ملخص
تزايد ظاهرة زواج الطفلات في المغرب وحرمانهن من فرصة التعليم والدراسة وتعريضهن للعنف الزوجي
يتجه المغرب نحو تجريم زواج القاصرات ومعاقبة المخالفين، بإدراج هذا القرار في مدونة الأسرة (قانون الأسرة) الجديدة المرتقبة، ومن خلال القانون الجنائي المعدل المرتقب أيضاً، بهدف إنهاء ظاهرة تزويج الطفلات في المغرب.
وفي وقت تشدد فيه جمعيات حقوقية، وأيضاً مؤسسات رسمية، على ضرورة تجريم زواج القاصر (أقل من 18 سنة) بإلغاء الرخصة التي تخول للقاضي السماح بزواج الأطفال، فإن أصواتاً ترفض هذا التجريم باعتبار "وجود حالات معينة يجب أن تبقى بيد القضاء ليبت فيها بالمنع أو السماح".
مواقف رسمية
وكشف وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي أن وزارته تعتزم تجريم زواج القاصرات بإدراجه في تعديلات القانون الجنائي، وتضمينه أيضاً في مدونة الأسرة.
وأورد وزير العدل المغربي أرقاماً معينة بخصوص زواج القاصرات، منها أن 60 في المئة من الطلبات الموجهة إلى القضاة في المحاكم بخصوص تزويج القاصرات تنال الاستجابة والموافقة، واصفاً ذلك بـ"المصيبة ومشكلة كبيرة يصعب حلها".
وأبرز المسؤول الحكومي ذاته أن معظم هؤلاء الفتيات القاصرات ينقطعن عن الدراسة بنسبة 97 في المئة، بينما تتابع نسبة ثلاثة في المئة منهن تعليمهن في الأقسام الدراسية.
وتبعاً للأرقام الرسمية الحديثة ذاتها، فإن 99 في المئة من طلبات تزويج القاصرات لإناث، وواحد في المئة لذكور، كما أن أكبر عدد لطلبات الزواج بقاصرات كان في مدينة مراكش بـ1397 طلباً، ثم قلعة السراعنة بـ881 طلباً، ومدينة فاس بـ877 طلباً، والصويرة بـ632 طلباً، وسيدي بنور بـ559 طلباً، وطنجة بـ415 طلباً.
وتلتقي توجهات وزير العدل المغربي مع مواقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) الذي طالب بأن تشمل مراجعة مدونة الأسرة تجريم تزويج القاصرات والمشاركة فيه، مشدداً على "ضرورة اتخاذ خطوات تشريعية حاسمة للحد من ظاهرة تزويج القاصرات من خلال تثبيت القاعدة وإلغاء الاستثناءات".
ويذكر أن المادة 20 من مدونة الأسرة تنص على أن "لقاضي الأسرة المكلف الزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي".
أسباب التجريم
يقول في هذا الصدد الباحث والناشط الحقوقي أحمد عصيد إن التوجه نحو تجريم القاصرات كان منتظراً لأسباب عدة، منها تزايد ظاهرة زواج الطفلات وحرمانهن من فرصة التعليم والدراسة وتعريضهن للعنف الزوجي.
ومن الأسباب الأخرى، وفق عصيد، التصعيد الكبير من طرف القوى المدنية النسائية والديمقراطية عموماً، التي ما فتئت تطالب بإعادة النظر في مدونة الأسرة وإلغاء الاستثناء الذي ينص على السلطة التقديرية للقضاة في تزويج قاصرات قبل السن القانونية (18 سنة) التي حددتها المدونة منذ 2004.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبرز عصيد أن موضوع تزويج القاصرات يعد من القضايا التي طغت على النقاش العمومي في موضوع مدونة الأسرة طوال الأشهر السابقة، كما أخذ حيزاً في المذكرات (المقترحات) التي تلقتها الهيئة المكلفة المراجعة.
وذهب المتحدث إلى أن "الجهات المخول لها الحسم في هذا الموضوع تميل إلى وضع حد نهائي لهذه الظاهرة السلبية، بخاصة بعد أن تبين بأن معظم تلك الزيجات لا تنجح بل تؤدي إلى ضياع طفلات في عمر الزهور"، كما تبين أن الطريقة التقليدية في "زواج الفاتحة" بخاصة في المناطق الريفية تعود إلى غياب البنى التحتية لتمدرس الفتيات.
من جهتها أوردت الناشطة النسائية، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، أن التوجه نحو تجريم تزويج القاصرات يعد توجهاً سديداً ومهماً في طريق وضع حد لهذه الظاهرة الاجتماعية المسيئة.
ونادت عبدو بإلغاء الفصول 20 و21 و22 من قانون الأسرة، "وتجريم كل من يسهم في تزويج الطفلات في القانون الجنائي المرتقب"، مبرزة أنه مع هذا التوجه يتعين إرساء جسور من التوعية المجتمعية وتحمل المؤسسات المعنية مسؤولياتها من أجل إنهاء هذه الظاهرة.
تضييق وظلم اجتماعي
في المقابل، يرى الباحث المغربي إدريس الكنبوري أن "تجريم زواج القاصرات قانوناً يعد تضييقاً غير مشروع، لأن هناك حالات معينة يجب أن تبقى بيد القضاء ليبت فيها بالمنع أو الإباحة بحسب الظروف الشخصية والعائلية".
واستطرد الكنبوري بأن "معنى القاصر قد يختلف بحسب الحالة النفسية والجسمانية للفتاة، فهناك فتيات على رغم أنهن دون البلوغ لكنهن راشدات من الناحية العقلية أو الجسمانية"، مبرزاً أن "هناك حالات استثنائية في المجتمع تبيح الزواج، مثل القاصر اليتيمة التي لا معين لها، أو تعيش ظروفاً خاصة من دون حماية، فالزواج بالنسبة إليها أفضل، لكن المنع المطلق بالقانون وإغلاق الباب تماماً أمام مثل هذه الحالات يعد ظلماً اجتماعياً".
وزاد المتحدث قائلاً إن زواج القاصرات في المغرب أصبح يثير كثيراً من القلق بسبب استغلاله بالتحايل على القانون أو الابتزاز أو الرشوة، ولكن معالجة هذه الأزمة لا تكون بالمنع النهائي"، مشدداً على أن "هذا المنع لا يبرر شرعاً ولا قانوناً".
وتابع الكنبوري "إذا كانت القضية قضية سن الرشد، فيجب التفكير أيضاً في زواج الولد القاصر، فهناك أيضاً حالات في المجتمع تفرض مثل هذا الزواج، كأن يكون الابن وحيد أسرته وتريد تزويجه للمساعدة في البيت، بخاصة في البوادي، أو لأسباب أخرى".
ولا يحظى تجريم زواج القاصرات أيضاً بقبول حزب "العدالة والتنمية" (المعارض)، فقد سبق لأمينه العام عبدالإله بن كيران، الرئيس الأسبق للحكومة، أن صرح علناً أنه يرفض منع أو تجريم هذا النوع من الزيجات داخل المجتمع.
ووفق بن كيران، تجريم زواج القاصرات من شأنه أن "يفضي إلى تدمير مؤسسة الزواج، ومفاقمة معدلات العنوسة في المجتمع المغربي، كما أنه يؤدي إلى تزايد العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج"، على حد قوله.
وكان تقرير صدر العام الماضي عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية تعنى بالتخطيط والإحصاءات) كشف عن تفشي العنوسة في صفوف المغربيات اللائي يبلغن 15 سنة وأكثر، بنسبة تصل إلى 40.7 في المئة و28.3 في المئة عند الذكور.