ملخص
تشير سجلات عمليات القتل المستهدف إلى أن هجمات إسرائيل على "حزب الله" من غير المرجح أن تدمره، فقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك ضد الحزب لعقود من الزمن، وبدلاً من الانهيار أثبت قدرته على الصمود والتكيف.
في الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي، اغتالت إسرائيل حسن نصرالله، الأمين العام لـ"حزب الله"، بإسقاط ما بين 60 و80 قنبلة خارقة للتحصينات على حي مكتظ بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأسفرت الغارة عن مقتل عدد من قادة "حزب الله" الآخرين وجنرال في الحرس الثوري الإيراني وما لا يقل عن 33 مدنياً، وإصابة 195 آخرين.
ويمثل هذا الهجوم، والهجمات الأخرى التي تلته، والغزو البري الإسرائيلي للبنان، تكثيفاً تدرجياً لتصعيد مطرد استهدف قيادة "حزب الله" طوال العام الماضي.
وخلال هذا الإطار الزمني، قتل الجيش الإسرائيلي مئات المسلحين وآلاف المدنيين، ومن بين القتلى كان هناك ما لا يقل عن 20 قائداً عسكرياً ومسؤولاً رفيعي المستوى، بمن في ذلك خليفة نصرالله المتوقع، هاشم صفي الدين. وفي الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحملة قد حققت نجاحاً، وقال "لقد قضينا على آلاف الإرهابيين، بمن في ذلك نصرالله نفسه، وخليفة نصرالله، وخليفة خليفته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب منطقه ومنطق مسؤولين حكوميين إسرائيليين آخرين، فإن هذه الاغتيالات سوف تساعد في تدمير "حزب الله" بصورة دائمة.
ولكن في الواقع، فهي من غير المرجح أن تنجح، فـ"حزب الله" منظمة عمرها 40 عاماً تتمتع بقاعدة اجتماعية كبيرة، وهو حزب سياسي ممثل في البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء، يحظى بدعم الدولة الإيرانية.
إنه عبارة عن منظمة قادرة على التكيف والصمود، وربما تنجح إسرائيل في تفتيته موقتاً، ولكن من المرجح أن يتمكن من إعادة تنظيم صفوفه، ومن المحتمل أن ينتقم القادة الجدد من إسرائيل لإثبات مؤهلاتهم وإظهار أهمية المنظمة.
وحتى لو نجحت حملة الاغتيالات الإسرائيلية في إضعاف "حزب الله" بصورة دائمة، فمن المحتمل أن تظهر مجموعة أخرى لملء الفراغ.
فعلى مر التاريخ، عندما تُلحق عمليات القتل المستهدف أضراراً لا يمكن إصلاحها بالمنظمات المسلحة، عادة ما تتشكل مجموعات أخرى لتحل محلها، ويرجع هذا جزئياً إلى أن الاغتيالات هي تكتيك، وليست حلاً سياسياً.
فهي لا تسهم في حل القضايا الأساسية التي تؤدي إلى الصراع، وسواء عن غير قصد أو نتيجة أضرار جانبية، فإن عمليات القتل المستهدف تقتل المدنيين وتشوههم بصورة روتينية بينما تدمر في الوقت نفسه البنية التحتية. فضلاً عن ذلك، فهي تزيد مشاعر الاستياء الشعبي، وتعزز تجنيد المسلحين المتشددين، وتعطل المفاوضات، بعبارة أخرى، فإن الاغتيالات المستهدفة تطيل أمد العنف عوضاً عن إنهائه.
عواقب غير مقصودة
على مدى أكثر من 50 عاماً، اغتالت إسرائيل زعماء الجماعات المسلحة في لبنان باستخدام عمليات كوماندوس وسيارات مفخخة وغارات جوية، وقد سلطت هذه الهجمات الضوء على ما يسميه بعض العلماء والإستراتيجيين العسكريين "قطع رأس القيادة" أي قتل زعماء الجماعات المسلحة غير الحكومية أو أَسْرهم على أمل إضعاف قدراتهم وتحفيز انهيار المنظمة.
في الواقع، إن مصطلحي "القتل المستهدف" و"قطع رأس القيادة" لا يُعتبران مصطلحين رسميين في القانون الدولي.
ويزعم عدد من الخبراء أنهما مجرد تعبيرين ملطفين لعمليات الإعدام غير القانونية، التي تحظرها قوانين النزاعات المسلحة.
ويزعم أنصار هذه التكتيكات، وبخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، أنها وسيلة فعالة عسكرياً ومبررة أخلاقياً لإضعاف الجماعات المسلحة المنظمة وهزيمتها.
ووفق هذا المنطق، فإن مثل هذه الضربات يمكن أن تقضي على الأفراد الذين يُعتبرون ضروريين لعمل منظمة مسلحة، مع تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين. ولكن حتى في ظل التفسيرات الأميركية والإسرائيلية، فإن عمليات القتل المستهدف لا بد من أن تحترم مبدأ التناسب، بمعنى أن المكاسب العسكرية من العملية يجب أن تبرر الخسائر المدنية الناجمة عنها.
وفي هذا السياق، كتب قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية أهارون باراك في رأي قضائي صدر عنه عام 2006 "لنأخذ مثلاً الحالة المعتادة التي يطلق فيها مقاتل أو قناص إرهابي النار على جنود أو مدنيين من شرفته. إن إطلاق النار عليه يُعد رداً متناسباً حتى لو أدى ذلك إلى إلحاق الأذى بأحد الجيران أو المارة المدنيين البريئين، ولكن هذا لا ينطبق إذا قُصف المبنى من الجو وتضرر العشرات من السكان والمارة".
وبموجب غالبية تفسيرات قوانين النزاعات المسلحة، بما في ذلك تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن عدداً من الأشخاص الذين تقتلهم إسرائيل يتمتعون بحماية قانونية.
وطبقاً لهذه القراءات، فإن الأشخاص العاملين أو المتطوعين في الخدمات الاجتماعية والأجنحة السياسية لـ"حزب الله" لا يعتبرون من المقاتلين، ما لم يشاركوا بصورة مباشرة في الأعمال العدائية.
ولكن إسرائيل والولايات المتحدة لديهما تفسير أوسع لما يشكل مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، ففي هجوم شنته إسرائيل في الـ16 من أكتوبر على مبنى بلدية مدينة النبطية جنوب لبنان، على سبيل المثال، قتلت رئيس البلدية المنتخب الذي ترشح على قائمة مشتركة لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، إضافة إلى مسؤولين في لجنة إدارة الأزمات المعنية بتقديم خدمات الطوارئ في المدينة.
وحتى لو لم تستهدف الضربات الإسرائيلية سوى المقاتلين، فهناك مشكلة أخرى تنجم عن عمليات الاغتيال المستهدفة، وهي أنها تأتي بنتائج عكسية. وعلى رغم أن البحوث حول هذا التكتيك أظهرت مجموعة كبيرة من النتائج المتناقضة على ما يبدو، ويرجع هذا جزئياً إلى اختلاف معايير النجاح، فإنها تشير عموماً إلى أن مثل هذه الهجمات تفشل في تحقيق أهدافها الطويلة الأجل.
فهي لم تنجح، على سبيل المثال، خلال الحملات الأميركية في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وسوريا واليمن.
ويُعتبر ما حدث في أفغانستان مثالاً واضحاً على ذلك، فوفقاً للبروفيسورة ديبالي موخوبادهياي من جامعة "جونز هوبكنز"، وهي متخصصة بارزة في شؤون الحرب الأميركية في أفغانستان، فإن الولايات المتحدة وقعت في فخ نموذجي لحملات القتل المستهدف، إذ إنها ركزت على الانتقام والمكاسب السياسية القصيرة الأجل بدلاً من إيجاد حلول دائمة.
يمكن أن تؤدي الاغتيالات إلى صعود قادة أكثر تطرفاً أو أكثر كفاءة
يجادل أنصار عمليات القتل المستهدف بأن الهجمات ضد الأفراد المشاركين بصورة فعالة في التخطيط للعنف وتنفيذه من شأنها أن تقلل من قدرة المنظمة وتؤدي إلى انهيار معنوياتها.
وتزعم الحكومة الإسرائيلية أن عملياتها الحالية في لبنان تحقق هذه الأهداف بالضبط. ومع ذلك فقد أثبت "حزب الله" قدرته على الصمود في مواجهة هذه الهجمات. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أنه منظمة مؤسسية وبيروقراطية للغاية، وقد وضعت مثل هذه الجماعات إجراءات وخططاً للخلافة في حال نال قادتها ترقية أو ماتوا أو تركوا مناصبهم.
وتتدرب الوحدات الشبيهة بالخلايا على العمل بصورة مستقلة، بحيث لا يؤثر قتل كبار قادة الجماعة في قدرتها بصورة دائمة.
وفي أعقاب عملية اغتيال كبيرة، من المؤكد أن المجموعات قد تعاني انهيار الاتصالات والارتباك والحزن والهلع.
ومع ذلك، حتى لو قُتل قائد متوسط الرتبة أو شخصية عسكرية كبيرة أو زعيم بارز، فإن نوابهم [خلفاءهم] ينتظرون دورهم على أهبة الاستعداد، ويمكن للمقاتلين مواصلة الهجمات، على سبيل المثال، منذ مقتل نصرالله أطلق "حزب الله" مئات الصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار على القواعد العسكرية الإسرائيلية والمدن الكبرى مثل حيفا ومقر إقامة نتنياهو نفسه.
في الواقع، قد تكون الجماعة التي فقدت علناً شخصيات بارزة أكثر تصميماً على إثبات قدراتها وإعادة بناء قوتها. أول مرة قصف فيها "حزب الله" عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية كانت في أعقاب جنازة أمينه العام عباس الموسوي، الذي اغتالته قوات الدفاع الإسرائيلية عام 1992.
ودفعت وفاة الموسوي قادة "حزب الله" إلى الانتقام، وأتاحت للمتطرفين في المنظمة فرصة تنفيذ عمليات متزايدة الدقة والحنكة ضد جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان المحتل وتصعيدها إلى هجمات دولية.
وربط رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من عام 1991 إلى عام 1995، أوري ساغي، بصورة مباشرة بين اغتيال الموسوي وتصعيد "حزب الله"، بما في ذلك تفجير السفارة الإسرائيلية والمركز الثقافي اليهودي لدى الأرجنتين عامي 1992 و1994.
وبعد ما يقارب عقداً من الزمان على وفاة الموسوي، أصبح "حزب الله" أقوى وأكثر قدرة، وقد أدت أعوام من المواجهات الدموية المتواصلة في جنوب لبنان إلى انسحاب إسرائيل في نهاية المطاف عام 2000. واستمرت البلاد في تنفيذ عمليات قتل مستهدفة ضد "حزب الله" في الأعوام التي تلت ذلك، لكن نفوذ الجماعة استمر في النمو.
وفي الـ12 من يوليو (تموز) 2006، شن "حزب الله" عملية عبر الحدود وقتل واختطف جنوداً إسرائيليين، وكانت النتيجة اندلاع حرب يوليو 2006.
واستطراداً، فإن الاغتيالات قد تؤدي أيضاً إلى صعود قادة أكثر تطرفاً أو أكثر كفاءة، لقد أدى اغتيال الموسوي إلى صعود نصرالله الأكثر كاريزمية.
وبصفته أميناً عاماً، يُنسب إلى نصرالله، إلى جانب الإستراتيجي العسكري البارز في "حزب الله" عماد مغنية، الفضل على نطاق واسع في تحويل الجماعة من ميليشيات محلية إلى قوة عسكرية غير تابعة للدولة أقوى من الجيش اللبناني.
وعلى نحو مماثل، قد تؤدي الاغتيالات إلى استقدام جهات خارجية تقدم المساعدة المالية والدعم الفني. فعندما قتلت إسرائيل مغنية عام 2008، أصبح مستشارو الحرس الثوري الإيراني أكثر انخراطاً في العمليات اليومية لـ"حزب الله".
وبالمثل، في غزة، مهد اغتيال زعيم "حماس" الشيخ أحمد ياسين عام 2004 الطريق أمام تدخل إيراني أعمق في المنظمة، وهو ما كان ياسين يرفضه.
العنف يولد العنف
حتى عندما تنجح عمليات القتل المستهدف في إضعاف هياكل القيادة في المنظمات بصورة موقتة، فإنها قد تؤدي إلى مزيد من العنف، ففي المجموعات التي تستخدم نظام التجزئة [توزيع المهمات]، وهيكلية الخلايا، من الممكن أن تنشأ فصائل ذات مصالح وأجندات مستقلة.
في هذه الحالة، يستخدم القادة الصاعدون العنف للتنافس على لفت الانتباه والحصول على الموارد وكسب المكانة، وهي ممارسة يسميها علماء السياسة "المزايدة".
والنتيجة هي أن هجمات المجموعة المستهدفة غالباً ما تصبح أقل قابلية للتنبؤ وأكثر درامية [أكثر إثارة للصدمة].
وقد حدثت هذه العملية بالفعل في لبنان، ففي عام 1982، شنت إسرائيل غزواً بهدف استئصال منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المسلحة، التي كانت تطلق الصواريخ وتنفذ الهجمات العسكرية من جنوب لبنان باتجاه شمال إسرائيل، وقتلت إسرائيل أو اعتقلت القادة الفلسطينيين، إلى جانب آلاف من المدنيين، مما ترك الوحدات الفلسطينية العملياتية بلا قادة ومن دون تنسيق.
ومع احتلال إسرائيل لجنوب لبنان وصولاً إلى مدينة صيدا الساحلية، ظهرت ميليشيات فلسطينية محلية غير مرتبطة بالهياكل التقليدية للقيادة والسيطرة.
وفي إطار التعاون غير المنظم مع المسلحين اللبنانيين، أحدثت هذه الميليشيات دماراً هائلاً في صفوف القوات الإسرائيلية والمتعاونين معها.
نتيجةً لذلك، انسحبت إسرائيل عام 1985 إلى منطقة الحدود، التي ظلت تحتلها حتى عام 2000، لكن لبنان لا يزال يعاني مخلفات الحرب.
أحد القادة الفلسطينيين الذين استهدفتهم إسرائيل في ضربة في أكتوبر على مخيم عين الحلوة في صيدا، برز في خضم الفراغ القيادي الذي حدث في ثمانينيات القرن الـ20.
تُظهر عواقب غزو إسرائيل للبنان عام 1982 حقيقة واضحة أخرى مفادها أن إضعاف منظمة بصورة دائمة أو حتى هزيمتها يمكن أن يؤدي إلى ظهور منظمات جديدة.
فهزيمة الفلسطينيين واحتلال إسرائيل منحا "حزب الله" سبب وجوده.
ففي أغسطس (آب) 1982، غادر 14398 من مقاتلي المقاومة الفلسطينية بيروت عقب هدنة توسطت فيها الولايات المتحدة، وأدى نفي القادة السياسيين الفلسطينيين إلى دمشق وتونس إلى ترك فراغ ملأه "حزب الله".
عقاب جماعي
إن أحد المبررات الأساسية لعمليات القتل المستهدف هو الادعاء بأنها تقلل من عدد القتلى المدنيين، ومع ذلك تسببت العمليات التي تستهدف الأفراد في إحداث دمار واسع وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
فقد أدت الغارة الجوية التي قتلت نصرالله إلى تدمير حي كامل في إحدى أكثر المناطق اللبنانية اكتظاظاً بالسكان. أما هجوم إسرائيل في الـ10 من أكتوبر الذي استهدف وفيق صفا، [قائد وحدة الارتباط والتنسيق] المسؤول عن التنسيق بين "حزب الله" والأجهزة الأمنية اللبنانية، فقد أدى إلى انهيار مبنى سكني من ثمانية طوابق في وسط بيروت، مما أسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة 117 آخرين.
تقول الحكومة الإسرائيلية إنها كثيراً ما تستخدم المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والمنشورات التي تُلقى من الجو لمطالبة السكان بإخلاء المناطق المستهدفة قبل مهاجمتها.
ولكن في أكتوبر، ذكرت منظمة "العفو الدولية" أنه في حال وصلت إشعارات الإخلاء، فإنها غالباً ما تكون غير واضحة أو تمنح المدنيين وقتاً غير كاف لمغادرة المنطقة.
حتى العمليات التي يشيد بها المحللون العسكريون لما تتمتع به من تطور تقني عالٍ فهي غالباً ما تفتقر إلى الدقة اللازمة لتجنب إلحاق أضرار واسعة النطاق بالمدنيين.
لقد شعر عدد من المراقبين بالدهشة، على سبيل المثال، عندما نفذت إسرائيل في سبتمبر تفجيراً متزامناً لآلاف أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها "حزب الله".
لكن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الحزب، ووصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا هذه الهجمات بأنها "شكل من أشكال الإرهاب".
في كثير من الحالات، لا يستطيع المدنيون الذين يرغبون في الفرار القيام بذلك ببساطة، فقد لا يتمكن كبار السن أو المرضى أو الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة من الهرب.
وفي بلد يعيش ما يقارب نصف سكانه في الفقر، يفتقر عدد كبير من الأشخاص الآخرين إلى الوسائل المالية اللازمة للإخلاء.
ونظراً إلى العواقب الوخيمة، فإن المدنيين في لبنان يشعرون بأن الهجمات المستهدفة هي عقاب جماعي. وربما يكون ذلك هو الهدف بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية، فهي تأمل بالتأكيد أن تؤدي المعاناة إلى انقلاب المدنيين على "حزب الله".
ففي أكتوبر، هدد نتنياهو بأن يواجه لبنان "دماراً ومعاناة يشبهان ما حدث في غزة" ما لم ينتفض الناس ضد المنظمة.
وانطلاقاً من هذا المنطق، فإذا ألقى الناس باللوم على "حزب الله" في تدمير بلدهم، فسيساعدون إسرائيل في استهداف أعضاء الحزب وتفكيك نفوذه.
من المتوقع أن تؤدي هجمات إسرائيل إلى تعزيز قناعات أنصار "حزب الله"
لكن هذا التحول مستبعد جداً، لا بل في الواقع، من المحتمل أن ما سيحدث هو العكس تماماً، فإسرائيل هي قوة أجنبية سبق أن غزت لبنان ثلاث مرات وشنت عمليات عسكرية أصغر ولكن مدمرة، وخلال فترة الاحتلال من عام 1982 إلى 2000، مارست القمع بوحشية على سكان جنوب لبنان، واعتقلت آلاف اللبنانيين والفلسطينيين، وأججت التوترات الطائفية من خلال تفويض أعمال العنف إلى ميليشيات "جيش لبنان الجنوبي" التي تألفت في الغالب من المسيحيين.
وقد أدى الاحتلال، إلى جانب ما رافقه من قمع ومعاناة، إلى تجنيد أعداد جديدة في صفوف "حزب الله" والأحزاب السياسية المسلحة الأخرى في لبنان.
إن شعور المدنيين بأن ضربات إسرائيل عشوائية ولا تستثني أي مكان يؤثر بصورة أكبر في عملية اتخاذهم للقرارات، فهذه الهجمات ستعزز قناعات مؤيدي "حزب الله" المدنيين.
وقد يصبح بعض الذين لم يدخلوا القتال في السابق مستعدين للانضمام، معتبرين أن الحصول على السلاح، والراتب والمعلومات هو أفضل خيار لديهم، وبخاصة عندما يواجهون خطر الموت العشوائي حتى أثناء محاولاتهم تجنب تصاعد الأعمال العدائية، ومثلما حدث بين عامي 1982 و2000، من المحتمل أن يتحد عدد أكبر من اللبنانيين ضد إسرائيل.
وبالمجمل، تشير سجلات عمليات القتل المستهدف إلى أن هجمات إسرائيل على "حزب الله" من غير المرجح أن تدمره، فقد استخدمت إسرائيل هذا التكتيك ضد الحزب لعقود من الزمن، وبدلاً من الانهيار، أثبت قدرته على الصمود والتكيف، وقد أسفرت محاولات قطع رأس القيادة عن مزيد من العنف والتوسع التنظيمي وزيادة النفوذ الإيراني.
لا أحد يفهم ذلك أفضل من اللبنانيين أنفسهم، وفي ذلك الإطار، قال سفير لبنان لدى المملكة المتحدة، رامي مرتضى، في أكتوبر رداً على تهديد نتنياهو بتحويل لبنان إلى غزة "إن الهجمات الإسرائيلية سوف تعمل على ترسيخ وجود ’حزب الله‘، وسوف تزيد من الإحباط بين السكان، وسوف تصب في مصلحة ما كان ’حزب الله‘ يردده منذ 40 عاماً، أن ’إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة‘".
سارة إي. باركنسون هي أستاذة العلوم السياسية والدراسات الدولية المساعدة في معهد أرونسون في جامعة "جون هوبكينز". هي مؤلفة كتاب "ما وراء الخطوط: الشبكات الاجتماعية والمنظمات الفلسطينية المسلحة في زمن الحرب في لبنان".
جونا شولهوفر-ول هو محاضر جامعي في العلوم السياسية بجامعة "لايدن" وأستاذ زائر في مركز بحوث "تحولات العنف السياسي" بجامعة "غوته فرانكفورت" ومعهد بحوث السلام فرانكفورت. وهو مؤلف كتاب "مستنقع الحرب الأهلية".
مترجم عن "فورين أفيرز"، 11 نوفمبر 2024