Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التحضر" يعيد تشكيل خرائط الأسرة المغربية

كشفت نتائج الإحصاء العام لسنة 2024 عن ثنائية لافتة تتمثل في تزايد مطرد في عدد الأسر لكن مع تسجيل انخفاض واضح في متوسط عدد الأفراد

عدد الأسر في المغرب وصل إلى 9.3 مليون أسرة، من بينها 3.1 مليون أسرة في البوادي والقرى (أ ف ب)

ملخص

يرجع خبراء سوسيولوجيون تراجع معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى أسباب عدة اجتماعية واقتصادية، أبرزها تنامي سيرورة "التحضر" التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الأسرية، ومنها تأخر سن بداية الزواج جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة بسبب موجة الغلاء وانتشار البطالة.

كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب لسنة 2024، التي تم الإعلان عن مخرجاتها أخيراً، عن ثنائية لافتة تتمثل في تزايد مطرد في عدد الأسر المغربية، لكن مع تسجيل انخفاض واضح في متوسط عدد أفراد الأسر، مقارنة مع آخر إحصاء للسكان لعام 2004.

ويرجع خبراء سوسيولوجيون تراجع معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة إلى أسباب عدة اجتماعية واقتصادية، أبرزها تنامي سيرورة "التحضر" التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الأسرية، ومنها تأخر سن بداية الزواج جراء الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة بسبب موجة الغلاء وانتشار البطالة، وهي عوامل تدفع الشباب إلى تأخير قرار بناء عش الزوجية أو إلى اتخاذ قرار تحديد النسل بطفلين على الأكثر.

ظواهر لافتة

وأوردت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 أن عدد الأسر في المغرب وصل إلى 9.3 مليون أسرة، من بينها 6.2 مليون أسرة توجد في الوسط الحضري، و3.1 مليون أسرة في البوادي والقرى.

ويظهر ارتفاع عدد الأسر المغربية في إحصاء السكان للعام الجاري عند مقارنة النتائج مع آخر إحصاء عام رسمي للسكان بالبلاد عام 2004، إذ إن عدد الأسر ارتفع بـ1.96 مليون أسرة، مما يعني ارتفاعاً سنوياً بـ2.4 في المئة.

وفي تفاصيل هذا المعطى الديموغرافي، وفق أولى نتائج إحصان السكان التي كشف عنها، ارتفع عدد الأسر المغربية بـ1.37 مليون في المدن والحواضر، مقابل 595 ألف أسرة في العالم القروي.

وكشفت النتائج نفسها تراجعاً في النمو السكاني بالمغرب، وعلى رغم تزايد عدد السكان أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من 1960 إلى 2024، لكن النمو الديموغرافي ظل ينخفض باستمرار خلال هذه الفترة الزمنية.

ووفق الأرقام الرسمية، تراجع معدل النمو السنوي للسكان في المغرب من 2.6 في المئة بين عامي 1960 و1982 إلى 1.25 في المئة بين سنتي 2004 و2014، ثم إلى نسبة 0.85 في المئة خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 2014 و2024.

ومن أهم النتائج التي أفرزها الإحصاء العام للسكان بالمغرب انخفاض واضح في معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة، إذ انخفض المتوسط على المستوى الوطني من 4.6 فرد عام 2014 إلى 3.9 فرد في 2024، وهو ما عكسه الانخفاض المسجل في الحواضر من 4.2 في المئة إلى 3.7 في المئة، وفي القرى من 5.3 في المئة إلى 4.4 في المئة.

ومن أهم النتائج الأخرى المسجلة ارتفاع نسبة التحضر بالمغرب، لا سيما في سبع مدن كبرى، تتصدرها مدينة الدار البيضاء المليونية، إذ تأوي هذه المدن السبعة زهاء 38 في المئة من مجموع سكان المدن والحواضر.

تعقيدات التحضر

بخصوص تراجع عدد أفراد الأسرة بالمغرب، يقول الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع بجامعة أغادير زهير البحيري، إن الأسرة بوصفها مؤسسة اجتماعية تخضع لتغيرات كبرى على مستوى البنية وعلى الوظائف بفعل التحولات الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تطرأ على المجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعزا البحيري انخفاض متوسط عدد أفراد الأسرة إلى سيرورة "التحضر" التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الأسرية، مما يؤثر في بنية الأسرة وتوزيع الأدوار داخلها"، مشيراً إلى أنه في السياق المغربي، توفر المدن معطيات جديدة، مثل زيادة كلف المعيشة والمساحات السكنية المحدودة، مما يعزز من توجه الأفراد نحو الأسر النووية على حساب الأسر الممتدة.

وأضاف الأكاديمي المغربي أن "هذه الظاهرة تتقاطع مع تغييرات في المجال الثقافي والقيم الاجتماعية، إذ يفضي ارتفاع معدلات التعليم والوعي المتزايد بحقوق المرأة إلى إعادة النظر في الأدوار التقليدية داخل الأسرة"، لافتاً إلى أن مفهوم "التمكين" في هذا السياق مسألة محورية، إذ تميل النساء إلى توجيه طموحاتهن التعليمية والمهنية، مما يؤدي إلى تأجيل الزواج والإنجاب.

وأكد البحيري أن هذا التحول الثقافي يعبر عن تحولات كبرى في "الهوية الاجتماعية"، إذ يصبح الأفراد أكثر ارتباطاً بهويتهم المهنية والفردانية، من ثم فإن "سلوكياتهم الاجتماعية تتسم بالعقلنة والتجريد"، وفق تعبيره.

عوامل ديموغرافية واقتصادية

وعدا العوامل سالفة الذكر، أورد البحيري عوامل ديموغرافية واقتصادية وراء انخفاض عدد أفراد الأسر المغربية، مثل النمو الاقتصادي والتغيرات في سوق العمل، التي تؤثر بصورة مباشرة على الخيارات الأسرية، إذ تقيم الأسر الإنجاب من منظور الكلفة والبراغماتية، ويظهر ذلك في السعي المتزايد للتحكم في المداخيل والمصاريف المتزايدة الناتجة من التضخم وتأثيراته على الحياة الأسرية.

وسجل الأستاذ الجامعي ذاته أنه "من ناحية ثانية يطغى توجه متزايد لاستثمار الأسر، ليس في أبعاد مادية، مثل اقتناء عقارات سكنية أو غيرها وإنما الاستثمار في مستقبل أبنائهم"، موضحاً أن "ارتفاع كلف التعليم والرعاية الصحية، والضغط الاجتماعي واليومي المتزايد، عوامل تؤثر حتماً على قرارات الأسر في شأن حجمها، من ثم يعزز الاتجاه نحو إنجاب أقل عدد ممكن من الأطفال".

ونبه البحيري إلى أن "التعامل مع هذه التحولات يستوجب بناء سياسات اجتماعية تعتمد على فهم عميق للبنية الاجتماعية ودينامياتها واتجاهات تغيرها، وكسب رهان تحصين الأسرة كمؤسسة اجتماعية ذات أدوار ووظائف أساسية، تزداد أهميتها في ظل مستقبل معولم يتسم بتحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية متزايدة".

من جهته شدد الباحث في علم الاقتصاد الاجتماعي محمد مجدولين على أن السبب الرئيس في انخفاض عدد أفراد الأسرة المغربية، هو قرار الزوجين بالاكتفاء بطفلين أو ثلاثة أطفال في أقصى الحالات، بالنظر إلى ارتفاع كلف المعيشة اليية التي تجعل خيار الأسرة الكبيرة غير مطروح على الإطلاق، بل خياراً مدمراً على المستوى المالي والاقتصادي، لكلفته الغالية التي تنهك جيوب الأسر، خصوصاً الطبقات الوسطى للمجتمع التي تفضل خيارات التعليم واقتناء العقار والسيارة على ولادة أطفال كثيرين.

ووفق الباحث نفسه، فإن لقمة العيش أضحت حتى بالنسبة إلى المنتسبين إلى الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود أو الضعيف، حاجزاً يمنعهم من تأسيس أسرة بأطفال عديدين، لأن طفلاً واحداً يكلف موازنة مالية كبيرة، سواء باقتناء حاجاته الخاصة وتطبيبه وعلاجه وكسوته، وتعليمه أيضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير