ملخص
يسهم الغاز الطبيعي بنحو 40 في المئة من إنتاج الكهرباء في الأردن ويوفر استخدامه 600 مليون دولار سنوياً كبديل للنفط.
يعول الأردنيون على تحقيق رفاه اقتصادي واعد بعد الإعلان رسمياً عن وجود كميات تجارية في حقل الغاز الوحيد تقريباً في البلاد. وبالنظر إلى استيراد الأردن ما يصل إلى 90 في 100 من احتياجه للطاقة من الخارج والاعتماد على الغاز المستورد من الجانب الإسرائيلي يرى مراقبون في هذا الإعلان طوق نجاة للبلاد اقتصادياً وسياسياً.
بحسب المراقبين فإنه يمكن دعم حاجات الأردن لثمانية عقود مقبلة من جراء الكميات المكتشفة، بخاصة بعد الخشية من رهن أمن الطاقة والمياه في البلاد لإسرائيل إثر توقيع اتفاقيتي الماء والغاز اللتين لم تحظيا برضا شعبي وبرلماني.
احتياطات محدودة
بدأ الاهتمام الأردني بالغاز الطبيعي منذ تسعينيات القرن الـ20 بعد ظهور احتياطات محدودة شمال الأردن، ومع توقف الغاز المستورد من مصر تدريجاً منذ 2011، إذ اضطرت عمان إلى الاعتماد على بدائل أخرى من بينها إسرائيل تقليلاً للكلف. ويسهم الغاز الطبيعي اليوم بـ40 في المئة من إنتاج الكهرباء، مما وفر مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وفقاً للحكومة الأردنية.
ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 انطوت حرب غزة على كلفة اقتصادية للأردن الذي يعتمد على استيراد الغاز من إسرائيل كأحد مصادر الطاقة المهمة، والذي قد يتوقف في أي لحظة. وكان الغاز الإسرائيلي بدأ بالتدفق إلى الأراضي الأردنية عام 2020 على رغم معارضة شعبية وبرلمانية واسعة، بعد توقيع اتفاق ثنائية لشرائه لـ15 عاماً بقيمة تقدر بـ15 مليار دولار.
ويبرر اقتصاديون سعي الحكومة الأردنية إلى الاعتماد على الغاز بدلاً من النفط في توفير الطاقة لكونه حلاً اقتصادياً مستداماً ويسهم في توفير 600 مليون دولار سنوياً، كما أنه يواجه التذبذب والتقلبات التي تواجهها سوق النفط. فيما يدعو آخرون إلى تطوير الاستثمار في حقل الريشة وتوسيع الحفر فيه وإدخال تقنيات حديثة، وصولاً إلى زيادة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فصلاً عن إطلاق مشاريع للتنقيب في مناطق جديدة كمناطق البحر الميت والصحراء الجنوبية، إذ يمكن أن تحوي هذه المناطق على احتياطات غير مكتشفة.
طوق نجاة ولكن
يرى المتخصص في قطاع الطاقة عامر الشوبكي أن كميات الغاز المعلنة تكفي الأردن 80 عاماً وتقدر قيمتها بـ70 مليار دولار، وهو ما يعني ضمناً تسديد مديونية البلاد بصورة كاملة. ويعتقد الشوبكي أن الأردن غني بكثير من الثروات الباطنية لكنه يعاني الفشل في إدارتها والاستفادة منها، موضحاً أن حقل الريشة الذي تعتمد عليه الحكومة بصورة أساسية لا يزال في مرحلة الاستكشاف ولم يصل إلى مرحلة التطوير والإنتاج بعد، لكن الشوبكي يرى أن الحكومة تسرعت في الإعلان عن هذا الأمر وقد تجد نفسها في موقف حرج لاحقاً، بخاصة أنها اتخذت سابقاً بعض الإجراءات التي تتناقض مع الإعلان عن وجود احتياط غاز، كاستئجار سفينة غاز عائمة ثانية بكلفة تقدر بـ60 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن نقل الغاز الإسرائيلي، والذي يكلف قرابة 600 مليون دولار سنوياً في اتفاق تمتد لـ15 عاماً مقبلة.
ويخشى المتخصص في قطاع الطاقة عامر الشوبكي من رفع آمال الأردنيين بصورة غير واقعية، متحدثاً عن رفع أسعار الكهرباء في البلاد بصورة مبالغ فيها خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت الأعلى عربياً، والاعتماد على توليده باستخدام الغاز الطبيعي، متسائلاً: هل يعني هذا انخفاض الأسعار مستقبلاً مع وجود كميات محلية مجدية من الغاز في البلاد؟
حقل الريشة
وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة أكد أنه سيعلن قريباً عن نتائج وتفاصيل دراسة اقتصادية حول عمليات التنقيب في حقل الريشة، وهو حقل غاز طبيعي يقع في محافظة المفرق، شمال شرقي البلاد، وقرب الحدود مع العراق.
واكتشف حقل الريشة عام 1985 وبدأ إنتاجه عام 1989، حيث تقدر كميات الغاز الطبيعي المستخرجة منه بـ18 مليون قدم مكعب يومياً، لكنه وفق المراقبين حقل تقليدي يتطلب تقنيات خاصة واستثمارات كبيرة لإنتاج الغاز منه بصورة تجارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت الخرابشة إلى استعانة الحكومة الأردنية بشركة عالمية لدراسة حقل غاز الريشة مع وجود تقديرات تأشيرية متوسطة حول احتياطات الغاز، موضحاً أنه سيتم إشراك المواطنين بالمعلومات المتوافرة حال انتهاء الدراسة.
بدوره أكد مدير المصادر الطبيعية في وزارة الطاقة بهجت العدوان وجود كميات تجارية في حقل الريشة تقدر بـ9.4 تريليون قدم مكعبة، إلا أن كميات الغاز المستخرجة في حاجة لإنشاء أنبوب لنقلها إلى العاصمة عمان والمدن الأخرى.
في حين اعتبر نقيب الجيولوجيين الأردنيين خالد الشوابكة أن الأردن غني جداً بالثروات الطبيعية المهملة كقطاع التعدين والصخر الزيتي والنحاس والمعادن الثمينة، إضافة إلى الغاز الطبيعي.
حلم" الدولة النفطية"
منذ سنوات يراود الأردنيون حلم التحول إلى دولة نفطية، بخاصة أن كل الدول المجاورة لبلدهم هي دول نفطية بامتياز، لكن هذا الحلم بنظر كثيرين يبدو أقرب إلى الطموح استناداً إلى عوامل اقتصادية وجيولوجية، فضلاً عن عدم توفر البنية التحتية.
ووفقاً لتقارير البنك الدولي ينفق الأردن ما يعادل ملياري دولار سنوياً على واردات الطاقة، مما يضع ضغوطاً مستمرة على الموازنة الحكومية وعلى جيب المواطن الأردني الذي ينفق نحو ثلث دخله على الطاقة والمحروقات.
هنا يدعو متخصصون للتحول إلى بدائل للنفط كالصخر الزيتي الذي يمتلك الأردن منه احتياطات هائلة تقدر بـ70 مليار طن، على رغم كلفة استخراجه العالية جداً، والتي تتجاوز كلفة استخراج النفط.
في السياق ذاته، ثمة توجه أردني نحو الطاقة المتجددة بخاصة الطاقة الشمسية والرياح، إذ يوفر الأردن ما يقارب 20 في المئة من حاجاته من الطاقة من المصادر المتجددة، وهناك خطط لزيادة النسبة إلى 30 في المئة بحلول عام 2030.
الأكثر جدوى
حتى اللحظة يظل الغاز الطبيعي هو المشروع الأكثر جدوى بالنسبة إلى الأردنيين، إذ أعلن عن تزويد حقل غاز الريشة عدة مشاريع في القطاع الصناعي المحلي، بكميات من الغاز الطبيعي المضغوط تصل إلى 3 ملايين قدم مكعبة يومياً. كما أن هذا المشروع سيشكل نقلة نوعية لقطاع الغاز الطبيعي في البلاد وللقطاع الصناعي أيضاً، إذ يخفض استخدامه في الصناعات الكلف التشغيلية على الصناعات الوطنية وبنسب كبيرة تراوح ما بين 25 و59 في المئة.
ويقول المتخصص في الشأن الاقتصادي سلامة الدرعاوي إن قطاع الطاقة في الأردن يشهد تطورات استراتيجية لزيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي وتقليل كلف الطاقة وصولاً إلى تحقيق استقلالية أكبر في هذا القطاع وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بحيث يتم إنشاء مشاريع استراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على مصادر مرتفعة الكلفة وتوسيع استخدام الغاز الطبيعي كمصدر رئيس للطاقة.
مشاريع الغاز الجديدة وفق الدرعاوي بقيمة إجمالية تبلغ 1.7 مليار دولار بدأ تنفيذها بالفعل، وستتصاعد وتيرتها، وصولاً إلى ذروتها عام 2025، إضافة إلى إنشاء شبكات توزيع الغاز في عمان والزرقاء بنظام البناء والملكية والتشغيل (BOO)، وهو جزء من الاستراتيجية الوطنية الممتدة حتى 2030.