ملخص
الظروف التي تحكم الاقتصاد الإيراني لم تترك أفقاً واقعياً لتحقيق أهداف التنمية، ويبدو أنه حتى الحفاظ على الظروف الحالية باتت تواجه تحديات كثيرة وخطيرة.
أعلن مركز أبحاث البرلمان الإيراني في تقرير له عن تراجع النمو الاقتصادي في البلاد خلال صيف عام 2024 مقارنة بفصل الربيع، وهذه إحصائية تدق ناقوس الخطر بالنسبة للسياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس مسعود بزشكيان.
ووفقاً لهذا التقرير فقد بلغ النمو الاقتصادي الشهري في إيران خلال أغسطس (آب) الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 1.9 في المئة. ويشار إلى أنه في حال استبعاد قطاع النفط فإن المعدل سينخفض إلى 1.6 في المئة. وتشير هذه الأرقام مقارنة بمعدل النمو الذي بلغ 3.2 و2.5 في المئة من دون النفط إلى انخفاض كبير، وهو ما يعتبر تحدياً كبيراً للحكومة.
انخفاض حصة الإنتاج في قطاع الصناعة والخدمات
بالنظر إلى تفاصيل تقرير مركز أبحاث البرلمان الإيراني تبين أن الخدمات كان لها النصيب الأكبر في نمو أغسطس الماضي بنسبة بلغت 0.89 في المئة، بينما جاء قطاع الزراعة في المرتبة الثانية بنسبة 0.65 في المئة، وقطاع النفط والغاز في المرتبة الثالثة بنسبة بلغت 0.36 في المئة.
من ناحية أخرى، سجل قطاع الصناعات والمناجم انخفاضاً في النشاط بنمو سلبي نسبته 0.04 في المئة. ويظهر تحليل هذه الأرقام أن مشكلات مثل انقطاع التيار الكهربائي، وانخفاض الاستثمار في قطاع البناء، وانخفاض مبيعات مواد البناء كانت العوامل الرئيسية للركود في قطاع الصناعة والتعدين.
في الوقت الذي وضعت فيه حكومة مسعود بزشكيان (الحكومة الـ14) أجندة لتحقيق النمو الاقتصادي بنسبة 8 في المئة وفقاً لخطة التنمية السابعة، واجهت تراجعاً في النمو الاقتصادي. وفي المقابل، أظهرت إحصائية الصيف الماضي أن هناك تناقضاً مع توقعات الحكومة السابقة (الحكومة الـ13) التي اعتبرت نمو تكوين رأس المال أساساً لزيادة النمو الاقتصادي لهذا العام.
وكانت وزارة الاقتصاد في الحكومة الـ13 استشهدت بإحصاءات البنك المركزي دفاعاً عن خطة النمو بنسبة 8 في المئة في خطة التنمية السابعة، وزعمت أنه في عام 2022 ارتفع معدل تكوين رأس المال إلى 6.7 في المئة بعد عدة سنوات من النمو السلبي. كما أكد كبار المسؤولين في وزارة الاقتصاد أن هذا المؤشر ارتفع خلال الأشهر الـ9 من عام 2022 بنسبة وصلت إلى 4.5 في المئة.
كما أظهرت النتائج الاقتصادية للصيف الماضي الانتقادات الموجهة إلى التوقعات غير الواقعية للحكومة الـ13 بشأن النمو الاقتصادي وعدم فعالية بعض السياسات الاقتصادية.
اختلال توازن الطاقة والتوقعات الاقتصادية غير المستقرة
وأثارت التطورات الإقليمية ونقص الطاقة وقطع إمدادات الغاز للمصانع في فصل الخريف القلق من استمرار تراجع النمو الاقتصادي حتى نهاية عام 2024.
وحذر العديد من الاقتصاديين من أن موازنة عام 2025 سترتبط بعواقب تضخمية وانكماشية، وأن عجزها يمكن أن يؤدي إلى تقليص الاستثمارات الإنتاجية. وأيضاً، انخفاض حصة النفط في الموازنة بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران يثير التساؤل حول السياسة التي ستعتمدها الحكومة لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 في المئة.
بدأت الحكومة الـ14 نشاطها التنفيذي في وقت لا تزال العقوبات الدولية تفرض ضغوطاً شديدة على الاقتصاد، ومن ناحية أخرى، فإن التوترات الإقليمية تلقي بظلالها على النظام الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم وعود الحكومة الإيرانية بتخفيف التوتر مع العالم، إلا أننا لم نشهد بعد أي تحرك فعال في هذا الخصوص حتى هذه اللحظة. كما أدى إغلاق القنصليات الإيرانية في ألمانيا وعدم إحراز تقدم في المفاوضات مع الغرب إلى وضع الحكومة الـ14 في موقف صعب وغير قادرة على أن تفي بوعودها الرئيسية.
والاستراتيجية الوحيدة التي طرحتها حكومة مسعود بزشكيان هي تأكيد وزارة الاقتصاد على ضرورة تنفيذ مشاريع القوانين المتعلقة بمجموعة العمل المالي FATF، والتي لا تزال في مجلس تشخيص مصلحة النظام ولم يتم إقرارها بعد.
وأعلن النائب الحقوقي للرئيس الإيراني مجيد أنصاري في وقت سابق أنه بناءً على أوامر رئيس الجمهورية، يتم تنفيذ مراجعة أبعاد مجموعة العمل المالي FATF بتوجيهات من وزير الاقتصاد، لكن نظراً للشكوك القائمة فإن مستقبل هذه القوانين لا يزال غير معروف.
التحديات الهيكلية والفشل في تحسين بيئة العمل
ويرى متخصصون أن تحقيق نمو بنسبة 8 في المئة يتطلب تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والخارجية. ومن بين هذه التغييرات مكافحة الفساد والشفافية في أنظمة صنع القرار وضمان حقوق الملكية وتخفيف التوترات الداخلية والتعامل الإيجابي مع العالم، والتي حالياً لا تملك حكومة مسعود بزشكيان الصلاحيات اللازمة لتنفيذها.
وإضافة إلى هذه المواضيع، فإن عوامل مثل الاستقرار في الأسواق المالية وتحسين بيئة العمل وتحفيز استثمارات القطاع الخاص ضرورية أيضاً، لكن في الربع الأول من عمر حكومة مسعود بزشكيان، لم تسجل أي بوادر إيجابية في هذا الصدد، إذ غذت السياسات الاقتصادية التضخم والاضطراب في أسواق الذهب والعملات الأجنبية.
وهذا الوضع قد يعزز هروب رؤوس الأموال وزيادة الطلب على تحويل الأصول إلى عملة، ويشكل تهديداً خطيراً للاستثمارات الإنتاجية. وإضافة إلى ذلك، فإن عدم تحسين بيئة العمل ونقص الدعم للقطاع الخاص يشكلان عقبات خطيرة وهامة أمام جذب الاستثمارات الجديدة.
تراجع الإنتاج الوطني ومخاوف بشأن مستقبل النمو الاقتصادي
وفي الوضع الحالي، يأمل العديد من الناشطين الاقتصاديين وأصحاب المصانع أن يتم إصلاح السياسات الاقتصادية، لكن المخاوف تزايدت بسبب استمرار تراجع المؤشرات الاقتصادية وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
ومن ناحية أخرى، كان الانخفاض الكبير في الإنتاج وتشغيل العمالة سبباً في تغذية المخاوف بشأن الركود وجعل احتمال تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 في المئة أمراً مستحيلاً إلى حد بعيد.
بشكل عام فإن الظروف التي تحكم الاقتصاد الإيراني لم تترك أفقاً واقعياً لتحقيق أهداف التنمية، ويبدو أنه حتى الحفاظ على الظروف الحالية باتت تواجه تحديات كثيرة وخطيرة.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"