ملخص
-صنفت الوكالة الدولية للطاقة الجزائر على أنها ثالث احتياطي عالمي من حيث الغاز الصخري، بمخزونات تفوق 707 تريليونات قدم مكعب، أي 9.3 في المئة من المخزون العالمي، بعد الصين والأرجنتين، وهو ما يعكس أهميتها الاستراتيجية في سوق الطاقة العالمية
-ملف الغاز الصخري في الجزائر يرجع إلى الفرص الكبيرة التي باتت أمام الجزائر من أجل الخروج إلى دائرة الكبار
بعد أن كان محل جدل سياسي واقتصادي وبيئي ورفض شعبي، عاد ملف الغاز الصخري ليشغل اهتمام الحكومة في الجزائر، إذ تسارع السلطات الزمن من أجل الانطلاق في مشاريع الاستغلال بعيداً من اللغط الذي رافق إثارته في مرات سابقة. وجاء توقيع شركة "سوناطراك" وعملاق الطاقة الأميركي "إكسون موبيل" على اتفاقية حملت صفة "المهمة الضخمة" لتكشف عن تغير السياسة الطاقوية في الجزائر.
الرئيس يفتح الملف
وتتضاعف الاتفاقيات والعقود والشراكات حول استغلال الغاز الصخري في الجزائر، مع مؤسسات الطاقة الرائدة والعالمية، مما طرح تساؤلات حول "عودة" الاهتمام الجزائري بهذا النوع من الطاقة بعد أعوام من "الصمت"، فرضه جدل سياسي ولغط اقتصادي و"حراك" شعبي رافض لكل محاولات النبش في الملف، حين عمدت إحدى حكومات بوتفليقة إلى إطلاق عمليات استكشاف في جنوب البلاد.
وكانت بداية العودة خلال أول لقاء إعلامي للرئيس عبدالمجيد تبون في يناير (كانون الثاني) 2020، حين قال إن الغاز الصخري في الجزائر ضروري، لكن "قرار استغلاله في السابق جاء فجأة، ولم نحضر المواطنين لذلك، لتبدأ التأويلات..."، وتابع "سنقيم التجارب بهدوء، وهذه أمور تهم الاختصاصيين، ولا بد أن تتأكد كل أطياف الشعب أن هذه ثروة مدفونة، وإذا أردنا رفع المستوى المعيشي فلا بد من استغلال هذه الثروة".
وأضاف تبون، "استغلال الغاز الصخري يحتاج إلى نقاش وطني وليس تفرداً بالرأي، وثروة منحك إياها الله لماذا تحرم نفسك منها؟"، مشيراً إلى منطقة شناشن الموجودة بين تندوف وأدرار التي هي عبارة عن محيط من الرمال وخالية من السكان، وباطنها يحوي كمية كبيرة من الغاز الصخري، وختم أنه "لدينا إمكانات لنستغل هذا الغاز، وسنتكلم في الموضوع بعد أن نتجاوز المرحلة الحالية، وندخل في بناء الاقتصاد وتمويله".
تلبية حاجات الجزائريين؟
وبعد خمسة أعوام تقريباً، يعرف الملف تحركاً لافتاً مع توقيع اتفاقيات وعقد شراكات لاستغلال الغاز الصخري، ما يكشف عن تجاوز المرحلة التي تحدث عنها الرئيس تبون، ودخول البلاد في بناء الاقتصاد، وهو ما عبر عنه منذ أسبوع، نائب الرئيس المكلف الاستكشاف والفرص الجديدة لعملاق الطاقة الأميركي، "إكسون موبيل"، جون أرديل الذي كتب على حسابه الرسمي عبر شبكة "لينكد إن" عقب عودته من معرض شمال أفريقيا والبحر المتوسط للطاقة والهيدروجين "ناباك 2024" الذي نظم في مدينة وهران غرب الجزائر، الجزائر تواصل لعب دور رائد في مجال إمدادات الطاقة من خلال العمل والتعاون مع شركات نفط كبرى على غرار "إكسون موبيل" لاستغلال الموارد غير التقليدية، في إشارة إلى الغاز الصخري.
كما لمح مدير الشركة الوطنية للمحروقات "سوناطراك" رشيد حشيشي إلى دخول بلاده مرحلة جديدة من إنتاج الطاقة، وأوضح في ندوة صحافية على هامش معرض "ناباك 2024"، رداً على سؤال بخصوص عدم استغلال الجزائر حقول الغاز الصخري، أن "الغاز التقليدي هو نفسه الغاز غير التقليدي… وشركة ’سوناطراك’ ومن أجل تلبية حاجات الجزائريين ستقوم بتطوير جميع الموارد المتاحة في البلاد، وهي ملزمة بتطوير جميع أنواع المحروقات الموجودة في الجزائر".
ثالث احتياط عالمي... وتنافس
وصنفت الوكالة الدولية للطاقة الجزائر على أنها ثالث احتياط عالمي من حيث الغاز الصخري، بمخزونات تفوق 707 تريليونات قدم مكعب، أي 9.3 في المئة من المخزون العالمي، بعد الصين والأرجنتين، وهو ما يعكس أهميتها الاستراتيجية في سوق الطاقة العالمية، ويعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات وتطوير البنية التحتية اللازمة لاستغلال هذه الموارد الطبيعية بصورة فعالة، وهو أيضاً ما حرك الحكومة من أجل فتح الملف بصورة جدية.
ووفق منصة الطاقة المتخصصة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، فإن قطاع الطاقة الجزائري يمتلك عديداً من الميزات التي جعلت البلاد عنصراً مهماً في تحقيق أمن الطاقة للدول الأوروبية الحالية والمستقبلي، مع وجود فرص ضخمة على صعيد تصدير الهيدروجين والكهرباء المتجددة، وظهرت هذه التغييرات مع الحرب الروسية - الأوكرانية، وما رتب عنها من رغبة دول أوروبا في الابتعاد عن الغاز الروسي، كما دعم موقعها الجغرافي وخطوط الأنابيب فرصة "الاستحواذ" على سوق الطاقة الأوروبية.
وتتجه الجزائر إلى توسيع شراكاتها بصورة لافتة، في ما تعلق بالطاقة، إذ بعد أن استحوذت الشركات الأوروبية لفترة على السوق المحلية، ثم انتقل الأمر إلى الأطراف الآسيوية مثل الصين واليابان وغيرهما، جاء الدور على الجهات الأميركية التي باتت تتنافس على عقود استغلال الغاز الصخري منذ إبداء الجزائر رغبتها في فتح المجال، وهو ما حصل مع "شيفرون" و"إكسون موبيل" اللتين وقعتا مذكرة تفاهم مع شركة "سوناطراك" البترولية الحكومية الجزائرية في مايو (أيار) 2024، لدعم الاستفادة من احتياطات الغاز الصخري.
محاولات سابقة قابلتها احتجاجات
وكانت شركة "سوناطراك" البترولية الحكومية الجزائرية قد كشفت في أكتوبر (تشرين الأول) من 2014، عن نيتها لتطوير بعض احتياطات الغاز الصخري في البلاد، مع أمل في بدء إنتاجه بحلول 2022، تمهيداً لبلوغ 10 مليارات متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025، ونجحت في حفر أول بئرين بمنطقة (إن صالح) خلال عامين، لكنها اضطرت إلى وقف أعمال البحث في يناير 2016، بعد جدل ولغط كبيرين واحتجاجات من سكان المنطقة.
ويتكون الغاز الصخري داخل صخور "السجيل" التي تحوي النفط وبعض المواد العضوية والهيدروكربونات المختلفة التي تأثرت بضغط مرتفع وحرارة عالية، أو هو طين عضوي يعود إلى مئات ملايين السنين في قاع البحار القديمة ومع الضغط والحرارة أصبح صخراً زيتياً، وتحولت المواد العضوية بداخله إلى غاز.
ومعظم كمية الغاز الصخري تكون داخل صخور المصدر، وهو ما يتطلب عمليات حفر للوصول إليها، ثم تكسير الصخور للوصول إلى الغاز.
"فرصة لا تعوض من أجل التموقع"
وتعليقاً على نية الجزائر استغلال الغاز الصخري، يقول الباحث في الطاقة أمين ناصري، في تصريح لـ"اندبندنت عربية، إن إعادة فتح ملف الغاز الصخري في الجزائر يرجع إلى الفرص الكبيرة التي باتت أمام الجزائر من أجل الخروج إلى دائرة الكبار، إذ وأمام الحاجات الأوروبية الكبيرة للطاقة وكذا عديد الدول، وفي ظل العلاقات المحترمة مع كثير من الأوروبيين، وتحسن أرقام الاقتصاد المحلي واستقرار الأوضاع الاجتماعية، وجدت الجزائر نفسها أمام فرصة لمضاعفة المداخيل وترقية العلاقات والرفع من المستوى الاقتصادي، مشيراً إلى أن أمر الغاز الصخري كمثله في ما تعلق بالهيدروجين الأخضر الذي بات الرهان عليه كبيراً.
ويواصل ناصري أن الاهتمام بالمناطق الصحراوية من خلال دفع عجلة التنمية وفك العزلة عن السكان لا سيما الشباب، مثل السماح بتأسيس شركات تنقيب عن الذهب، ومنح الأراضي الزراعية تحت شعار الأرض لمن يخدمها، وكذا استغلال "منجم غار جبيلات للحديد، ومد خطوط السكك الحديد والطرق السريعة وفتح المناطق الحرة على الحدود، كلها عوامل جعلت فتح ملف الغاز الصخري لا يحدث ضجيجاً كما في السابق، لأنه مشروع من شأنه تغيير المناطق النائية بصورة إيجابية وتحويلها إلى مدن كاملة متكاملة".
وتابع بخصوص المخاوف البيئية التي تمت إثارتها من قبل، أنه "لا أساس لها من الصحة"، وقال إن تلوث المياه الجوفية جراء عمليات التصديع الهيدروليكي قد يكون ضعيفاً، إذ إن الأمور تتم في أعماق الأرض بعدة كيلومترات، بينما المياه قريبة من السطح، وختم بأن مثل هذه الطاقات تعد مصدر قوة للدول، وأنه أيضاً سلاح استراتيجي يمكن استغلاله في السياسة.