ملخص
الحريق الذي اندلع في حوض لصناعة السفن والغواصات شمال غربي بريطانيا قبل أيام، جدد الحديث حول أسطول المملكة المتحدة من هذه الأسلحة البحرية، بخاصة النووية منها، فالغواصات العاملة بهذه الطاقة باتت خلال الأعوام الأخيرة عاملا فارقا في ميزان التفوق العسكري عالميا، ومجال منافسة شديدة بين دول تريد زيادة ما لديها من تلك القطع، وأخرى ترغب في إنشاء أول واحدة منها.
شرعت السلطات البريطانية في التحقيق بأسباب حريق كبير اندلع أمس الأول الأربعاء في حوض لبناء الغواصات النووية، لم تتضح الصورة في شأنه بعد وفق بيانات وزارة الدفاع، إلا أن ذلك لا يخفي قلق حكومة لندن من احتمالات تخريب خارجية سبق أن حذر منها جهاز الاستخبارات الداخلية (أم آي 5) مطلع الشهر الجاري.
يشهد الحوض الواقع شمال غربي البلاد جزءاً من خطط تعزيز القوة النووية البحرية عبر إضافة سبع غواصات جديدة من طراز "أستوت" و"دريدنوت" إلى أسطول بريطانيا المكون من 10 قطع اليوم، خمس منها تنتمي لنوع "أستوت" أيضاً وواحدة "ترافلغار"، إضافة إلى أربع من فئة "أس أس بي أن" الحاملة للصواريخ الباليستية.
ما تخطط له بريطانيا في هذا المجال يدور مثله في أروقة حكومات دول عدة حول العالم، فهذه الغواصات تقنية ثورية غيرت وجه الحروب البحرية بصورة جذرية منذ ولادتها في خمسينيات القرن الماضي، ومع تطور تقنياتها على مدى سبعة عقود، بدأت تقوم بدور في التوازن الاستراتيجي للقوى الكبرى، لذلك أثار نبأ بناء كوريا الشمالية لغواصة نووية قلقاً كبيراً من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب.
تُظهر بيانات حديثة للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن أميركا لديها أكبر أسطول من الغواصات النووية عالمياً بعدد 66 غواصة، تليها روسيا بـ30 غواصة، ثم الصين 12 غواصة، وبعدها المملكة المتحدة 10 غواصات، وفرنسا أقل بواحدة فقط، وأخيراً الهند التي أنتجت أول غواصة عام 2009 والثانية مطلع 2024.
خلال الأعوام الـ10 المقبلة، قد تتغير هذه الأرقام بعد إتمام بناء مجموعة من الغواصات النووية لمصلحة دول مثل أستراليا وبريطانيا والبرازيل، ويمكن أن تكون الإنتاجات الجديدة مختلفة عن سابقاتها في المزايا ولكن المبادئ الأساسية لهذه الصناعة لم تتبدل، والتحديات التي تواجهها اليوم تقلص من قدرة الدول على التوسع كثيراً فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الآلية والمزايا
بصورة عامة، تتحرك الغواصات النووية عبر توربينات تدير مراوح عملاقة تدفعها في مختلف الاتجاهات، وهذه التوربينات تشتغل بالبخار الناجم عن حرارة هائلة ينتجها المفاعل النووي الصغير القابع في قلب الغواصة، أما مهمات هذه الآليات البحرية فتتعدد بين الهجوم والردع والاستطلاع والعمليات الخاصة وفقاً لحداثة طرازها وميزاتها.
تستخدم الغواصات النووية كجزء من الترسانة النووية للدول التي تمتلكها، فتكون جزءاً من قوة الردع والهجوم في البحر والبر أيضاً، كما يمكن توظيفها في مهمات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى تنفيذ عمليات خاصة تستعصي على أجهزة وأدوات ووسائل أخرى نتيجة لظروف بيئية أو سياسية أو جغرافية.
لا تحتاج الغواصات النووية إلى التوقف للتزود بالوقود، مما يتيح لها البقاء تحت الماء فترة طويلة، كما أنها سريعة وقادرة على المناورة بصورة فاعلة، ومقارنة بالغواصات التقليدية تُعدّ "النووية" أكثر هدوءاً ويصعب اكتشافها في الماء إلى حدود الصفر أحياناً، ويمكنها كذلك حمل أسلحة ثقيلة بما فيها الصواريخ الباليستية وصواريخ "كروز".
على رغم كل هذه الميزات، ثمة تحديات تقلص توسع الدول في الاعتماد على الغواصات النووية بكل أنواعها، على رأسها كلفة البناء والصيانة المرتفعة جداً، ثم المخاوف المتعلقة بسلامة المفاعلات النووية في الغواصات وأخطار التسرب الإشعاعي، إضافة إلى التطور المستمر لتقنيات الكشف عن تلك الأسلحة في أعماق البحار والمحيطات.
"عملاق الأعماق"
و"أس أس بي أن" الحاملة للصواريخ الباليستية فئة تضم أكبر الغواصات النووية في العالم، يستغرق بناؤها أحياناً أكثر من 10 أعوام تعادل ما يزيد على 14 مليون ساعة عمل، يولد بعدها وحش فولاذي يزيد طوله على 140 متراً ويتحكم بنفسه ذاتياً بدعم من مفاعل نووي يسكن بطنه ويجعله يجوب البحار والمحيطات بصمت وهدوء.
يشبّهون غواصات "أس أس بي أن" ببلدات صغيرة تحت الماء، فتضم ثلاث منظومات أساسية للردع النووي وقوة ذرية استثنائية محملة على صواريخ باليستية يزن كل منها أكثر من 50 طناً وجاهزة للإطلاق على مدى الساعة، أي تملك قوة مدمرة تعادل مئات القنابل التي أسقطت على هيروشيما، لذا تُعدّ أكثر سلاح فتكاً في العالم حالياً.
طول الغواصة حاملة الصواريخ الباليستية يصل أحياناً إلى ثلاثة أضعاف ملعب كرة القدم، ومع قطر يزيد على 12 متراً يقارب ارتفاعها أربعة طوابق من دون منصة الملاحة التي تضيف إلى جسدها الأسطواني أمتاراً عدة، أما سرعتها فتراوح ما بين 12 كيلومتراً في الساعة و45 كيلومتراً في الساعة، وفقاً لعوامل عدة من بينها البيئة والعمق والمهمة.
تنقسم "أس أس بي أن" لثلاثة أجزاء، أمامي ويضم حجرة المعيشة وقمرة القيادة وأوسط تخزن فيه الصواريخ وخلفي للمحركات وتقنيات الإبحار، وبقوة دفع تزيد على 40 ألف حصان بخاري، تزيح هذه الغواصة وزناً يبلغ 14 ألف طن ما يكافئ 25 طائرة "إيرباص" من طراز "أي 380" الأكبر بين الطائرات المدنية حتى الآن.
وفق مجلة "ناشونال إنترست" الدولية، ثمة خمسة أنواع من الغواصات هي الأفضل اليوم ضمن فئة "أس أس بي أن"، من بينها غواصتان روسيتان "كوندور" و"سيفوردينسك"، وبريطانية من طراز "أستيوت"، وأميركيتان "فيرجينا" و"لوس أنجليس" اللتان شهدتا تحسينات كبيرة في المزايا والتسليح وأصبحتا قادرتين على الحرب براً وبحراً.
حتى فبراير (شباط) 2023، كانت الروسية "ديمتري دونسكوي" أكبر غواصة نووية حول العالم بطول 175 متراً، وبعد خروجها من الخدمة احتفظت روسيا باللقب الذي ذهب إلى "بوري" الممتدة على 170 متراً، وبعدها "أوهايو" الأميركية بطول مشابه، ثم "أنتي" الروسية 155 متراً، وتليها "فانغارد" البريطانية 150 متراً.