في سياق الأزمات المتنامية والتحديات الجسيمة التي تواجه القضية الفلسطينية، اختتمت القمة العربية والإسلامية غير العادية أعمالها أمس الإثنين في الرياض لتسطر صفحة جديدة من التضامن العربي والإسلامي، فحمل البيان الختامي للقمة في طياته دعوات راسخة إلى حشد الدعم الدولي من أجل تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كاستجابة عاجلة لما ترتكب من جرائم إبادة في غزة ولبنان وللانتهاكات المتكررة للقانون الدولي.
وحدد البيان أن هذا التحرك يأتي في إطار التصدي للانتهاكات المستمرة التي ترتكبها إسرائيل والتي تهدد السلم والأمن الدوليين، وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن القمة تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق حل الدولتين، مشدداً على ضرورة التزام حل عادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
وأردف أبو الغيط خلال المؤتمر الصحافي الختامي أن "البيان تضمن 36 فقرة تتطلب قراءة معمقة، إذ تتناول مبادرات عدة سيشهد العالم على تنفيذها بصورة تدريجية"، مبرزاً أهمية الفقرة التي تتعلق بتجميد عضوية إسرائيل ومعتبراً أنها تحرك أساسي لوضع الأمور في نصابها وإعادة الاعتبار للحق الفلسطيني.وأبدى أبو الغيط تفاؤله بإمكان تحقيق دعم دولي واسع لفكرة تجميد العضوية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يمكن أن يتم عبر قرار من الجمعية العامة بغالبية، مما يتيح المجال أمام خطوات ملموسة من دون الحاجة إلى موافقة مجلس الأمن.
ما هو المستند القانوني للتحرك العربي؟
وفي تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، أكد السفير السعودي السابق عبدالرحمن الجديع الذي مثل بلاده في جلسات عدة بالأمم المتحدة، أن إسرائيل أقيمت على الأراضي الفلسطينية عبر قرار التقسيم رقم 181 الصادر عام 1947، لافتاً إلى أن إسرائيل كانت الدولة الوحيدة التي تم قبول عضويتها في الأمم المتحدة بشرط التزام تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
وأضاف الجديع أن تمادي إسرائيل في تجاوزاتها بدعم غير مبرر من الدول الغربية يستدعي ضرورة استغلال القمة الحالية للاستفادة من قرارات الجمعية العامة السابقة، خصوصاً قرار "الاتحاد من أجل السلم"، مشدداً على أهمية ممارسة الضغط على إسرائيل والدول الداعمة لها ومحذراً من تداعيات العدوان الإسرائيلي على الأمن والسلم العالميين.
وفي حال عدم تحقيق النتائج المرجوة، اقترح الجديع أن تتقدم الدول العربية والإسلامية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمطالبة بإعادة تفعيل القرار 3379 الذي اعتُمد في الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1975 "والذي اعتبر السياسات الإسرائيلية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، وأوضح أن هذا القرار دعا جميع الدول إلى مقاومة الأيديولوجيا الإسرائيلية التي تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين.
فرض حظر شامل
وفي إطار جهودها لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، طالبت القمة العربية في بيانها الختامي جميع الدول بفرض حظر شامل على تصدير أو نقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، ودعت إلى ضرورة تحفيز المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين المتورطين في هذه الانتهاكات.
وتأتي هذه الدعوات في وقت يتواصل الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة منذ 13 شهراً، مما أسفر عن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين وتشريد الغالبية العظمى من سكان القطاع. وتفاقمت الأوضاع الإنسانية لتصل إلى أزمة غذائية حادة، بينما تتصاعد الاتهامات بالإبادة الجماعية، مما تنفيه إسرائيل بشدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العضوية الكاملة
وفي تصعيد دبلوماسي لافت، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إلى تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن يهدف إلى منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مشدداً على ضرورة تنفيذ هذا القرار بأسرع وقت ممكن، وخلال كلمته أكد رئيس الوزراء على أهمية تجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن ذلك يستند إلى أربعة أسس رئيسة، انتهاكاتها المستمرة لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتهديدها للأمن والسلم الدوليين وصفتها كدولة مارقة لم تفِ بمتطلبات عضويتها، إضافة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي اعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ويشكل نظام فصل وتمييز عنصري.
وفي سياق متصل، جدد مصطفى تأكيده على الدور الحيوي الذي تقوم به لجنة الاتصال الوزارية العربية الإسلامية برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان منذ بدء العدوان، ودعا إلى تعزيز جهود اللجنة وتجديد تكليفها لتنفيذ قرارات القمة المشتركة والتعاون مع الدول الفاعلة والمؤسسات الأممية، بخاصة مجلس الأمن، لوقف التصعيد الإسرائيلي وزيادة الاعتراف بحقوق دولة فلسطين، مع ضرورة محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة.
لا يمكن تجاوز "مجلس الأمن"
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول سمير صالحة من جهته أن "النظام الداخلي للأمم المتحدة لا يحوي أي نص يسمح بفصل دولة من الجمعية العامة"، وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" أكد أن هناك آليات للحد من مشاركة الدول أو فرض عقوبات عليها، ولكن هذا يتطلب اتخاذ قرار من مجلس الأمن أولاً.
وأشار إلى أن "المادة الخامسة من الميثاق تتطلب أن يتخذ مجلس الأمن إجراءات واضحة قبل أن تتدخل الجمعية العامة"، مضيفاً أن "وجود عقوبات من مجلس الأمن قد يتيح للجمعية العامة التحرك، لكن الوضع بالنسبة إلى إسرائيل يظل معقداً بسبب الدعم القوي الذي تحظى به من الولايات المتحدة التي تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرارات ضدها".وتناول الخبير في العلاقات الدولية بعض الأمثلة التاريخية، مثل تعامل الأمم المتحدة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومنح مقعد تايوان للصين، لافتاً إلى أن مسألة تمثيل أفغانستان في الجمعية العامة تُعتبر من القضايا الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن.
جدول ما بعد القمة وترمب
وبينما تتواصل الدعوات إلى تجميد عضوية إسرائيل، تبرز هذه القضية كمرآة تعكس التوترات المستمرة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أي إن قراراً حول تجميد العضوية سيكون رهناً بتضافر الجهود الدولية وتوافق الدول الأعضاء، مما يثير تساؤلات ملحة بين المراقبين، ماذا بعد القمة؟ وما هي الخطوات العملية التي ستتخذها الدول؟.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان رداً على سؤال خلال المؤتمر الصحافي الختامي أن "كثيراً من الفلسطينيين يواجهون معاناة الجوع والخوف، ويجب علينا ألا نسمح للمجتمع الدولي بنسيان هذه الحقيقة، أو التغاضي عن الانتهاكات الإسرائيلية"، وأوضح أن "هذا هو الدور الرئيس للجنة الوزارية، وما سنعمل على تحقيقه خلال الأيام والأسابيع المقبلة".
ويقول المحلل السياسي السعودي أحمد الشهري "نجحت القمة في تغيير المزاج العالمي تجاه القضية الفلسطينية التي أصبحت الآن قضية عالمية بامتياز. وقد تمخض عن ذلك اللقاء مع وزراء الخارجية واللجنة، مما يُعدّ اختراقاً كبيراً وإنجازاً غير مسبوق للقضية الفلسطينية".ويشير إلى أن "القمة تناولت عدداً من الملفات على طاولتها، فتأتي غزة في المرتبة الأولى، من ثم الأوضاع في لبنان وما يتعرض له من اعتداءات، إضافة إلى الأزمات في السودان واليمن وليبيا وسوريا".
ويؤكد أن "اجتماع العالم الإسلامي يستلزم حضور الملفات كافة التي تؤثر في المنطقة، مع استمرار الدعم المادي والإنساني للشعبين الفلسطيني واللبناني خلال أزماتهما الحالية"، لافتاً إلى أن "نقطة مهمة ستسفر عنها القمة هي تقديم رؤية واضحة بموقف عربي موحد تجاه الإدارة الأميركية الجديدة التي ستدخل البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) عام 2025 برئاسة دونالد ترمب الذي وعد بحل الصراعات في الشرق الأوسط وأيضاً في أوكرانيا".
ويرى المحلل السياسي السعودي سلمان الشريدة أن "القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في قلب الرياض تُعدّ بمثابة انطلاقة جديدة نحو آفاق إيجابية ، خصوصاً بالنظر إلى ما حققته القمة السابقة في الرياض العام الماضي، والتي أسفرت عن تشكيل لجنة وزارية أسهمت في جعل مقر الأمم المتحدة لدولة فلسطين واقعاً ملموساً.ويردف أن "مبدأ حل الدولتين الذي بات أقرب إلى التحقيق هو أكثر من مجرد طموح، إنه ضرورة ملحة، وما ينتج من هذه القمة سيسهم بلا شك في رسم معالم المستقبل السياسي للمنطقة".