوامر، وهو إجراء رافق بعض من نفذه لفترة طويلة حتى انتهى الأمر بإنهاء حياتهم.

الوضع الأمني

ومع مرور عام على "طوفان الأقصى" أجري بحث في إسرائيل بعد انتحار عشرات الجنود والمدنيين متأثرين بالقتال وتداعيات الحرب الاجتماعية والنفسية، والرقم المحدد غير واضح وهناك تعتيم كامل على حالات الانتحار في الوحدات العسكرية، لكن مجموعة من الجنود التي تواصلت مع البقية عبر "فيسبوك" حرصت على نشر حالات الانتحار ودوافعها داخل الجيش، وما أثار غضب بعضهم والأمر الذي دفعهم إلى النشر هو عدم اعتراف المؤسسة العسكرية بأي جندي ينتحر، وأنه لا يندرج بين قائمة الجنود قتلى الحرب، ولا يدفن في مراسم عسكرية، وفي معظم الحالات لا يدفن أيضاً في المقبرة العسكرية.

وخلال الشهر الأخير تخوض أكثر من عائلة حملة إعلامية واسعة عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، بعد انتحار أبنائهم في معسكرات للجيش أو فور عودتهم من الخدمة، ليس فقط لعدم إدراجهم ضمن قتلى الجيش وإنما أيضاً لعدم تجاوب أي مسؤول في الجيش مع مطالب الجنود أو عائلاتهم في توفير الدعم النفسي، ومعالجتهم ورعايتهم اجتماعياً.

وفي بحث أجري بعد مرور عام على الحرب بالتعاون بين جامعتي حيفا وتل أبيب ومركز "عيران" للدعم النفسي وكلية الإدارة وجامعة كولومبيا، حذر معدو البحث من خطورة ارتفاع عدد المنتحرين واحتمال أن يزداد بصورة أكبر في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية، وغياب أي أفق لمستقبل أفضل في إسرائيل على مختلف مجالات الحياة وأمن السكان.

وفي التقرير الذي استعرض البحث، نُقل عن أحد الباحثين أن "الظاهرة آخذة بالارتفاع وأن الانتحار ليس بالضرورة استجابة فورية للأحداث الصادمة، وهو أمر يتطلب من أنظمة الطوارئ التأهب لناحية الصحة النفسية وخدماتها، وأن عدد حالات الانتحار قد يزداد مع استمرار الواقع الأمني الصعب الذي نجد أنفسنا فيه".

ووجد الباحثون أنه وعلى رغم انخفاض معدل المكالمات في بداية الحرب التي تصل من جنود وأشخاص يطلبون المساعدة بعد التفكير بالانتحار، فإن ظاهرة الانتحار ارتفعت بصورة كبيرة مقارنة بالمكالمات الواردة.

لا نهاية في الأفق

وبحسب البحث فقد وصل إلى مركز الخطوط الساخنة لمن يعاني مشكلات نفسية خلال الأشهر الثلاثة التي تلت هجوم السابع من أكتوبر 2023 نحو 67555 ألف اتصال يطلب المساعدة، إضافة إلى 1887 مكالمة لما سماها الباحثون "المكالمات الانتحارية" والتي كان فيها المتصل أو المتصلة، وبينهم نسبة عالية من الجنود، يعانون مشكلات نفسية خطرة ويشعرون أنهم على أعتاب الانتحار.

الطبيبة جوي بنطوف من قسم التربية الخاصة في جامعة حيفا، والتي أشرفت على البحث، تحذر من الوضع الحالي والمستقبلي للإسرائيليين قائلة إنه "في هذه الأيام بعد مرور عام على اندلاع الحرب التي فتحت خلالها جبهة أيضاً في الشمال، ومع تفاقم الخوف من اندلاع حرب ضد الإيرانيين تزيد مشاعر القلق، ولا نهاية للأزمة في الأفق"، مضيفة أنه في هذه الأيام بدأ بصورة تدريجية يرتفع عدد المكالمات وبالتحديد الانتحارية، ومن المتوقع أن تزداد معدلات خطر الانتحار مع استمرار الحرب والأزمة الوطنية.

وبحسب ما تبين فهناك مجموعات محددة معرضة لخطر الانتحار، والنسبة الأكبر من الجنود الذين لا يزالون في الخدمة من احتياط أو مسرحين، إضافة الى العاملين في شركة "زاكا" التي قامت بنقل القتلى في السابع من أكتوبر 2023.

وكذلك يشير البحث إلى اختصاصيين في علم الأمراض ساعدوا في التعرف على الجثث وإخلائها في يوم "طوفان الأقصى"، وهؤلاء أيضاً ممن يعانون مشكلات، وهناك ترجيحات بتسجيل نسب انتحار بينهم.

وبحسب الطبيبة المديرة العامة لمركز "عيران" في برنامج الإرشاد التربوي في كلية الإدارة شيري دانيالس، فإن ما يواجهونه من حالات انتحار سجلت خلال عام الحرب أقدم فيها العشرات على الانتحار، "وقد جاء نتيجة لمجموعة من العوامل العقلية والاجتماعية والبيئية التي تتحد معاً، وكل حال فريدة من نوعها ولا تختزل في عامل واحد، إذ ينبع الانتحار من معاناة عقلية عميقة وفهمه يتطلب نظرة واسعة على الحال العقلية للشخص، وزيادته يمكن أن تكون استجابة متأخرة للصدمة الوطنية القوية الناجمة عن الحرب"، مؤكدة أنه "يجب علينا الاستعداد مسبقاً وتعزيز خدمات الصحة العقلية المختلفة لإنشاء تسلسل علاجي فعال يمكن الوصول إليه".

الجيش يعتم والحكومة لا تموّل

"اعتمدت إدارة الجيش الإعلامية التعتيم، ليس فقط على حالات الانتحار التي يتعرض لها الجنود وعدم الاعتراف بهم، بل أيضاً على عدد القتلى من الجنود خلال المعارك".

 هذا ما أكدته المديرة العامة السابقة لحركة "حرية المعلومات" المحامية راحيل حولتا، وبحسب قولها "نواجه معارك قضائية واسعة لنلزم الجيش والمؤسسة العسكرية بتزويدنا بالمعلومات حول كل ما يتعلق بالحرب، مثل عدد الضحايا من النيران المتبادلة التي رفضوا تقديمها، وبعد أن قدمنا التماساً إلى المحكمة بدأ نشر المعلومات، والأمر نفسه ينطبق على حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي، وحتى لو كان الواقع صعباً للغاية فلا يمكن تجاهله، ولا يمكن نشر ما هو مناسب للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فقط، فإذا كان هناك مزيد من الجنود الذين انتحروا لأنهم عانوا أهوال الحرب ويعانون صدمة لاحقة، فيجب إجراء نقاش على أساس المعطيات".

المسؤول في وزارة القضاء عن المساعدات القانونية والأحوال الشخصية المحامي دانييل راز شارك في جلسة خاصة داخل الكنيست لبحث إهمال وزارة الصحة تقديم الخدمات النفسية الضرورية للجنود والسكان الذين عاشوا أحداث السابع من أكتوبر 2023، وذلك بعد الإعلان عن انتحار أكثر من جندي، وشابة من الجنوب عايشت أحداث ذلك اليوم ولم تتلق أي نوع من الدعم النفسي والعلاج، وكل محاولات عائلتها باءت بالفشل إلى أن انتحرت.

وخلال اجتماع الكنيست حذر راز من خطورة زيادة تدهور الوضع النفسي لدى عشرات آلاف الإسرائيليين وسياسة استغلال المرضى بطلب مبالغ طائلة في مقابل تلقيهم العلاج النفسي، مشيراً إلى شريحة أخرى مهملة من قبل المؤسسة الإسرائيلية، وهي العائلات النازحة من الشمال والجنوب منذ أكثر من عام، إذ قام رفقة مجموعة من المتخصصين بزيارتهم في الفنادق حيث يقطنون، وعكس صورة خطرة لأوضاعهم النفسية والاجتماعية. وقال "التقينا عدداً كبيراً من أولياء العائلات الذين يواجهون الإهمال، وقد أعرب الأهالي عن خشيتهم من إقدام أبنائهم على الانتحار"، كما طالب راز بوضع خطة وطنية تضع حداً لظاهرة الانتحار التي تتفشى وتتزايد بصورة خطرة.

وكما أكد الباحث الإسرائيلي حول الموضوع فإن استمرار تدهور الوضع الأمني يسهم بصورة مباشرة في ارتفاع هذه الظاهرة، وتحديداً في صفوف الجنود.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير