ملخص
زار الرئيس التونسي قيس سعيد "هنشير الشعال" ثاني أكبر غابة زيتون في العالم، وتحدث عن صفقات فساد أحاطت ببيع نحو 37 جراراً وغير ذلك مما سلط الضوء من جديد على الأراضي الدولية التي تملكها الدولة.
فتحت الاعتقالات التي نفذتها السلطات التونسية في حق وزير فلاحة سابق ورجل أعمال بارز الباب أمام التساؤلات والتكهنات في شأن مصير "الأراضي الدولية" التي يدور حديث حول تفشي الفساد داخلها.
وفي الـ12 من مايو (أيار) 1964، نجحت تونس في استعادة نحو 700 ألف هكتار استحوذ عليها المستعمر الفرنسي، لكن بعد نحو 60 عاماً من حدوث ذلك لا يزال الغموض يكتنف مئات آلاف الهكتارات على رغم التفويت في بعضها.
خطوة صحيحة
وأخيراً، زار الرئيس التونسي قيس سعيد "هنشير الشعال" ثاني أكبر غابة زيتون في العالم، وتحدث من هناك عن صفقات فساد أحاطت ببيع نحو 37 جراراً وغير ذلك، مما سلط الضوء من جديد على الأراضي الدولية التي تملكها الدولة.
وقال سعيد في مقطع فيديو بثته صفحة الرئاسة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إن "هناك استياءً عميقاً من طرف المافيا من الغيث النافع، الأمطار التي هطلت على الغابة لأن نيتهم كانت التفريط فيه".
وأنهكت أعوام الجفاف بالفعل هذه الغابة التي تضم نحو 400 ألف شجرة زيتون فقدت معظمها نضارتها بسببه، لكن سعيد أضاف أن "هناك إهمالاً طاول الأراضي الزراعية والمعدات الفلاحية والآبار وقطعان الأغنام والأبقار"، وأردف "أن السلطات ستواصل حرب تحرير تونس من كل اللوبيات. دخلنا مرحلة جديدة وكل من استولى على مليم واحد من أموال الشعب سيتحمل مسؤوليته".
خطوات جريئة
وقال الباحث السياسي التونسي وسام حمدي إن "الدولة عليها اتخاذ خطوات جريئة بالنسبة إلى الأراضي الدولية والثروات الفلاحية التي تم التفريط فيها بعد الاستقلال للأعيان حتى يتصرفون فيها ضمن أكثر من ضيعة كبيرة وهنشير".
وأكد حمدي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "ما يحدث في هنشير الشعال من حيث المبدأ خطوة جيدة جداً لأن العملية لا تقتصر على السيطرة عليه، بل على قطب وقطاع كامل وأشمل وهو قطاع الزيتون وزيته الذي تسيطر عليه أطراف هي التي تحدد لوحدها أسعاره عند الجني وعمليات تخضيره وتحدد الوسطاء عند التصدير، مما يجعل هذا القطاع رهين قطب واحد يتحكم في الأسعار".
ولفت إلى "تداعيات ما يحصل على التونسيين الذين أصبحوا عاجزين عن شراء الزيت والزيتون على رغم أن بلادهم من أكبر المنتجين في العالم، لذلك خطوة فتح هذا الملف إيجابية لكن شرط ألا تكون استعراضية أو القيام بإحياء شعبية أطراف سياسية بعينها من جديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه إلى أن "تونس لها تاريخ في الحروب على الفساد عادة ما تكون لتصفية حسابات سياسية أو غير ذلك، فنرجو أن تكون حملة جدية وأهدافها بعيدة من الغايات السياسية ويجب أيضاً أن تكون هناك توضيحات للرأي العام في تونس حول أسباب إيقاف رجل الأعمال عبدالعزيز المخلوفي ووزير الفلاحة السابق سمير بالطيب ورجال أعمال آخرين".
واستنتج حمدي أن "هذه التوضيحات إما أن تجعل الرأي العام مرتاحاً لهذه الحرب التي يخوضها قيس سعيد ضد هؤلاء أو العكس، خصوصاً أن حتى في الأعوام الـ10 التي أعقبت أحداث 2011 شهدنا محاولات لاستعادة الأراضي الدولية، لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير لأن الضيع الفلاحية في البلاد يتصرف فيها أربعة أو خمسة مهندسين بينما يتم تهميش الأهالي بصورة عامة".
لا فائدة للتونسيين
وتشرف السلطات في تونس من خلال "الديوان الوطني للأراضي الفلاحية" على 150 ألفاً من الأراضي الدولية التي تستغل بصورة رئيسة في غراسة الزيتون والأشجار المثمرة والزراعات الكبرى والمراعي.
وبحسب القوانين التي أنشأتها السلطات، فإنه يمكن استئجار تلك الأراضي أو أجزاء منها من أجل الاستثمار فيها سواء من خلال تربية المواشي واستغلالها كمراع أو للغراسات، غير أن عمليات الاستئجار والكراء أو التفويت فيها عادة ما تثير جدلاً حاداً داخل الشارع في تونس كما وسائل الإعلام حول القيمة الحقيقية للعقود التي يتم إبرامها ومطابقتها لمواصفات الصفقات الحكومية في البلاد.
واعتبر المؤرخ والباحث السياسي في تونس محمد ذويب أن "في الأصل الأراضي الدولية هي أراضي القبائل والعروش التونسية التي استحوذ عليها المستعمرون الفرنسيون بعد عام 1881 واسترجعتها البلاد منذ الاستقلال إلى حدود تاريخ الجلاء الزراعي في الـ12 من مايو 1964، ثم وقع توزيعها وكراؤها من قبل المقربين من نظام الحبيب بورقيبة، خصوصاً من بعض خاصته ووزرائه وبعض رجال الأعمال".
وقال ذويب إن "رجال الأعمال هؤلاء حققوا ثروات من خلال استغلال هذه الأراضي وحتى تلك التي بقيت تحت إدارة الدولة كان يتم استغلالها بمنطق أنها رزق للعموم ولا تعود للمجموعة الوطنية والتونسيين بأي فائدة".
وأوضح أن "ذلك يأتي على رغم الأرباح الضخمة التي كانت تدرها على مستغليها وتواصل هذا الأمر في زمن زين العابدين بن علي وحتى بعد 2011، لكن يبدو أن قيس سعيد أراد فتح هذا الملف الكبير عبر تحرك قانوني من شأنه أن يسهم في إدخال أموال طائلة للدولة، علاوة على توفيره مواد فلاحية مهمة تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي حتى تسجيل فائض للتصدير. وانطلق هذا الأمر من هنشير الشعال وفي القصرين وسيدي بوزيد ومن المنتظر أن يشمل كل الأراضي الدولية".
قوانين جديدة
ولم يكشف سعيد خلال زيارته إلى هنشير الشعال عن عزمه والبرلمان إقرار قوانين جديدة تتم من خلالها استعادة أو التصرف في الأراضي الدولية، وكانت تقارير صحافية تونسية أكدت في وقت سابق أنه منذ عام 2011 الذي شهد سقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تمت استعادة 86 ألف هكتار من الأراضي الدولية من خلال عمليات إخلاء نفذتها السلطات لتلك الأراضي أو تنفيذاً لأحكام قضائية أو عبر آليات قانونية أخرى.
وتسعى تونس في خضم هذا كله إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، خصوصاً مع استيراد كميات ضخمة خلال الأعوام الماضية من الحبوب من دول مثل أوكرانيا، مما جعل أمنها الغذائي رهين عمليات التوريد.
وقال ذويب إنه بطبيعة الحال إضافة إلى عمليات استعادة هذه الأراضي والعقارات والتجهيزات وغيرها، لا بد من إعادة كتابة قوانين جديدة تنظم عمليات الكراء والاستغلال والإعلان عنها وجعلها أكثر ملاءمة للواقع وأتصور أن هذا الملف بالذات يمكن أن يحدث نقلة نوعية في جميع المجالات داخل تونس".