ملخص
وفق تقارير أممية يعادل عدد سكان الجزائر 0.57 في المئة من إجمالي سكان العالم وتحتل الصف الـ34 دولياً على صعيد النمو الديموغرافي، علماً أن عددهم حالياً يقارب 47 مليون نسمة.
باتت الجزائر على عتبة مواجهة تحد جديد مع بروز نقطة تحول ديموغرافية تتميز باستمرار انخفاض الولادات وارتفاع متوسط العمر المتوقع خلال السنوات الأخيرة، في وضع له انعكاس على المجتمع وعلى السياسات العامة المقرر أن تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع نسبة الشيخوخة خلال العقدين المقبلين وتقليصها بحسب متخصصين من طريق تشجيع العودة إلى الزواج المبكر (تبكير الزواج) وحل أزمة السكن.
وتشير توقعات ديوان الإحصاء الوطني في الجزائر إلى أنه بحلول عام 2040، سيكون عدد كبار السن في البلاد أكبر من عدد الشباب على أن يصبح عدد السكان في حدود 60 مليوناً عام 2050. وتكشف هذه الأرقام عن تغير ملحوظ في حالة التركيبة السكانية، ففي عام 2023، سجلت البلاد أقل من 900 ألف ولادة، وهي عتبة لم يتم تجاوزها منذ عام 2010.
ووفق تقارير أممية، يعادل عدد سكان الجزائر 0.57 في المئة من إجمالي سكان العالم، وتحتل الصف الـ34 دولياً على صعيد النمو الديموغرافي، علماً أن عددهم حالياً يقارب 47 مليون نسمة.
وشهد متوسط العمر ارتفاعاً بصورة لافتة، بعدما وصل إلى 79.6 في المئة، بمعدل 78.2 سنة عند الرجال، و81 سنة عند النساء، بعد أن شهد المؤشر ذاته تباطؤاً إبان جائحة كورونا، ومصطلح "متوسط العمر المتوقع" يقصد به عدد السنوات التي يتمتع فيها الفرد بحالة صحية جيدة.
وحالياً تصل نسبة السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق إلى 10.5 في المئة من إجمالي السكان، وهذا يعني ما يقارب 5 ملايين نسمة، وأكثر من مليوني شخص منهم يبلغون من العمر 70 سنة أو أكثر.
حقيقة الشيخوخة
وبعدما ظلت الجزائر معروفة بين مواطنيها بأنها بلد الشباب (كان 75 في المئة من الجزائريين هم شباب)، تأكد أن نسبة تلك الفئة لا تتعدى 30 في المئة، وهي الفئة العمرية التي تراوح ما بين 15 و29 سنة.
وتعليقاً على ذلك، قال المرشد الصحي عضو اللجنة الوطنية والولائية للوقاية من الأمراض المزمنة في الجزائر، فيصل أوحادة في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن عزوف الشباب عن الزواج تقابله لا محالة نسبة ولادات ضعيفة، أو من يتزوجون يقدمون على الخطوة وهم كبار في السن، في حين يكتفي المرتبطون بولدين أو ثلاثة أطفال في العموم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتجاه المجتمع نحو الشيخوخة "حقيقة لا مفر منها"، وهو ما يثير الهواجس، إلا إذا تم مراجعة النمط المعيشي، بحسب أوحادة الذي قال "يمكن لبرامج إنجاز السكن من طرف الحكومة أن تعيد النظر في الظاهرة، مثل برنامج (عدل 3) الموجه لذوي الدخل المتوسط"، وإن كانت الوظيفية ليست مشكلة رئيسة لأن الشاب يمكن أن يعمل في أي مجال لتوفير لقمة عيشه، لكن السكن يعد مشكلاً كبيراً.
وأكد المرشد الصحي أن معدل الحياة زاد في كل دول العالم، والجزائر صنفت الأولى أفريقياً نتيجة لأسباب عدة منها توفر الأدوية والتكفل الصحي، على رغم بعض النقائص.
بدورهم، يفسر متخصصون في الديموغرافيا وعلم الاجتماع الحضري في الجزائر، هذا التحول كنتيجة للانخفاض المستمر في نسبة الخصوبة إلى جانب ارتفاع متوسط العمر المتوقع. واختزل الباحث في علم الاجتماع عبيدي توفيق، العوامل التي ستؤدي لتغيير تركيبة المجتمع الجزائري من الشباب إلى الشيخوخة في أربعة أسباب، لعل أولها أن انخفاض نسب المواليد أخيراً واستمراره مستقبلاً يؤثر بصورة مباشرة في معدلات النمو السكاني في الجزائر، كما أن التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية كان لها الأثر الكبير في قرارات الإنجاب وتقلص نسب الولادات، والتطور الطبي وتحسن مستوى الرعاية الصحية الذي أدى إلى زيادة متوسط العمر المتوقع للسكان في الجزائر. وهذه التغيرات بحسب الباحث الجزائري "تسهم في انخفاض نسب الشباب مستقبلاً مقابل تزايد نسب كبار السن في المجتمع".
وإضافة إلى هجرة الشباب منذ سنوات التي أدت بصورة كبيرة إلى نقص في نسب الشباب داخل البلاد، قدم عبيدي معطي آخر يتعلق بـ"التحولات الاجتماعية والثقافية، إذ كان للعولمة والثقافات الوافدة تأثير كبير في العادات والتقاليد المرتبطة بالأسرة والزواج في المجتمع الجزائري، وأدت إلى التخلي عن بعض العادات والقيم التي كانت منتشرة، مثل الزواج المبكر الذي تحول إلى تأخر في الزواج لدى الجنسين"، مما أدى بدوره إلى التأخر في الإنجاب وتراجع معدل الخصوبة، ومنه التأثير في حجم الأسرة والتركيبة الديموغرافية ككل.
وتوصل الباحث الاجتماعي إلى دور التغيرات الاقتصادية في ظل الضغوط على الأزواج والأسر، إذ أجبرت عديداً من الشباب على تأخير الارتباط بسبب تردي المستوى المعيشي والكلف الباهظة، متوقعاً أن تكون آثارها كبيرة على السياسات العامة مستقبلاً، وعلى حاجات المجتمع للموازنة بين مختلف الفئات العمرية وتوفير مختلف الحاجات بخاصة في مجالات العمل والتعليم والصحة، وفي مجالات التنمية المختلفة.
وبهذا الخصوص، تؤكد الأرقام الرسمية أن الجزائر تشهد اتجاهاً نحو انخفاض عدد حالات الزواج منذ عام 2014، وبمعدل أكثر سرعة منذ عام 2020، ويسجل ديوان الإحصاء 285 ألف عقد زواج في 2023، بانخفاض 10 في المئة مقارنة بعام 2019.
كما قفز معدل الطلاق من 20.9 في المئة عام 2019 إلى 33.5 في المئة سنة 2023، بواقع 93 ألف حالة طلاق، وبمعنى آخر، ينتهي زواج واحد في الجزائر من كل ثلاثة بالطلاق. وتراجعت نسبة الفئة النشطة (15 - 59 سنة)، من 60 في المئة إلى 59.2 في المئة بين 2019 و2023.
وقد لا تطرح مشكلات جمة من الناحية الاجتماعية من حيث التكفل بالمسنين، وفقاً لما توصلت إليه دراسة نشرت بمجلة إنسانيات الجزائرية المتخصصة في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية، فالأسر ما زالت متماسكة ومهتمة بكبار السن. ويشير المسح الوطني على صحة الأسرة في الجزائر إلى أن أكثر من 85 في المئة منهم يتكفل بهم أحد أفراد الأسرة (الزوج، الزوجة، الأبناء، الأحفاد، الإخوة).
ومع ذلك، ينبه الباحث في الإحصاء التطبيقي زوبير علالي إلى احتمالات تراجع التضامن الأسري مع تقلص عدد الأشقاء بسبب انخفاض نسب الولادات.
وفي ضوء الأرقام الأخيرة، تطرح تساؤلات أخرى على المدى البعيد حول التوازن بين عدد العاملين والمتقاعدين، إذ يتأثر نظام التقاعد دائماً بشيخوخة السكان، إضافة إلى الانعكاسات الاقتصادية الأخرى. ومع تزايد عدد العاملين في القطاع غير الرسمي الذين لا يسهمون في مداخيل صندوق التقاعد مقابل تخصيص الدولة منحة مالية متواضعة لهم، فإن الضغط سيتواصل بحسب تحليل الباحث زوبير علالي. وقدم مقترحاً من أجل دعم المتقاعدين من طريق دمج القطاع غير الرسمي في آلية المساهمين بالصندوق الذي يقتضي استيعاب أكبر عدد من النشطين في السوق السوداء.