ملخص
- انتقد أحد مستشاري جو بايدن السابقين حملة هاريس، متسائلاً حول كيف يمكن إنفاق مليار دولار ولا تفوز بالسباق.
- لا بد من طرح الأسئلة داخل الحزب الديمقراطي بهدف سد الثغرات وعلاج مواطن الضعف استجابة للهزيمة التي وصفت بـ"الهائلة" من ترمب والتحضير للجولة الانتخابية المقبلة في انتخابات التجديد النصفي بعد عامين.
كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستعيد الرئيس السابق دونالد ترمب للبيت الأبيض "كارثية" للديمقراطيين، بدأ معها توجيه أصابع الاتهام على الفور في اتجاهات مختلفة، وأصبحت النوافذ مشرعة أمام صراعات داخلية خطرة في الحزب الديمقراطي، بعدما خسرت مرشحتهم أمام رجل يعتبرونه "خطراً على الديمقراطية الأميركية"، فما أبرز الاتهامات؟ ومن يتحمل مسؤولية الهزيمة؟ وكيف للحزب الديمقراطي أن يتعامل مع تداعيات الهزيمة؟
الحقيقة المرة
كافح الديمقراطيون والتقدميون، الذين صوت أكثر من 67 مليون أميركي لصالح مرشحتهم كامالا هاريس، للتعامل مع الواقع الذي حدث بين عشية وضحاها، إذ واجهوا حقيقة مفادها بأن العرض الذي قدمه ترمب للشعب الأميركي من أجل انتخابه انتصر بامتياز، على رغم أنهم يعتبرون أن عرضه هذا "ليس إلا سرداً مبنياً على رؤيته الكئيبة والمظلمة المليئة بالأكاذيب لبلد في حال انحدار نهائي، يعاني فشلاً اقتصادياً وسياسياً وضعفاً عسكرياً، وعلى وشك السقوط في قبضة الشيوعيين، ومهدد بملايين المهاجرين غير الشرعيين من القتلة والمجرمين الذين يأكلون القطط والكلاب ويعيثون في الأرض فساداً"، وأن ترمب "هو الوحيد القادر على إصلاح هذا الخلل وإعادة أميركا عظيمة مرة أخرى".
وبعد ساعات من إعلان النتيجة عبر وكالة "أسوشيتدبرس" اعترفت هاريس في خطاب إقرارها بالهزيمة أن نتيجة الانتخابات لم تكن ما أراده الديمقراطيون، ولم تكن ما قاتلوا من أجله، غير أن هذا لا يعني الاستسلام أو عدم مواصلة القتال لتحقيق ما وصفته بـ"ضوء وعد أميركا".
تشريح الجثة
لكن بعد أقل من 24 ساعة على ظهور أول بادرة لهزيمة هاريس، بدأ "تشريح الجثة الحتمي للجسد الديمقراطي"، وطرحت أسئلة حول ما إذا كان السبب هو أداء حملة الحزب الديمقراطي نفسه أم أداء حكومة بايدن أم شخصية هاريس والتوجهات العامة في شأنها، أم الرئيس بايدن الذي بدا أن معدلات تأييده السيئة جداً خلال العام الأخير كانت عامل ضغط على نائبة الرئيس، وأنه كان يجب عليه أن يتنحى في وقت سابق، كما أثيرت أيضاً أسئلة عما إذا كان يتعين على الحزب أن يجري انتخابات تمهيدية مفتوحة بدلاً من ترشيح هاريس بصورة تلقائية.
وهكذا انفتحت خطوط صدع هيكلية أخرى سيتعين على القادة الديمقراطيين التعامل معها بمرور الوقت، ومن بين هذه الخطوط ما أشارت إليه استطلاعات الرأي عقب الانتخابات مباشرة بأن ترمب حقق تقدماً مع الناخبين الذكور من أصل لاتيني ومن أصول أفريقية، بما في ذلك الناخبون في الولايات المتأرجحة الحيوية.
مفاجأة ديموغرافية
وفي حين ركز كثير من التغطيات الإعلامية قبل يوم الانتخابات على ما إذا كان ترمب سيحقق تقدماً بين الناخبين من أصل أفريقي، وبخاصة الرجال من ذوي البشرة السمراء، أو الناخبين الشباب الأصغر سناً، إلا أن التغييرات داخل هذه المجموعات الديموغرافية كانت متواضعة نسبياً وفقاً للبيانات المنشورة الحالية في الأقل، التي قد تتغير إلى حد ما مع إضافة بيانات جديدة. فقد تحول الرجال اللاتين (من أصول أميركا اللاتينية) نحو ترمب بهامش هائل، بلغ 33 نقطة مئوية، ففي عام 2020 أظهرت استطلاعات الرأي أن الرجال اللاتين صوتوا لصالح بايدن ضد ترمب بهامش 23 نقطة (بنسبة 59 في المئة في مقابل 36 في المئة)، في حين أنهم صوتوا لصالح ترمب ضد هاريس بهامش 10 نقاط (بنسبة 54 في المئة في مقابل 44 في المئة).
وأدى هذا التحول المذهل إلى طرح كثير من الأسئلة بين الديمقراطيين، إذ يزعم بعض منهم أن وعد ترمب باقتصاد أفضل وكون الجمهوريين أكثر تحفظاً من الناحية الثقافية، ساعد في تحويل المد باتجاه ترمب وبعيداً من هاريس والديمقراطيين، غير أن هذا التفسير لا يعطي معنى حقيقياً لسبب تحول النساء اللاتين بصورة طفيفة للغاية في دعمهن الحزبي.
تمييز جندري
ولهذا كان من الصعب إيجاد حجة معقولة لا تتضمن بعض مستويات التمييز على أساس الجنس، وما يزيد الشعور بوطأة هذا السبب أن هاريس أصبحت الآن ثاني مرشحة ديمقراطية تخسر أمام ترمب، بعد هيلاري كلينتون عام 2016.
وكانت الحفلة التي أقامتها هاريس، عقب خطاب اعتراف متأخر بالهزيمة، تحمل أصداء مروعة مع التجربة المؤلمة التي عاشتها هيلاري كلينتون عام 2016، إذ إنه للمرة الثانية في ثمانية أعوام فشلت امرأة في اختراق حاجز صلب ما يسمى في الثقافة الأميركية "السقف الزجاجي الأعلى والأكثر صلابة" كي تصبح أول امرأة رئيسة لأميركا، الذي كان أحد أسبابه حملة ترمب ضدها بأكثر العبارات استخفافاً.
ناخبات الضواحي البيض
ومع بقاء 11 أسبوعاً قبل تنصيب ترمب باعتباره الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، يواجه الديمقراطيون الأميركيون الآن تحدي التعامل مع هذا "التحول الزلزالي"، بخاصة وأن أداء هاريس انخفض بصورة طفيفة في المراكز الحضرية الكبرى، بما في ذلك فيلادلفيا وديترويت وميلووكي في الولايات ذات الجدار الأزرق مقارنة بأرقام بايدن عام 2020، وظهر مزيد من الأسباب المثيرة للقلق في شأن اعتماد الحزب على الناخبات البيض في المدن والضواحي، إذ أعربت الاستراتيجية الديمقراطية جوي ريد عن خيبة أملها في النساء البيض بولاية نورث كارولينا لعدم خروجهن للتصويت لهاريس والمساهمة في خسارة المرشحة الديمقراطية في الولاية المتأرجحة.
واعتبرت ريد أن نساء الضواحي البيض لم يحققن الأرقام نفسها التي شهدناها في انتخابات 2020، وبينما نجحت الناخبات من أصل أفريقي على الإقبال بكثافة للتصويت لصالح هاريس، فإن الناخبات البيض لم ينجحن في ذلك.
فشل قضية الإجهاض
كانت آمال الديمقراطيين معلقة على فكرة خروج النساء بأعداد غير مسبوقة لانتخاب أول رئيسة للبلاد، بعد عامين فقط من إلغاء المحكمة العليا لقضية "رو ضد وايد" التي ألغت الحق في الإجهاض على مستوى الولايات المتحدة بعدما استمر لأكثر من 50 عاماً، لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس ذهبت النساء إلى انتخاب بايدن عام 2020 ضد ترمب بفارق 15 نقطة، بينما تظهر استطلاعات الرأي أن تصويت النساء لهاريس يتفوق على ترمب بفارق 10 نقاط فقط.
وهذا لا يعني أن الإجهاض تحول إلى قضية رابحة للجمهوريين، لكن ما تشير إليه النتيجة النهائية هي أن قضية الإجهاض لم تثبت أنها قوية بالقدر الذي احتاجت إليه هاريس.
سباق غير قابل للفوز
ومع خيبة الأمل الواسعة بين العاملين والاستراتيجيين في الحزب الديمقراطي، بدأوا بالفعل في انتقاد ما حدث ومحاولة تحديد ما إذا كان هذا الفشل الكبير يعود لخطأ هاريس أم الحزب الديمقراطي، إذ يشير خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي بول ماسلين إلى أن هاريس فعلت ما كان بإمكانها فعله، بالنظر إلى البيئة والظروف، وأنها قامت بعمل جيد على رغم أن هذا السباق في النهاية غير قابل للفوز.
وبصرف النظر عما إذا كان ترمب محقاً أو مخطئاً، فقد بدا لكثيرين من خلال شخصيته وخط هجومه الأساس حول حالة البلاد وربطها بإدارة بايدن - هاريس والحزب الديمقراطي، لا يهزم، لكن في المقابل انتقد أحد مستشاري جو بايدن السابقين حملة هاريس، متسائلاً حول كيف يمكن إنفاق مليار دولار ولا تفوز بالسباق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السير نائماً نحو الكارثة
طرحت أيضاً أسئلة حول ما إذا كان يجب على بايدن، الذي بدا أن معدلات تأييده تعد عامل ضغط على نائبة الرئيس، أن يتنحى في وقت سابق على موعد انسحابه، في ظل افتقار الحزب إلى الرغبة في إجراء انتخابات تمهيدية تنافسية ضده كان من الممكن أن تعزز موقف هاريس أو تنتج مرشحاً أفضل. وعلى سبيل المثال، اقترح بعضهم أن خروج بايدن في وقت أقرب كان سينتج وضعاً أفضل لهاريس، لأن استبدال هداف الفريق في اللحظات الأخيرة من المباراة لم يكن كافياً للبديل أن يحدث الفرق المطلوب في النتيجة، ولهذا يرى هؤلاء أن كامالا هاريس قامت بعمل جيد بقدر ما كان بإمكانها القيام به.
ومع ذلك "سار الحزب الديمقراطي نائماً إلى الكارثة حتى وصل الخامس من نوفمبر، موعد الانتخابات وهو يعاني بيئة صعبة"، بحسب الاستراتيجي الديمقراطي مارك لونغابو، الذي اعتبر أن هاريس سلمت زمام الأمور في وقت متأخر للغاية.
حملة تدقيق لهاريس
ستخضع رسائل حملة هاريس أيضاً للتدقيق الشديد، هل قضت وقتاً طويلاً في القول إن ترمب "فاشي" بطريقة كانت مجرد وعظ أجوف، بعدما كانت محاولتها كسب أصوات الناخبين الجمهوريين الساخطين من خلال الحملات مع شخصيات محافظة مثل النائبة السابقة ليز تشيني، محكوماً عليها بالفشل دائماً؟
أيضاً جاء التركيز الأكثر قوة على مخاوف الطبقة العاملة، وبخاصة البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي، ليساعد في وقف جاذبية ترمب، ومع ذلك فإن الاستراتيجية الإعلامية كان يجب أن تكون أكثر جرأة كي تؤتي ثمارها.
ربما كانت الرياح المعاكسة التي واجهتها هاريس شديدة للغاية في شأن الاقتصاد والتضخم بصفتها نائبة لرئيس يتمتع بتقييمات متواضعة في استطلاعات الرأي بحيث لا يمكن التغلب عليها، ولكن هذا لن يمنع طرح الأسئلة داخل الحزب الديمقراطي بهدف سد الثغرات وعلاج مواطن الضعف استجابة للهزيمة التي وصفت بـ"الهائلة" من ترمب، والتحضير للجولة الانتخابية المقبلة في انتخابات التجديد النصفي بعد عامين.