ملخص
في مسح أجرته وكالة "رويترز" توقع الاقتصاديون أن يخفض "المركزي البريطاني" الفائدة 0.25 في المئة بنهاية هذا الأسبوع.
من المتوقع أن تصوت لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) الخميس المقبل لمصلحة خفض سعر الفائدة للمرة الثانية هذا العام، على رغم أن الموازنة الأولى لحكومة حزب العمال التي أعلنتها وزيرة الخزانة راتشيل ريفز الأربعاء الماضي تنذر بزيادة الطلب في الاقتصاد، مما يعني مزيداً من الضغوط التضخمية.
في مسح أجرته وكالة "رويترز" توقع الاقتصاديون أن يخفض "المركزي البريطاني" سعر الفائدة ربع نقطة مئوية (0.25 في المئة) بنهاية هذا الأسبوع ليصل سعر الفائدة إلى 4.75 في المئة. بدأ المتعاملون في الأسواق تعاملات الأسبوع باحتمال 90 في المئة لخفض سعر الفائدة البريطانية للمرة الثانية هذا الشهر، وكان البنك خفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ 4 سنوات في أغسطس (آب) الماضي، لكن لجنة السياسات النقدية قررت في اجتماعها الشهر الماضي إبقاء سعر الفائدة كما هو عند 5 في المئة، على رغم تقديرات السواق بأن الموازنة الجديدة التي تسمح بمزيد من الاقتراض تتضمن إنفاقاً عاماً هائلاً جعل مكتب مراقبة الموازنة يقدر أن التيسير المالي الذي أعلنته وزيرة الخزانة سيؤدي إلى إعادة النظر في مسار خفض سعر الفائدة، لكن غالب الاقتصاديين يرون أن الحافز المالي قصير المدى الذي تضمنته الموازنة الجديدة قد لا يغير من توجه البنك المركزي على رغم تقديرات مكتب مراقبة الموازنة بزيادة الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
الموازنة وأخطار التضخم
لكن حتى لو قرر البنك خفض سعر الفائدة في اجتماع نهاية هذا الأسبوع فإن التوقعات المستقبلية تبدو ضبابية وتشكل معضلة حقيقية للبنك ومحافظه أندرو بيلي، لذا لا ينتظر أن يشير بيلي بعد اجتماع لجنة السياسات النقدية إلى أي احتمالات لخفض الفائدة مجدداً في ديسمبر (كانون الأول) وحتى مطلع عام 2025.
يرى الاقتصادي في شركة الاستشارات "يوراشيا غروب" جينز لارسن أن معدل التضخم الذي انخفض في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى نسبة 1.7 في المئة قد يصبع أعلى في المدى القصير، لكنه يقول إن لجنة السياسات النقدية "ستخفض الفائدة بالتأكيد"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "فاينانشيال تايمز".
جاء معدل التضخم الشهر قبل الماضي أقل من المستهدف من قبل بنك إنجلترا عن نسبة اثنين في المئة للمرة الأولى منذ أبريل (نيسان) عام 2021، لكن معدل التضخم في قطاع الخدمات، وإن تراجع من نسبة 5.6 في المئة إلى 4.9 في المئة يظل مرتفعاً. وكان رد فعل البنك المركزي مرتاحاً من أرقام التضخم، إذ قال أندرو بيلي أمام مؤتمر في العاصمة الأميركية واشنطن في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أنه يرى "مؤشراً جيداً" إلى أن معدلات التضخم تنخفض بأسرع مما توقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن محافظ البنك المركزي حذر في الوقت نفسه من أن البنك يظل ينتظر أدلة على تراجع مستمر للتضخم في قطاع الخدمات باعتباره مؤشراً مهماً على الأسعار المحلية. وفسرت الأسواق تلميح بيلي على أنه يعني أن البنك لن يخفض سعر الفائدة في كل اجتماع له بعد الآن.
صدم إعلان الموازنة الأسواق بحجم الإنفاق العام الذي جاء أعلى من المتوقع، خصوصاً على خدمة الصحة الوطنية وغيرها، كما أن تعديل قواعد حساب الدين العام تعني أن الحكومة ستزيد من الاقتراض، وقدر بيان الموازنة أن اقتراض الحكومة يزيد بمقدار 28 مليار جنيه استرليني (36.3 مليار دولار) سنوياً في الفترة المقبلة.
معضلة البنك المركزي
مع إعلان بيان راتشيل ريفز قدر مكتب مراقبة الموازنة أن يصل معدل التضخم في المتوسط لهذا العام إلى 2.5 في المئة ويرتفع قليلاً العام المقبل إلى 2.6 في المئة على أن ينخفض قليلاً في العام التالي إلى 2.3 في المئة لعام 2026، أي فوق السقف المستهدف من قبل البنك المركزي. تتناقض تقديرات المكتب مع آخر توقعات صدرت عن البنك المركزي في أغسطس الماضي والتي قدرت معدل التضخم هذا العام عن نسبة 2.1 في المئة لتواصل الانخفاض إلى نسبة 1.8 في المئة عام 2026. ويواجه البنك المركزي ومحافظه أندرو بيلي معضلة مزدوجة، بعد موازنة راتشيل ريفز التي تبدو دافعاً للتضخم. وتأثر سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، وأسعار سندات الخزانة البريطانية والعائد عليها في اليومين الأخيرين إثر إعلان الموازنة. أما معضلة البنك فهي أنه إذا استمر في خفض أسعار الفائدة سيتهم بأنه يستجيب لرغبة الحكومة في خفض كلفة الاقتراض لتفادي المدفوعاًت الهائلة على خدمة الدين العام من ناحية، ولأن استمرار سعر الفائدة مرتفعاً يحبط محاولات إنعاش الاقتصاد وزيادة معدلات النمو التي تستهدفها الحكومة.
وإذا قرر البنك الإحجام عن مسار الخفض السريع والمتتالي لسعر الفائدة، فإنه سيغضب الحكومة التي ستواجه مدفوعات خدمة دين هائلة وتتعثر جهودها لتوسيع النشاط الاقتصادي، وفي كلتا الحالتين يبدو البنك مستهدفاً سياسياً، وهذا خطر قد ينال من الاستقلالية التي يتمتع بها في وضع السياسة النقدية، هذا فضلاً عن انتقادات الأسواق إذا تردد في خفض الفائدة، وهنا تلتقي الحكومة والمستثمرين في الموقف المعادي للبنك وقراراته المستقلة.
ذلك ما جعل كبير الاقتصاديين في "باميوزر ليبروم" سايمون فرينش يكتب في مقال له في صحيفة "التايمز" محذراً مما يواجهه أندرو بيلي في الحفاظ على استقلالية بنك إنجلترا وقراراته بعيداً من السياسة، لكن المشكلة ليست فقط في ما يتعلق بالسياسة المالية البريطانية التي تغيرت بموازنة الحكومة الأسبوع الماضي، إنما هناك أيضاً الانتخابات الأميركية هذا الأسبوع، وعلى رغم أن هذا الحدث السياسي قد لا يكون له تأثير مباشر في معدلات الأسعار في الاقتصاد البريطاني، فإنه أمر يؤخذ في الاعتبار، فاتجاهات التصويت في أميركا ستعني تغيراً في سعر صرف الدولار الأميركي، وهو ما يؤثر بصورة غير مباشرة على بريطانيا وغيرها في ما يتعلق بمعدلات التضخم.