Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مواد مهمشة وأخرى سيدة... انتقائية التعليم السوري

إرث مجتمعي وعائلي وثقافي يحول دون اعتبار مواد الفنون أكثر من ترفيه

يجد معلمو الرسم في سوريا صعوبة في إفادة الصغار (اندبندنت عربية)

ملخص

مادة الرسم كانت تعد مادة ثانوية لا قيمة لها أمام باقي المواد الدراسية الأساسية، مع العلم أنها الأهم لدخول أي طالب اختصاصه في الجامعات السورية.

لا تحظى المواد الفنية من رسم وموسيقى في سوريا وغيرها من بلدان أخرى بالأهمية الكافية أو شبه الكافية لتنشئة أجيال تدرك أهمية تلك المواد الدراسية، حين وضعها في حيز التطبيق العلمي والعملي مع الحياة اللاحقة ما بعد الدراسة الأساسية، وهو ما يؤثر بالضرورة في جودة النتاج الفني والإبداعي ويجعله حكراً على فئة في بلد بأكمله.

على الدوام لم يكن الاهتمام بتلك المواد كبيراً أو واضحاً على حساب مواد أخرى كالمواد العلمية والأدبية، وما ينتج منه من توجه الطلبة نحو الكليات الطبية والهندسية والقانون والآداب وغيرها، مع قلة تختار كليات الرسم والموسيقى والرياضة.

شبه التوجه إلى تهميش تلك المواد خلق أسئلة بالجملة، من بينها هل استفاد الفنانون لاحقاً مما تعلموه في المدارس، وكيف هي حال تلك الدراسة اليوم؟

عوامل دينية ومجتمعية

ترى الأكاديمية الرسامة هبة إبراهيم أن عدم الاهتمام بالرسم كمادة في المدارس يعود إلى البيئة والمجتمع والحالة الاجتماعية والثقافية من دين وعادات وأعراف وتقاليد، ولكل هذا أثر مباشر في مادة الرسم في المدارس فهي تعد رفاهية ومن الكماليات، إضافة إلى بعض الاعتقادات المتعلقة بالدين بخصوص الرسم والفنون عامة.

 

 

وقالت في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، "نحن في مجتمع غالبيته من الطبقة المتوسطة سابقاً وما دون ذلك. أذكر في المدرسة أن كثيراً من الطلاب لا يملكون القدرة على شراء دفتر الرسم أو قلم الرصاص وعلبة الألوان الخشبية أو ألوان الشمع وهي أبسط مواد لهذه المادة، وفي ذلك الوقت كانت الحياة لا بأس بها في أوائل التسعينيات، فتخيل الحال الآن من حروب وفقر وضغوط"، وأضافت "كان اهتمام الأهالي بالاختصاصات التي تعطي أو تقدم لأولادهم مكانة اجتماعية مرموقة وتؤمن دخلاً عالياً كالطبيب والمحامي والمعلم وغيرها. طبعاً ليعيشوا حياة كريمة وأفضل منهم آملين في تغيير أوضاعهم المادية"، وتكمل "طبعاً الفن في مجتمعاتنا لا يحقق شيئاً من هذه الآمال في رأيهم، بمعنى آخر استخفوا به كمادة أو اختصاص، فحصة الرسم هي حصة فراغ".

لا قيمة لها

بدورها، اعتبرت الفنانة التشكيلية عليا محمد علي أن مادة الرسم كانت تعد مادة ثانوية لا قيمة لها أمام باقي المواد الدراسية الأساسية، مع العلم أنها الأهم لدخول أي طالب اختصاصه في الجامعات السورية، فأي طالب يرغب في الالتحاق بكلية الهندسة وتخصصات أخرى يخضع لمرحلتي اجتياز لدخوله تلك الكليات، خصوصاً الهندسة المعمارية، وتابعت "عدم الاهتمام ناجم عن عدم التزام المناهج المدرسية وضع كتاب متخصص لهذه المادة، فكانت الحصص عبارة عن رسم أي شيء خارج عن نطاق شرح المدرس، لذلك نجد الإهمال قد تزايد لتعد هذه الحصة عبارة عن نشاط فقط".

مادة قابلة للاكتساب

سحر الغربي فتاة درست تخصصين في سوريا أحدهما الحقوق والآخر إعداد مدرسين قبل هجرتها إلى الإمارات، تتحدث عن تجربتها فتقول "كنت أعلم مادة التربية الفنية في سوريا قبل أن أنتقل إلى الإمارات للعمل في مدرسة عريقة، ووجدت مبدأ التعامل نفسه مع المادة، على رغم تعاملي الجدي معها مثل الرياضيات. في سوريا لم أعان مع الأطفال حين يشعرون بجدية الأستاذ والمشرفة في الإمارات كانت تقول لي إن مادتي ترفيهية لا يجب التعامل معها بهذه الجدية، ولكن مع بدء تطور مستوى الأطفال لمست سعادتهم وفرحة أهلهم وأقيم دورياً الأطفال وهي مادة قابلة للاكتساب وليست فقط موهبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت "دائماً أنوه لطلابي بأهمية الرسم خصوصاً في الكليات العلمية لناحية التعلم والتحليل والنقل، اشتغلت على نفسي في الفن التشكيلي ومن ثم تبين لي أن كل دخلي من وراء الرسم، ولكن ما يضعف قيمة المادة وجود فكرة أنها إن لم تخلق معك كموهبة فلا يمكنك اكتسابها، علماً أن بعض المكتسبين يتفوقون عليَّ بينما آخرون لا يمكنهم إنجاز لوحة في عام".

مجرد حصة ترفيهية

كحال سحر اختار الأكاديمي في الفن التشكيلي محمود الداود الهجرة إلى الإمارات لإكمال شؤون حياته وعمله، ومن هناك أوضح أن "مادة الرسم في المدارس السورية كان يسميها وقتاً ضائعاً، ولتعلم الفن يجب أن يكون هناك منهاج وهذا المنهاج لم يكن موجوداً. وليكون هناك منهاج للرسم كان يجب أن تكون هناك حصص متعددة وليست حصة واحدة أسبوعياً بحسب نظام التدريس، لأن هذا الأمر يتطلب منهجاً علمياً كما بقية المواد العلمية والأدبية".

وحول تعلم الأطفال وخوضه تجربة التدريس، أوضح أن "الطفل يكون عموماً غير فاهم للمادة من أساسها، وأنها مجرد هواية، فأنا درست سابقاً في إحدى المدارس الكبرى في دمشق وعليك أن تخترع شيئاً للطفل ليتسلى وتحاول تعليمه حب الفن، فلا يمكن إجبار الصغير على التعلم. وجدت أنني كأستاذ كما كنت كطالب أمام مجرد حصة ترفيهية وليست تعليمية، فحاولت أن أشرح للأطفال عن الرسم وأن أكون قريباً من عقولهم حول تاريخ الفن، ليستوعبوا ذلك مع تقدم الصفوف والعمر، ولكن جوبهت لاحقاً بأن ذلك صعب ولا يمكن إتمامه".

مشكلات مركبة

جميل سرحان مدرس موسيقى في إحدى ثانويات العاصمة دمشق أوضح أن ذلك النوع من التدريس كذر الرماد في العيون أو بتعبيره "كيف يمكن أن أدخل صفاً دراسياً فيه 50 طالباً ومن ثم أصنع منهم عازفين، هذا مستحيل بالمطلق"، ومضى في حديثه "تعليم الموسيقى يحتاج إلى فصل دراسي فيه 10 أو 15 طالباً لا أكثر، للوقوف على ميولهم بين العزف والغناء وتعليمهم الصول فيج والنوتة والتنبه لأصحاب الآذان السماعية وغير ذلك، ومن ثم إعداد جيل متعلم يفهم الموسيقى ويحبها، وذلك ما يحزنني على سوريا التي تبدو عاجزة عن إنتاج جيل فني عملاق في العقود المقبلة كما أجيال رحلت".

 

 

من جانبها، ترى ريمه معيوف وهي مدرسة موسيقى أيضاً أن القصة أعقد بكثير، فهي لديها طالبة تعشق البيانو ولكن ثمن تلك الآلة الموسيقية يكاد يعادل ثمن سيارة، وأن أي آلة موسيقية صار سعرها أكثر من باهظ على الفقراء الذين يريدون التعلم، كما أن المدارس ليست باستطاعتها توفير معدات عزف لائقة.

واقع الفنون

بحسب الفنانة هبة إبراهيم فإن "وضع الرسم الآن يحتاج في هذه المرحلة إلى الإنعاش. من الابتدائية إلى الجامعة هناك كم كبير من الفنانين والأعمال لكن لا يوجد فكر أو حتى حرفية في الأعمال الفنية، غالباً ما يتم الاهتمام به هو تقليد الغرب كما كل شيء نقلد الأسوأ للأسف، يجب أن ننتبه إلى الحالة الثقافية بمجتمعنا فهي في تراجع مستمر".

أما الفنانة علياء علي فتطالب بتطوير تلك الفنون من خلال الإعلام وتسليط الضوء على الفن أكثر، والعمل على صناعة برامج تلفزيونية لدعم المواهب الشابة والمعارض المدرسية، وطرح مادة الرسم كثقافة فلسفية لنفس الطفل.

الفنان محمود الداود يرى أن التعويل الآن على الكليات الجامعية وما يمكن أن تقدمه في ظل كل الترهل الواقع فيها، على أن يعاد بث الروح فيها وإعادة إحيائها من دون تناسي دور الحرب القاسي الذي مر عليها وأعادها سنين كثيرة من ناحية الجودة نحو الخلف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير