ملخص
في حال لم ينصع طرفا الحرب لصوت العقل وذهبا في اتجاه عمليات التصعيد والتحشيد فإن الوضع سيتجه نحو مسارين، الأول اتساع الحرب وتحولها إلى حرب أهلية مصحوبة بفظائع الإبادة ونشاط الجماعات الدينية والعرقية المتطرفة والعصابات، والثاني زيادة درجة تدخلات الدول وتحول السودان إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين الدول والمعسكرات الإقليمية والدولية وما يلازمها من نهب للموارد.
يعيش السودان هذه الأيام حالاً من التوتر بسبب التصعيد في وترة الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، فضلاً عن الانتهاكات الوحشية التي طاولت آلاف المدنيين في مناطق الصراع وبخاصة ولاية الجزيرة، وسط تزايد أعداد النزوح والمعاناة خلال وقت أخفقت الجهود الدولية والإقليمية في تحقيق اختراق ملموس بهذه الأزمة.
فإلى أين يتجه السودان في ظل هذا المشهد المعقد من ناحية حدة الانقسامات الداخلية ودعوات التحشيد والتسليح من قبل طرفي القتال، وهل ذلك يعني التصعيد المفتوح؟
صوت العقل
عضو الهيئة القيادية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية "تقدم" صالح عمار أشار قائلاً "بكل أسف يمر المشهد السوداني بحال من التأزم بسبب التطورات السلبية لهذه الأزمة، والتي كان آخرها الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت في حق الشعب السوداني الذي ظل في حال معاناة منذ استقلال البلاد عام 1956، فهي محل إدانة بأشد العبارات لأنها استهدفت المواطن الأعزل في شرق الجزيرة من دون وجه حق، لكن لا بد أن يتحمل طرفا الحرب (الجيش السوداني وقوات ’الدعم السريع‘)، فضلاً عن الطرف الثالث وهو ’الحركة الإسلامية‘ المسؤولية القانونية والجنائية والأخلاقية والسياسية عن كل ما يحدث الآن، وقبل ذلك يتحملها النظام السابق الذي وضع حجر الأساس لكل الخراب الذي نعيشه حالياً".
وتابع عمار "في الواقع، المجتمع الدولي خذل السودانيين لأنه لم يقف معهم في محنتهم التي تعد واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية، إذ كنا نتوقع في أقل تقدير أن يقوم بمنع الدول التي تدعم أطراف الحرب وتؤجج الصراع الدائر داخل البلاد بألا تتدخل في الشأن السوداني، ناهيك بوقف الحرب نفسها وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين وبخاصة في مناطق القتال".
وزاد "هذا الوضع يحتاج من الشعب السوداني مواجهة مشكلاته بالطريقة الصحيحة وذلك بالسير في الإرث التاريخي الخاص به وألا يذهب في أي طريق خاطئ، فالطريق الصحيح في رأينا يتمثل في عدم المشاركة في هذه الحرب والابتعاد من أطرافها وعزلهم، وذلك بعدم الاستجابة لدعوات التسليح وعدم الانخراط في القتال بدعوى حماية النفس والعرض. فالمشاركة لا تحمي الشخص بل توسع دائرة الصراع وتعطي المشروعية لكل مجرم يريد أن يقتل المدنيين، خصوصاً أن القوانين الدولية لا تحمي الأشخاص المسلحين".
وختم عضو الهيئة القيادية في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "في تقديري أنه في حال لم ينصع طرفا الحرب لصوت العقل وذهبا في اتجاه عمليات التصعيد والتحشيد فإن الوضع سيتجه نحو مسارين، الأول اتساع الحرب وتحولها إلى حرب أهلية مصحوبة بفظائع الإبادة ونشاط الجماعات الدينية والعرقية المتطرفة والعصابات، والثاني زيادة درجة تدخلات الدول وتحول السودان إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين الدول والمعسكرات الإقليمية والدولية، وما يلازمها من نهب للموارد".
غبن اجتماعي
وفي السياق، قال المحلل السياسي عروة الصادق "نحن أمام تحد حقيقي حول مستقبل السودان في ظل التدهور الأمني والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وبخاصة في ولاية الجزيرة، لأن ما يحدث هو تجاوز خطر لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ويستوجب تدخلاً عاجلاً وحاسماً من المجتمع الدولي، فالتصعيد الشديد خصوصاً الأحداث الأخيرة التي وقعت في عدد من قرى شرق الجزيرة تشير إلى انتقال الحرب إلى مستوى مفتوح وتصاعد في وتيرة الصراع، إذ ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم عدوان، يقابله من جانب آخر قصف جوي عشوائي للمدنيين وحرق قراهم وقتل مواشيهم وسحل على الهوية تحت ما عرف بحرق الحواضن. وهذا التصعيد يعكس عمق ومسار الأزمة السودانية وتشابك الأبعاد السياسية والقبلية والإثنية".
وأضاف "صحيح أن البلاد ظلت تعاني انقسامات عميقة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن ما حدث أخيراً من توتر وانتهاكات زاد من وتيرة التحشيد القبلي وهو ما يعني المضي نحو التعقيد، وفي ذلك نرى أن بعض القوى الإقليمية والدولية تلعب دوراً مؤثراً في الصراع السوداني دعماً وتمويلاً وتسليحاً لأطراف الحرب، مما عطل كل محاولات الوصول إلى وقف إطلاق النار وأعاق تنفيذ ما اتفق عليه في منبري جدة وجنيف".
وتوقع الصادق "في ضوء المؤشرات الماثلة أن يستمر الصراع في السودان لفترة طويلة، وبخاصة بعد عمليات التسليح العشوائي وزيادة مستويات الظلم الاجتماعي وتصاعد خطابات الكراهية والتصرفات العنصرية، وبخاصة في ظل غياب حلول سياسية شاملة وواقعية، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بصورة كبيرة ومريعة، وبصورة أسوأ مما نحن فيها، مع زيادة أعداد النازحين واللاجئين باتجاه الولايات الآمنة نوعاً ما كالقضارف وكسلا ونهر النيل، فضلاً عن انتشار الأمراض والجوع والعوز".
وواصل "في نظري، إن استمرار الحرب واتجاه حكومة الأمر الواقع نحو تجييش مكونات إثنية معينة سيقود من دون أدنى شك إلى تقسيم السودان، وهو سيناريو لا يرغبه كثير من السودانيين لكن الوضع الراهن في البلاد يتطلب بالفعل تدخلاً دولياً جاداً لحماية المدنيين ودعم الوصول إلى سياسي لهذه الأزمة العصيبة".
وبين أنه "لا يمكن الحفاظ على سيادة السودان ووحدة أراضيه وسلامة وجدان سكانه ما لم يتم الضغط على طرفي الصراع للوقف الفوري لإطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين، والاضطلاع بحماية المدنيين من الانتهاكات التي يتعرضون لها، فضلاً عن ملاحقة الجناة والتمهيد لتقديم مرتكبي هذه الفظائع إلى العدالة، تزامناً مع إطلاق عملية سياسية شاملة وجامعة اعتماداً على حوار شامل ومشاركة واسعة للجميع لا يستثنى منها إلا دعاة استمرار الحرب ومن يؤججها".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "حال التآكل والانقسام التي تشهدها القوى السياسية والمدنية تستوجب من الجميع العمل على توحيد صفوفهم وتقوية سبيكتهم التنظيمية والمجتمعية، لأن في ذلك تطوير للعملية السياسية ودعم للجهود المبذولة من الفرقاء المدنيين، وستكون تلك الوحدة للقوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني حافزاً للدعم من قبل القوى الإقليمية والدولية، وما سوى ذلك سنجد أنفسنا نُجر إلى مخطط التقسيم السياسي القائم على الانفعال والانتهاكات، من ثم انتشار الحرب لتكون أهلية شاملة، وهو ما سيجلب التدخل الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثأر وانتقام
ومن جانبه، أوضح المتخصص في العلوم السياسية مصعب محمد علي أن "الأزمة السودانية تمر بمرحلة في غاية الخطورة بسبب الانتهاكات المروعة ضد المدنيين، إضافة إلى دعوات التحشيد والتسليح من طرفي القتال التي يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية شاملة في البلاد يكون دافعها الثأر والانتقام، من ثم خروج الحرب من كونها بين طرفين متحاربين إلى حرب مجتمعية بين القبائل، مما قد يؤدي إلى مزيد من التفكك وانهيار سلطة الدولة وسيادة سلطة القبيلة بخطاب التحشيد ورفض الآخر، إضافة إلى خطاب الكراهية الذي أسهم بصورة كبيرة في هذه الحرب".
وأردف علي "هذا الوضع يتطلب وقفة من كل القوى السياسية السودانية لتداركه حتى لا ينفلت وتصعب السيطرة عليه، فضلاً عن الدور الأكبر الذي يجب أن يلعبه مسؤولو الإدارة الأهلية باعتبارهم الأقرب لمجتمعاتهم بالتوقف عن عمليات التحشيد، وهذا يتطلب جهداً من كل النظار في مناطق الطرفين المتصارعين حتى يكون هناك تأثير في مجرى الحرب".
ومضى المتخصص في العلوم السياسية "كذلك يمكن تدارك هذا الأمر من خلال حث الطرفين والضغط عليهما للعودة إلى مائدة التفاوض من أجل إيقاف الحرب والحفاظ على حياة المدنيين في مناطق الصراعات. ويمكن أن يكون للعقوبات المفروضة على المسؤولين عن الانتهاكات ورفع دعوات ضدهم الأثر البالغ، إضافة إلى تحرك المنظمات الإقليمية والدولية وضغطها لمنع هذه الانتهاكات التي تحدث في مناطق الحرب".