ملخص
أوضحت السيدة أن زوجها "أراد أن يجمع والديه ومن سيتوفى بعد عمر طويل من الأسرة في فضاء واحد، لتفادي عناء البحث عن قبور واختلافها وتباعدها مع مرور الزمن".
ينتعش الإقبال على المدافن العائلية في مقابر الحواضر والمدن الكبرى بالمغرب، بسبب توجه الأسر الميسورة على وجه الخصوص صوب دفن موتاها في هذه المدافن الخاصة بعيداً من أزمة زحام المقابر واكتظاظها بالبلاد.
وتبلغ كلفة شراء بقعة أرض لخصخصتها مدفناً عائلياً، فضلاً عن بناء وتزيين القبور العائلية بالرخام والزليج، مبالغ مالية باهظة، الشيء الذي يحول المقابر في بعض المدن الكبرى إلى مقابر للأغنياء، وأخرى لـ"عموم الشعب".
أسعار "نار"
في مقبرة الرحمة بمدينة الدار البيضاء على سبيل المثال تقبل أسر ميسورة على اقتناء بقع أو قطع أرضية خاصة لتكون لها مدافن أسرية تدفن فيها موتاها، وفق أسعار محددة تشرف عليها مجال تضطلع بتسيير المقابر.
وتراوح أسعار القطعة الأرضية التي تخصص لتكون مدفناً عائلياً ما بين 90 ألفاً و100 ألف درهم (بين 9 آلاف و10 آلاف دولار)، ضمن مساحة صغيرة تكفي لستة قبور فقط.
ويكلف بناء القبر الواحد ضمن المدفن العائلي المكون من ستة قبور، أكثر من 60 ألف درهم (6 آلاف دولار) بسبب أسعار الرخام والزليج ومختلف المواد التي تزين هذا القبر، فضلاً عن إقامة سياج يحمي هذا المدفن من الغرباء والمتطفلين.
وأما القطعة الأرضية المخصصة لـ10 قبور في هذه المدافن العائلية فتكلف بين 150 ألفاً و160 ألف درهم (16 ألف دولار)، غير أن المعمول به حالياً هو المدافن العائلية ذات القبور الستة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول في هذا الصدد عامل في إحدى مقابر الدار البيضاء أحمد الشواي، إن أسعار المدافن العائلية باهظة لا يستطيع غالبية المواطنين سدادها، بدءاً من ثمن البقعة الأرضية المعدة سلفاً لهذا الغرض، وانتهاء بالمواد التي يبنى بها القبر.
ووفق الشواي، فإن أسعار المدافن العائلية تحكمها لوائح معروفة سلفاً ولا تخضع للمفاوضات أو المساومات بين "العرض والطلب" في العادة، لكن قد تحصل استثناءات وتفاهمات خارج هذه القاعدة الجارية".
وأكمل بأن أسراً غنية وحتى من الطبقات المتوسطة قد تلجأ إلى اقتناء هذه البقع وخصخصة قبورها لأفراد العائلة، إذ يضم المدفن غالبية أفراد الأسرة من والدين وإخوة وأخوات مثلاً، وأحياناً يضم رفات الجد أو العم، وفق ميول ورغبات كل أسرة.
تلافي الاكتظاظ
في السياق أفادت سيدة طلبت عدم الكشف عن هويتها، بأن زوجها اشترى بقعة أرضية صغيرة داخل مقبرة الرحمة لتكون المأوى الأخير الذي سيدفن فيه أفراد الأسرة، خصوصاً أن والديه مسنان بلغا من الكبر عتياً.
وحول الدوافع التي جعلت زوجها يلجأ إلى فكرة المدفن العائلي بدلاً من دفن أفراد الأسرة في قبور المقبرة إلى جوار بقية الموتى من "عامة الناس"، أوضحت السيدة أن زوجها "أراد أن يجمع والديه ومن سيتوفى بعد عمر طويل من الأسرة في فضاء واحد، لتفادي عناء البحث عن قبور واختلافها وتباعدها مع مرور الزمن".
وأكملت بأن "السبب الثاني يتمثل في رغبة زوجها بأن يكون للأسرة مدفن خاص يسهل التعرف إلى قبورهم وزيارتهم بيسر وسهولة، طلباً للأجر والمغفرة" على حد تعبيرها.
وأضافت بأن هناك عاملاً ثالثاً رئيساً جعل زوجها يقدم على شراء بقعة أرضية من ستة قبور وخصخصتها مدفناً عائلياً باسم عائلته، هو رغبته في تلافي الازدحام والاكتظاظ الحاصلين في المقابر التي صار أحياناً من الصعب توفير قبر للميت فيها.
حديث هذه السيدة عن أزمة المقابر تزكيه تقارير رسمية حديثة، منها ما كشفت عنه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بخصوص الحاجة إلى 100 هكتار كل عام كوعاء عقاري لإنشاء مدافن، واعتراف تقرير لوزارة الداخلية عام 2023 بوجود صعوبات في توفير الأراضي اللازمة لإنشاء مقابر، في وقت أفادت أرقام جمعيات مدنية تعنى بملف المقابر بأن المغرب يتوفر على 3600 مقبرة فقط في بلد عدد سكانه أزيد من 34 مليون نسمة.
تميز ولم الشمل
في قراءة اجتماعية لظاهرة الإقبال على المدافن العائلية الجماعية، قالت الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير إن "الأمر لا يعدو أن يكون رغبة دفينة لدى هذه الأسر في جمع شمل العائلة حتى بعد وفاة أفرادها ضمن مكان محدد ومعروف".
وتابعت الباحثة بأن هناك سبباً آخر يمكن به تفسير توجه الميسورين وغيرهم صوب دفن موتاهم في مدافن عائلية جماعية، وهو الرغبة في التميز عن الآخرين، وهو شعور نفسي واجتماعي يدفع إلى اتخاذ مثل هذه السلوكات والقرارات على رغم كلفتها المالية الباهظة.
وزادت العوفير بأنه بالنسبة إلى من يقتني بقعة أرضية صغيرة لجعلها مدفناً عائلياً عادة لا يفكر في الكلفة المالية، بقدر ما يفكر في أنه منح لموتى عائلته أريحية وامتيازاً عن غيرهم من المتوفين، إذ يكون المدفن بالاسم للتعريف بأصحابه، كما يكون مسيجاً ومحاطاً بنوع من احتياطات الأمن بخلاف بقية المقابر التي تتعرض في كثير من الأحيان للعبث أو الإهمال، وغيرها من السلوكات التي تخدش صورة وقدسية المقابر.
وعلى رغم وجود هذه المدافن العائلية الجماعية في عدد من المقابر الكبرى في البلاد، غير أن "ذلك لا يعني أنها تحظى بسند قانوني يرخص صراحة لتدبير هذا النوع من المدافن"، وفق ما يؤكده الباحث القانوني جمال الدين مشعور.
وتبعاً لمشعور، فإن "القانون المغربي أمسك العصا من الوسط في موضوع إنشاء مدافن عائلية، فلا هو تطرق إليها صراحة، أو فصل في بنود تدبير شؤونها، ولا هو صرح بمنعها أيضاً، وهو ما يعني ضمنياً عدم الاعتراض القانوني على إقامة المدافن العائلية".
وأوضح مشعور بأن "الوعاء العقاري المخصص للقبور عادة يخضع إدارياً لوزارة الأوقاف، لكونها ملكيات عقارية عبارة عن (أراض حبوس) أو أحباس تقع تحت تدبير هذه الوزارة، لكنها عملياً تخضع لمراقبة وتدخل السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية.