Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تناقضات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وعودة سكان الشمال تبقى معضلة

تغيير القرارات في شأن جبهة لبنان أضفى أجواءً من عدم الثقة بالقيادات تعمقت بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي

جنود إسرائيليون يحتجزون عائلة خارج منزل قُتل فيه فلسطيني خلال مداهمة بمنطقة طوباس بالضفة الغربية في 9 نوفمبر 2024 (أ ف ب)

ملخص

حتى الساعة لم تكشف في إسرائيل هوية الدول التي قد تضغط على "حزب الله" لقبول التسوية، كما لم يتضح ما إذا كان الاتفاق مع لبنان سيحصل في آخر أسابيع حكم الديمقراطيين في الإدارة الأميركية على أن يبقى ملف غزة وفلسطين والسلام الدائم في عهدة الرئيس دونالد ترمب.

شهدت الأيام الأخيرة، وتحديداً منذ إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت حال من التناقضات والخلافات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها وبينها وبين المؤسسة السياسية في كل ما يتعلق بسير العمليات الحربية، تحديداً تجاه لبنان. ووصلت إلى وضع تناقضات حتى في حديث وتصريحات رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي الذي كان يعد قريباً من الإقالة بحكم تقاربه مع غالانت إذا ما اتخذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خطوة متهورة بإقالته هو ورئيس الشاباك رونين بار على رغم إبلاغ نتنياهو الإدارة الأميركية عدم نيته إقالتهما، وفق ما أعلنته الأجهزة الأمنية.

قبل إقالة غالانت أعلن هرتسي هليفي أن الجيش في مراحله الأخيرة من العملية البرية وقد حقق أهدافه فيها، بل قرر تسريح عشرات آلاف جنود الاحتياط والنظامي، وأعلن بدعم أيضاً من غالانت أن بإمكان إسرائيل التقدم نحو تسوية سلمية بعد إبعاد عناصر "حزب الله" عن الليطاني وتدمير القدرات العسكرية والقتالية للحزب.

كان هذا قبل يوم من إقالة غالانت وفي غضون أقل من 48 ساعة، وخلال لقاء غالانت الأخير مع هيئة أركان الجيش أعلن هرتسي هليفي أن الجيش يطور خططه الحربية في لبنان ويستعد لتوسيع وتعميق العملية البرية. تزامناً كشفت مصادر عسكرية إسرائيلية أن المؤسسة العسكرية كانت تنوي الإثنين مطلع الأسبوع الإعلان عن انتهاء العملية البرية في جنوب لبنان وتراجعت بعد أن تبين احتمال دفع محادثات وقف النار بوساطة أميركية وفرنسية.

تصريحات هليفي المتناقضة والمغايرة لما كشف عنه مسؤولون أمنيون من أن الجيش أنجز الأهداف التي حددها المستوى السياسي وهو بانتظار زيارة متوقعة قريباً للمبعوث الأميركي، آموس هوكشتاين لاستكمال المحادثات للتوصل إلى تسوية، خلقت حالة من البلبلة وأضفت أجواء عدم ثقة بالقيادات تعمقت بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، والتي كشف خلالها عن تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية في غضون أسبوعين، وبأن دولاً أخرى تعمل إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة لإنجاح الجهود، وهي دول، ووفق ما نقل عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين على سير المحادثات، يمكنها الضغط على "حزب الله" لقبول التسوية التي يتم بلورتها.

ونقل مراسل قناة "كان" للشؤون السياسية عميحاي شطاين عن دبلوماسيين إسرائيليين وأجانب أنه "بالنسبة لتسوية في لبنان فإن الاتصالات مستمرة وبأن احتمال التوصل إلى اتفاق خلال أسبوعين". وأضاف، "مع تأكيد أهمية دول أخرى انضمت إلى جهود التقدم في التسوية ويمكنها الضغط على 'حزب الله' للموافقة على الاتفاق، أما بالنسبة لإسرائيل، فتريد ضمانات لحرية عملها في لبنان إذا ما تم انتهاك الاتفاق".

والشرط الإسرائيلي هذا يشكل عائقاً مركزياً في التقدم نحو التسوية، لكن بالنسبة إلى العملية البرية، فقد أكد أكثر من مسؤول أمني وعسكري، أنها باتت في مراحلها النهائية، وهذا ما كان الدافع لتسريح عشرات آلاف الجنود وإبقاء لواءين من الجيش، فحسب، للعمل في لبنان.

متى الاتفاق؟

حتى الساعة لم تكشف في إسرائيل هوية الدول التي قد تضغط على "حزب الله" لقبول التسوية، كما لم يتضح ما إذا كان الاتفاق مع لبنان سيحصل في آخر أسابيع حكم الديمقراطيين في الإدارة الأميركية على أن يبقى ملف غزة وفلسطين والسلام الدائم في عهدة الرئيس دونالد ترمب، وقد أكد أكثر من مسؤول سياسي ومقرب من نتنياهو على الجهود الدبلوماسية للتقدم في الملف اللبناني لكنهم يستبعدون إنهاءه في غضون شهرين.

ميدانياً، تظهر التناقضات بصورة أعمق. فمع الإعلان عن احتمال التوصل قريباً إلى تسوية قامت الجبهة الداخلية بجولات في بلدات الشمال والتقى قائد قيادة الجبهة الداخلية رامي ميلو رؤساء بلديات، وعرض عليهم خطة العودة التدريجية إلى البلدات مع تأكيده على ضمان الأمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال ميلو في حديثه معهم، "لدينا القدرة على الحفاظ على الاستقرار لضمان عودة السكان تدريجاً ولا وسيلة أخرى أمامنا لخلق حالة من الأمن، سنعمل على تأهيل البلدات تدريجاً، فهناك حاجة إلى الاستقرار وعودة السكان إلى بيوتهم، والهدف ليس أقل من الشعور بالأمن".

هذا الحديث ووجه بمعارضة من عدد كبير من رؤساء بلدات الشمال فيما السكان النازحون منذ أكثر من 13 شهراً يرفضون العودة ويعدون خطوة الجبهة الداخلية إهمالاً جديداً بالشمال وأمن سكانه.

جاءت هذه المعارضة بعد إظهار رؤساء بلدات وسكان الدمار الهائل في معظم الشمال، ليس فقط في البلدات الخالية تماماً من سكانها، إنما في البلدات التي ما زال يسكنها الآلاف، وهذه لم تكن هدفاً بداية الحرب واليوم تشكل هدفاً مركزياً لصواريخ "حزب الله" مثل صفد ومعالوت ترشيحا وميرون وغيرها من البلدات التي لم يغادرها سوى قليل من السكان.

وليس فقط الدمار، الذي يتطلب ما لا يقل عن عامين لإعادة إعمار معظم بلدات الشمال، إنما صفارات الإنذار والانفجارات التي لم تتوقف، تمنع السكان من العودة، وهذه ارتفعت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة ووصلت إلى الذروة، الخميس والجمعة، برشقات صاروخية ومسيرات أدت إلى إصابات مباشرة في البيوت ودمار البنى التحتية وإشعال حرائق، وهو ما يعكس خطورة العودة إلى بلدات الشمال.

وهناك من ينتقد المسؤولين لعدم قول حقيقة ما يحصل وما تخلفه صواريخ ومسيرات "حزب الله" من دمار كبير.

في جانب ضبابية وإخفاء المعلومات يمتنع الجيش من جهته عن نشر أي إصابات لقواعد عسكرية وتجمعات جنود وغيرها من المنشآت، وكان التعتيم الأوضح، بعد خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم في ذكرى الـ40 لرحيل الأمين العام للحزب السابق حسن نصرالله، إذ تعرضت إسرائيل لقصف مكثف من الصواريخ، فقط في اليوم التالي أعلن عن مقتل شاب ويبدو بـ"زلة قلم" نشرت صحيفة "هآرتس"، ضمن تقرير موسع عن الوضع تجاه المنطقة الشمالية، عن مقتل جندي إسرائيلي جراء القصف على الجليل، وهو ما لم يعلنه الجيش كما لم يعلن إصابات أخرى.

مفهوم أمن جديد لإسرائيل

في ذروة هذه التناقضات تعمقت عدم ثقة الجمهور بمتخذي القرار وبحسب استطلاع رأي نشرته "قناة 12" الإخبارية يرى 55 في المئة من الإسرائيليين أن الحرب على غزة متواصلة لاعتبارات سياسية مقابل 36 في المئة يعتقدون أن أسبابها متعلقة باعتبارات أمنية أما تجاه لبنان فيعتقد 46 في المئة أن القتال بين إسرائيل و"حزب الله" متواصل لاعتبارات سياسية مقابل 44 قالوا إنه لاعتبارات أمنية. وما بين هذه المعطيات اعتبر 62 في المئة أن يسرائيل كاتس غير مناسب لتولي وزارة الأمن فيما 58 في المئة لا يثقون بنتنياهو.

في الوضعية التي تعيشها إسرائيل والحاجة الضرورية إلى إنهاء هذه الحرب قدمت توصيات عدة من جهات أمنية واستراتيجية وخبراء في كيفية الخروج من هذه الحرب غير أن واحدة منها كانت لافتة وعرضها القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي تسفيكا حايموفتش وفيها يرى أن على إسرائيل أن تبدأ وبصورة فورية بالعمل ضمن مفهوم أمني جديد.

ويرى حايموفتش أنه إزاء الفشل العسكري والسياسي الذي أدى إلى الحرب الحالية يستوجب الأمر بحثاً متجدداً في المفاهيم الأساسية أيضاً، أحدها هو الردع "الذي أكثرنا من استخدامه على مدى السنين مع تعابير مثل (حماس مردوعة) و(حزب الله مردوع) وفي النهاية أدت إلى النتيجة التي نعرفها جميعاً".

ويوصي المؤسسة الأمنية بالعمل اليوم على مواصلة ترميم الردع والتعريف الصحيح لمضمونه في ضوء واقع ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، تحديداً الذي نشأ بعد سنة من الحرب، في سلسلة أعمال حيال "حزب الله" وعلى رأسها تصفية أمينه العام حسن نصرالله وبالشكل الذي عالجت فيه إسرائيل بمنهجية تهديدات المنظمة وقدراتها التي قام بتعزيزها منذ حرب لبنان الثانية".

المزيد من تقارير