ملخص
ماذا تكشف عملية اختطاف وحدة كوماندوس إسرائيلية قبل أيام القبطان اللبناني عماد أمهز في بلدة البترون بشمال لبنان عن استعمال "حزب الله" للبحر في لبنان؟ وأية علاقة بحقل "كاريش"؟
لا تزال أسئلة كثيرة تحيط بعملية اختطاف وحدة كوماندوس إسرائيلية قبل أيام القبطان اللبناني عماد أمهز في بلدة البترون شمال لبنان، وما توفر من معلومات حتى الساعة هو أن أمهز قبطان لسفن تجارية لا ينتمي إلى المؤسسات الأمنية الرسمية، اقتيد بعد اختطافه عبر البحر إلى إسرائيل، ويشتبه في أنه ينتمي إلى "حزب الله".
أسباب اختطافه لا تزال تراوح ما بين التحليلات والتسريبات من دون أية معلومة مؤكدة، لكن مخاطرة إسرائيل بعناصر بشرية من وحدة خاصة لديها لاختطافه تؤكد أن لديه معلومات مهمة تريد تل أبيب الوصول إليها، وإلا لكانت اغتالته "بسهولة"، كما فعلت في عمليات سابقة في الأشهر الماضية. وكشفت آخر التقارير عن أن القوات البحرية الإسرائيلية عطلت غرفة العمليات البحرية والمراكز الرادارية التابعة للجيش اللبناني على طول الشاطئ اللبناني، تمهيدًا لتنفيذ عملية الإنزال واختطاف أمهز من غرفة نومه.
فماذا تكشف هذه العملية عن استعمال "حزب الله" البحر في لبنان؟ وأية علاقة بحقل "كاريش"؟
"كاريش في المشهد"
ترجح مصادر أمنية أن دور أمهز الأساس في "حزب الله" يتعلق بتهريب ونقل السلاح من سوريا إلى لبنان عبر البحر، وتقول إن خط التهريب عبر البحر وإن لم يكن ضرورياً في السابق، وتحديداً قبل توسع الحرب منذ الـ17 من سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنه بات حاجة أساسية بعد تقصُّد إسرائيل قطع طرق إمداد الحزب البرية، وهي كانت قصفت معبرين شرعيين بين سوريا ولبنان، معبر المصنع ومعبر القاع - جوسيه. كما قصفت معابر غير شرعية، آخرها جسر في منطقة عكار يربط لبنان بسوريا في أقصى الشمال اللبناني.
وفي حين لم يعلن الحزب رسمياً انتماء المخطوف إلى صفوفه خرجت نظرية أخرى في محاولة تفسير خطف إسرائيل عماد أمهز وحاجتها إليه حياً. وهنا يقول المتخصص في الشأن العسكري العميد جورج نادر إن إسرائيل أرادت توقيفه حياً نظراً إلى امتلاكه معلومات قد تكون حساسة ومهمة بالنسبة إليها، وإلا كانت اتخذت إجراءات أكثر حسماً ضده، مثل استهدافه عبر طائرة مسيرة.
وتحدث نادر عن احتمالات عديدة تتعلق بالمعلومات التي يمتلكها أمهز، ومنها حول إمكانية استهداف "حزب الله" حقل "كاريش" الذي يعد واحداً من أهم حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، أو حول استهداف السفن الإسرائيلية، أو احتمال تنفيذ عمليات تسلل عبر البحر إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
في هذا الإطار نشر "حزب الله" قبل أشهر قليلة مقطع فيديو لمنصات إسرائيلية لاستخراج النفط من البحر، ومن ضمنها منصة حقل "كاريش"، ومهدداً في الوقت ذاته باستهدافها.
ويستبعد المحلل العسكري وجود قاعدة بحرية تابعة لـ"حزب الله"، نظراً إلى عدم توفر مرافئ خاصة، ومخازن مخصصة لذلك، ويستبعد أيضاً لجوء الحزب إلى استخدام السفن لتهريب الأسلحة عبر البحر، موضحاً أن الحزب كان يعتمد طوال الفترات السابقة على الحدود البرية غير الشرعية مع سوريا ومطار بيروت لتلك العمليات، لكنه شدد على أن إسرائيل سعت منذ اندلاع الحرب إلى تقطيع هذه الأوصال وفرض حصار مشدد على المطار، مما يصعب من طرق تهريب الأسلحة التقليدية، ومن ثم قد يلجأ الحزب إلى خيارات بديلة، منها البحر.
استغلال ضعف الإمكانات الرسمية
يمتد الساحل اللبناني على مسافة 220 كيلومتراً من بلدة العريضة في أقصى الشمال إلى الناقورة في أقصى الجنوب. أما عن قدرات الجيش اللبناني لمراقبة الساحل والمياه الإقليمية، فتفيد المعلومات بأن في لبنان 10 رادارات بحرية، لا يمكنها أن تلتقط كل حركة الشاطئ اللبناني ومياهه، فيما الزوارق الصغيرة التي لا تحوي جهاز تعقب يعجز الرادار عن التقاطها.
في السياق تطرق العميد في الجيش اللبناني فادي داوود إلى جوانب عدة تتعلق بحادثة إنزال البترون وخطف القبطان عماد أمهز، مسلطاً الضوء على التحديات الأمنية والمقومات المطلوبة لحماية لبنان، وموضحاً أن الإمكانات المتاحة للجيش اللبناني على الصعيد البحري لا تزال متواضعة للغاية، إذ تفتقر القوات إلى أجهزة رصد ورادارات بحرية متطورة، في حين أن المعدات الحالية قديمة وغير محدثة.
كلام داوود يأتي في سياق ما يقوله متخصصون عن أن الحزب اليوم يستغل ضعف القدرات العسكرية اللبنانية في البحر لتنفيذ عمليات تهريب من وإلى سوريا، مما يعني حكماً أن البحر اللبناني مشرع أمام عمليات عسكرية كبرى قد تحدث في سياق الحرب الراهنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يخص العملية الإسرائيلية أشار داوود إلى أن هذا النوع من العمليات الخاصة التي يخطط لها بعناية فائقة يصعب على الأجهزة اللبنانية المتوافرة رصدها، لا سيما في ظل نقص الإمكانات اللازمة لاعتراض طائرات مروحية تطير على علو منخفض يراوح ما بين 7 و15 متراً عن سطح البحر، مما يجعل من السهل على إسرائيل تنفيذ عمليات إنزال متكررة على الشواطئ اللبنانية.
"حزب الله" وقدرات محدودة في البحر
منذ أعوام طويلة يحاول "حزب الله" تطوير قدراته العسكرية مستفيداً من الدعم الإيراني وغطاء الحكومات المتعاقبة التي أوكلت إليه في بياناتها الوزارية حق "محاربة" إسرائيل، إذ سعى إلى استنساخ هيكلية الجيوش النظامية وتشكيل وحدات برية وبحرية وجوية إلى جانب الوحدات الاستخباراتية والأمنية والإعلامية في محاولة لإظهار قدرات مؤسساتية بديلة عن المؤسسات الشرعية، ودعاية "فائض القوة" للتأثير في الحال المجتمعية والتوازنات السياسية في البلاد.
وكان موقع "والا" الإسرائيلي كشف عن أن "حزب الله" طور وحدة بحرية سرية بدعم من إيران، وأنه حصل على صواريخ وأجهزة رادار بعضها مشابه لتلك التي يمتلكها الحوثيون في اليمن، لافتاً إلى أن الجيش الإسرائيلي يفترض أن إيران قامت بتهريب مجموعة واسعة من الصواريخ إلى "حزب الله" قبل الحرب الحالية وأثناءها، لكن تقارير غربية تعد هذه القدرات محدودة وأقل تطوراً مقارنة بترسانته الصاروخية البرية والجوية، وهي تشمل بصورة عامة ألغاماً بحرية وصواريخ مضادة للسفن وقوارب انتحارية.
في هذا السياق يعد المحلل العسكري العميد خليل الحلو أن القوة البحرية لـ"حزب الله" لا تشمل سفناً أو مراكب تقليدية، وإنما تتركز حول الصواريخ المضادة للسفن التي حصل عليها من إيران، إضافة إلى حصوله على صواريخ "ياخونت" الروسية.
فيما يقول المحلل الاستراتيجي العميد سعيد القزح إنه منذ عام 2006 سعى "حزب الله" إلى امتلاك صواريخ تستخدم لأهداف في البحر، ويكشف عن أن إسرائيل استهدفت منذ نحو شهر مخازن تحوي أنواعاً كهذه من الأسلحة والصواريخ، خصوصاً في مناطق الغبيري والضاحية الجنوبية لبيروت، مما يفسر عدم استخدام هذه الأنواع من الأسلحة حتى الآن، ما يعني على الأرجح أن الحزب خسرها في الاستهدافات الإسرائيلية.
وخلال العمليات الجوية الإسرائيلية ضربت القوات الإسرائيلية أسلحة تابعة لوحدة الصواريخ المضادة للسفن التابعة لـ"حزب الله" والمخبأة تحت ستة مبانٍ مدنية في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وفقاً لبيان للجيش الإسرائيلي الذي اعتبر أن "هذه الأسلحة تشكل تهديداً للطرق البحرية الدولية وحرية الملاحة والأصول الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة".
ماذا تريد إسرائيل من عماد أمهز؟
أخيراً أعادت عملية "الكوماندوس" الإسرائيلية في منطقة البترون بشمال لبنان تسليط الضوء على مساعي "حزب الله" إلى امتلاك قدرات بحرية، لا سيما أن عملية الخطف استهدفت عماد أمهز، وهو قبطان لسفن تجارية، مما أثار الاعتقاد أن هدف إسرائيل من اختطافه الحصول على معلومات مرتبطة بأعمال الحزب البحرية، سواء لناحية القدرات العسكرية أو إمكانية التهريب في ظل عملها على قطع أوصال الحزب البرية والجوية والبحرية.
ويوضح العميد سعيد القزح أن هذه العملية تأتي في إطار استراتيجية تجفيف قدرات "حزب الله" البشرية والعسكرية والمالية، مشيراً إلى أن العملية تستهدف رأساً قد يكون كنزاً ثميناً بالمعلومات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة إلى إسرائيل، ومنها احتمال قيامه بنقل أسلحة أو موارد أخرى تعزز قدرة "حزب الله" على القتال من سوريا أو غيرها إلى لبنان. وبرأيه فإن هذه المعلومات ستكون ذات قيمة استراتيجية عالية، إذ ستساعد إسرائيل في ضرب خطوط الإمداد ومصادر التزويد التي يعتمد عليها الحزب للقتال، بما في ذلك وسائل النقل والمعدات العسكرية، لافتاً إلى أن هذه العملية تندرج ضمن الخطط الإسرائيلية الأوسع لفرض حصار بري وبحري وجوي على "حزب الله".
وعن فشل الجيش اللبناني في اكتشاف الخرق لفت إلى أن لدى إسرائيل تفوقاً تكنولوجياً، إذ يمكنها استخدام تقنيات متقدمة للتشويش على رادارات المراقبة التابعة للجيش وقوات الـ"يونيفيل" الموجودة في البحر، مشيراً إلى إمكانية استخدام إحدى السفن التجارية، التي قد تكون حصلت على إذن مسبق لدخول المياه الإقليمية اللبنانية كوسيلة للخداع، إذ من الممكن أن يتم تحميل هذه السفينة بجنود إسرائيليين غطاسين استقلوا زوارق مطاطية سريعة للوصول إلى الشاطئ وإتمام عملية الاختطاف بصورة سريعة ودقيقة.